أقلام ثقافية

صادق السامرائي: عبد الرحمن الداخل الناجي من الموت!!

صادق السامرائيعبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان الأموي القريشي (113 - 172) هجرية، الملقب بصقر قريش (أطلقه عليه أبو جعفر المنصور)، عبدالرحمن الداخل، عبد الرحمن الأول.

أسس الدولة الأموية في الأندلس عام 138 هجرية بعد سقوط دولة بني أمية سنة (132) هجرية، وقد نجا بأعجوبة من الإبادة الجماعية لبني أمية التي قام بها العباسيون، الذين تعقبوهم وما تركوا من أحفادهم أحدا.

وبقي مطاردا لستة سنوات ومتخفيا إلى أن دخل بلاد الأندلس، وإنطلق فيها مؤسسا لدولته التي إستمرت (400) سنة من بعده.

ولم يطلق على نفسه لقب خليفة، وتعامل بذكاء مع الدولة العباسية، فسمى نفسه "أميرا"، وبهذا تفادى إثارتها ضده.

من شعره:

"أيها الركب الميمم أرضي ... أقر من بعضي السلام لبعضي

إن حسمي كما علمت بأرض...وفؤادي ومالكيه بارض.

قدّر البين بيننا فافترقنا...وطوى البين عن جفوني غمضي.

قد قضى الله بالفراق بيننا...فعسى باجتماعنا سوف يقضي"

ويُذكر أنه كان أصهبا خفيف العارضين بوجهه خال، طويل القامة نحيفا وأعورا واخشم.

ترك (11) ولدا، و (9) بنات.

في عام (170) هجرية، أسس المسجد الجامع في قرطبة، والذي لا يزال قائما ومعلما سياحيا متميزا.

المسكوت عنه تأريخيا أن العباسيين قاموا بأفظع إبادة جماعية وتطهير عرقي ضد الأمويين، بل أيشع قتل للمسلمين، إبتدأت بجرائم (أبي العباس السفاح) ضدهم، وبلغت ذروتها في زمن (أبي جعفر المنصور)، الذي زاد عليها بإبادته لأبناء عمومته من العلويين، إذا كان منهجه أن يقضي على من يجد فيه ما ينافسه على الحكم، فكان السيف فعالا وبتارا.

فالهدف هو الكرسي، ويأتي مَن يستثمر في المأساة ويوظفها بآليات مذهبية وطائفية، ويغفل عن دور الكرسي في مآسي العرب والمسلمين، ففي بداية الدولة العباسية كان أي منافس على الحكم يلقى حتفه فورا مهما كان أصله ونسبه وقربه من المتسلط في الكرسي.

وقد أبيد الأبرياء بسبب الشك بأنهم من بني أمية، وأن ينجو عبد الرحمن الداخل من هذه المجزرة لأمر محير، وأن يبقى متخفيا ومطاردا لستة سنوات، لظاهرة  تثير الدهشة والتساؤلات.

يُقال:" أن عم أبيه مسلمة بن عبدالملك كان له باع طويل بعلم الحدثان وقد وصلته نبوءة تقول بأن عدوا سيأتي من الشرق ويقضي على الحكم الأموي، إلا أن فتى من بني أمية سوف يتمكن من إقامته من جديد في بلاد الأندلس، وعندما نظر مسلمة إلى عبد الرحمن لأول مرة في رصافة هشام بعد وفاة أبيه رأى في وجهه العلامات التي تدل على أنه الأموي المقصود"!!

أذكر هذا، لأعود إلى "كل ميسر لما خلق له"، فالإنسان يولد وخارطة مسيرته في الحياة تكون معه، ويمضي بها إلى حيث تأخذه مهما قست الظروف وتكالبت عليه.

وعبدالرحمن الداخل يقدم لنا مثلا واضحا عن الإرادة المنغرسة فيه،  التي أخذته إلى تأسيس دولة في بلاد لم يعرفها من قبل، فهو إبن دمشق وترعرع فيها، حتى سقوط دولة الأمويين.

مَن الذي أخذه بهذا الإتجاه؟

ولماذا لم يفقد أمله بالحياة رغم سطوة العباسيين وتوحشهم؟

وكيف تجاوز المخاطر الجسام ونجا من القتل؟

هل هي إرادة الله الفاعلة في خلقه؟

تساؤلات من الصعب الوصول إلى جواب لها!!

لكن عبد الرحمن الداخل، أطلق وجودا عربيا أصيلا في بلاد الأندلس، شعشع بحضارته ومعطياته المتميزة على آفاق الدنيا بأسرها، ومنها دولة بني العباس التي صارت تغار من إنجازات بني أمية في الأندلس.

بل أن أبا جعفر المنصور كان يفكر بغزوها، وكذلك المعتصم، لكنهما أحجما لأسباب خارجة عن إرادتهما، ومضت دولة العرب في الأندلس، وسلطة الموالي في دولة بني العباس، وسقطت دولة العباسيين في (1258) ودولة العرب في الأندلس في (1492)، أي بعد سقوط الدولة العباسية بأكثر من قرنين.

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم