أقلام ثقافية

اطلالة الجمال والطبيعة الساحرة

ahmad alsheekmajedاكتب هذا السطور وانا اجلس في مدينة لها من العمر سبعة آلاف سنة، مدينة علمت البشرية وهج الحروف في التعليم والكتابة. الحضارة التي يوصفها البعض انها محبة للحياة، ولكنها في ذات الوقت حزينة! تلك المسطحات المائية التي تسمى الاهوار .وهو المكان الهائل الذي يحتوي على اساطير وخفايا وطلاسم لم تفك الى هذا اليوم. وكذلك انه مليء ببيوت القصب والطين والطيور المحلقة في السماء، ذلك شعور يرجعك الى اصولك البدائية انه احساس محبب جداً بالنسبة للعراقيين سيما اهل الجنوب. ينسل اليك من بين الماء والخضار عبق الحضارة الذي تتسم به الاهوار. وانتَ تسير بين الزرع والمياه تشعر شعور لم تمر به طوال حياتك، يداهمك الامان المفعم بالطمأنينة والهدوء، تذهب منك زحمة المدينة والخنق الذي يلف اجواءها، تنسى الفيسبوك، واصحاب اللايكات، والتعليقات. لايمر بذهنك ان "فلانا" علق تعليق "فاگس" وتكرم على "فلان" بلايك ولم يعطي "علان" . لايخطر ببالك التلفاز ومن يظهر عليه تماما، تتساءل وتقول ما اعمق تأثير الساسة الذين يظهرون بين الفينة والاخرى من على شاشات التلفاز، تطغي عليك رغبة بالبصاق على كل سياسي كان سببا في سلب الامان والهدوء وعدم الراحة. تفرغ ذاكرتك من دناءات اصحابك في العمل، والشارع فأنت امام قلوب نظيفة لاتعرف الا ان تحلب "الجاموس" وتغرس الزرع، وتنساب منهم أجمل الكلمات واطيبها .  يتراءى لك وانتَ تسير في المشحوف وهو يمخر في الماء ويشق صفحاته، داخل حسن كيف كان "يطر الهور بمشحوفه" ويئن الونة بعد الاخرى، تتخيل كيف كان "ابو معيشي" يأتي الى هنا وتجود قريحته بأروع الابوذيات. ويمثل امامك اجدادك كيف كانوا يغنون ويصرخون الصرخة تلو الاخرى (آه يويلي). الناس هنا على العكس تماماً مما نراهم يومياً في شوارع بغداد انهم لايعرفون السيارات ذات الالوان الفاقعة، ولا البيوت المزخرفة، ولا يعرفون ان يقضوا على الآخر في سبيل ان يظهروا بصورة جيدة امام مسؤول في الدولة او احد الوجهاء وماشاكل . الاخلاق التي ورثوها من محيطهم هي كل شيء فالكذب والزيف والنفاق ليس لهم مكان هنا. لاتظن ان الهواء هنا هو الذي تتنفسه في المدينة، فهو في الاهوار نقي كأهله، وطيب بطيبة الجنوبيين. هنا الحياة ببساطتها بجمالها بطبيعتها الخلابة التي تبهر الناظرين تجعلك تردّد: "وين عايشين احنه". اي والله، رغم ان بغداد حاضرة الدنيا لكنك ان ذهبت للاهوار تتماثل نيران بغداد، ومفخاخاتها كلها امامك، وتردّد جمل تشاؤمية في داخلك: "ربما هذه آخر سفرة في حياتك، فالمفخخات تنتظرك هناك". نعم ياقارئي الكريم ان بغداد تبعث على التشاؤم ففي الهور لايملكون كل شيء من المبتنيات التي نفخر بها، ولكنهم يتمتعون بأجمل الاشياء التي ذهبت منا دون رجعة، هم يمتلكون الامان والهدوء واذا خرج احد اولادهم الى اي مكان لايمسكون قلوبهم بإيديهم، ويظنون انه ذهب ولم يعد. نعم ياقارئي ان كبيرهم اذا خرج لايبقى يحدق في وجوه عائلته واحدا واحد لأجل توديعهم خوفا من ان يصيبه الموت اثر حمم النيران المتفشية في بغدادنا العظيمة . هم لم تدنسهم المدينة وزحمتها، ولم يؤثر عليهم دخان سيارات الساسة، فكل شيء تتحكم به الطبيعة الجميلة، والعقول الرائعة التي ترجع جذورها الى من علموا البشرية كل ماهو عظيم. ان الطبيعة هنا تأخذ بالالباب، ولو كانت في دولة غير دولتنا لصارت من اجمل المدن السياحية، ونأمل من الحكومة ان تحمل موضوع الاهوار على محمل الجد، وتتبنى بدورها إنعاش الاهوار كجغرافية بشرية وطبيعية واقتصادية. ولا ننسى ان الحكومة اذا جعلتها مؤهلة لان تكون منطقة سياحية لجادت لهم بأطيب النعم، وتخدمهم خدمة اقتصادية هائلة .

 

في المثقف اليوم