أقلام ثقافية

كامرا علي الحديثي وشبكته في المعبث

ويحدث أن يكتب الكاتب نفسه في نصوصه...

علي الحديثي يكشف لنا جوانب من حياته في مجموعته القصصية "المعبث" الصادرة عن دار ميزوبوتاميا / بغداد ٢٠١٣ ..

في ١١٢ صفحة وكأن كل قصة جزء لا يتجزأ من حياته..

رغم بساطة القصص ولكن تغلبت عليها الواقعية الذاتية بحيث تتعرف على القاص من أيام طفولته ودراسته إلى أن أصبح أستاذًا، كما تتعرف على علاقته بالأشخاص، بالأشياء، بالأدباء، بالكتب، مواقفه وظروفه الخاصة من وفاة الأبوين، انعزالاته، اختلافاته، حبه، جنونه، حكمته.. إلخ.

ما لاحظته في تجسيده للصور يُحاول دائمًا الجمع بين صورتين في مشهدٍ واحد:

نقرأ في ص١٤ من قصة "برغم أنفك يا موت... قبّلتني" :"لطالما حملتني صغيرًا على كتفها، فهل سيتعب كتفي اليوم حملها كبيرًا؟!

بهذه الكلمات أجبت صاحبي وهو يطلب مني أن يساعدني في حمل تابوتها، إلا أن الفرق بيننا إنها حملتني مسرورة، وحملتها حزينًا، ما أرقّ جسدها وهو يرقد على كتفي...

- حتى في موتكِ يا أمي ترفضين أن تتعبيني.

نرى في هذا المشهد صورتين، صورة حمله لوالدته وهي مغادِرة الحياة، هذا ما سبّب الحزن له، بحيث كأنه انعزل عن محيطه كلما أراده أن يحمل والدته لآخر مرة في حياته.. والصورة الأخرى استذكاره لوالدته وهي على قيد الحياة حيث كانت تحمله وهي في غاية السرور.

أمّا في قصة "صورتان" صفحة٨٤: "أدرنا رأسينا إلى الوراء.. أحمد.. محمد.. عباس.. صلاح.. الرَحلات ملأى بهم، قمنا جميعًا نحيي الأستاذ (مجيدًا) معلم القراءة، وهو يدخل علينا بالابتسامة والعصا... أنصتنا.. ولا ندري أحبًا بالدرس أم خوفًا من العفريت الذي بيده..  كُنا تلاميذ وكانوا أساتذة... كُنا أبناء وكانوا آباء... حتى كدنا نظن أن لكل واحد منا أبين.... أما اليوم فلولا فارق السن لما عرفنا من التلميذ ومن المعلم؟.. كنتُ أريد أن أُحدثكم عن الفارق بين الأمس الحي.. واليوم الميت.. تمنيتُ ذلك لولا دخول العاملة إلى الصف لتقول لي:

- عفوًا أستاذ... المدير يريدك.....

في هذا المشهد صورتان مختلفتان، صورة المعلم السابق بمكانته السابقة العالية في قلوب تلاميذه وفي المجتمع، والصورة الأخرى مكانة المعلم اليوم حيث قَلّت تلك المكانة وكأننا نسينا أن كاد المعلم أن يكون رسولا!

في صفحة ٥١ من قصة "ذات ليلة": ساعتين.. ثلاثًا.. لم يُطرق الباب.. استلقت على فراشها.. وراحت تتقلب فوقه إلى أن سمعت صوت المؤذن يدعو الناس إلى المقابلة الإلهية، فعضت شفتيها وهي تتمطق بهما، إلا أنها لم تستطع أن تمنع دموعها عندما عرفت أن صوت المؤذن هو صوته... وأنه تاب وعاد إلى ما كان عليه.

في هذا المشهد صورة توبة المحب واستبداله حبا دنيويا فانيا بحب إلهي باقٍ بعد أن كان فيما سبق "... كان يصرّ كل ليلة على أن يقبلها من شفتيها عند أذان الفجر ولا يتركهما إلا عندما ينتهي الأذان..."٤٩.

نستطيع أن نقول بأن القاص علي الحديثي قد وُفّق في تنسيق الصور في مجموعته القصصية هذه، وقد اضاف لها جمالاً مغايرًا، فهو له خبرة في الحياة وله خبرة على إعادة صياغة خبرته في الحياة، وليس كل من يملك خبرة في الحياة يستطيع صياغتها في كتاباته، لذا نستطيع أن نقول هذا ما مَيّز هذه المجموعة القصصية.

***

آشتي كمال

 

في المثقف اليوم