أقلام ثقافية
رسالة الادب
الانسان ومنذ أن بدأ باستنشاق تيارات الهواء وأصبح التّنفس ملاكاً لبقائه، اكتشف أنّ الكون وما يحتويه من تفاصيل وأنظمة هائلة بدءا من أعظمها وأكبرها. وهو عالم الفلك العلويّ وما يجمع من تفاصيل دقيقة وعجيبة ومن ثمّ المخلوقات الموجودة ما بين السّماء والأرض وما في باطن الأرض وأعالي السّماء وسبل الحياة على ظهرها وارتباطه بباطنها وعلاقة الخلق بالفلك وغيرها من التفاصيل الكثيرة. علِمَ عندها أنّ الكون لم يخلق عبثاً، كذلك نفسه بل إنّ كلّ شيء خُلق وفق تقدير وتدبير مُحتّم. بدأ بعدها بسبر اغوار نفسه وحاول الاكتشاف والاختراع والابتداع والتّطوير بما يخدم البشريّة كافّة. ويسهّل طرق تعاملها مع موجودات الحياة بطريقة سلسلة ومباشرة، وان كانَ للجانب العمليّ دوراً مهمّاً وأثراً فعّالاً فإنّ للجانب المعنويّ الأثر الأهم والأكبر، وهو مناط تقدم الدّول وتمييز مكانتها الثقافية من بين المجتمعات. لذا فقد سعى الإنسان منذ القدم إلى تطوير رابطة تواصل بين الأجيال والمجتمعات والشّعوب. وكانت مادّة هذا الرّابط هي الفنّ بمختلف توجّهاته وتطلّعاته. فقد انطلق كوسيلة مهمة لنقل رسائل سواء أكانت هذه الرّسائل اجتماعية أو سياسيّة أو دينيّة أو غيرها. وكان الوجه الأكثر انتشاراً ورواداً هو فن الرّسم والشّعر والكتابة الأدبيّة ولا زال هذا النّوع الفنّي رائجاً ومهمّاً في نقل تطلّعات ووجهات وثقافات الأفراد والشّعوب . والوجه الأهمّ فيه هو كيفيّة معالجة الواقع الاجتماعيّ بما يعترضه من ملابسات وقضايا سواء أكانت أخلاقيّة أو فكريّة في مختلف الأزمنة والعصور. أغلب هذه الرّسائل تنمّ عن طريق الكتابة الأدبيّة بمختلف أقسامها وألوانها. وبما أنّ الوجود الإنسانيّ هدفه تعميم السّلام وزرع النّبل وحصاد الخلق الرّفيع الّذي يفضي إلى الخير المطلق، وهذه غاية إنسانيّة منشودة بغضّ النّظر عن شواذ القاعدة. لذا فالرّسائل الأدبيّة الإنسانيّة العريقة ينبغي أن تكون كذلك ، هدفها المعالجة لا الإعلال. الجبر لا الكسر، البناء لا الهدم الارتقاء لا الهبوط. لا يجب أن نقول إنّ الغاية تبرّر الوسيلة بل إنّ الغايات بالوسائل. وما دامت الوسائل نقيّة فالغايات ستكون صافية لا شائبة تعتريها. لذا فالهبوط الأدبيّ بمختلف أنواعه لا يُبرَر بالغايات مطلقاً بل إنّ الهدف الإنساني النّقيّ صافي المعين لا بد من أن يكون مهذّباً ملتزماً بالمعايير الخلقيّة المؤدلجة بأطُر الأهداف السّامية الباعثة للخير والصّلاح ..
بعض النّفوس تؤيد الطّرق اللّاأخلاقيّة للكتابة الأدبيّة والتّبرير المتّبع عندهم أنّها واقع حال. الواقع المهترئ لايُجسّد! فكل فكر منحرف غير مقبول خُلقياً لا يجب أن يطرح على السّاحة كي لا يأخذ مساحة قبيحة واسعة تزيد القضيّة تبعثراً وازدراء ..
السّوق السّوداء طالت الأدب وضمّته إلى طاولة التّجارة المربحة. هذا النّوع لم يعد أدباً بل خلعاً لثياب الحياء الأدبيّ وعرضاً واضحاً لأمراض النّفوس .
سجى الجزائري