أقلام ثقافية

التجاور النفسي!!

قبل ان تتحقق الجيرة المادية، لا بد أن يسبقها تأكيد للجيرة النفسية، بمعنى حصول التفاعل النفسي الإيجابي ما بين المتجاورين، ولا يمكن للجيرة المادية والجغرافية أن تكون ذات قيمة ومنفعة، إذا ترافقت مع فشل في صناعة وتجسيد الجيرة النفسية المفيدة للأطراف المتجاورة، ولهذا فأن للجيرة أصول وحقوق ومعايير وأعراف توارثتها البشرية عبر مسيرتها الطويلة في الحياة.

ولا يمكن لأي شخص أو مجموعة بشرية مهما صغرت أو كبرت، أن تحافظ على أمنها وسلامة نمائها وتطورها، إذا أهملت معايير الجيرة الرشيدة وعجزت عن التأهيل النفسي للتجاور.

والعديد من المشاكل العاصفة ما بين المجتمعات، مردّها إلى فقدان القدرة على تحقيق الجيرة النفسية الناجحة والإيجابية، وقد مرّت أوربا بهذا المأزق السلوكي الذي كلفها حروبا شرسة ومتكررة، لكنها في نهاية القرن العشرين أدركت جوهر العلة وأصلحت نفوسها، وتمكنت من بناء جيرة نفسية ذات قيمة حضارية وفائدة مشتركة.

وفي المجتمع العربي فشلت الدول العربية في بناء جيرة نفسية صالحة فيما بينها والآخرين من حولها، فالتجاور النفسي العربي في أحط مستوياته وأقسى تداعياته، مما جلب الويلات والصراعات والحروب حتى غدا أبناء الدين الواحد لا يتجاورون.

وأتعس الجيرات العربية ما بين العراق وسوريا والكويت، ومن أهم أسباب ما يجري في العراق، هو الجيرة النفسية السيئة ما بينه وإيران، التي ما تمكنت من التشافي من عللها الحضارية المعتقة في أقبية الأحقاد والإنتقام والتشفي، وفد تمكنت من صناعة أدوات تحقيق أمضى درجات الجيرة النفسية السيئة، مما حشر الأجيال في متوالية الخسران والإنقراض.

وهذه الجيرة النفسية السيئة، دفعت إلى سلوكيات مدمرة وماحقة لكل ما يشير إلى حالة الوجود العربي الإنساني، وحوّلت الحياة العربية والعراقية خصوصا إلى سقر.

ولكي تُبنى الحياة لابد لنا من السعي الجاد لتحقيق الجيرة النفسية، والتعافي من إضطرابات سلوك الجيرة، والتعامل بإيجابية وتفاؤلية ذات قيمة مشتركة.

 

د-صادق السامرائي

في المثقف اليوم