أقلام ثقافية

ناجي ظاهر: تجارب عالمية في الكتابة الروائية

هناك العديد من الاسئلة التي أقلقت وتُقلق المعنيين بالكتابة الروائية، سابقًا ولاحقًا، وما أكثرهم في هذه الفترة المنفتحة عبر وسائل الاتصال الاجتماعي المزدهرة باضطراد، والحافلة بالتباهي بسبب وبدون سبب. من هذه الاسئلة المتعلّقة بإغراء الكتابة الروائية.. ماذا أكتب وكيف أكتب.. وربّما لمن أكتب وما إليها من أسئلة مُشابهة.

كتاب "حياة الكتابة- مقالات مُترجمة عن الكتابة"، إعداد وترجمة عبد الله الزماي، الصادر عن " مسليكيان للنشر والتوزيع"، في تونس قبل سنوات، يجتهد في تقديم الاجابات عن الاسئلة المطروحة آنفًا، عبر مجموعة من المقالات التي كتبها روائيون مشهود لهم في العالم أجمع. منهم اليف شافاق، مؤلفة" قواعد العشق الاربعون"، هاروكي موراكامي مؤلف " كافكا على الشاطئ"، وايزابيل اللندي مؤلفة "بيت الارواح". مُعد الكتاب يقول في تقديمه له، إنه قام بترجمة ما ضمه كتابُه خلال فترات متفرقة.3487 حياة الكتابة

ما ضمّه الكتاب من آراء ومعلومات يُقدّم الاجوبة عن الاسئلة المذكورة بطريقة غير مباشرة، تصف ولا تُقدّم الارشادات المباشرة. ما يُجمع عليه أصحاب المقالات المُترجمة في الكتاب بشكل عام، هو أنهم كتبوا ما كتبوه وأنتجوا ما أنتجوه من كتابات روائية شهد لها القراء في مختلف أنحاء العالم، بدافع القلق الوجودي. ولعلّ تجربة يان مارتل صاحب الرواية الفريدة "حياة باي"، تقدّم صورة واضحة لهذا القلق، فقد عانى مارتل حدّ البكاء عندما بلغ الثلاثين من عمره، وغاص في بحور المُعاناة والبحث إلى أن شرع في التخييل.. فترة إثر فترة. إلى أن ابتدأت أطياف روايته بالتجسّد المُضبّب .. وابتدأ الكتابة.

أما ايزابيل اللندي، فقد كتبت تقول إنها بعد أن بلغها عام 1982 أن جدها يحتضر، وأنها لن تتمكّن من توديعه، كتبت الجُملة الاولى في روايتها. الاولى. "اتانا بارباس عبر البحر". تقول اللندي مُعلّقةً على هذه الجُملة: مَن كان بارباس هذا؟ ولماذا أتانا عبر البحر؟ لم أكن مُحيطةً بهذه الفكرة الضبابية، لكنني واصلت وأكملت الكتابة كمجنونة حتى الفجر، وعندما بلغ مني التعب ملغًا، زحفت نحو السرير، تمتم زوجي:" ماذا كنت تفعلين"، أجبته:" السحر "، وقد كان بالفعل، ففي الليلة التالية بعد أن تناولت عشائي، أقفلت على نفسي مرة أخرى في المطبخ كي أكتب. كررت الامر في كلّ ليلة متناسيةً أن جدي قد مات. بعد سنة كنت قد فرغت من كتابة خمسمائة صفحة .. هي صفحات روايتي الاولى "بيت الارواح".

يضم كتاب حياة الكتابة تجربةً اخرى هامة في مجال الكتابة الروائية، يُقدّمها الروائي كازو ايشيغورو، إجابة عن سؤال: كيف كتب روايته الثانية "بقايا اليوم"، في أربعة اسابيع. تتلّخص هذه الاجابة بأنه كتب خلال فترة كتابته روايته، يوميًا من الساعة التاسعة صباحًا حتى العاشرة والنصف مساء، لا يتوقف عن الكتابة إلا خلال فترات تناول الطعام ليعود إلى الكتابة، منبتًّا عن العالم ومستغرقًا في عالم كتابته وتخيّلاته.

هذا الكتاب، كما أوحيت آنفًا، يقدّم تجارب في الكتابة الروائية، تتيح الامكانية لمن يبحث عن أجوبة لأسئلة تتعلّق بالكتابة الروائية، العثور عليها أو على بعضها .. ولعلّ أهم ما تضمّه هذه الاجابات المتخصّصة، هو أن الكتابة الروائية تحتاج إلى العيش في عُزلة.. والابتعاد عن الواقع اليومي المعيش.. بهدف الالتحام به مجدّدًا.. عبر عوالم مًتخيّلة.. بإمكان كلّ ما فيها أن ينطق ويروي.. بما فيه الاشجار والانهار، كما تقول اليف شافاق في تقديمها تجربتها الروائية المثيرة واللافتة في الان.

***

ناجي ظاهر

في المثقف اليوم