أقلام ثقافية

سفاستيكا.. رواية فازت بجائزة

haidar abdalwialzaydiرواية قصيرة (١٤٠ صفحة) من القطع المتوسط، لكاتب شاب اسمه علي غدير، فازت قبل شهر بجائزة بغداد للرواية التي تمولها دار سطور للنشر، وحسب ماسمعنا ان هناك لجنة فحص فيها الروائي والقاص حميد المختار والقاص وارد بدر السالم واخرون، ومن المعلومات ان هناك (٤١) رواية تقدمت للتنافس على الجائزة، ووصلت الى القائمة النهائية خمس روايات:

١- كوثاريا، للكاتب نعيم عبد الامير

٢- سفاستيكا، للكاتب علي غدير

٣-قياموت، للكاتب نصيف فلك

٤-سمو الجنرال ولية العهد، للكاتب سامي البدري

٥- رواندا، للكاتبة كوثر محمد راضي

عندما اعلن فوز هذه الرواية بكاتبها المغمور جوبهت بالتجاهل، وعدم الاهتمام، وليس ذلك بالامر الغريب، فالادب عندنا في تدهور تام اسوة بباقي مفردات الحياة ان جاز ان نسمي مايجري في بلادنا بالحياة ..

والغريب ان هناك من حكم على الرواية قبل قراءتها، بل ان احدهم المح الى ان الكاتب يبدو من خلال صفحته على الفيس مراهق و(بعثي)، وكل ذلك ليس له علاقة بالرواية واحداثها ...

سفاستيكا او سواستيكا هي ايقونة الصليب المعقوف ودلالتها الحظ السعيد، وكان سكان الرافدين والهنود يعرفونها ويتفألون بها، وقد اتخذها هتلر شعاراً لغلاف كتابه (كفاحي) وصارت فيما بعد شعار النازية ولها دلالة عندهم على الحظ السعيد والخير الوفير ..

سفاستيكا هنا ؟!

هي وهم او ايهام، ينجح الكاتب في ادخالنا فيه، وتتداخل متلازمة سفاستيكا بجذورها التاريخية واستخداماتها السياسية المعاصرة، فعند سكان الرافدين والهنود هي رمز الخير الوفير والسعادة المجتمعية، ولكنها تحولت عند الحضارات الغربية الى الدمار والحروب والابادة الجماعية، من هنا يحاول كاتب شاب ان يدخلنا - وقد ادخلنا فعلاً- في متاهته تلك فاخذت الرواية تتقلب بنا في الحظ السعيد والصعود الدراماتيكي الذي لاسقوط وراءه، ولكنه صعود بين فكي تنين، سعادة تقضم فرحة اطفال، انه حظ سعيد للقتلة والفاسدين، ودمار وحروب وابادة لبقية الشعب المغلوب على أمره ...

هي محاولة من روائي شاب لتبرير واقع وحدث سياسي مر ببلادنا ممزوجاً بخيال فنتازي يقترب من واقعية سحرية وان لم يكن ليتقمصها كلياً ...

انها قصة الحظ السعيد الذي يجمع متناقضات الواقع ويسكبها في بوتقة خيال أعزل،

يبدأ الصراع تقليدياً نمطياً حيث تحرك البطل غريزة جنسية عارمة تتولد من حديث ابن الشيخ حول دلال العاهرة والتي هي (أطيب ما في الدنيا) فيقوم البطل حواس برعونة بسرقة حجل والدته الذهب الذي حصلت عليه نتيجة استبسال والده وقتله عشرة من (عصاة الكرد) فمنح المال الذي حوله الى حجل ذهب تزينت به ام حواس متفاخرة امام الاخريات، سرقه حواس وباعه بثمن بخس يغطي ليلتين مع عاهرة مزعومة ولكنه وبضربة حظ عاثرة يفقد نقود الحجل ويترك في الشارع نهباً للويل والصراخ والحسرة الى ان يلتقي بالعرافة (الكشافة)، لا أريد ان افسد الرواية بهذا التلخيص، في الرواية لعبة الغاز وارقام، وحبكة متداخلة ...

يتوهم القارئ انها رواية حكايا منتصف الليل، او قصة الشاطر حسن والجارية، وهذا هو مانجح الكاتب في ايهامنا به، للوهلة الاولى تلعب الصدفة دوراً في بلورة الاحداث واندفاعها، ولكن في النهاية ندرك جيداً انه لادور للصدفة، ففي اخر سطر للرواية التي تتبنى نظرية المؤامرة، يتم ربط حدثي الرواية المفصليين وهما رجل القطار والقروي البصري الذي يعترض موكب نائب رئيس الوزراء...

 في البدء يلتقي البطل صدفة برجل كبير السن في القطار والذي يدعوه لمشاركته الاكل فينقض على وجبة العجوز الذي يتطلع اليه مبتسماً، بعد الاكل يغط حواص في نومة عميقة يصحو على صوت النزول حيث لااثر للعجوز سوى نصف عملة ورقية دينار يدسها في جيبه ...

تمثل ارقام العملة الورقية بؤرة مشفرة لمجريات الاحداث، وان كل ماسيجري في الرواية ويظنه القارى صدفة او حكاية ماهو الا تدبير لمؤسسة تدير العالم وتتحكم بمصائر رجاله وترسم مستقبلهم، نكتشف ذلك في النهاية عندما يتطابق نصفي العملة الورقية وتكون عبارة (ماسون) التي هي البطل المخفي في الرواية ...

من وجهة النظر السياسية قد نختلف مع الكاتب وان حدود المؤامرة واضحة ولاتحتاج الى تفاصيل ...

تحكي الرواية قصة صدام حسين ونظامه وتغطي مساحة (١٩٧٩-٢٠٠٧) وهي فترة احداث طويلة ودراماتيكية استطاع الكاتب ان يختصرها بقفزات ولكن لايستطيع قارئ غير عراقي ان يستوعب الاحداث، فهناك نص تاريخي جامد وواقعي يعرفه العراقيون وحدهم كونه يشكل ذاكرتهم الحية الشاخصة، وهناك العالم الفنتازي وغير الواقعي الذي يحاول ان يفكك الواقع العراقي ومرارته، ومن هناك تأتي خصوصية الرواية انها محاوله فنطازية سردية لتفكيك واقع معقد ومتأزم ...حواس ام وسمان، هما وجهان لعملة واحدة، انتهازية ابن الريف الفقير المعدم الذي هو نموذج السياسي العراقي المتجسد في صدام حسين، ومن اتى بعده حسب الرواية، فالسرقة هي اول مايطالعنا في شخصية البطل الذي يسرق حجل امه، ومايعنيه من ابعاد وتعمل هذه السرقة معادلاً موضوعياً لماسنواجهه من حواس في المستقبل عندما يسرق زوجة الرئيس وصهره الذي يدين له بالخلاص من الاعتقال والاعدام ...

قد يؤخذ على الرواية الاسهاب في الوصف الممل، والقفزات السريعة غير الممهدة ولكن لغة الرواية جميلة سردية معبرة، والكاتب متمرس بمصطلحات وثقافات المراحل العراقية المتعددة،

في الرواية محاصصة وتنوع واقليات وتجد جميع الاطياف الشعب العراقي، الذين تحمِّلهم الرواية المسؤلية في التدهور والضياع، وتؤشر ظاهرة صعود ابناء الريف المتعطشين للجنس والثروة والسلطة، لمراكز القرار، وكان حواس البطل هو النموذج النمطي لتلك الشخصية الاي تتكرر في المسرح السياسي العراقي، ولاتملك الرواية حلاً، ولا تقدم مشروعاً او فكرة للخلاص، الا العنف الذي يمارسه البطل في قتل القائد المفترض مستقبلاً والذي هو نسخة ثانية منه و من صنع الماسونية طبعاً ...

ولكن نسأل هل اعدمت الرواية الفكرة ام النموذج ؟!

عندما تجرأ حواس وسمان في اتخاذ قرار، بقتل خليفته المفترض، هل هي صحوة ضمير ام رد فعل لمأساة قد يراها امامه تتحقق مستقبلاً ...

قديماً قالوا ان الكاتب البوليسي تكمن قوته ليس في عقد اللغز بل في حله، فاللغز جميل وتكمن قوته في نهايته عندما يبهر القارئ ويدهش، ويكون مقنعاً وتتوفر له عوامل الصدق الفني والدلالي، في هذه الرواية وانصافاً فإن علي غدير نحج الى حد ما في الابهار واعتقد ان له مستقبلا في الادب الروائي والقصصي، خصوصاً وان كتابة رواية جميلة بمئة صفحة يوفر للقارئ الوقت المناسب للقراءة ...

لم تخلو الرواية من عبارات جميلة تصلح للاقتباس، عبارات حكمة وهي منتزعة بصورة واخرى من حكم ومواعظ، كذلك كانت اللغة جميلة سردية وديعة، سوى بعض التداعيات والزوائد، اعتقد الرواية كانت بحاجة الى كاتب يقرأها قبل طباعتها، وقد قرات للكاتب بعضاً من قصصه القصيرة ووجدته يميل الى الاطالة والتفصيل، على الرغم من ان القص هو فن الحذف والايجاز ...

 

في المثقف اليوم