أقلام ثقافية

عناوين في ذاكرة الجنوب...

حسن حاتم المذكور1 ـ كان لي عنوان، رسمت حروفه على ظل نخلة مسحته الحروب، حرفيه الأول والثاني، مجزرة اسماك، وطيور غادرت اهوارها، كان الحرف الثالث، معاناة شاعر مسلول، نزف سعاله قصيدة ناقصة، بعد موته استعار الحرف الرابع قافية لنعشه.

ـ هل مات الجنوب في الجنوب، فأستعار عنواني كفناً؟؟ سألت.

ـ تقاسموه قبل ان يموت، واستوطنته اسمائهم اجابت بيوت الطين.

ـ والهوية؟؟ سألت

ـ من اي كهف جئت متأخراً؟؟ لم يبق مضمون للهوية، سوى غلاف منقوشاً عليه "الله اكبر"، ربما للتمويه ـ اجابت

ـ لماذا لم يعلن الجنوب موته؟؟

ـ اسماء الأجداد منحته الف روح، لا زال الأول عصي على الموت.

2 ـ في الطرقات التي عبرتها، ثمة ابخرة للخلود، سألت الغرباء:

ـ اين مقام جدنا جلجامش؟

ـ لا يوجد هنا  ضريح لسماحة اية الله العظمى جلجامش "قدس الله سره"، اجاب الغرباء.

علمت اني ليس في الجنوب العراقي، ربما في اصفهان او قندهار، قضيت ليلتي، بين شتلات عنبر تتكي خصورها على قوام نخلة، سرق النعاس يقضتي، سافرت في احلامي ابحث عن عنواني، في اليوم التالي، استيقضت على صباح ليس جميلاً ولا مألوفاً، يزفر رائحة الكراهية ويمضغ الفرح والأغنيات، في شوارع تبكي، ثمة كيانات متوحشة صغيرة، تفرغ رصاصاتها في صدور نخيل فاقد نصف ظله، سقطت خصور العنبر، وشرب الدخان عطرها، هناك موت مستهتر يعاقب طبيعة الأشياء، نخلة مقطوعة الجدائل تسألني:

ـ هل تعرفني يا حفيدي؟

ـ فيك رائحة جدتي

ـ نعم هي انا، عليك ان تخرج من دائرة الموت وتقاسم العناوين.

ـ ومتى اعود جدتي؟؟؟.

ـ عندما يعود العائدون، ثم نزفت روحها، فاستغاث الرب وبكت السماء وخجلت من هويتها الأرض.

3 ـ قبل ان اتخذ قراري، بين ان اواصل البحث عن عنواني، ام ادفنه خاطرة ميتة في مقبرة الذكريات، شاهدت فصيل مليشيات، يسحق اضلاع الشوارع، في حراك متوحش، يبحث عن قصيدة، كتبها شاعر متمرد، اخطأ رأسه كاتم الصوت، وهرب جريحاً، خفت ان اكون المتهم، انا الذي ولدت جريحاً، استوقفتني سيدة ثلاثينية، مسحت ملح دموعها، ثم سألت.

ـ أأنت الذي يبحثون عنك؟؟

ـ لا.. كأي هامشي انا، ابحث عن عنواني.

ـ لكنك جريح ايضاً؟؟؟

ـ هكذا ولدت، اين انا الآن؟؟؟

ـ على تراب الجنوب ـ قالت ـ

ـ لكن الأرض هنا لا تشبه نفسها، هل غيرت الأبخرة عطرها؟؟

ـ نعم والشعراء غيروا نصوصهم، والدولة صادرت القوافي، والوسطاء تحاصصوا حروف اسم الله ـ اجابت.

4 ـ امسكوه انه الشاعر الذي كتب القصيدة، وهذا الجرح في عينيه دليل، استقرت رصاصات الفصيل في صدري، قبل ان اختنق بموتي، ايقضتني صرخة.

ـ "بابا.. بابا.. لا تخاف، انا ساري اگعد تريگ، ليش تبچي بابا؟؟".

ـ  كالأخرين يا ولدي، أبحث عن عنواني في تراب، لا يموت فيه الجنوب.

 

حسن المذكور

 

في المثقف اليوم