قضايا

فارس حامد عبد الكريم: معايير السلوك والعدالة والشجاعة والكرم

يوجد هناك احياناً خيط رفيع بين: الخطأ والصواب / العدالة والظلم / الشجاعة والتهور / الكرم والسفه / الحُرص والبُخل / العبقرية والذكاء / النباهة والبلاهة

وقد تعمل المعتقدات والآراء السابقة والعواطف والثقافة المحلية والبيئة أثرها في ازالة القدرة على التمييز  بينهما!. وتعمل الفلسفة ومشتقاتها من العلوم القانونية والإجتماعية والنفسية على إيجاد معايير للتمييز بينهما.

والمعيار هو عملية مقارنة بين نموذج متفق عليه قانوناً او عرفاً انه يمثل نمودج ينبغي ان يحتذى به في التقييم، (تقييم السلوك الفردي او الآراء او المقترحات، الحسن والقبح، العدل والظلم..).

والقانون هو علم معياري لأنه يضع قواعد لما ينبغي ان يكون عليه سلوك الفرد وسط الجماعة

فاذا تمت الشكوى من طبيب او محامي او مهندس او قاض؟ بانهم ارتكبوا سلوكاً خاطئاً!

فما هو معيار الخطأ؟

هنا يضع القانون معيار الرجل المعتاد، وهو شخص من نفس طائفة الفاعل نجرده من ظروفه الشخصية لاهو بالذكي جداً بحيث يصل بنا الى القمة ولاهو بالغبي بحيث ينزل بنا للحضيض ونحيطه بنفس ظروف الفاعل وقت ارتكاب الفعل، لنرى مدى اقترابه من النموذج المعياري. فإذا كتب طبيب لمريض وصفة طبية ساءت على اثرها حالة المريض. فالمحكمة هنا تسأل هل ان الطبيب المعتاد  يستعمل مثل هذا العلاج لهذه الحالة ام لا؟ ولها ان تستعين باهل الخبرة من الاطباء، ومن ثم تحكم بوجود الخطأ، اذا كانت هذه الوصفة غير معتمدة. اما اذا كانت معتمدة ومقبولة من عدد من الاطباء فلا وجود للخطأ.

وفي القضايا السياسية يقترح الفيلسوف روسكو باوند معيار المصلحة العامة. بينما يتفق معظم الكتاب والباحثين ورجال القانون والسياسة الاحرار والمستقلين ان افضل معيار هو (الاستفتاء الشعبي). اذ يقول الشعب كلمته فيما هو يراه جيداً او سيئاً، خاصة اذا سبقته حملة تنويرية عامة.

وإذا قلت عن شخص انه عادل وشجاع وكريم! فبمن قارنته واعتبرته عادلاً وشجاعاً وكريماً؟

هل قارنته بقواعد السلوك التي جاءت بها الاديان السماوية مثلاً! ام قواعد الأخلاق، ام مقارنة برجال ونساء شهد لهم التاريخ والناس بتلك الصفات؟.

هل وضعت نموذجاً مثل الرسول المصطفى ام آل بيت النبوة ام حاتم الطائي ام الحجاج مثلاً

وبخلاف التقييم العادل المستند الى معايير موضوعية فان العدالة والشجاعة والكرم ستكون مجرد شعارات فارغة ....

ومن تاريخنا المعاصر يوصف بعض الناس فلاناً من الناس بأنه كان قائداً شجاعاً وعادلاً ...

ولكن الشجاع عندما يقدم على امر عليه ان يحسب حساب النتائج المترتبة على شجاعته وشعاراته خاصة اذا كانت مردوداتها على شعب بأكمله. وبخلافه يعد متهوراً وارعناً. ولذلك قالت العرب بحق: (ان الشجاع حين يرى المخاطر يَفُر).

واذا قلنا ان الفرار شجاعة في موقف معين يتجمد فيه الجبان وتشل حركته كما هو الأرنب، فإن هذا يؤكد مرة اخرى ان المفاهيم جميعاً نسبية بحسب وقائع الزمان والمكان.

***

فارس حامد عبد الكريم

 

في المثقف اليوم