أقلام ثقافية

رواية: إنانا ونبّاش القبور لسالم بخشي.. تجديد روائي من أجل بَوْحِ المعاناة

حسام محي الدينإستطاع "سالم بخشي" الروائي العراقي المتألّق في روايته "إنانا ونبّاش القبور" الصادرة عن دار ضفاف في بغداد عام  2018  أن يضعنا على منصّةِ معاناته المجتمعية العفوية، التي تتأتّى من مأساوية المشهد العراقي بين الحرب والموت والظلم والتهجير، في حيرة الرؤيا الوجودية النابعة من أسئلة المصير الانساني التي تحضر في تاريخ كل أمة من الامم، والتي تقدم لنا المعادل الموضوعي لذلك الواقع الذي لا يفتأ يطارد شخصياته في ذواتهم المتشظية بين مشاعر مختلفة من حب الولد والزوج الى حب الوطن والارض، إلى اظهار وحشية الحكام في فترات محددة، وهو – أي الكاتب – في كل ذلك لا يحاولُ اخفاء شخصيته وموقفه الروائي بشكل تام، وانما يظهر بين الحين والآخر كراوٍ عليم داخل كَوْنِ القصّ في اللحظة التي لا تعود الحاجة ماسّة الى سرد الشخصية الروائية بعد أن تستنفد ما يجب ان تقوله . وبمعنى آخر فإن تبادلاً لوظيفة الراوي العليم تنتقل بين مشاهد الرواية بين الكاتب وشخصياته كل على حِدَة، بسلاسة ابداعية لا يكادُ يحسُّ معها القارىء بتبدُّل ضمير الغائب (الكاتب)  بضمير المتكلم (الشخصية) وذلك لانغماسه في تقصي التفاصيل المتسلسلة مع تصاعد الحدث الروائي . واذا ما اشتعلت الرواية بالصور الرمزية بين إنانا والشيطان والخضر وغيرهم والتي تحاول التعبيرعن دلالات مأساوية الواقع العراقي في فترة ما،  فإن  تقنيات الرواية الجديدة قد حضرت بقوة في بِنى النص السردي، فمن ثبات المكان وتماهي الازمنة، الى الانحرافات السردية المتكررة، الى حلقات سردية متداخلة، فضلاً عن كسر النمط الكلاسيكي لصورة البطل الروائي المعروفة، حيث جعل الكاتب شخصيات روايته متساوين في البطولة، ولكلٍّ منهم دوره المؤثر في مجريات احداثها، بما يخدم غاياته الفنية، ويجسدُ كينونة تلك الغاية أصدق تجسيد . وغير ذلك فإن "سالم بخشي" لمس معاناة الانسان العراقي بمطاردته تفاصيل حياته اليومية المُرهقة، والامساك بتلابيبها وتوليفها في سردية طرية العود أطلقها بعدئذٍ إلينا - الى المتلقي او الجمهور – مقتفياً سمات تاريخ المجتمع العراقي عبر سنواتٍ طويلة سابقة ولاحقة لروايته بحيث تصلح لأن تتكلم بإسم العراقي المؤمن الصالح المسالم المقهور في كل حين ومكان من تاريخ العراق الحديث . فمن "رغد" التي تعاني في دفن أبيها، الى الأم (أم حكيم) التي مات أبناؤها وحفيدها في تفجير انتحاري، كما واستشهد زوجها في حرب 1973، الى " ام ثامر " التي ايضاً توفي ولدها، إلى حادثة جسر الكاظم التي أيضاً راح ضحيتها المئات من الشهداء، كان كلُّ ذلك التاريخ والحاضر - وربما لاحقاً المستقبل - المأساوي من الموت سائداً في ثنايا النص السردي للكاتب، الذي كان صوت المعاناة لذلك المواطن العراقي المطحون معنوياً وعضوياً  تحت عباءة الانظمة او السياسات التي تتوالى على التحكم بالبلاد والعباد، والذي - أي الكاتب - نجح  في ايصال موقف وجودي متقدم مما يعتري العالم من حوله .  إنّ قراءةً نقدية وافية لرواية " إنانا ونباش القبور " في عُجالة، لا تحيط بمجملِ سماتها الروائية في اسئلة الدِّين والمحبة والحرب والموت ولكنها بالتأكيد أرضية صلبة لتأسيس وانطلاق إرادة الوصول الى تحديد المصير الانساني والاجابة عن أسئلته التي تُطرح في كل مكان وزمان عبر التاريخ .

 

حسام محيي الدين  / لبنان

 

في المثقف اليوم