أقلام ثقافية

حميدة القحطاني: قوتنا أن نُبصر ضعفنا.. لا أن ننكره

حان الوقت لإعادة تعريف المفاهيم

الضعف، والهشاشة النفسية التي تجتاحنا بين حين وآخر، ليست عيبًا ولا نقصًا، بل جزء من طبيعتنا البشرية. نحن مزيج من النور والظل، من الخير والشر، ولا تُلغى إحدى الصفات الأخرى، بل تتجاور وتتمازج في تدرجات الحياة.

مواقف الخير فينا لا تمحو إمكانية تمظهر الشر، كما أن الحزن لا ينفي وجود الفرح، والضحك لا يُبطل قيمة البكاء. كلها وجوهٌ لماهيتنا... لجوهرنا الإنساني الذي يحمل التناقضات في أحشائه.

الاتصال الصادق مع الذات يتيح لنا أن نظهر كما نحن:

قوة هنا، وضعف هناك... سطحية أحيانًا، وعمق في أحيانٍ أخرى.

التجربة والوعي، وتنمية الإدراك، والذكاء العاطفي، والحكمة… كلها عناصر تساعدنا على ترتيب هذه المتضادات، لا على إنكارها.

الاعتراف بمواطن الخلل والضعف في الأشخاص القابعين داخلنا هو بوابة للتشافي والنمو. أما المثالية... فهي حالة مرضية، والكمال الإنساني لا يعني إلا أن تسعى لتوازنٍ حقيقي:

أن تحزن وتفرح، تبكي وتضحك، تخطئ وتعتذر، دون أن ترفض جانبًا منك وتتقمص جانبًا واحدًا فقط. حين تفعل ذلك، تتحول تدريجيًا إلى شخص جاف، لا يتعاطف، ولا يربّت على قلبٍ يداهمه الحزن، لأنك أقنعت نفسك أن الحزن ضعف… وأن الضعف فشل.

لكن الحقيقة أن من يأتيك باكيًا أو شاكياً، لا يحتاج خطاب قوة، بل يحتاج حضنًا من الثقة. جاءك لأنه رأى فيك فضاءً آمنًا لا يُصدر الأحكام. فلا تردّه بحجة تقويته. لا تنكر عليه ألمه، ولا تشكك في مشاعره، ولا تَعِظه أن الضعف لا يليق به.

بل قُل له: "أنا أراك… أشعر بك… وأحس بألمك… هذا الألم سيأخذ دورته ويرحل، وأنا هنا معك إلى أن يفعل." هكذا يكون الدعم الحقيقي… لا بالإنكار، بل بالاحتواء.

***

د. حميدة القحطاني

 

في المثقف اليوم