أقلام ثقافية

فاطمة الزهراء بولعراس: نحن والكتاب والمعرض

fatimaalzahraa bolaarasتحرص الجزائر على إقامة المعارض التجارية الكبيرة من سنة إلى أخرى..هي ثقافة دأبت عليها تاسيّا بالدول التي لها باع طويل في هذا الميدان ولأهداف أخرى تجارية وسياسية...الخ... وكل هذا جميل والجزائريون في حاجة إليه... لكن هل تضيف هذه المعارض شيئا إلى رصيد الجزائريين من المعارف والثقافات والفوائد المفروضة والمطلوبة وشديدة الإلحاح لبلوغ المجتمع الراقي الذي تطمح إليه الأمم؟

المفروض أن يكون الجواب نعم ولو بنسبة ما... إلا أن ما نراه ونلاحظه ليس ذلك إطلاقا  ما نراه ونلمسه هو هرج ومرج وجعجعة إعلامية ليس إلا نعم إعلام يحصي عدد الزائرين وينسى أن أغلبهم جاء بحكم العادة أومن أجل النزهة أو حتى لقاء صديق..الخ

المستوى الراقي والجيب الفارغ

1114-fatimaما لاحظته في المعرض الدولي الأخير أن مستوى زوار المعرض تطور كثيرا وأغلبهم جامعيون وحتى عندما تستمع إلى نقاشاتهم في الاستراحات وأماكن الطعام تلمس فيها عقلانية ورزانة ابتعدت بنا كثيرا عن المواضيع(التافهة) أو التي لا معنى لها كما كانت عليه الحال قبل سنوات.. لكن هذا الرقي الفكري ينقصه الميدان مع الأسف فهؤلاء لا يشترون الكتب لأنهم لا يملكون الأموال كما أنهم لا يستطيعون تغيير شئ لأنهم ليسوا في مركز القرار فهم إما أساتذة في الجامعة أو طلبة دكتوراه  ونحن نعرف أن جامعاتنا تشبه الأبراج (غير العاجية) ولا تأثير لها خارج أسوارها مع الأسف..أما النوع الثاني من الزوار فهن الأمهات وأطفالهن الصغار...يأتين مرهقات مستعجلات لا يترددن في القول أنهن جئن من أجل الأطفال..يشترين الكتب المدرسية وبعض قصص الأطفال تتركز اختياراتهن على الألوان والصور(في القصص) أكثر من المحتوى والأهداف التربوية...يقلبن بين أيديهن (البعض منهن فقط) روايات وكتب ثم يعدنها إلى مكانها وهن يتحسرن على الماضي الذي كن يطالعن فيه و(الوقت الضيق)...الخ

يزور المعرض كثير من الناس من أجل العلم والأدب والمنفعة والانتفاع لكنهم لا يبينون، عملهم صامت وهدفهم ثابت لا يجعجعون وإن كان لهم طحين ومن النوع الرفيع.

هناك زوار آخرون يأتون من أجل لقاء الأحبة والأصدقاء  هي فرصة للهروب من الروتين القاتل والملل الذي طبع حياة الشباب رغم كثرة وسائل الاتصال والاستئناس بالآخر الذي عبر البحار والمحيطات..لكن الجيل تائه ويعاني من (الديقوثاج) باختصار لأنه بلا رسالة فبعد رسالة التحرير جاءت رسالة (التدمير الداخلي) وكأن الأدب والثقافة ليست رسالة؟لكنها مع الأسف رسالة لم نستطع إيصالها لأجيالنا في مستواها اللائق.

 

الكتب الدينية (الأكثر اقتناء)

هناك لغز يجتهد الناس في البحث عن حله وهو الإقبال الكبير على الكتب الدينية رغم أنها مخرجة في مجلدات وعناوينها مكتوبة بالخط الذهبي الجميل وغالية الثمن مقارنة مع غيرها، نفس الكتب والعناوين يتكرراقتناؤها من جهات معينة ولا أحد يدري هل اتجه الجزائريون إلى التدين الشديد أم أن الأمر مجرد تجارة رائجة لها خفايا وأسرار....الأمر يختلف مع كتب الطبخ الراثجة أيضا ولكنها لا تقارن بالدينية لأنها بسيطة وسعرها في متناول الجميع وتبقى الكتب الدينية والفقهية لغز المعرض كل عام

 

البيع بالإهداء

أفضّل أن أقول البيع بالتوقيع، وسواء كان هذا أو ذاك فإن الإقبال ضعيف ومازالت هذه الثقافة الجميلة مهملة في بلادنا، وفي أحسن الأحوال يقبل البعض على الكاتب أو الكاتبةلأخذ صور تذكارية معه لاغير. أما اقتناء الكتاب والمساهمة في رفع المستوى الثقافي فمازال الجميع لم يبلغه بعد ولا يفكر فيه بتاتا..وحده الكاتب يعاني من دور النشر ويعاني من عدم المقروئية ومن الإهمال والتهميش. وحنى الدعم الذي تقدمه وزارة الثقافة لدور النشر يذهب للكتب المدرسية وشبه المدرسية بينما يحتال الناشر على الكاتب باستعمال الاغلفة والعناوين لتقديمها للوزارة كدليل على مساهمته في نشر الثقافة والأدب. إلا من رحم ربي

 

أين نحن من الكتاب؟

بعيدون جدا وليس من ثقافتنا مع الأسف وكلما اقتربت الوسائل وانتشرت كلما زاد تمسكنا بما هو سطحي وزائل وليس بالكنز المعرفي (الكتاب)... ثقافتنا أصبحت (فيسبوكية) وكذلك كُتّابنا وشعراؤنا طبعا هناك استثناءات ولكنها قليلة.... المغمور من الكتاب يبحث عن الشهرة والمشهور يكتب (تفاهات) ويستعمل اسمه لترويج ما فسد من الملل، وما غرب من النحل، وهو يعرف أنه يفعل ذلك وهنا يكمن الخطر أما آخرون فقد أفسدوا فطرة الإنسان بكتب أقل ما يقال عنها أنها (مشعوذة)   وإلا فما معنى أن تجد الإقبال على كتب تحمل عناوين وهمية كاذبة ومضللة مثل (كيف تشفى من السكري في أسبوع ) و(كيف تفقد وزنك دون حمية) وغيرها من العناوين التي تستبله العقول بدل أن تعلمها وترقيها فإذا كان الكاتب (مهما كان  ما كتبه) الذي هو من النخبة يبحث عن المال والشهرة فلا لوم على من جاء المعرض يبحت عن التجوال والفرجة؟

 

ما العمل والحال هذه؟

قبل أن ننظّم معرضا دوليا علينا أن ننظم معارض وطنية في الولايات بشكل دوري أو حتى متواز نعطي فيه الأولوية لدور النشر المحلية لأن الجزائر كبيرة (قيمة ومساحة) وعلى الجهات المسئولة (أعني المنظمة) أن ترتفع إلى مستواها وتعمل على أن تعطي كل ذي حق حقه وأعني بذلك الجانب التجاري في العملية فليس عيبا أن يكسب الناس من الكتاب ولكن العيب ألا يُقرا الكتاب، لا أدري كيف ذلك فأنا مجرد كاتبة أجتهد كي تصل أفكاري إلى القراء وأنا أعتبرها مجانا وقد وصلت عن طريق الأنترنات بدون مقابل لكن الكتاب لازال ضروريا ومقدسا ومن كنوز المعرفة وهو لن يخرج دون طباعة وحبر وورق وعمال وكلها تتطلب مالا لاعتقد أن الكاتب في استطاعته توفيره. وعندما أعود لقراءة بعض المؤلفات القديمة (نسبيا) أجد أن كتاب تلك المرحلة كتبوا فقط من أجل (الادب) لا من أجل الشهرة ولذلك نجحوا وصارت أفكارهم مرجعا إنسانيا سواء للفائدة أو للمتعة.. وكم أتمنى صادقة أن تصل رسالتي إلى المعنيين لكنني لا أعتقد أنها  ستصل، فما أكثر ما ينشر وما اقل ما يقرأ وهكذا تحول الأدب والثقافة في بلدنا إلى اللغز المحير (لغز البيضة والدجاجة أيهما سبق الآخر والحديث قياس. ومع ذلك سأظل أكتب وأكتب سواء الشعر والقصة أو الآراء والملاحظات لأنني مدينة لهذا الوطن الكبير الذي علمني كيف (أقرأ)  والأكيد أنه علم آخرين وسيفعل مع أجيال تأتي.لأن إيماني الذي لا يتزحزح أن الجزائر ورغم كل شئ كبيرة و(كبيرة جدا) وبلا مبالغة.

 

فاطمة الزهراء بولعراس

جيجل الجزائر

 

في المثقف اليوم