أقلام ثقافية

الشاعرة السورية فاديه عريج تكتب حروف قصائدها على جدار الروح

shaker faredhasan2في مساء الغياب وجهك

بعينيك ربيعي

جاوزت به الأسماء والأشياء

يا ساكني...

أشواقي تستبق الجهات

أرسمك في رعشة احلامي

واشتعال القرنفل في المساء

سرائر بوحي يفضحها الأنين

فتصدح الآهات

ترتجف الكلمات

اوقظ اعين الحلم

أخط على شراع عنواني

أرسم الحان الأغنيات

لن يموت العشق في الصحراء

برحيلك...

لم ينثر الورد عطرًا

صلى على شرفات ايامي ونام

نورسة أنا على شواطئك القاحلة

ارتشف نبيذ شمسك

عند الغسق في كل مساء

تبعثرني الزرقة

أتوه فضجيج صمتك

يأسرني الدر

الساكن في الأعماق

كم أحسست بالنشوة وأنا أداعب هذا النص المدهش للشاعرة السورية المتألقة فاديه عريج، وأعايشه وأحلق في أجوائه، متلمسًا جمالية استشفها، فهو نص يحمل شحنات وزخات عاطفية انفعالية، وبوح وجداني شفيف.

فاديه عريج شاعرة ناعمة رهيفة الاحساس، تحلق في فضاء العشق والهمس والتأمل، وتخط نبضات قلبها بحروف حريرية، وكلمات بعبق الياسمين، وترسم عناوينها تحت ظلال قصائدها وأناشيد الخلود، حالمة بالحرية، وأنغام المحبة.

وكنت تقريت نصوص فاديه عريج الشعرية، التي تجود وتطل علينا بها بين حين وآخر على شاشات المواقع الالكترونية، وصفحات شبكات التواصل الاجتماعي، ولها مجموعة شعرية بعنوان"عارية الحواس"، وقد شدتني بلغتها الشاعرية الغنائية السهلة الانسيابية بنكهة وجدانية وطعم دمشقي.

كتابة فاديه عريج بسيطة عميقة مكثفة موحية، بعيدة عن التعقيدات والاعجاز اللغوي، تخلو من التكلف والتصنع والوعورة والرمزية، وتتصف بالسهولة لفظًا ومعنى، ووفرة اللفظ في الشعر الوجداني العشقي، وتصور مشاعرها بسلاسة وحرارة بصور فنية جميلة تبهر المتلقي.

وقصائدها ذات خصوصية وسمات انسانية، وهي تخوض في موضوعات شتى متباينة الأغراض والأهداف، تعالجها من زوايا ورؤى كثيرة التفاوت، زاخرة بالدلالات والايحاءات الشفافة.

وتخاطب فاديه عريج بمشاعر الحزن والشجن والأسى وطنها السوري، الذي يفترش أرصفة الجليد والألم، وتتلاقح فيه المصائب، وتتوالد بالموت والتشرد، والمها وحزنها هذا نابع من رهافة حسها، فتقول:

حزينة أنا يا وطني

ألملم من تخومك المشردة

بعض غدي..!

أحلام الطفولة

دموع الثكالى

قلوب الأمهات

افترشت أرصفة الجليد والألم

ماتت في بحورك وجوه النهار

والفرح مصفد باغلال الظلم

فاديه عريج في قصائدها، تناجي الحبيب، تتمرد على القهر والظلم، تحب الطبيعة وجمالها، تكره شلالات الدم، تحلم بالحياة والاستقرار، تتمنى أن تنعم البلاد بالسلام، تداعب النجوم وتغرد على ساعديها العنادل، وتنمو على راحتيها البراعم.

وهي شاعرة حداثية في خطابها، تمتلك الأدوات الفنية والرغبة الحقيقية لأن تكون لها خصوصيتها المميزة، وخصوصية حضورها في حدائق الشعر، وتنجح في فرض ذاتها كشاعرة صقلت موهبتها بالتجارب والقراءات الشعرية والأدبية والأخذ بالملاحظات.

فاديه عريج تتقن بناء النص بفنية عالية ولباقة مدهشة، وتدر علينا شعرًا وجدانيًا، عاطفيًا، انسانيًا، وطنيًا، عذبًا، رقراقًا، مسكونًا بالخيال الواسع والصور المبتكرة، مع جمالية الموسيقى الشعرية التي تطرب القلب.

ويلاحظ القارىء المتتبع لقصائدها فضائية النص، ونبض الروح، وجمالية الكلمة وروحانية العبارة، والمزاوجة بين الحلم والواقع، والروح الشفافة العابقة بأريج المطر وعناقيد الوفاء وأجواء الدهشة.

فاديه عريج شاعرة متأنقة في كتابتها، وبوحها الراقي، وكلماتها الليلكية، وصوتها الشعري الشذي المخملي، وهي ترى في الكتابة انغماس الى حد الجنون في عالم القصيدة، وتعبير عن خلجات النفس، وتصوير الأحاسيس والمشاعر المتدفقة والانطلاق نحو عالم مجنح من الأحلام والآمال العريضة، فلم تصغ لطقوس الشكل والحركة الشعرية، بل آثرت أن تخرج قصيدتها حرة دون قيود كما تدور في مخيلتها كي تحافظ على صدقها وعفويتها ورونقها التعبيري، وتجيء زاخرة بالصور الشعرية المكثفة الجميلة، والحلم الشعري.

وقد استطاعت فاديه عريج أن تحفر اسمها على صخرة الابداع، وتتبوأ مكانة مميزة في المشهد الشعري النسوي السوري، فلها خالص تحياتنا، والمزيد من النجاح والعطاء والتألق والشهرة المستحقة.

 

بقلم: شاكر فريد حسن

 

 

في المثقف اليوم