أقلام ثقافية

غوغول استاذا جامعيا

ضياء نافعكان غوغول تدريسيا في جامعة بطرسبورغ العريقة للفترة من ايلول/ سبتمبر العام 1834 والى نهاية العام 1835 (ولازالت صورته لحد الان موحودة على جدران تلك الجامعة ضمن صور اساتذتها المشهورين والمتميزين،المعلقة في الممر التاريخي الكبيرفيها، وقد رأيتها شخصيا عند زيارتي لتلك الجامعة)، وكان يلقي محاضرات للطلبة في التاريخ، وفي تلك الجامعة قدّم غوغول محاضرته الشهيرة عن الخليفة العباسي المأمون، المحاضرة التي استمع اليها آنذاك بوشكين وجوكوفسكي، والتي قال عنها بوشكين رأسا - (انها ممتعة!)، ونتوقف في مقالتنا هذه عند بعض تفصيلات هذا العمل التدريسي، الذي مارسه غوغول، وهو – من وجهة نظرنا - موضوع طريف وغير اعتيادي بتاتا في تاريخ الادب الروسي وخصوصا للقارئ العربي (رغم ان هذا القارئ يعرف محاضرة غوغول عن المأمون، التي ترجمها بشكل رائع صديقي وزميلي في الدراسة كامران قره داغي في السبعينات ببغداد، وتناول هذه المحاضرة بعض الباحثين العرب ايضا عندما كتبوا عن الموضوعة العربية في الادب الروسي)، ونحاول (محاولة ليس الا) ان نعرض في مقالتنا هذه جانبا شبه مجهول في سيرة حياة هذا الاديب الكبير في تاريخ الادب الروسي و العالمي طبعا، و نحاول ايضا ان نجبب عن سؤال - هل كان غوغول يصلح ان يكون استاذا جامعيا في جامعة بطرسبورغ، ولماذا لم يستمر في عمله الجامعي آنذاك؟

تحدثت بعض المصادر الروسية عن فترة عمل غوغول في الجامعة، وأشارت هذه المصادر الى السمعة العامة عنه (ان صحّ التعبير)، والتي كانت تتمحور في انه كان (محاضرا ضعيفا)، وانه لم يكن ملتزما في الدوام ولم يخضع لضوابطه الدقيقة كما يجب في الجامعات عموما، بل ان بعضهم تحدث عن تأخّره حتى عندما حضر بوشكين وجوكوفسكي للاستماع الى محاضرته عن الخليفة المأمون، رغم انه كان يعرف بانهما سيأتيان خصيصا للاستماع الى محاضرته تلك . وكتب تورغينيف في مذكراته عن غوغول المدرّس في الجامعة قائلا – (... انه كان يتكلم همسا، وجمله غير مترابطة، وان الجميع كان متفقا انه لا يفقه في التاريخ، وان غوغول المدرّس لا يمتلك اي شئ مشترك مع غوغول الاديب والكاتب ..)، وجملة تورغينيف هذه تحتوي على خلاصة دقيقة لتلك الآراء العامة في الاوساط الروسية حول عمل غوغول في الجامعة، الا ان بعض الباحثين يرون، ان غوغول المدرّس هو نفس غوغول في الادب، اي انهم غير متفقين مع تورغينيف، الذي ذكر، ان (غوغول المدرّس لا يمتلك اي شئ مشترك مع غوغول الاديب والكاتب)، ويبررون هذا الرأي بالتأكيد على ان غوغول كان يمزج الواقع والخيال معا (وبشكل رائع ومدهش الجمال) في نتاجاته الادبية وابداعه، وان غوغول استمر بهذه الخاصية في عمله الجامعي ايضا، ولهذا السبب لم ينجح في عملية التدريس، لأن هذه العملية العلمية والتربوية تستوجت الالتزام الموضوعي الحازم والصارم بالوقائع التاريخية، بينما هو التزم بالمبدأ المرتبط بابداعه الادبي، اي التفاعل الحيوي والعضوي بين الوقائع والفنتازيا، ولهذا فانهم لا يتفقون مع رأي تورغينيف المشار اليه في جملته التي استشهدنا بها في أعلاه، اي انهم يقرون برأي تورغينيف حول فشل غوغول بعمله التدريسي في الجامعة، ولكنهم يفسرون هذا الفشل بسبب آخر هو بالذات – (التزام غوغول بخصائصه كأديب وكاتب) وليس لانه (لا يمتلك اي شئ مشترك مع تلك الخصائص) كما أشار تورغينيف . وفي كل الاحوال، يمكن لنا في الوقت الحاضر ان نقول و بكل تأكيد وثقة، ان غوغول لم ينجح في عمله التدريسي في الجامعة، الا ان الاسباب التي أدّت الى ذلك الفشل لازالت تثير النقاشات والجدل حولها في اوساط الباحثين .

استاذ التاريخ في جامعة بطرسبورغ غوغول ونشاطه في مجال التدريس لازال موضوعا مطروحا وحيويّا في تاريخ الادب الروسي ...

 

أ. د. ضياء نافع

 

في المثقف اليوم