أقلام ثقافية

ابتسام زكي: إنصافا لشاعر الفلاسفة

وَاللَهُ حَقٌّ وَإِن ماجَت ظُنونُكُمُ

وَإِنَّ أَوجَبَ شَيءٍ أَن تُراعوهُ

كان هذا البيت ردّي على أحدهم لدفع التهمة عن المعرّي، بيت من قصيدة قصيرة كان قد طالعني في قراءتي  الآملة والباحثة عمّا هو مغاير للسائد الذي تحاول عبثا تكريسه ماكنة معطوبة لمؤسسة حكومية محدودة النظر، طالعني منذ سنوات لم تعد قريبة، والمنشور ضمن كتاب اللزوميات الطبعة الستينية ذات الأوراق السمراء التي يفوح من ثناياها عبق الحنين لماضٍ ترغمنا قسوة الحاضر اللوذ إليه وإن لم يكن بأحسن حال منه، هذا البيت لمن يقرأه، ولديه أدنى معرفة بالدين يستشف منه عقيدة المعرّي السليمة، التي لا تحتمل أدنى شك، التي لطالما جردّوه منها قصار الذهن واتهموه بالإلحاد، وهو القائل في موضع آخر:

تَشابَهَتِ الأَشياءُ طَبعاً وَصورَةً

وَرَبُّكَ لَم يُسمَع لَهُ بِشَبيهِ

فهل يعقل أن يرمى بالإلحاد من يقول بالكمال لله تعالى، وينفي عنه التشبيه، ويقرّ بربوبيته بوضوح لا يشوبه الشك؟!.

لكن وكأنه كُتب على هذا الشاعر في كل زمان ومكان يعشش بهما قصار العقول والرؤى ممن ينصّبون أنفسهم أوصياء على الفضيلة ليمارسوا سطوة غبائهم المركّب على الآخر المختلف عنهم، أن يقذف بتلك التهمة في محاولة فاشلة لإلصاقها به، ومعظم هؤلاء الأدعياء ممن حرم نفسه متعة القراءة، ولم يكلفّها عناء البحث ودراسة ما هو بصدد نقده، وكل ما يستطيع فعله هو اقتباسه لآراء وأقوال أشدّ تحجّرا من عقله النضب واستحضارها في مناسبات مختلفة، فكيف لا يرمى بهذه التهم وهو ذلك الشاعر الناقم على بيئته الثقافية والاجتماعية، والواصف لها وصفا لا يليق إلّا بشاعرية المعرّي فينشد قائلا:

فَإِن يَكُ رَذلاً عَصرُنا وَأَنامُهُ

فَما بَعدَ هَذا العَصرِ شَرٌّ وَأَرذَلُ

فما عساه أن يقول لو إنه أدرك ما بتنا نعيشه من فوضى تكاد تلتهم باقي المتبقي من فضيلة، نعاها شاعر المعرّة منذ قرون بالية، ليطلقها صرخة  بلسان حالها أرضنا الخربة:

وَالأَرضُ لِلطوفانِ مُشتاقَةٌ

لَعَلَّها مِن دَرَنٍ تُغسَلُ 

وليُتخذ قرار اعتزال القوم قرارا لا رجعة فيه، إذ نقلت لنا المصادرقوله الذي يوجز رأيه: "لزمت مسكني منذ اربعمائة، واجتهدت على أن أتوفى على تسبيح الله وتحميده"، فأين تهمة الألحاد من قوله هذا؟!.

***

ابتسام الحاج زكي - العراق

........................................

* شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء وهو اللقب الذي أطلقه النقّاد على الشاعر أبي العلاء المعري.

 

في المثقف اليوم