أقلام ثقافية

سعدي يوسف.. مواقف تمثلت في شاعر

مواقف تمثلت في شاعر، أو شاعر تجمعت فيه مواقف. ذلك الرجل الذي صنع نفسه بنفسه ـ كما يقول الأنكليز. والذي أجاد الصنعة خير الأجادة. تقرأ سيرته فيغلب عليك شعور أنك تتصفح في سفر لامع بتليد المحن وطريف الحيرة. وتفلب فيك أحاسيس تشعرك أمام بنيان شاعرعراقي شامخ الهوية، تخيرت أسسه من لبنات الابداع الشعري الصحيح، وأتخذت قواعده بيئة ترسم من قوائم المعرفة والمواقف الشاخصة الصحيحة. فهو شاعرنا الكبير سعدي يوسف، صاحب المؤلفات الشعرية الشهيرة، والمجلدات المتنوعة الضخمة، والترجمات الذائعة الصيت، وبحسبك تعلم أنه صاحب صوت التمرد المميز، وتفهم الالتزام الإنساني الكبير، وتفهم أي فخر أكسبه العراق. 

عاش الشاعر العراقي الكبير سعدي يوسف في مرحلة تتحدث عن الاستقلال والتحرر من الملكية والديكتاتورية، وعن الاحتلال الأمريكي، وما بعد الاحتلال. لكنه اختار اصطفاءه الاقتراب عن زمانه العراقي، وعن زمن الشعر والمحنة. سعى إلى تحطيم القشور والوجوه وتجارب الشعارات من تجربة الشاهد الفاعل، من أجل استمرار الخوض بتجربة شاعر المعنى والموقف المفسر عن زمانه. أعلن صراحة أنه ضد الأحتلال وضد الديمقراطية الامريكية على جعل  العراق ولاية تابعه للمحتل، وعلى المقولات  الممارسة بتعبيرهم عنه، كما أنه ضد المفكرين والأدباء والفنانين الذين ينطلقون من أقتباس التحرر والديمقراطية والاستشهاد بها تحت ظل الاحتلال، ومن حل نقلهم في "جيوب سراويلهم". وشاعرا فضل شكل الكتابة المقطعية الشعرية أحيانا، والأعتراف بموقفه الضد والصريح بمواجهة كل من جاء أو تعاون مع المحتل، وملهما الشعر الحكمة المقرؤة، وصوت خطاب الإنسان المتماسك، وقلق حكمة الشاعر المختزلة، وشجاعة العراقي الملتزم، على الخطاب المتراصف زورا وزيفا كما هو معروف. مفهمته الحكمة تقتحم شر الأبواق الرخيصة والمؤسسات المأجورة، وحملات الشر المنظمة، تحمل بمفهمته الشعرية ما يعني ذلك، والاخلاص عنده معرفة الأيمان بالإنسان وتحرره، ولا معرفة لديه غير الكلمة، سلاح الشعر وفرح المحبة، عبر الحواس جسدها، بل مثلت كل تجربة من تجارب المنفى العميقة، يصوغها بعبارات الإنسان، العراق، والتحرر.. تجربة حفرت جموح موقفه عبارات دمه، معسولة بمفهمته نخيل العراق وأهل أشواقه المختلفة العنيدة.

الكتابة شغف حضور الشي لصالح موقفه الوطني إنسانية شاعر نحو الأمم، ومن جاز معرفته بالمتمرد الدائم والأخير، شغف حضوره الوطني صريح وواضح، لا احد يتجاهله ولا نسيانه.  أخت به صنعته يبنيها ويبينها، إنها الكلمة، الكتابة التي تهلم فيه زمانه عن الزمان، تعبر عن أنتظار الكائن في المخاض، وهي دون شك، كذلك لا تأتي عبر منظومة غفلات فكرية ـ كما لفقها البعض ـ، أو موازية انفعال عابر، بل ضمنها ترحيل اتصال وانقطاع الكلمات في يومياته، حمية شعرية سعدي يوسف المتماسكة، الكتابة الصافية أستجابة لتلظي كائنيته، وأعتزاليته البصرية تثمره.

الشاعر العراقي..أعتزالي الكبرياء في إنسانيته، تقترب ولا تستبعد، تتداخل ولا تهرب خارج وجودنا الزماني، حضورا عن الزمن، تتداخله المحنة التي تتحدث عن الإنسان الآلم والإرادة الحرة، فكيف مصافحة كلماته، ومعانقته الأبدية في حضن ضمير الإنسان؟ إنه ليس أنطوائي، تغمره رقة عذوبة الصفاء و صلابة الموقف ـ الإنسان الصريح، ووضوح فكر ما يهدف حين يروم الشفاء، عنيد كنخلة، حداثته عين شمس العراق الصافية. سعدي يوسف.. متصوف دنيوي متخلص من صنعة الشعارات ورتوش الماورائية والخرافة. فإذا النشوة آعتلته عنده للعراق حضور كلي في إنسانيته الكونية، نشوة الحضور الكلي يسقها وجد لموضوع. العراق عنده قصيدة؛ صفاءها بهي، حرية لا يشوبها خواء، طوق ثمار نخلة طيبة العمر. وحين يكون هذا الحلم هو المحنة والملحمة، عنده الكلمة لكل شيء، عن العراق كل شيء، فلا درب لاستعادة النشوة الفردوسية الأولى لميلاده البصرة، العشبة العراقية البابلية، تموز، ... و صوته الحزين من خلاصته صنعه عالم حسن وجمال مع الفقراء والكادحين في منفاه. إنه الشاعر العراقي الشامخ، هو الإنسان ـ الموقف أولا، والشاعرـ المركب بمواقفه ثانيا، والحذق الجريء في صوت الشعوب، والحكيم البارز بموقفه الابدبية والابداعية،  والنائي من الخوض خواء متاهات الأزمنة الحالية. أنه الأعتزالي بكبرياء التواضع و الدؤوب بكلمة المحبة.

 

 إشبيليا الجبوري

 

في المثقف اليوم