أقلام ثقافية

هل ثقافتنا ثقافة صور وتصفيقات، وليست بثقافة الوعي؟

محسن الاكرمينقد يكون فيروس "كورونا" أشد ذكاء بالتحول والاختفاء عن مجهر العلم والعلماء، قد أفزع الحاكم "كوفيد 19" العالم وأعلن حالة الطوارئ وبسط سلطة التحدي، ونصب نفسه حاكما غازيا آتيا من بلاد "ووهان الصينية". وأسس إمبراطورية ثانية لا يغيب عنها الوباء بتاتا. واستسلمت لقراراته الديكتاتورية "التباعد الجسدي والاجتماعي" كل دول العالم.

حين حضر الحاكم "كوفيد 19" مبعوثا من بلاد "هولاكو خان" القريبة، أحرق الأجساد شرقا بالموت وخنق الأنفاس بالألم، وأقبس على  ألسن المثقفين ضيقا، وأحرق حتى كتبهم المدللة بالإهمال، وحجر على ندواتهم وموائدهم ومنصات أشعارهم ومهرجاناتهم، وحتى على صور بهرجة السنابل الواقفات عند منصات التواصل الاجتماعي، أغار عليهم بأنفاس الفيروسي والرعب والخوف، وأسكنهم عتبات"الحجر الصحي"، ثم أعاد الكرة وألزمهم كمامات أوراق نظافة الأفواه، وتطبيق علامة فعل أمر "صه" المتمثل، لا للكلام في زمن كورونا.

الحاكم بأمر شيطان عتيد "كوفيد 19"، هو المارد الحرون الذي يرفض الانقياد لسلطة الطب والدواء، يحتمي بالجهل ويخاف من الوعي والعلم، كمم الأفواه بالتحدي، وأحدث "فوبيا" الفتك الصحي والجسدي.

الحاكم "كوفيد" سليل حكايات "الغول" الكارتوني عند جداتنا، أمر بنفي غنج الثقافة الرخوة، أمر المثقفون على الإقامة الجبرية المنزلية ضمن " الحجر الصحي" الرضائي، وبدون كلام مباح بعد فجر حضور الوباء. الحاكم " كوفيد 19" راهن على توقعات كل عرافات العالم حين أكدت كل تكهناتهم اختفاء كل أشكال البهرجة الفنية، وكل أنواع الثقافات الرخوة وغير النظيفة، وكل أنواع الفرجة الإلهائية الحاملة لسياسات التيئيس و" التبرهيش".  تعلم الحاكم "كوفيد 19" من الماضي العربي " أن يوم الجد يفتقد البدر" وتغيب منصات مهرجانات الغناء، وحفلات تلك الثقافة الموجهة بالشكلية والغنج، تلك الثقافة التي باتت تحمل أسماء المثقف الخبير، وتلك الصفات الوصفية المترجمة كتابة لا لفظا إلى اللغة العربية، لا اصطلاحا.

الحاكم " كوفيد 19" من جلاله قدره وجبروته، قدر وخمن وثوقا أن الثقافة الرخوة لن تثنيه عن احتلال صدور النشر بالتوقيف في "زمن كورونا". وألزم مثقفي زمن المدح وغنج  المنصات الاحتفالية، والميكروفونات"الحجر الصحي" خوفا وتخفيا، هو يعلم من عرافات التنجيم أن جيل ثقافة البهرجة هم الأشد رعبا على البشرية من تجلياته المميتة، فمادامت صدورهم قد امتلأت بأدخنة مباخر الأيدي الممدودة، فلا خوف على عرشه منهم. الحاكم " كوفيد 19" يعي خوف " المثقفين الجدد" على أفكارهم الباذخة والسمجة الآتية من ياء النداء إلى واو ندبة الجائحة من بعيد، هو يعلم بعلم اليقين أن "الحجر على المثقفين" هو من باب وادي النمل حين دخل النمل بيوتهم خوفا من حوافر جيشه العرمرم بقيادة  فيروس "كورونا".

من حسنات الحاكم "كوفيد 19"، حين علمنا أن الثقافة ليست كتبا برف خزانة المنزل بزاويته القصية، وإنما ما تبقى منها لدينا من معلومات بعقل الرأس، حين علمنا تصالحا بين ثنائية رؤى العلم وتوسلات القيم الأخلاقية للدين بالرحمة والرأفة بالعباد، حين علمنا أن سفينة نوح حقيقة أنقذت الإنسانية من كارثة طبيعية بأمر الرحمان العلي القدير، وهذا لن ينفك أن يكرره التاريخ بهزم الحاكم " كوفيد 19" بقيم التضامن وأخلاق الدين، وقوة العلم.

 

محسن الأكرمين.

 

في المثقف اليوم