أقلام ثقافية

عُزلة قُدسية

لضجيج الحياة دويّ يُصيبُ أرواحاً قد اتّخذت بعض تلك الزوايا المُشرقة في هذه الحياة ملاذاً، تلكَ الزوايا قدْ لُفّت بغشاءٍ داكن غيرَ مُنجلٍ إلى كُلِ أفرادها. بل تستشعره تلك الأرواح الألمعيّة الخِفاف الّتي عَنَتْ باستقطابِ جوانب النّور المُتجلّي في هذا العالم. فتفاعلت معه وصهرته فِكراً مُبدعاً ينبثقُ شُعاعهُ كشذراتٍ مُتوهجة تخترقُ حُجُباً غليظةً بِخُفتّها الرّقيقة لتنسابُ شلّالاً لُجيّاً ناصع الصّفاء وتُظهر تفاصيل المُتقَن كَحجرٍ لامعٍ صلد المضمون قد توهجَ لاصطدام شُعاع الشمس بسيل النبع النقي المُنسدل على كيانه.

فقامت باستلهام سُبُل التّعارف القُدسي بين زوايا الجمال وجوانب الرّوح لتبلغ حداً من النُضج المُطعّم بالعُلى لتغدو بحراً بجوهرها. فتستنُ قانون المدّ والجَزر في هذا العالم، فتكون لا هيَ له فتنجرفُ في تياراته فيختلط إبداعها بشوائب الحياة. ولا عليها فتكون وئيدة نُضجٍ خامدٍ لا يُعطي بريقهُ ولا يُكتَشفُ مَكنونه فيضيع بينَ هنّات التغييب! لتتخذُ عُزلة كأنّها عُزلة الماس، تختبئ في مناجم التّجدد والعطاء ولكنّها لا تخرج بِكُلّها، بل بمضمونها الإبداعي فقط.

تتسوّرُ بين هضاب الهدوء لتُخرج ما يُضفي سكينة لهذا الضّجيج وجوهراً لهذا الزُخرف البهيج وجمالاً لِفكرٍ قبيح. فتهبه سِفراً أريحيّاًّ تُخالج بهِ الأفئدة الحيرى وتُجريهِ سلسبيلاً ثريّاً لقفراءِ عقولٍ فقيرة، وتهبه دفئاً لِمعالي عقولٍ فاحشة الغِنى. فتطوي بجمالها مُنّغصات الحياة وتترنحُ الأرواح طرباً بغذاءٍ قويمٍ غني العناصر.. بمفرداتها الغنّية هذه وجوانبها الثمينة تلك لم يُناسبها هذا الموج العاتي من التيارات الجارفة التي تعصِف بهذه الحياة، فتتألمُ وحيدةً وتَحزَنُ رفيقةَ عزاءٍ، لتولّدُ صبراً على هيئة فَنٍ تُتقنه فتحوله بحُزنها الى رثاءٍ نافعٍ يبعَثُ لقلوب الفاقدينَ أملاً حيّاً ..

وهذا العطاء وليد رحمٍ قد أنهكتهُ ضروب الحياة الصّاخبة وعبثيّتها فاتّخذَ العُزلة وزيّنها بروحٍ قُدسيةٍ قد أخذت سريرتها مِن سماء الوحي ووصل الخالق . ليغدو أفراده كالنّجم اللّامع المُتأصّلِ في السّماء ترتفعُ الرّؤس لتنظُر إلى بهاءه، عالياً صعب البلوغ ولا يُنالُ منهُ إلّا وهج لمعانه لِينفثُ عطراً نفاذاً تستنشقهُ شراشِرُ النفوسِ طيباً باعثاً للأمل.

سجى الجزائري/العراق

 

 

في المثقف اليوم