أقلام ثقافية

إبراهيم رحيم: مخيط لتجاعيد النص.. مراجعة كتاب: بساتين السجّادة الفارسيّة

ابراهيم رحيموكأنّنا شئنا أن نتواعد أمام لوحة غير مكتملة تركت ثغرة في ذاكرة الأمس، ثغرة كان لها أن تتمخّض عن ندم إن سدّت أم لم تسد!  

-«نعم سأراك تحت جسر المشاة بالضبط.»

وکان تحت الجسر في الوقت الموعود بالضبط.

دخلنا البيت، هو أولًا وأنا من بعده مجاملة أم احترامًا لا أتذكّر. جلسنا، رحّبت به بماء الورد أم بالبخور لا أتذكّر. قلت: سهرت من أجل إنفاذ الوعد الّذي قطعته. أتيت بالقهوة، شرب فراقته مجاملة أم احترامًا لا أتذكّر، ثم الماء ثم الشاي، لا! فقد بقيت الأبخرة حبيسة الترمس حتى ساعة بالضبط. فتحت الحاسوب المحمول، والملّف ذاك؛ ذاك الملوّن باصفرار الشكّ واسوداد اليقين. وبدأت حياكة العنوان زهرة تلو زهرة وهو يحملق بتراتيل الشاشة أمامه، نفذ العطر عبر النظّارة الصوفيّة تلك وتجلّت اللوحة في عينيه تذهّبها دبابيس الطمأنة؛ ثمّ المقدّمة فتقت غرزاتها بمخيط الحدّة تارة وقاطع التريّث تارة أخرى، أغرز كلمة وأقطع كلمة كلّما طالت خيوطها عن حواف اللوحة من دون أي كشتبان يمنع المواجهة المحتدمة بين اللحم العاري والمخيط المدبّب! وما إن اكتملت المقدّمة حتّى سحبت من إسفنجة الدبابيس دبّوسًا آخر وغرزته زهرة في لحم السجّادة، فبانت المقدّمة المقوّمة إثر خيوط المحو بثلثي الأولى، ابتسم مجاملة أم احترامًا لا أتذكّر.

ألقيت بالمسطرة تلك الّتي سبق وأخذت بها مقاسات الترجمة من كتف وبطن وظهر إلى جانب الطول الزماني والعرض المكاني لتجاعيد النصّ وتغضّنات اللغة، وحدّدتها بطباشير الفطنة؛ ووجّهت مقصّ التخريم إلى السجّادة بغية الطرح والاستبدال، فأبدلت السطور بسطر واحد والكلمات بكلمة واحدة والكلمة الواحدة بواحدة أخرى؛ وقصصت حبال الحشو من سواد وبياض كلّما بدت وصولًا إلى آخر غرزات القصائد تلك وآخر دبّوس وجد نفسه لاعبًا ببراءة اللحم الفجّ ذاك، وهو يهزّ رأسه مجاملة أم احترامًا لا أتذكّر.

جئت بالعنب له والرمّان لي، ابتسم للعنب حبّة حبّة وترك الرمّان المفرّط حبّة حبّة لي. حدّثني عن سحر المراجعة ومدى اعوزازنا إليها والحلّة الأخيرة المرْضيّة وضرورة الثقة بالمراجع، حيث من شروط الثقة هذه حسب زعمه أن نترك المقصّ والمخيط بيده، مجاملة أم احترامًا لا أتذكّر، فانتهزت الموقف ملتمسًا رأيه عن البساتين بعدما رفوت زهورًا ورتقت زهورًا في السجّادة الفارسيّة هذه، فوجدت الوجد يتدفّق من مسامات روحه نحو السجّادة الّتي تتلألأ أمامه مجاملة أم احترامًا لا أتذكّر.

غادر. بخفّة زائري المتاحف الفنيّة. وقبل أن يفرش النعاس لي سجّادته السحريّة تساءلت: ماذا إن فاحت الزهور بعطر غريب!؟

لكنّ الوجد كان يقول: «إن يرفو الإنسان الخطوة بخطوة الإمعان لعمري خير له من مداراة أشواك الندم عند مخضّة الغد» مجاملة أم احترامًا لا أتذكّر بل أتذكّر.

* تذليل: صدر كتاب (بساتين السجّادة الفارسيّة) وهو يحتوي على مختارات من شعر المرأة في إيران، ترجمة حسين عبّاسي ومراجعة إبراهيم رحيم، صدر عن دار تأويل للنشر والترجمة عام 2021.

 

إبراهيم رحيم

الأهواز

 

في المثقف اليوم