أقلام ثقافية

مظاهر احتفال المصريين بشهر رمضان (2)

hamid taoulostإذا كان المصريون –كما أسلفت في المقالة، "مظاهر احتفال المصريين بشهر رمضان" - قد إختلفوا حول أصل الأغنية الرمضانية " وَحَوِى يا وَحَوِى إيَّاحَا " و "حَالُّو يا حَالُّو رمضان كريم يا حَالُّو"، التي يستمتعون بالتغني بها، كاما حل شهر رمضان، وكعلامة مميزة لقدومه، فإنهم إتفقوا جميعهم على أنه: "مافيش رمضان إلا في مصر " وغيره من التعبيرات التي يسمعونها لكل زائر أو عابر لمصر، تأكيدا على أن سحر ليالي رمضان في مصر، ليس لها مثيل في أي مكان آخر من الدنيا، حيث يخرج فيها عن كونه شهرًا دينيًّا، ليتحول إلى مهرجانا للاحتفال بالحياة الليلية الغنية بالأنشطة المتنوعة، التي ينخرط فيه المصريون بكل وجدانهم، ليجعلوا منها مواسم شعبيًّة يعزفون خلالها، وعلى مدى ثلاثين ليلة متّصلة، سيمفونية الفرح والمرح، السهرات والولائم، التي يقيمونها في الشوارعَ الغارقةً في الألوان والضوء والصَّخب، الذي لا يعرفها إلا رمضان في مصري،  ما يجعل له طعمًا مميزًا، ونكهةً متميزة لا مثيلَ لها في أية بلد آخرى، حتى قيل :" إن مَن لم يحضر شِطرًا من شهر رمضان في مصر، فقد فاته الشيءُ الكثير.

وهذا لا يعني أن رمضان في مصر، هو مجرد فولكلور تراثي أو كرنفال شعبي، خاو من الروحانيات التي تشبع العواطف، وتروي الأحاسيس، وتزرع الحب، وتنشر الجمال، بل  هو في ذلك عندهم شهرٌ لا يشبه أيَّ شهر آخر يمرُّ على مصر، ولا يشبهه أيُّ رمضان آخر في العالم ؛ وحتى لا يبقى صيامهم مجرد طقوس شكلية، وحركات تعبدية ميكانيكية، فإنهم يعشون رمضانهم بروحه الدينية السامية، وبأسراره ومعانيه الإنسانية الجميلة، وبكل ما يجمل من معاني الحب والرحمة والإنسانية التي تجعل منه شهرا متميزا سلوكا وقولا ووعياً، فتراهم، رغم الظروف المادية والاجتماعية الصعبة، يلتمسون بقلوبهم روح العبادة لا شكلها، يرتشفون معانيها الدينية السامية وأسرارها الروحية الانسانية الجميلة، من خلال ما يقيمونه من موائد الرحمان، يقدمون فيها أشهى الطعام، وألذ  الشراب، جبرا للخواطر المكسورة و القلوب المقهورة .. 

وإن أبرز ما لفت انتباهي في هذا كله، هو صور التآخي والتآزر الرائعة بين أصحاب المذاهب والطوائف والديانات المختلفة، والمشاهد التضامنية البديعة التي تزيح الحدود والحساسيات بين أبناء الوطن الواحد، والمتجلية في مشاركة المسيحين لاخوانهم المسلمين موائد الإفطار، كما وقفت على ذلك بنفسي وفي واقعة حقيقية عشتها في اليوم الأول من رمضان في مدينة الشيخ زايد، ولاحظت شيوعها خلال اليام التي قضيتها هناك في مصر،  والتي أطربني فيها مشاهد  وقوف العديد من المسيحيين من كل الإعمار -وعلى الأخص منهم الشباب من الجنسين - على رؤوس الشوارع وتقاطعات الميادين مبتسمين يستوقفون المارة وأسصحاب السيارات لتمكينهم مما جادت به ظروفهم من كؤوسَ العصير وحبّاتِ التمر، لكي "يكسروا صيامهم"، السلوك الإنساني الذي ينم على المستوى الراقي في الربط بين فكرهم الديني وواقعهم الحياتي، والذي أظهر مدى التحسن والتهذيب الذي طرء على الممارسة التقاليد الدينية، وتأثريتها السلبية التي ضاقت إلى أبعد نطاق ..

 

حميد طولست

 

في المثقف اليوم