أقلام ثقافية

صادق السامرائي: صالح بن وصيف وسامراء!!

صادق السامرائيأبوه وصيف من الذين إشتراهم المعتصم، وقد تقدم في سلم القيادة وكان قائدا له شأن، وقتله جنوده، فتولى إبنه الأمر من بعده.

وصالح بن وصيف، قائد عسكري تركي في سامراء، تعاظم أمره في زمن المتوكل، فكان من قادته المقربين، ورافقه في رحلته لدمشق (243) هجرية،  التي كاد أن يستقر فيها.

وتتميز شخصيته بالقسوة والتوحش، وفيه الكثير من الخصائص السايكوباثية، فهو جزار فظيع، ويتلذذ بترويع الآخرين، ويتفنن بأساليب القهر والإذلال، ولديه الكثير من أتباعه الذين يجيدون مهارات التعذيب الشديد.

وهو قاتل (المعتز بالله) وخالعه ومعذبه حتى الموت، والمستولي على أموال والدته قُبيحة التي أنكرتها على ولدها، وقد قتله (موسى بن بُغا) بعد أقل من سنة من قتله للمعتز بالله.

أبوه من القادة الذين برّزهم المعتصم وإعتمد عليهم، فصار صاحب شأن ونفوذ، وهو الذي تآمر على قتل المتوكل، وإبنه صالح قتل إبن المتوكل، في زمن (المهتدي بالله) والذي تم قتله لأنه متّهم بالتحالف معه، فهو الذي نصّبه خليفة  بعد أن عذّب إبن عمه أشد العذاب،  ومن ثم قتله.

ويبدو أن المهتدي بالله قد تألم لمقتل (صالح بن وصيف)، فأرسل بكتاب إلى (مكيال) (الذي آزر موسى ضد صالح) يطلب منه قتل (موسى بن بغا) و(مفلح التركي) الذي كان معه أو يمسكهما، فأطلعَ مكيال (موسى بن بغا) على الكتاب، والذي قفل راجعا إلى سامراء، لخلع المهتدي بالله وقتله، وقد تم له ما أراد.

وهذا السلوك يدل على عدم ذكاء المهتدي بالله وسذاجته، وتركيز إهتمامه على النيل من أبناء عمومته خوفا من منافستهم له على الخلافة.

وكان صالح بن وصيف الآمر الناهي في زمن المستعين بالله، وقد تحالف مع بغا التركي لقتل (باغر التركي) الذي فتك بالمتوكل.

وهرب هو وأبوه وبغا مع المستعين بالله إلى بغداد، ثم عاد ليبايع المعتز بالله، وبقي هو الآمر الناهي في شؤون الدولة، ومن ثم قتلَ المعتز بالله وصادر أموال أمه وأهانها ونفاها مع حفيدها إبن المعتز.

كان المعتز بالله مرعوبا من صالح بن وصيف، فهو القاعل المطلق وكل مَن حوله مفعول بهم من قِبله.

وقد ذكر السيوطي في كتابه تأريخ الخلفاء، أن (موسى بن بغا) قد جاء لقتل صالح بن وصيف بدم المعتز بالله، ودارت بينه وبين المهتدي بالله (أسير صالح بن وصيف)، مساجلات كلامية، وتهديد بالحبس وغيرها، وما كان المهتدي بالله ذكيا وقادرا على إستثمار الحالة، فإنتهت بقتل  صالح بن وصيف والمهتدي بعد ذلك، الذي تم تعذيبه وعصر خصيته حتى مات وهو في عمر ما بين (35 - 40) بعد أن تولى الخلافة لأقل من سنة بإسبوعين.

ففي الفترة (252 - 256) هجرية، أنطلقت نوازع صالح بن وصيف الوحشية القاسية ففتك بقادة وخرب بيوتهم ونهبها، وتأسد على الجميع في سامراء، فلا من أحد يستطيع أن يواجهه أو يتعارض معه، فعبث بالمدينة والعباد، حتى نال جزاءه، بقطع رأسه والتطواف به، وعرضه على العامة، والفتك بأهله وماله وقصوره التي خربت وأنتهبت.

ومما قام به أنه جلد (إبي نوح عيسى بن إبراهيم)، كاتب قبيحة، و(أحمد بن إسرائيل)، وزير عند المهتدي بالله، (500) سوطا، وصادر أموالهم، وطوّف بهم على بغلتين حتى ماتا، وما إستطاع المهتدي بالله أن يقول شيئا سوى التأسف!!

ولم يكن المهتدي بالله سياسيا ولا يمتلك مهارات القيادة، وكان معتمدا على الذي جاء به من منفاه وسلمه مقاليد الخلافة، وإنتقم له من إبن عمه، وكان عليه أن يجعل بأسهم بينهم، ويكون هو الخليفة المتنفذ المطاع، لكنه بقى وفيا لرب نعمته وحاميه في قصر الخلافة، وفي صدره تتأجج روح الإنتقام من أبناء عمومته، حتى إنتهى الأمر بقتله.

وأثناء إحتلال (موسى بن بُغا) للجوسق وتنفذه فيه، كان المهتدي بالله يجلس لمحاكمة إبن عمه (أحمد بن المتوكل)، وربما كان يريد قتله، قاستدعي للجوسق وواجه ما واجهه من التحدي والإذلال، حتى أخلوا سبيله على أن يعاهدهم أن لا يكون مع (صالح بن وصيف) الذي يشكّون بأنه يعرف أين يختبئ.

والمهتدي بالله هو القائل حال توليه الخلافة بعد إجبار المعتز بالله على التنازل عنها وأمامه : " لا يجتمع سيفان بغمد"، مما يعني أنه أعطى الإشارة بقتل إبن عمه!!

وقد رثا المهتدي بالله صالح بن وصيف بقوله:" رحم الله صالحا...فقد كان ناصحا، لم يزل في فعله...نافذ الرأي ناصحا، ثم أضحى وقد ترا...مى به الدهر طائحا، المنايا إن لم تغا...دك جاءت رائحا".

ويبدو المهتدي بالله شخصية إنتقامية غريبة الأطوار، ويتماهى مع هذا الوحش الفتاك المنفلت النوازع، والمعبر الأشرس عن أمّارة السوء الفاعلة فيه!!

قد يبدو المقال فوضويا كتعبير عن فوضى سامراء آنذاك!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم