أقلام ثقافية

سيبويه!!

صادق السامرائيعمرو بن عثمان بن قنبر الحارصي، يكنى أبو بشر، الملقب سيبويه (148-180) هجرية، إمام النحاة وأول من بسط علم النحو، والمتوفي في عمر الثانية والثلاثين!!

فربما يتصور القارئ أن هناك خطأ في حساب عمره، فلا يعقل أن يبلغ هذه المرتبة من العلم وهو في سن مبكرة.

ومعنى لقبه رائحة التفاح.

تتلمذ عند الخليل بن أحمد الفراهيدي، ويونس بن حبيب، وأبي الخطاب الأخفش، وعيسى بن عمر، وأملى عليه حماد بن سلمة، وهو ظاهرة محيرة تستحق النظر!!

إتجه لدراسة الفقه والحديث حتى خطأه حمادة بن سلمى فتوجه لدراسة النحو.

وكان مجلسه حافلا في مساجد البصرة، وذاعت شهرته لما يتداوله من مسائل معقدة، وقدم بغداد في زمن هارون الرشيد، وكانت له مناظرة مع الكسائي، هُزم فيها وتوفى بعدها.

قالوا فيه: "...وكان شابا جميلا نظيفا، قد تعلق من كل علم سبب، وضرب في كل أدب بسهم، مع حداثة سنه وبراعته في النحو"، "علامة حسن التصنيف جالس الخليل وأخذ عنه، وما علمت أن أحدا سمع منه كتابه لأنه إحتضر شابا، ونظرت في كتابه فوجدت فيه علما جما"، "لم يعمل كتاب في علم من العلوم مثل كتاب سيبويه"، "لم يكتب الناس في النحو كتابا مثله وجميع كتب الناس عيال عليه".

والكتاب الوحيد الذي ألفه وإشتهر به هو: " كتاب سيبويه في النحو"!!

ويقال أن كتابه بنسخته الأولى قد أحرقته جارية كانت شغوفة به فطلقها وأعاد ترميمه أو كتابته من جديد.

وعند وفاته تمثل هذين البيتين: " يؤمّل دنيا لتبقى له ...فمات المؤمّل قبل الأمل، حثيثا يروى أصول النخيل ...فعاش الفسيل ومات الرجل"

وقد رثا نفسه بهذا البيت: "أخيين كنا، فرق الدهر بيننا ...إلى الأمد الأقصى ومَن يأمن الدهر"

سيبويه، ظاهرة متميزة . كان ثاقب الذهن، مستقل الرأي، ذا بصيرة تفاذة، وكان يناقش أساتذته وينقدهم ويخالفهم في بعض ما يذهبون إليه.

الذي لا يعرفه يتصور بأنه مات شيخا، بينما غادرها في ريعان شبابه، ولازال صيته مدويا وإسمه حاضرا في اللغة العربية.

فكيف نفسر هذا النبوغ الساطع؟!!

فظاهرة سيبويه تثير أسئلة عن الموهبة والمعرفة وكيف تُستقى، كما تشير إلى أن تأثير الفراهيدي على تلاميذه كان غريبا، وكأنه قد أفرغ علمه في أدمغتهم، فلا يمكن إستيعاب أن يكون شاب بعمر سيبويه  له هذا الأثر الكبير في علوم النحو، وقد أخذ معظمه من الفراهيدي!!

إنها من الظواهر التي تحيّر العقول!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم