أقلام ثقافية

التراث العربي الإسلامي في شعر أمل دنقل

يسري عبد الغنييعد هذا المصدر منبعاً سخياً لدي أمل دنقل وإن لهذا الرافد حظ أوفر ضمن المصادر التراثية الأخري، وتحدثنا فيما سبق عن الأسباب التي جعلت الشاعر أن يتخلي عن توظيف التراث الفرعوني والأجنبي بصفة عامة ليقبل علي التراث العربي الاسلامي. فهو يصرّح بذلک في قوله: «إن استلهام التراث في رأيي ليس فقط ضرورة فنية. ولکنه تربية للوجدان القومي، فإنني عندما استخدم أُلقي الضوء علي التراث العربي والاسلامي الذي يشتمل منطقة الشرق الأوسط بکأملها، فإنني أنمي في المتلقي روح الإنتماء القومي وروح الإحساس بأنه إلي حضارة عريقة، لاتقلّ إن لم تزد عن الحضارات اليونانية أو الرومانية»، ولقد أدرک الشاعر بأنه باستدعائه للتراث العربي الاسلامي يستطيع أن يحيي القيم التاريخية في القارئ العربي حيث يذهب إلي أن استخدام الأساطير والتراث الفني «ليس فقط کرموز لأبطال العمل الفني وإنما أيضاً لاستنهاض أو لإيقاظ هذه القيم التاريخية من نفوس الناس».

فيما يخص الشخصيات، نستطيع أن نقول أن الشاعر يعتمد علي أشکال مختلفة و ملاحظة في نفس الوقت من الاستدعاء؛ إما أن يستدعيها بالعلم (علم الشخص الکنية. اللقب) أو بالدور، أو بالقول وإما يستدعيها استدعاءً عرضياً أو استدعاءً کلياً.

تعتبر قصيدة «من أوراق أبي نواس» نموذجاً صالحاً للاستخدام الجزئي، حيث جاء الشاعر باسم هذه الشخصية في عنوان القصيدة، مع ذلک لانجد أثراً واضحاً لهذه الشخصية أو إشارة إلي ملامحه مباشرة، إلا ما استلهمه أمل دنقل منها في خروجها علي التقاليد والعادات العربية في أشعاره. کما أن شخصية أبي موسي الأشعري، تظهر أيضاً في مثل هذا النمط في قصيدة «حديث خاص مع أبي موسي الأشعري» وقد وجد أمل دنقل تشابهاً بين وجهة نظره و وجهة نظر أبي موسي.حيث يذهب کل من أبي موسي والشاعر إلي أن الأشياء الموجودة علي الأرض ضحية بريئة للعبة القدر، ففي هذا الجانب أيضاً هناک تشابه تام بين الشاعر والشخصية التراثية. ولاتظهر تلک الشخصية في مساحة القصيدة الطويلة التي تبلغ 91 سطراً بعدُ. هذا وإننا نري أمل دنقل قد تعأمل مع شخصيات کصقر قريش وصلاح الدين الأيوبي وزرقاء اليمامة والمتنبي وقطر الندي.... بکيفية أخري، حيث يخص الشاعر قصيدة بکأملها أو ديواناً کأملاً للشخصية التراثية وتکون حينئذٍ «معادلاً تصويرياً لبعد المتکأمل من مراحل تطوره الشعري» وهذا الاستخدام عند المعاصرين يُسمي بالاستخدام الکلي أو الاستغراق الکي. فهناک قصائد تحمل عناوينها أسماء هذه الشخصيات مثل قصيدة «من مذکرات المتنبي» و و«مراثي اليمامة» و «أقوال اليمامة» و «خطاب غير تاريخي علي قبر صلاح الدين» و «بکائية لصقر قريش» أو کما نري أن بعض أسماء هذه الشخصيات يصبح عنواناً لديوان الشاعر مثل «البکاء بين يدي زرقاء اليمامة».

أمّا الأحداث التاريخية فترتبط بالشخصيات التي جاءت ذکرها في الصفحات السابقة من دراستنا. بعضها يرجع إلي العصر الجاهلي کأيام العرب (حرب البسوس) وبعضها الآخر إلي العصر الإسلامي کحدث الفتنة بين علي (عليه السلام) ومعاوية ومقتل الحسين (عليه السلام) ومعرکة حطين وإلي العصر العباسي کأخبار المتنبي في بلاط کافور الإخشيدي. کما أن هناک أحداث تاريخية معاصرة ترتبط في معظمها بالقضية العربية في مواجهة العدو الصهيوني.

يلاحظ القارئ لشعر أمل دنقل أن حظ الشاعر من الشخصيات الأسطورية العربية قليل وإنّ أمل دنقل لم يغفل عن المأثورات الأسطورية والقصصية عند العرب لما لها من حضور دائم في ذاکرة الشعب. وربّما هذا مادفعه إلي تخصيص قصائد أو ديواناً کأملاً لتلک الحکايات والاستمداد منها لتبين أبعاد قضاياه المعاصرة. فهو کما نري، يستدعي أسطورة «زرقاء اليمامة» في قصيدة کأملة هي «البکاء بين يدي زرقاء اليمامة» وملحمة سالم الزير المقترنة بحرب البسوس في ديوان کأمل هو: «أقوال جديدة عن حرب البسوس». کما يستلهم القصص والحکايات الخرافية في کتاب «ألف ليلة وليلة» في قصيدة معنونة بـ «حکاية المدينة الفضيّة» ويستحضر بعض الشخصيات من هذا الکتاب کشخصية شهريار،شهرزاد، بدرالبدور

 

بقلم/ د. يسري عبد الغني

 

 

في المثقف اليوم