أقلام ثقافية

عندما تُبدع الانامل

إنّ أغلب الجمال الّذي يُغذّي الروح بنسمات الخيال الأخّاذ والغوص بتفاصيل الأمور وانفتاح آفاق الفكر وتجدّد تراتيل الإبداع، يرتبط عادة بأنامل مُبدعة تُمسك بقلمٍ سحريّ يُعطي سيلاً من الأمل والتبحّر بعالم الأدب الذي هو غذاء الروح لمواصلة العيش.

 أعني عيش الحياة المثاليّة الّتي يكوّنّها النّص الأدبيّ ليكون وئيدة الذّهن. يسترجعها كذكرى حبيبة ويعيش عالمها كأجمل خيال ساحر. ولا يقتصر العالم السّاحر على النّصّ الأدبيّ فربما يكون وليداً لريشة أضفت ومضات برّاقة لرموز وخفايا مُخبّئة في لوحة رُسمت بأيدي بارعة، تُخفي في عالمها تفصيلاً لألف حكاية ومعنى، لتُجبر هواتها على سبر أغوارها ومحاولة معرفة ماهيّتها أو محاولة التّفتّح على عالم هذه اللّوحة الرّمزية.

إنّه لَيأسرني النّصّ الأدبيّ المُتقن بعناية، واللّوحات العميقة فدائماً ما يكون لهما رنّة حادة في هدوء الصّحراء.

لكم تشدّني تلك الأنامل الّتي تُمسك بأداتها الشّعريّة وتبدأ بنقش السّيل العارم من الأفكار. فتحوّله إلى كواكب أزهريّة يدور في فلكها الفكر المنفتح، فيستنشقها كنسمة صِبا، وتتغذّاها الرّوح قبل ان تُبصر العين ألوانها الرّائقة لتدخل القلب فتُضفي عليه شُعاع الأمل وبراعم الجمال .

 علّها وليدة جبل قد بلغ ذروة الوجع قد رماه الدّهر وحيداً على قارعة النّسيان، عند جادة الوحدة في زقاق الخذلان، هائماً وسط ضوضاء الحياة، حتّى تنصهر تلك العوامل في نفس المُبدع . مكنونات مليئة بالألم يُخرجها كنفائس تتزيّن بها النّفوس ولا نعجب فالفحم مجهول القدر خامد. ولقساوة الضّغوط يتحوّل إلى ماسات نادرة.

أو تلكَ الجوهرة النّادرة الّتي تخرج من قساوة المياه المالحة مُختبئة بين جدران قاسيةُ كقطعة لؤلؤيّة نادرة الوجود .

فالماس واللّؤلؤ تحكمهما النّدرة ويربطهما الجمال ليعطيا التميّز !

خلف كُلّ ابداع نفس مشحونة بالألم والخذلان.

 انصهرت لتتحوّل إلى دُرر برّاقة تشدّ الأفكار وتطلق لها العنان وترسم لها عالماً من الجمال المفقود الّذي لا توفرّه هذه الحياة؛

 نعم، فقد حوّلت قساوة الحياة إلى جمال يشغل كلّ الحواس فيسطع النّجم. لأنَّ الأرواح تهفو لمن يناديها وقد نادت تلك الأنامل الأرواح المتعطّشة للتّجدّد الرّاغبة بالتّزود. واستطاعت أن تسوق التميّز في الثّوب الّذي لا بُدّ أن يروق للجمهور. فتتسرّب الأرواح خفافاً بين الفاف الخيال الّذي يسير فيها القهقرى، لتكوّن قصّة عاطرة ترغبُ إليها النّفوس وتلامس شغاف القلوب.

لأنها عصارة نفس قد حوّلت كُل نقائض الحياة إلى قطعٍ أدبيّة أو لوحات رمزية.

لم تكن لحظة قنوط ويأس بل كانت لمحة أمل خطفت أمام الفكر في الأفق. كأنّها خطّ برق، فلمعت الفكرة وسالت نداوتها كسيل فراشات لتبلغ الأنامل فتّحوّلها إلى تلك القطعة الدُرّية رائعة الوجود.

 

بقلم: سجى حامد الجزائري  

 

 

في المثقف اليوم