أقلام ثقافية

آخر ما قرأت: بلَوريات.. مجموعة شعرية جديدة للشاعر محمد بن جماعة

589 بلورياتبلَوريات ـ مجموعة شعرية جديدة للشاعر والقصّاص محمد بن جماعة الذي يواصل نحت بصماته ويجعل من البساطة في شعره أغوارا عميقة وأبعادا لا متناهية فينطلق من العادي المتداول والمعاش ليجعل منه حقولا خصبة من الدلالات والرموز كقوله

في المدرسة وأنا طفل فقير

مسكتْ بيدي صديقتي الثريّة

أخذتني إلى دكان قريب

اشترت لي هلكة ـ الفيل ـ

صُمت بعدها عن الطعام

لحلاوتها

وكذلك خين نقرأ قوله

في المقهى

يجلس مراهق

يرتشف قهوته

يستلّ رجولته من جمرة السيجارة

ولأن الواقع الجديد يما فيه من مستحدثات أضخت ملازمة لحياتنا اليومية فقد تأثر الشاعر بها وجعلها من أهم العناصر في صُوره الشعرية، حيث يقول مثلا

أنا لست أنا

أناكائن فايس بوكي

أداعب فأرة

أنْستني ملمسَ يديكِ

فكم هي بليغة هذه الصورة التي جعغل فيها الشاعر الإنسان المعاصر يفقد بعده الإنساني الإصيل ويصبح متفاعلا إلى أبعد الحدود مع الآلة..,هذه إدانة صارخة للواقع الجديد الذي أصبحنا نحيا فيه ربما بشعور كائن آخر غريب يشبه كل شيء إلا الإنسان…

ـ 2 ـ

جنازة سماوربة ـ للروائيّة الصينية ـ شينران ـ وهي من مواليد 1958 وهاجرت إلى لندن بعد أن عملت سنواتٍ عديدةً مُقدِّمةَ برامجَ اِجتماعيةٍ في الإذاعة الصينية وقد ترجم هذه الرواية من الفرنسية الأديب عبد المجيد يوسف والرواية بطلتها زوجةٌ شابة تمضي في رحلة إلى بلاد التّبت لتبحث عن زوجها الذي انقطعت الصلات به في وقائع غزو الصين لبلاد التبت تلك البلاد التي تعتبر سقف العالم فتمضي الكاتبة في تصوير معاناة الناس والتأكيد على تحدياتهم للطبيعة الشّرسة وما ألطفها بالنسبة للمآسي التي سردتها

والقصة في أبعادها هي اِنتصار للقيم الإنسانية الخالدة وإدانة للأنظمة التسلطية التي تستمد قهرها للشعوب من خلال المفاهيم التي رسختها عصور الجهل فالمرأة الصينية في الأرياف مازالت تعتقد ان زوجها بمثابة الإلاه وقد أكدت ذلك الكاتبة شينران في إجابتها عن هذا السؤال ـ  كانت الصينيات يعتقدن – ولا زلن يعتقدن في الريف – أن أزواجهن آلهة. هل لاحظتِ تغيراً كبيراً بين وضع المرأة الصينية حين كنتِ تقدمين برنامجك الإذاعي ووضعها الحالي في المجتمع؟

فأجابت شينران قائلة : الصين بلد مترامية الأنحاء، تقريباً في حجم أوروبا بأكملها، وهناك فجوة عظيمة بين المد والأرياف. لذا تختلف توجهات الصينيات وفقاً لموقعهن أو حتى الجيل الذي ينتمين إليه. وفي الأغلب لا تختلف رؤية ساكنات المدن للحياة عمّن يعشن في الغرب لأنهن حصلن على قدر من التعليم. ولكن الريفيات الفقيرات لا زلن يعشن بالمعتقدات والتصرفات التقليدية ذاتها التي اِعتنقتها الأجيال السابقة.

إنها رواية جديرة بالقراءة لأنها نافذة نطل منها على منطقة نائية من العالم لا نعرف عنها الكثير

ـ 3 ـ

عشق واحد ـ للشّاعرة التونسية فريدة صغروني وقد نشرت هذا الإصدار الأول باِعتباره باكورة نصوصها التي تتراوح من التعبير عن الوجدان الذاتي المكلوم إلى تصوير بعض المظاهر الاِجتماعية بما فيها من معاناة ومظالم ونقرأ أيضا نصوصا شعرية ترصد بألم الأوضاع العريية المترديّة وتستبطن التاريخ فتستحضر بعض الرموز الوضاءة في تراثنا الزاهر

إن قصائد البوح في هذه المجموعة بادية بوضوح من خلال المقدمة إذْ تنطلق من تجربة ذاتية مأساوية فاَكتسبت قيمة الشهادة من ناحية وحقّقت بكتابتها ملاذا من ناحية أخرى فالشّعر يمكن أن يكون إذن تعويضا وسندا عمّا نفقده أو عمّا نحلم به ومن هذه الزاوية يمكن أن تمثّل الكتابة بَلسمًا وراحةً نفسية يستعيد بها صاحبها توازنه ليواصل الحياة

لم أقرّر في يوم أن أكون شاعرة

ولم أكن أنوي قطّ أن أكون كذلك

ولكنّ القدر بجبروته وبقدريّة قدرته

بسخرية لعبته وبحكمته

هو من قرّر ذلك

فكتبت عن عشقي

الموت والحياة

الحب والثورة والغضب

عن القدر والزمان

الطفولة والمرأة والإنسان

الليل والصبح والشجر

وقد قدّم لهذا الكتاب الشّعري الأديب الدكتور منوّر نصري فلاحظ أن البُعد التربويّ البيداغوجيّ ظاهر بوضوح في كثير من النصوص بالإضافة إلى الحضور الواضح للهواجس الوطنية والعربية وفي المقدمة إلماحات نقدية مهمّة مثل تساؤله الطريف عن الفرق بين طريقة قراءة الشعر والنثر وكذلك كيف يمكن لنا التمييز بين النصوص السردية والنصوص

الشعرية عندما تغيب المميزات الشكلية من وزن وقافية وإيقاع

والكتاب الشعريّ ـ عشق واحد ـ لفريدة صغروني قد جمع أنواعا مختلفة من أشكال النصوص الأدبية ولعلها بذلك قد هتكت الحواجز الشكلية في سبيل التعبير عن وجدانها االعارم في خضمّ ما لاقته من محن فكانت الكلمات لها زورق النجاة...أوَليس الأدب مأساة أو لا يكون

ومن النصوص الشعرية المتميّزة التي قرأتها ـ صاحبة العجلة ـ الذي تقول فيه

ليست صاخة العجلهْ

من أمرها على عجلهْ

ها أنا أمامكم من أدفع العربهْ

ذات العجلهْ

فتنتصر فيه للمرأة الكادحة وإلى قيم العمل والكرامة مع إدانة واضحة للمجتمع الذي تخاطبه قائلة

يكاد ينكسر من همّه

من ظلمه ظهري

ولكن همّتي حصينة عن القهر

وكبريائي

منيعة عن الكسر

عصيّة انا على دهري

فأنا لست منك يا شعبي

ليست الشاعرة فريدة صغروني الأولى والوحيدة التي ثارت على شعبها فقد سبقها أبو القاسم الشابي في ذلك منذ

عشرات السنين في قصيدة ـ النّبي المجهول ـ

 

سُوف عبيد - رادس ـ تونس

https://www.soufabid.com/

 

في المثقف اليوم