أقلام ثقافية

ابن عميد الأدب العربي وحفيدة أمير الشعراء لا يعرفان العربية

nooradin samoodهذا الموضوع الذي أثيره يتعلق بصعوبة اللغة العربية وقد قدو بعضهم الدليل الذي رآه قاطعا على صحة هذا الرأي وهو جهل كل من ابن عميد الأدب العربي طه حسين وحفيدة أمير الشعراء أحمد شوقي للغة العربية، وهذا خبر مثير للاهتمام، عثرت عليه في مقال كتبه إحسان عبد القدوس، قرأته في كتاب يوسف السودا الذي اختار له عنوان"الأحرفية أو القواعد الجديدة في العربية" الذي نشر 1959، ودعا فيه إلى تجديد القواعد النحوية للغة العربية لتسهيلها على دارسيها، وقد نقل هذا الخبر عن مجلة (روز اليوسف) الصادرة في أول نوفمبر 1954 في كتابه المذكور.

لقد أراد هذا المؤلف أن يستدل بهذا الخبر على صعوبة تعلم اللغة العربية وعلى وجوب تسهيل قواعدها على من يريد أن يتعلمها، لأن الذي يسمع أن ابن عميد الأدب وحفيدة أمير الشعراء يجهلان لغة أبويهما، سيتجنبونها وينصرفون عنها إلى تعلم اللغات الأخرى التي يعتقدون أن قواعدها أسهل من قواعد لغة الضاد وأن الألسن الإفرنجية أيسر من لسان العرب.

وهذا هو الخبر الذي لم ينشر إلا مرتين أولاهما في مجلة والثانية في كتاب: (في الأسبوع الماضي أُعلِنت خطوبة مؤنس حسين إلى الآنسة لولت ـ أي ليلى ـ العلايلي، ومؤنس هو ابن عميد النثر العربي الدكتور طه حسين، وليلى هي حفيدة عميد الشعر العربي أحمد شوقي ..أي أن هذا الزواج جمع اللغة العربية من طرفيها ـ شعرِها ونثرِها ـ في بيت واحد. "فما هو مصير اللغة العربية في البيت الجديد السعيد؟. " إن مؤنس لا يتكلم اللغة العربية إلا في المناسبات، ويتكلم اللغة الفرنسية بلا مناسبة، وكل أعماله الأدبية ـ سواء في كتاباته أو في محاضراته ـ وضعها باللغة الفرنسية, وهو يعرف عن بلزاك وموباسان وبول سارتر أكثر مما يعرف عن نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويوسف الشاروني..و"لِيلِى" لا تتكلم اللغة العربية إلا كما أتكلم أنا الإيطالية.."يدوبك كلمتين"..ولا تقرأ في كتب العربية أكثر مما أقرأ أنا في كتب الدكتور عبد الرحمن بدوي."

ويواصل إحسان عبد القدوس فيقول: "هذه حقيقة أردت أن أضعها أمام الدكتور طه حسين، لا لألومه عليها بل ليعترف بها وهي حقيقة لا تتمثل في ليلى ومؤنس وحدهما، بل تتمثل في جيل بأكمله من المثقفين، تتمثل حتى في ولديَّ الاثنين، فإني ألقنهما اللغة الفرنسية بنفس الاهتمام الذي ألقنهما به اللغة العربية...اليوم يقرآن ويكتبان اللغة الفرنسية أكثر مما يقرآن ويكتبان اللغة العربية. لماذا؟... لماذا لم يستطع الدكتور طه حسين أن يصون اللغة العربية، حتى في بيته؟ ولماذا لا أستطيع أنا ـ مثلا ـ أن أربِّي في ولديَّ الذوق اللغوي العربي، وأن أملأ آذانهما بموسيقى أبي الأسود الدؤلي كما امتلأت بموسيقى اللغة الفرنسي...وتنتهي بي الحيرة إلى أن أسلـِّم أمرها لله.

لماذا؟ ـ لأن أساطين اللغة العربية ـ ومن بينهم طه حسين ـ لا يريدون أن يعترفوا بالتطور، ولا يريدون أن يُحِسُّوا بأن اللغة العربية أصبحت بين أيديهم ثقيلة الدم، معقدة النغم، بحيث لا يستطيع الجيل الجديد المتحرر، المطلق في دنيا الأنغام الفرنسية والإنكليزية، أن يستسيغها... إن الجيل الذي تملأ أذناه أنغام "التانغو والفالس والسامبا"..يغنيها له عبد الوهاب وشادية وهدى سلطان، لا يستطيع أن يستسيغ "البشارف" و"تقاسيم رصد".

يجب أن نعمل شيئا ... يجب تتحرك هذه الهياكل كل لحظة على مقعد المجمع اللغوي، وتعمل شيئا... أن تسير مع التطور، وأن تضع قواعد لغوية جديدة مبسطة، وأن تضع أساليب جديدة لتدريس النحو...وأن تصون اللغة العربية من "الهرجلة" المقـْدمة عليها، إن لم تجد مَا يصونها وينظمها ويحميها.)

ويعلق يوسُف السودا على كلمة إحسان عبد القدوس السابقة بقوله: (هذا ما ورد في مقالة روز اليوسف. فيتبين منها أن الصعوبات التي وجدها جيلنا على مقاعد المدرسة منذ خمسين سنة، لا يزال يعاني أشدها أبناء الجيل الطالع، رغم المؤلفات أو بسبب المطولات والشروح وشروح الشروح التي تتعاقب وتتوالى في القواعد منذ علي بن أبي طالب إلى طه حسين.)

ذلك هو الخبر الطريف، وهذا هو تعليق يوسف السودا في أوائل كتابه "الأحرفية" عليه ليتخذه مبررا لوجوب تبسيط "قواعد النحو العربي" وقد قام بتجربة رائدة في هذا الصدد بكتاب سماه "الأحرفية" أو القواعد الجديدة في العربية" لتسهيلها على الدارسين من الغرباء عنها ومن عموم أبناء العروبة، ومن أبناء علمائها مثل مؤنس ابن عميد الأدب العربي طه حسين وليلى بنت أمير الشعراء أحمد شوقي.

أما يوسف السودا وكتاب الأحرفية فنرجو أن نعود إلى الحديث عنهما لنرى مدى ما قام به من تيسير لقواعد النحو العربي، ومدى توفقه في سعيه هذا ومدى اهتمام أهل الذكر بتسهيل قواعد النحو العربي بداية من طه حسين عميد الأدب العربي وابنه الذي لا يعرف لغة أبيه ولكنه يجيد لغة أمه الفرنسية، بالإضافة إلى ابنة أحمد شوقي التي لا تتقن الحديث بلغة والدها  أمير الشعراء، فهل اللغة العربية صعبة إلى هذه الدرجة، أم أن لغة الغالب تطغى غالبا على لغة المغلوب في أغلب الأحيان.

 

نور الدين صمود

 

 

في المثقف اليوم