أقلام ثقافية

فاصلٌ بـين المـَسرَحـين

mowafak sawaالفاصل الاول: (المسرح السياسي) 

تعريف (مسرح السياسي): هو المسرح الذي يهز فيه السياسي وسطه امام الجمهور وقت الانتخابات ليضحك عليهم ويسرقهم في وضح النهار عندما يحملوه على اكتافهم الى الكرسي المـُذَهـَّبْ. وليس المقصود بالمسرح السياسي الذي يُسستـَخدم به الخطاب السياسي لاغراض تعبوية سياسية إنتهازية.

 بدءًا لا نقول احيانا وانـَّما نقول دائماً، تطرق ابواب الشعـوب بمطارق لا تشبة مطارق العمال الذين يحولون الحديد إلى سلعة ضرورية للشعوب، وكذلك المناجل لا تشبه مناجل الفلاحين الذين يحصدون ما يزرعون من حنطة وشعير ووو ...الخ، واسلحة قاتلة لا تشبه (اسلحة) الفنون الجميلة.

فأسلحتنا على خشبة المسرح وعلى الشاشة البيضاء وعلى لوحة جميلة ناطقة بلغة الحب والسلام وقصيدة حروفها مصابيح لمدن غادرها الصباح، وكل فنوننا وادبنا (قنابل) من نوع خاص تـُطـَيـّبْ الجروح النازفة من القلوب وتنقلة من عالم مظلم تفوح منه رائحة عفنة كريهة إلى عالم نظيف لا يرى غير الالوان الجميلة ويشم رائحة الياسمين والناردين العطرة التي تريح الاعصاب وتطرد الاحقاد من الانفس والعقول.... .

في هذا العصر وفي جميع العصور التي مرت منذ نشوء البشرية بدًأ منذ مرحلتها الاولى (المشاعية) إلى هذا العصر (الرأسمالي) عصر طبخ السموم ونشر الحروب بانواعها وخلق بؤر بركانية لتحقيق الدمار الشامل وتصدير الافكار السوداء التي غزتنا.

تلك الأفكار المنسوجة من جذور الغزوات قبل وبعد العصر الجاهلي وأوصلونا إلى الدرك الاسفل فسقطت القيم والاخلاق في الوحل وباتت حفنة من مافيات البترودولار تطرق ابواب الشعوب، بمطارق من حديد لتهب عليها رياح حارقة مارقة احرقت الاخضر واليابس بعد عدة عمليات المطابخية في ابتكار اجهوة لأطفاء الإضاءة في القلوب قبل اختفائها من الازقة والدروب..

 انهالت في بداية هذا القرن الاسود اللعين، مطارق من نوع خاص تم صنعها ورسمها وتصميمها من دهاليز الكهوف وحسب مقابض أشخاص وملـل مَنْ انطفأتْ الإضاءة بقلبوبهم وانقطعتْ خيوط الرحمة والمحبة لتحل محلها خيوط سوداء (لعناكب بيضاء) لترسم خريطة سوداء لأوطان كانت بيضاء حسب المقاسات المصدر لهم من دول المطابخ والمدروسة سلفـًا في مكاتب التفخيخ المطبخي.

على المسرح (السياسي) غابت الثقافة السياسية وتغيرت أزياء عدة مرات في المشهد السياسي الواحد.. ويتجه السياسي، ورأسه امام قدمه، يمينا ويسارا، خلفا او للامام اينما تكون وجهة الدولارات.

وفي مطابخهم السوداء يتم طبخ المشاهد تلو المشاهد من القصر الاسود ومن خلف خنادقكم وسواترهم وكواليسهم الكونكريتية التي لا يراها القاصي والداني ولا تصلها اصوات الشعـوب وان كانت اصواتهم كصواريخ عابرة للقارات.

يمثل على المسرح السياسي شخصيات باقنعة متلونة مزيفة ويمارسون تارة السياسية تحت يافطة (المُخـَلـِّص) و (المنقذ) وباني امال الشعوب وتارة اخرى تحت عباءة الدين يصلون امام الناس في النهار ويسرقونهم في الليل وفي عقر دارهم دون ان يحملوا قلوبا ولا رؤوسا أدمية بل جماجم محشوة بافكار  (بأدمخة ببغائية) وعيونهم لا ترى سوى اسفل الحزام وخشبتهم مطلية بقير اسود وإضاءتهم احجار مصنوعة في وادي الموت.

الفاصل الثاني (خشبة المسرح)

تعريف خشبة المسرح : هي الخشبة المقدسة التي يقبلها الممثلون قبل الصعود عليها ويؤدون ادوارهم بجمالية وروحية عالية لاسعاد الجمهور الجالس على كراسي غير هزازة ولا تشبه كراسي الرئاسات.

 وعلى خشبة مسرحنا تـُكْشـَف الحقائق من خلال تمزيق الستائر السوداء لمسرحية الواقع وتعرية احداثها وكشف المستور بدون ان نقترب في تقليد اسلوبهم في عرضنا هذا. بل نرفع الغطاء المزيف امام الشعوب لتعريتهم وتشخيصهم ليتم لملمتهم وايداعهم في براميل القمامة لحرقهم بعيدا عن مدن العصافير التي لا تعرف سوى ان تزقزق وهي على الاشجار أو محلقة في السماء.

في مسرحنا هذا، نـُضْحكُ المشاهدين ولا نـَضْحـَكُ عليهم ولا نخاطب القلوب وندغـدغ الاجساد، بل نخاطب العقول لتشغيل محركاته  ومفاصلة وتنشيط ذاكرته حتى يستطيع ان يسأل ويقول: لماذا هذا الذي حصل ويحصل..؟؟!!.

في مسرحنا نحفز اذهان المشاهدين خلال وبعد العرض على ان يبحثوا عن الضوء المفـقـود في القلوب، في هذا الزمان وبقية الازمنة، وعن الخيوط الضوئية التي غادرت اماكنهم فاطل الظلام الدامس وان رفعت ملايين الأيادي في دخان هذا الظلام لا تراهم... فيحدث تصدام الناس بعضا ببعض فتزحف كافة الديدان لتأكل قارب الحق الذي يبحر في البحر الابيض وتحويل مساره إلى البحر الاسود.

في مسرحنا نـُحـَرِّض الجمهور ليتخلصوا من حقد اسود وسحر اصفر ليخرجوا من الصالة مطهرين معمذين بماء النهر الجاري ليرتلون نشيدهم الاوحد:

"ان الانسان أخ الانسان

في كل زمــان ومكــــان".

في مسرحنا قلنا ما قيل في الواقع بصياغة مسرحنا الابيض مترجمين ما قرأنا في الكتب من افكار نيرة ومن اناشيد الثوار واقوال وتراتيل المنشدين في اوبرا الحياة بشكل رسائل محملة بعطر الطبيعة ومرسلة بتشفيرنا للمتفرجين لفك شفرتها وبناء افضل منها وافضل... ودعوتنا لكم ألا تنطفأ الإضاءة في قلوبكم.

 

د. موفق ساوا/ سيدني

 

 

في المثقف اليوم