أقلام ثقافية

قُبَيْحَة والمتوكل!!

صادق السامرائيقبيحة جارية من أجمل نساء عصرها، (ملكة جمال زمانها)، وإسمها من أسماء الأضداد، أطلقه عليها المتوكل لشدة الحاقدين عليها وحسّادها.

ورغم آلاف الجواري الذين كن عنده (كما يذكرون)، لكن قبيحة قد فتنته وتيمته فأغرم بها، وتمكنت من قلبه ولبه فتزوجها، وما عاد يرد لها أمرا، وبلغت ذروة هيمنتها عليه عندما أنجبت له إبنه (المعتز بالله)، (232) هجرية، الذي كان جميلا ومتميزا بذكائه وقدراته ومواهبه ونبوغه.

وله منها ولد آخر إسمه إسماعيل.

وكان المتوكل مشغوفا بها ولا يصبر عنها، فوقفت له ذات يوم، وقد كتبت بالغالية على خدها "جعفر"، فتأملها ثم أنشأ يقول:

"وكاتبة بالمسك في الخد جعفرا...بنفسي محط المسك من حيث أثرا، لئن أودعت سطرا من المسك خدها... لقد أودعت قلبي من الحب أسطرا".

وقد شجعت المتوكل على خلع إبنه (المنتصر بالله) وجعل ولاية العهد لأبنها (المعتز بالله) فأطاعها،  لكنه تصرف بغير ذكي، إذ كان يوبخه ويهينه أمام الحاضرين في مجلسه، والبعض ذكر أنه كان عازما على قتله، مما أدى إلى مقتله من قبله، بتحالفه مع الأتراك وخصوصا حارسه الشخصي (باغر التركي)،، وبالسيف اليماني الذ إشتراه وقلده إياه، ليحميه وكان قاتله به.

فالأتراك إستثمروا في الجفاء بين الأب وإبنه.

ويُذكر أنها كانت تحب المال حبا جما، وتجمعه وتتحكم به في الدولة منذ زمن المتوكل، والبعض يصفها بالبخل.

وهي التي إقترحت على إبنها (المعتز بالله )، أن تكون مرتبات الجنود بيده، وأصبحت المسؤولة عن أموال الدولة العباسية والأمينة على خزائنها.

وكان أسلوبها بالنيل من القادة الذين لا ترغب بهم بقطع الرواتب عن جنودهم،  ليثوروا عليهم ويتخلصوا منهم.

وعندما منعت الرواتب عن جنود (بُغا الكبير) أغار عليها، وإستولى على خزائنها، لكن الجند ظفروا به وأعادوها إليها بعد أن قتلوه (وتتضارب القصص حول مقتله)، ويُقال علق رأسه في سامراء وبغداد، وتولى إبنه (موسى) القيادة والواجبات التي كانت مناطة به، وهو الذي قتل (صالح بن وصيف)، وكذلك (المهتدي بالله).

وتذكر كتب التأريخ أن لها باع طويل في دائرة المؤامرات المفرغة، التي حصلت في سامراء بعد مقتل المتوكل، وما أعقبها من فوضى، وتحكم الأتراك المطلق بالخلفاء.

ويُقال ربما (صالح بن وصيف) الذي قتل إبنها الخليفة المعتز بالله، قد إغتصبها بعد أن إستحوذ على أموالها وشردها وأذلها ونفاها.

وكانت خطتها في عدم إعطاء المعتز بالله ما طلبه من مال، بأن الجند ستثور على (صالح بن وصيف) وتقتله كما فعلوا بأبيه، بذات اللعبة أو المكيدة التي دبرتها، وما خطر ببالها أن الأخير سيخلع إبنها ويقتله، وسيستولي على أموالها، وينفيها، فقد كانت متنفذة وذات سلطان، لكنه تغدى بها وبإبنها قبل أن تتعشى به.

وقصة المتوكل وقبيحة تذكرنا بعلاقة (رمسيس الثاني بنفرتاري) التي سرقت لبه وروحه، وتيمته دون آلاف الجواري من حوله.

قبيحة إختفت بعد مقتل إبنها مع خزائن الأموال، ويقال أنها قد حفرت نفقا سريا يتصل ببيتها،  وما أن ظهرت بعد حين حتى داهمها (صالح بن وصيف) وفعل بها ما فعل، ولا يُعرف كيف نجا (إبن المعتز) من سطوة هذا المارد الفتاك المتوحش الطباع.

قبيحة ماتت في سامراء سنة (264) هجرية ودفنت فيها، ولا يزال الكثير مجهول عن شخصيتها، ودورها في الحكم أيام المتوكل وما بعده.

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم