أقلام ثقافية

محمد عبد الكريم: العيون الزرقاء في أدب نزار قباني

تحتل العيون الزرقاء مكانة هامة في شعر الشاعر السوري نزار قباني. في جميع أعماله، يستخدم قباني هذه الصور لترمز إلى الجمال والرغبة والشوق، وحتى قدرة البشرية على التواصل مع بعضها البعض. القوة الساحرة للعيون الزرقاء هي موضوع متكرر في شعر قباني، حيث تمثل الجاذبية الجسدية وبوابة للمشاعر العميقة. يستكشف هذا المقال الدور المتعدد الأوجه للعيون الزرقاء في قصائد قباني، ويسلط الضوء على تأثيرها على تصور القارئ للحب والشهوانية والتواصل الإنساني.

تظهر العيون الزرقاء في العديد من قصائد القباني كرمز للجمال الجسدي والرغبة. غالبا ما يصف الشاعر عيني محبوبته باستخدام عبارات مثل العيون الداكنة باللون الأزرق السماوي أو عيون مثل السماء عند الغسق. تثير هذه الاستعارات الحية إحساسا بالشوق والرهبة، مع التركيز على التأثير الآسر للعيون الزرقاء على الناظر. من خلال هذه الأوصاف، يدعو قباني القارئ إلى تقدير الجاذبية الجسدية للعيون الزرقاء والعمق العاطفي الذي تعكسه.

وبنفس القدر من الأهمية، كيف أصبحت العيون الزرقاء تصويرا للشهوانية في شعر نزار قباني. غالبا ما تربط صوره العاطفية للعيون الزرقاء بالتجارب الحميمية الرقيقة. يكتب عن فقدان الذات في أعماق تلك العيون الزرقاء الجذابة و"الهمسات الحسية التي تنبعث منها". هنا، لا تمثل العيون الزرقاء الانجذاب الجسدي فحسب، بل تمثل أيضا الشهوانية والرغبة التي غالبا ما تتشابك معها. إن استخدام نزار قباني للعيون الزرقاء كرمز للشهوانية يضيف طبقة أخرى من العمق إلى قصائده، مما يثير استجابة حسية داخل القارئ.

علاوة على ذلك، أصبحت العيون الزرقاء تعبيرا عن الشوق والحب غير المتبادل في أبيات نزار قباني. من خلال استخدامه لهذه الصور، فإنه ينقل الألم والشوق للرغبة التي لم تتحقق. وفي قصيدة بعنوان "عيون زرقاء بعيدة عن متناول اليد"، يقول قباني: "ستبقى عيناك نسيجا... وقلبي إلى الأبد يحمل شوقا". العيون الزرقاء، التي يُنظر إليها على أنها جمال بعيد المنال، تمثل حبا لا يزال بعيد المنال. يعزز تصوير الشوق هذا الشعور بالضعف والكثافة العاطفية في شعره.

ومع ذلك، يستخدم قباني أيضا العيون الزرقاء لتمثيل العلاقة بين الأفراد، وتسليط الضوء على دورهم كنوافذ للروح. في كتابه "رموشها كالحبر" كتب: "عيناها صلاتان مقدستان لا تمران دون إجابة". من خلال هذه الصور، يشير الشاعر إلى أن العيون الزرقاء تمتلك القدرة على إيصال ليس جمال الشخص فحسب، بل أيضا عمق عواطفه ورغباته. إن تصوير العيون الزرقاء كقناة للروح يدعو القارئ للتواصل مع شخصيات وموضوعات شعر قباني على مستوى أكثر عمقا.

علاوة على ذلك، فإن العيون الزرقاء بمثابة استعارة لقدرة البشرية الفطرية على التواصل مع بعضها البعض. في كتابه "النار داخل عينيها الزرقاوين"، يكتب قباني: "العالم لا يشعر بالنار إلا عندما يحترق داخل تلك العيون الزرقاء". هنا، يشير قباني إلى أنه من خلال نظرة العيون الزرقاء يمكن للمرء أن يفهم العالم من حوله ويتعاطف معه حقا. تمثل هذه الفكرة الإنسانية المشتركة وإمكانية التعاطف والتفاهم الموجودة داخلنا جميعا.

تستكشف العيون الزرقاء في شعر القباني أيضًا الانقسام بين العالمين الجسدي والعاطفي. وبينما تمثل الجمال الجسدي، فإنها تكشف في الوقت نفسه عن أعماق مشاعر الشخص. على سبيل المثال، في "همسات العين الزرقاء"، يكتب قباني: "لقد تدفق قلبي من فمي من خلال فتح عينيك الجميلتين". تشير هذه الصور إلى أن العيون الزرقاء هي بوابة للتأمل العاطفي للفرد وقدرته على التعبير عن الضعف العميق. من خلال الجمع بين الجسدانية والعاطفية، يؤكد قباني على تعقيد وترابط التجربة الإنسانية.

وفي الختام، فإن تصوير العيون الزرقاء في شعر نزار قباني يشمل مواضيع وعواطف مختلفة. من تمثيل الجاذبية الجسدية والشهوانية إلى رمز الشوق والحب غير المتبادل والاتصال العاطفي، فإن العيون الزرقاء لها أهمية متعددة الطبقات في شعر القباني. ومن خلال استخدامه البليغ للصور، يحيي قباني الجاذبية الآسرة والعمق العاطفي الذي تمتلكه العيون الزرقاء. تدعو هذه القصائد القراء إلى التفكير في جمال وتعقيدات العلاقات الإنسانية والعواطف، مما يترك انطباعًا دائمًا عن القوة الموجودة في هذه القزحية الزرقاء الساحرة.

نموذج من قصائد نزار قباني في العيون الزرق:

رحلة في العيون الزرق

أسوح بتلك العيون

على سفنٍ من ظنون

هذا النقاء الحنون

أشق صباحاً .. أشق

وتعلم عيناك أني

أجدف عبر القرون

جزراً .. فهل تدركين ؟

أنا أول المبحرين على

حبالي هناك .. فكيف

تقولين هذي جفون؟

تجرح صدر السكون

تساءلت، والفلك سكرى

أفي أبدٍ من نجومٍ

ستبحر؟ هذا جنون..

قذفت قلوعي إلى البحر

لو فكرت أن تهون

على مرفأٍ لن يكون ..

عزائي إذا لم أعد

أفي أبدٍ من نجومٍ

ستبحر؟ هذا جنون..

***

قذفت قلوعي إلى البحر

لو فكرت أن تهون

ويسعدني أن ألوب

على مرفأٍ لن يكون ..

عزائي إذا لم أعد

أن يقال: انتهى في عيون..

***

محمد عبد الكريم يوسف

 

في المثقف اليوم