أقلام ثقافية

نحن والآخر.. من أجل التعايش السلمي

eljya ayshما يعجبني في المشارقة هو أنهم غزيري الإطلاع، فهم يقرأون كثيرا ولا يملون من القراءة والبحث، ينقبون في كل شيئ، كمن ينقب عن شيئ ثمين مخبئٍ أو مخفيٍّ في باطن الأرض، وقد اعتدت كل صباح والناس نيام أن أبحر في مختلف المواقع العربية بحثا عن الجديد وماذا كُتِبَ وماذا نُشِرَ، أو إذا ما كان هناك حديث عن القديم أيضا، لأن التاريخ تتجدد صفحاته مع كل حدث جديد، والتاريخ وحده يُذَكِّرُ الأمم والشعوب بماضيهم والأخطاء التي ارتكبوها في زحمة الحياة، فيصححون ما يمكن تصحيحه أو يجددون ما يمكن تجديده، بما يتلاءم مع الجيل الحالي وبما يواكب العصرنة والحداثة، ولا مجال للخوض في هذه الأخيرة (الحداثة) لأنها علم قائم بذاته، ولربما يأتي عنها الحديث في مساحة معينة وتحت عنوان يناسبها، وليس معنى أني انتقص من قدرات وأقلام بني وطني ( المغرب العربي)، ففيه من الكفاءات التي لا يمكن عدّها، كلٌّ والمجال الذي يختص فيه، لكن ما أقف عليه هو أن هناك بعض الكتاب والمثقفين يعشقون المغامرات، والإبحار بدون قارب أو مجداف، فتجدهم يغامرون بأقلامهم، يكتبون ويتحدثون في كل شيئ، ويطرحون قضايا ينيرون بها العقول ويحررونها من التبعية المميتة، يحاربون الأفكار المخدرة وليس الأفكار الميتة التي تحدث عنها مالك بن نبي..، ويؤرخون لأسماء قد لا نعرفها، ولم نسمع عنها من قبل، تلك حقيقة لا يمكن تجاهلها أو التنكر لها، لا يهم من يكون الكاتب فلان أو علان، ولا يهم ماهي جنسيته، ماهو دينه ومذهبه، وماهي إيديولوجيته، الأهم هو أن نعرف الآخر ونعرف كيف يفكر وما هي القضايا التي يطرحها، فكرية ثقافية، دينية أو مذهبية، ومن المستحيل طبعا أن يقول قائل أنني ألِمُّ بكل شيئ، أو أحفظ كل شيئ..و يكفي ان نقف على الأرقام المخيفة التي ما تزال تصرح بها السلطات حول تزايد "الأمية" في بلدان العالم الثالث، وبخاصة البلدان حديثة الإستقلال، دون أن نتحدث عن الدول التي ما تزال تعيش الحروب والحروب الأهلية مثل سوريا، والروهنيغا، وترك أطفالهم مقاعد الدراسة..

قلت وأنا أتصفح بعض المواقع العربية وقفت على مقال الدكتور علي المرهج في صحيفة المثقف العربي، وهو يتحدث عن الفقيه الصوفي فردريك شلايرماخر ودفاعه عن الدين، في كتابه بعنوان : "في الدفع عن الدين ضد مُحتقريه"، إذ يرى هذا الأخير أن مغزى الدين توسيع أُطر المعرفة، أن فكرة الدين حُرة، فأينما يشع نور الله في قلب مؤمن، فتيقن أن "روح الله" الحُرة قد نشرت ضياءها في آفاق العالم الرحبة،لأن وجود الإنسان محكوم بنظام ديني منذ ولادته، ورحت طبعا أتساءل ونفسي هل الدّين هو علمٌ أم هو عقيدةٌ؟، ومن هو فردريك شلايرماخر هذا الذي يتحدث عن الدين؟، وقد دفعني فضولي أن أسأل محرك البحث عن هذه الشخصية التي تحدث عنها الدكتور علي المرهج، وهو يقارن بينه وبين فلسفة ابن رشد في الدين وما تعلق بالحكمة والشريعة، ويقول أن فردرك شلايرماخر، ما هو إلا صوفي حالم لا يرى في الدين سوى أنه "أفضل طُرق الإتصال بالحياة"، وكأن هذا الأخير قد فصل العلم عن الدين، أو أنه بالأحرى لا يعترف بالعلم (من وجهة نظري طبعا)، ويرى أنه لا وجود للفتنة والانقسامات، وكأن شلايرماخر يجهل صراع المسيحية مع اليهودية، وصلب المسيح. وكأنه يجهل ما سُميّ ب "الحروب الصليبية" بين المسلمين والمسيحيين، وربما تناسى معارك "الفتح الإسلامي"، فهذه كلها وغيرها لا تُعّدُ مؤشراً أن هناك فتنة أثارها دُعاة الدين ومتبنيه، هكذا قال الدكتور علي المرهج، فردريك شلايرماخر هو فيلسوف ولاهوتي ألماني، اسمه الحقيقي هو فريدريش دانيال أرنست شلايرماخر Friedrich Daniel Erns schleiermacher، وقد خاض هذا الأخير في العديد من المسائل الميتافيزيقية، وأنا ابحث عن في محرك البحث، وجدت مقالا عنه وهو يتحدث عن "فن الفهم" (l’art de compréhension )، ومستوياته، وقال أن الفهم عملية إبداعية بالدرجة الأولى، والفن هو القدرة على الإبداع، وسواء كان هذا اللاهوتي أو غيره، فما نقرأه عن الآخر مرتبط بالأنا والآخر، ولا يمكن الفصل بينهما، طالما هناك قاسم مشترك بينهما هو الإنسانية أو الآدمية إن صح القول، لأن الإنسانية يتميز بها إنسان عن آخر، إن هدفنا من هذه الالتفاتة هو خلق مجتمعا قارئا، من أجل اللحاق بركب الحضارة، والشعوب بالقراءة تستطيع أن تتغلب على كل الصعاب، خاصة إذا كانت تحت رحمة أنظمة فاسدة، تريد أن يكون الشعب، شعبٌ مستهلكٌ لا شعب مفكرٌ..، ولذا وجب علينا أن نكون شعب يقرأ ويبحث ويفكر والبحث عن طرق لإدارة علاقاتنا مع الآخر في ظل تطور التكنولوجيا الرقمية.

 

 

في المثقف اليوم