أقلام ثقافية

أقلام ثقافية

يُحكى أنّ ليلى في العراق مريضة، ليلى كانت الوصل للعشق القلبي الذي وقع في قلوب الأدباء والشعراء في زمانها. تقدّم إليها غفوةُ الشعب في لغة الضاد، ينشدون أنّهم اكتشفوا الدواء المداوي، لكن، هل سأل العشاق من هي ليلى؟، لم يكترث الكثير بوصفها، قصيرةً أم طويلة، سمينةً أم ضامرة، إنّها رسالة عشق وقع فيها العاشق حتى وصل نثرها أصقاع العشاق والأدباء، إنّها فريسة الأدب التي لن تتكرّر، ما زالت ليلى أمام اختفاء الجسد وليس الروح. أصبح الشعراء والأدباء والعوام توّاقين في وصفها لإبراء القلوب التي عشقت واكتوت بنار الحب حتى فقدت نار العيش، بدون من يهوى، فراقٌ دائمٌ لا يفترق.

يا جميلة الوصف أين أنتِ؟، هلّا انتفضت من سباتك حتى تتيقني أنّ العاشقين، ينتظرون بين دجلة والفرات وبين النيل المصري والسوداني، النيل الأزرق القادم إلى القادم. لقد ضاع القوم يبحثون عنك، حتى فهم البعض أنّ الورد حان قطافه، لكنهم ما لبثوا أن ضاعوا بين النذور يسألون الموالين وقت الفرج.

أرسلت الرسائل من الجزائر وأغادير وتونس وليبيا ومصر حتى الخليج، يكتبون تلك الخطابات إلى المسؤولين والمداويين، كيف حال ليلى؟، عفا الجواب طال انتظار الصبر في أن يدوم، لكنّ العاشق وضع قلبه على دربها، أعانه ذلك السائق بوجودها في البيت العتيق الجميل، لم يصدّق أنّ ليلى تنتظره، غاب عن الحياة فترة، جاف الوقت يفكر، كيف انتبهت ليلى، إنّني أبحث عنها.

منع الجواب، وصل إلى دارها، طرق الباب برفق، بعد هُنَيهة، سمع صرير الباب: أنا الطارق سيّدتي، جئتُ لرؤية ليلى.

- من أنت؟

- أنا الصبي العاشق الذي ضاع ظلّه سنين طويلة، يبحث عن ليلى.

وقفت وصيفتها تنظر إلى العاشق الولهان كأنّني على ميعاد، هل أنت الصادق؟

- نعم سيّدتي.

- تفضّل، سمعنا أنك في الطفّ تحوم بين الإبل تبحث عن قلب ليلى المريضة.

تفضّل سيّدي الصادق، ليلى تنتظر قدومك، أمهلني بعض الوقت.

نظر الصادق العاشق بين زوايا البيت، وجد تلك القطيفة التي نقش عليها هذا البيت:

يقولون ليلى بالعراق مريضة *** فيا ليتني كنت الطبيب المداويا

بين المقعد والأريكة، سمعت صوتها، التحية إلى سيّد الحب، وقوفًا وجلالة الحضور، أفاقت الجوارح في خشوع، تفضّل أيّها الصادق.

كانت ملفوفة بالسّواد لا تقع العين على شيءٍ، قالوا إنّ الشفاء حظّك لكثير من الفتيات، الحكام والسلاطين قد علموا أنّ ليلى بالعراق مريضة، أغلبهم، غلب عليهم الخيال والوهم، بأنّ ليلى في التخيّلات فقط، إنه حظّي يا سيدتي، حتى لا يتجرأ أحدٌ في البحث عنك.

ضحكت ليلى: إنك شقي مراوغ.

جاءت أقداح الشاي حين تجرأت وقلت: أين أكواب الصهباء؟

أنتَ في حضرة ليلى وتحت سماء بغداد، أنا امرأة مسلمة، وأنتَ، هل حسبتني من الكافرين؟

تغيّر مجرى الحديث.

مولاتي: لقد جئت للعناية بك، وهو فضلٌ لن أنساه ما حييت.

أفاقت ليلى من سُباتها، نظرت إليه كعاشقة وسألته: هل تعرف أيّها الصادق؟ لقد كنتُ ثَمِلة منذ عقد، أنتظر رؤيتك، قرأت روايتك في ليلى، الحب في زمن الخيال، الليلة الأولى من العشق، منذ وصولك إلى المدينة، كنتَ في الخمّارات ثملًا بين الغانيات ترقص ليلًا، تبحث في شفاء ليلى، يطلع النهار ورأسك منفوخ من كثرة الشّرب.

سيّدتي: الثمالة كانت في البحث عنك. تعلمين، لقد جئتُ من أقصى بلاد القوم البعيدة، لم يتوقف قلمي عن الهيام بكِ، علمت الحقيقة أنك على ضفاف دجلة تنظرين.

لنا في الغد لقاء، المخدع ينتظرني، روحي ظلّت طريقها ليلاي

دعيني أرفع السواد الذي أسدل وجهك، من ثقب الضباب، ليلاتي، دعينا، نبحر من بيروت إلى قرطاجة حاملين العِلم بين ثقلين، الأول لكِ والثاني لكِ، اشتاقت الأشرعة اتجاهاتها الأربعة بين الطواحين والسرور.

أيّها الصادق، فكّر في مجدك، أنا ليلى، ناصية واجفة خربة، جوارحي تأبّطت واشتاقت أن تتوق الروح موسمها، أربعين سنة، أنتظر رؤياك، هيّا قف وانزع اللثام عن وجهي، اقترب لقد حان القطاف قبل الرحيل.

بين ليل بغداد وضع قربه أمام حانة قريبة من مخدعه، الموسيقى أخذت جفاه، جلس يفكّر في رؤية ليلى في اليوم القادم، جاء النادل: سيدي، ماذا تشرب؟

ألا أيّها الساقي، أدر كأسًا وناولني، دعني أفكر قليلًا، ليلى تنتظرني غدًا، أخاف من المخبرين الذين يروونَ روايتي لها في هذا الليل العتيق، الشك مقدار من الخوف.

نظر النادل: إذًا عليك عن شراب التوت.

لا، دع التوت، النّبيذ سيّد الطريق، الروح تنتظر الروح غدًا.

أفاق سمعه بعد وقت قصير على صوت، أديب الدّايخ:

يقولون ليلى في العراق مريضةٌ

أيا ليتني كنت الطبيب المداويا

وقالوا عنك سمراء حبشية

لو لا سواد المسك ما انباع غاليا

ارتفعت آهاته محلّقًا بين الوادي والجبل، رفع يديه ثائرًا أن يكون بين ليلى غدًا، بعد رحلة طويلة بين مدن العراق، يغازل بناتها بين النظرة والنظرة. سمعت المدائن بقدومه، جاءت الفتيات من كلّ صوب، رافعين الرياحين في الشفاء بين يدي المليح، ينفضون أرواحهم بين قلبه، يقول لهم تمتمات شفائية ثم يذهبون إلى ديارهم، متمنّيات أن يكنّ زوجًا لهذا العاشق الولهان.

جاء اليوم. كان يطرق باب ليلى، ظهرت وصيفتها ترحب، أيّها الصّادق، الانتظار سيّد الفوائد والبخور يلوح بالمكان، المدّ في الانتظار أزعجه، التفت برهة، وقع قدميها أوتار، أمام الهبوط من زاوية المكان، سمراء جميلة مثل الليل فاتنة، لونها من لون مُقلتها، إن كنت أخطأت فقولوا لي جفّت الكلمات التي عرفتها منذ فجر ميلادي، تموج بعباءتها حضورًا.

سيّدتي، كنت بالأمس في حضرة الشيخ أدعو أن يكون الختامِ، خاتم بين إصبعين، عندها يبدأ الهيام.

ليلاتي: نعم، أيّها الصادق، لا زلت تلحق البغاء في الليل الساتر، انتشرت رؤياك، أنا غضبة منكَ، لماذا لا تسعدني وتتوقف؟ أنتَ تعرف ما هو الهيام! تلعثم بالراء قليلًا، قال: كنت أراقب نفسي في محو المجون والجنون، في الحانة، سألت النادل في شراب التوت، أغفلت عن الصّهباء لأجلك، أيّتها السّمراء، ذلك ظنّي بأنّ مخبريك يلهثون ورائي، بلغ غيظي أشدّه، قبضتي تريد المسك بين الظل والنور.

عندما تشرب وتنظر إلى الملاح يتوقف قلبي في القيح غضبًا، يخلو الأدب في وقته وتذهب الأخلاق في غفلتها أيّها الصادق المجنون.

لست مجنونًا، الجنون هو العشق الذي نزل في دهاليز الرّوح التي آلت أن تهدأ. انصرفي وتوقفي عن الجنون، بدأ العشق يهدر جداولي في رحلة النسيان، اركب مركبي، إلى لقاء لن يتكرّر.

- هل غضبت منّي؟

- نعم، ماذا أقول؟ كوني أديب دندنة الأخلاق والأدب، المدينة تعرف سبب وجودي في البحث عنك؛ كوني غريبًا قادمًا من بلد عربي بعيد، حتى تلامذتي يتسامرون بينهم في السؤال بين الوهم والحقيقة التي يبحث عنها أستاذهم.

هل تريد غفرانًا يصبو إليك؟، الأدب يفرّق الكلام أثناء الشتات بين الكؤوس، تطيب النفوس في حرمٍ، لقد ذكره الله في ذكره.

ليلاي، إنّ نفعه أكثر من ضَرّه، يشربه النصراني ويظلّ سليم الأخلاق، ويشربها المسلم ويصبح سيّئ الأخلاق.

اسمعي ليلاتي واعقلي: لم يَبقَ لي رشدًا أسمع به وأعقل.

لم يَبقَ إلّا الوداع، لقد انقلب قلبي في دقاته كساعة أحجمت عقاربها عن الوقت الذي يحين.

لقد أغرقت دمعاتي، أيّها الصادق، تعالَ ضع رأسك واثنِ على فخدي، إنّها النهاية، أيّها الجميل، طرق الباب شيخ ذو عمامة بيضاء، فتحت الوصيفة الباب، قالت: اكتب كلمات الوثاق قبل أن يغادر الطير إلى مرساه.

***

فؤاد الجشي - السعودية

 

كان يرتدي اللون الأسود بالتفرد. في وقفة المتسكع، كان يُمثل قُوة إبليس الحرارية، والتي تحدث هالة شرّ متدفق. إبليس اللعين يتبختر في لباسه الأسود الحريري، وربما كان يُجري التحكم في حيواناته الأليفة من بشر الأتباع الأوفياء. كان اللعين يستجمع سلطة كل القوى الشيطانية المتجددة، عن طريق اختراق الذكاء الاصطناعي، وبعث رسائل الإغراءات والانحرافات.

في الأرض السفلية الهجينة بالتحالفات، كان شعب إبليس يتشكل من العبيد الطيعين. عبيد يمثلون البلاهة، ولا يحق لهم ممارسة التفكير عن بداية السؤال. فيما إبليس السيد الحاكم بالاستبداد والخديعة، فقد كان يعيش في لهو مستمر، وهو يُربتُ على رأس ذاك الحيوان الأليف، ويُنْجز الخوارزميات البدائية للتحكم في مشارف الحرب ضد الخير. فلم يكن الحيوان المفضل عند إبليس من سلالة قطط فرعون، كما علمتنا أفلام الرعب الأمريكية، بل كان من فصيلة الذئاب العصية عن الصيد والتدجين.

رؤية إبليس بلباسه الأسود في يوم عيد طرده السماوي، يوازي قوة عيون الصقر في معارك صيد متعة الاستنزاف. في حكمه لشعب العبيد في الأرض السفلية، كان يتحرى إنتاج جيش من الأشرار والمدلسين والفاسدين، جيش لا يملك مخاوف إنتاج الشر، ولا تلك الحدود الأخلاقية الوجودية. محاربون من جيش البلاء، يمتلكون الذكاء الاصطناعي في بناء الفخاخ، ويزيدون بسطة من لعنة السماء عليهم. كانت سلالة إبليس تعمل وفق شبكة (الويفي) في تعبئة العبيد الطيعة الخنوعة.

في رؤيته المستقبلية لتكهنات القرن الحادي والعشرين، كان إبليس يجدد تكوين المدربين والمكونين من قشدة المهرة الانتهازيين، لتدعيم جيوش الشر والزيادة في لهيب الفتنة بالأرض العلوية. كان يخطط للانتصار على الخير وينهي القيم الوجودية. مكر إبليس لا حدود معرفية له، ويفوق مستقبل تفصيل عباءات تحويل الوعي الإنساني لسلوكيات سليمة ومتجددة، والتي حتما توازي المتغيرات الاجتماعية. فإبليس لا يريد من شياطين الأرض الإنسانية أن تتفوق عليه في خططه الحربية، بل كان يتكفل طوعا في ترويع الخير والخيرين.

في دروسه اليومية لعبيد الأرض السفلية، كان يوثق لكل الأحداث بالتسجيل والكاميرات الحديثة، فهو يخشى على سلالته الاختراق من طرف الدم الأزرق البشري الطاهر. كانت كل أوصافه لعبيد البشر الطيعين توازي سياسة التحقير والتيئيس، واللعب على أوتار التمايزات بين مَنْ خلق من طين طيعة، ومَنْ كان خلقه من نار حمئة. كانت معادلته الرخوة والغيورة، هي من أخرجته بسقطة مدوية في الأرض السفلية، وبات يسترق السمع، ومن الرجم ينال عقاب شُهب المذنبات السماوية.

من عطلة الأرض البينية للشر، حين تكبل شياطين الشر، وتنال التصفيد في ليال معدودات، ومع ليلة السراح، كان عبيد الأرض العلوية من الإنس السذج بالغباء، يشعلون نور الشموع، ويحرقون دخان الأبخرة، ويتوجسون خيفة من العائد الناقم نحو ساحة المعارك بطائرات بدون طيارين من أخوية جيوش إبليس اللعين.

في مخيلة الشيطان العائد بالحرية، تتمثل لديه صورة الإنسان بذاك العبد المنهك بمتاعب هَمِّ الحياة. كل الجدل عند العبيد الطيعة، كانت تجرى بالبدائية في الأرض العلوية، وتنكسر عند حدود كيفية التحرر من سلطة إبليس التحكمية. بحق، كان عبيد إبليس لا ينتجون فلسفة دائمة متحررة من المكر والفساد، بل ألفوا استهلاك الموجودات، والرضا بتحكم إبليس السيد. في مجتمع عبيد معتل وطيع، بات إبليس يستغل (ويفي) الذكاء الاصطناعي، ويؤمن بتدبير العقول البدائية بالأوهام والخرافة، فهو أمسى يحكم بالاستبداد منذ الزمن البعيد، و يداوم على تجديد أنماط العلاقة بين السيد والعبد.

***

محسن الأكرمين 

 

كنت أعمل مراسلا لإذاعة الإمارات في موسكو عندما أعلنوا عن زيارة سيقوم بها الرئيس مبارك إلى موسكو في 15 مايو 1989، فكلمتني الإذاعة باهتمام ولهفة أن أحصل منه على تصريح خاص تنفرد به الإذاعة. بالسؤال تبين لي أن جميع المراسلين من دول العالم كافة سيقفون في المطار لاستقباله يوم وصوله خلف حاجز، وهذا هو المتاح لا أكثر. كان يوما مشمسا توجهت فيه منذ الصباح الباكر إلى المطار فوجدته يغص بالحراس والمراسلين والكاميرات. وقفت مع الجميع خلف حاجز أحمل جهاز تسجيل صوت صغير. بعد فترة انتظار هبط الرئيس ومر أمامنا يصافحنا مغمغما لكل منا بكلمتين وحيدتين: " أهلا وسهلا" ويواصل بعدهما سيره. سجلت العبارة وهرولت أزيح المراسلين لعلني ألتقط شيئا ما قد يقوله، لكنه لم يزد عن " أهلا وسهلا". سجلتها خمس مرات، واعتبرتها – لا أدري لماذا- " تصريحا خاصا" تنفرد به الإذاعة ! أسرعت بعد ذلك عائدا إلى البيت وشرعت في كتابة الرسالة لكي ألقيها في اتصال هاتفي، وأشرت إلى أن الرئيس المصري هبط إلى المطار وكان في استقباله فلان وفلان، وصرح سيادته لإذاعة الإمارات بقوله: " أهلا وسهلا"، وقبل أن يستقل سيارته أعاد علينا نفس التصريح بحذافيره! اتصلت بالإذاعة ووجدتهم متلهفين على رسالة تغطي حدثا عربيا سوفيتيا كبيرا. بدأت أتلو الرسالة وشعرت عن بعد بالذهول الذي حل على الاستديو أبو ظبي. واستفسر مني المسئول بدهشة وغيظ: " يا أستاذ.. هذا هو التصريح الذي اختص به إذاعتنا ؟". قلت بجدية: " نعم. أهلا وسهلا هذه تحتاج منكم فقط لمجرد توضيح.. فهي بمعنى أن الرئيس متفائل وأن المباحثات ستمضي على أفضل وجه! وللعلم هذا تصريح خاص بنا وحدنا، يمكن أن تسميه انفرادا". بعد انتهاء المكالمة فتحت الراديو ووجدتهم يذيعون الرسالة وجاء في مقدمتها: " تصريحات خاصة من الرئيس المصري لمراسلنا في موسكو"! لكنهم يا للأسف أذاعوا " أهلا وسهلا" مرة واحدة وحذفوا المرات الأربع الأخرى مع أن بعضها كان في منتهى الأهمية. بعد زيارة مبارك وتحديد في أغسطس 1991، كان جورباتشوف يستريح في القرم حين تم عزله من " لجنة الطواريء" التي ضمت الشيوعيين المتشددين، ووزيري الدفاع والداخلية. جرت المحاولة فجرا وأنا نائم بالطبع، ومبكرا في الصباح دق جرس الهاتف وإذا بها الإذاعة، يسألونني بلهوجة واهتمام بالغ: " أستاذ أحمد ما أخبار الانقلاب عندكم؟". قلت وأنا أفرك عيني: " أي انقلاب؟". قالوا: " على جورباتشوف". قلت مدهوشا: " متى حدث ذلك؟". صاحوا بغيظ: " فجر اليوم". صحت متعجبا: " ومن الذين قاموا بالانقلاب؟". انفجر الزميل من الطرف الآخر صارخا: " يا أستاذ نحن نتصل بك لتعطينا المعلومات، لا لكي نعطيك نحن المعلومات"!! غضبت من الاذاعة بسبب هذه الملاحظة، وبسبب ما سبقها من عدم تقدير لانفرادي الصحفي بتصريح خاص من الرئيس مبارك. ومع ذلك فقد نبهني العمل الاذاعي إلى حقيقة مهمة، ففي بداية عملي معهم سجلت لهم رسالة عن العلاقات الروسية الكويتية، وفي أثناء القاء الرسالة نطقت كلمة " الكويت" كما ننطقها في مصر، لكن زميلا من هناك استوقفني وقال لي: " الكويت.. بفتح الواو وليس بكسرها"، وتنبهت إلى حقيقة أن النطق السليم للكلمات هو المعيار اتقان اللغة حقا، فعكفت على كتب اللغة العربية بجوار دراستي للروسية، واكتشفت خلال ذلك أن اللغة الروسية أسهل مئة مرة من لغتي الأم التي أعشقها رغم صعوباتها.

***

د. أحمد الخميسي - قاص وكاتب صحفي مصري

 

عرف الانسان الحيتان وعمل على اصطيادها من أجل لحومها وشحومها منذ عصور ما قبل التاريخ (نحو 3000 – 6000 عام ق. م). وكانت عمليات وأنشطة الصيد بادىء ذي بدء محصورة بالمياه القريبة من السواحل، لصعوبة التوغل في المياه العميقة من قبل الشعوب الساحلية، مثل الهنود الحمر في أمريكا، وشعب سامي في منطقة النرويج الحالية التي أكتشفت فيها نقوشا على الحجر عمرها 4000 سنة تقريبا. بالإضافة إلى وثيقة صيد تعود لعام 890 ميلادية. ثم تطورت وتوسعت بمرور الزمن لتأخذ منحى تجاريا بتطور الملاحة البحرية والتكنولوجيا، وزيادة الطلب على منتجات الحوت من لحوم وزيوت مستخدمة في صناعة طلاء الورنيش والصوابين ومستحضرات التجميل والادوية، وأعلاف وأسمدة مستخرجة من بقاياها. فأوجدت صناعة صيد الحيتان التي قضت على أعداد هائلة جدا من الحيتان (50000 حوت سنويا اعتبارا من 1930).

وهددت أنواع كثيرة منها بالانقراض والفناء اعتبارا من عام 1940، مثل الحوت الأزرق وحيتان العنبر والحيتان الرمادية في غرب المحيط الهادي التي لم يتبق منها إلا (100) حوت تقريبا. وأخلت بالبيئة وأضرت بالتنوع الحيوي على نحو بين، وبما يتناقض ويتضارب مع القوانين الدولية الرامية إلى المحافظة على الحيوانات بمختلف أنواعها، لما تشكله من أهميات جمة للأنظمة الايكولوجية. وكانت التغيرات المناخية والتلوث والضوضاء واستنزاف طبقة الأوزون من المخاطر والتحديات التي واجهتها الحيتان أيضا من جراء الأنشطة البشرية العديدة.

إن التحفظات على أنشطة صيد الحيتان الجائر والمفرط قد أثيرت في (عصبة الأمم) في عام 1925، وقدمت في عام 1931 اتفاقية جنيف لتنظيم صيد الحيتان، ووقعت عليها (26) دولة، وبضمنها الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا والنرويج، وامتنعت عن توقيعها اليابان والاتحاد السوفيتي – سابقا والمانيا. وقد دخلت حيز التنفيذ في عام 1934. وفي عام 1937 انعقد المؤتمر الدولي لصيد الحيتان الذي خرج بجملة شروط وضوابط على أنشطة صيد الحيتان.

و في 2 ك 2 / 1946 تم التوقيع على (الاتفاقية الدولية لتنظيم صيد الحيتان)، وأفضت إلى (اللجنة الدولية لصيد الحيتان) التي عقدت آخر اجتماع لها في (بورتوروز) في جنوب غرب سلوفينيا خلال 24 – 28 تشرين الأول 2016. وتضم في عضويتها حاليا نحو (90) دولة. وتعقد اجتماعا واحدا كل عامين.

و كان التحول من صيد الحيتان إلى مراقبتها ومشاهدتها من قبل السياح (سياحة مراقبة الحيتان التي سجلت عائدات بقيمة بليون دولار في عام 2001 و2،1 بليون دولار في عام 2008 و9 ملايين – 13 مليون سائح) أحد أهم وأبرز الاتجاهات الرامية إلى المحافظة على هذه الكائنات الرائعة وحمايتها من الانقراض، لا سيما وانها تتم وفق قواعد وأسس الاستدامة البيئية القائمة على المحافظة على الموارد وخصوصا المهددة منها، وعدم استنزافها والتفريط بها، بل تنميتها وايصالها على الأجيال اللاحقة أكثر غنى وتطورا.

و تعميم الانتفاع منها لتشمل جهات متعددة وعلى نحو مستمر. مثل المجتمعات المحلية (كما في جونية بجنوب شرق الاسكا) والشركات السياحية والاقتصادات الوطنية. إذ تشير العديد من الدراسات والبحوث الحديثة (انظر دراسات د. مارك أورامس) إلى أن مراقبة ومشاهدة الحيتان هي أكثر نفعا بالنسبة لهؤلاء من اصطيادها وتسويق منتجاتها من لحوم وزيوت وغيرها، وخصوصا على المدى البعيد المرتبط بالاستدامة. ولا سيما لو تمت وفقا للضوابط والقواعد التي تم صياغتها وإصدارها لهذا الغرض، تجنبا للآثار السلبية والمثالب التي قد تنشأ عن سوء ممارسة هذه السياحة.

***

بنيامين يوخنا دانيال

 

الاعتداد بالشاعرية ــ على وجه الخصوص ــ واحدة من الصفات التي لازمت الشاعر العربي عبر عصور وأجيال شعرية متعددة وقد تجسدت في افتخاره بما لديه من امكانات وأدوات شعرية يعتقد انها غير متوفرة لدى اقرانه من الشعراء، ولا أجد هذه الصفة عيبا في شخصية الشاعر اذا ما اقترنت بالتواضع وعدم الاحساس بأنه أفضل من غيره بل هي واحدة من وسائل الشاعر في تحدى الخصوم والتنفيس عن همومه، كما وصفها الكاتب انيس منصور انها ثقة بمثابة سلاح في (معركة ضد كل مضاعفات الهزيمة)، ولعل الشاعر المتنبي كان من بين أكثر الشعراء الذين تفاخروا بشعرهم واسبغوا عليه صفات عظيمة وخارقة وصلت أعلى درجات الفخر بالشاعرية وقد تجلى ذلك في قوله (أنا ترب الندى ورب القوافي) بل وراح أبعد من ذلك عندما جعل من شعره شفاء لعاهات مستديمة وذلك في قوله:

أنا الذي نظر الأعمى الى شعري

وأسمعت كلماتي من به صمم

ويشعر المتنبي ايضا بالزهو حين يرى نفسه فارسا مغوارا في مملكة الشعر وقوافيه خالدة يتردد صداها على مدى الدهر حيث ينشد :

وما الدهر إلا من رواة قصائدي

إذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا

ويوغل بالتسامي في عظمة شاعريته اذ يؤكد تفوقه على الشعراء في اقتناص القوافي بكل يسر وطواعية في حين يعاني الآخرون من ملاحقتها والاتيان بمثلها وتلك ثقة عالية بالنفس:

أنامُ مِلءَ جُفوني عَن شَوارِدِها

وَيَسهَرُ الخَلقُ جَرّاها وَيَختَصِمُ

ويأتي بعد ذلك الشاعر ابو العلاء المعري ليسير على ذات النهج الذي سار عليه المتنبي فيطلق قصيدته الذائعة الصيت التي يعلن فيها انه قادر على تقديم ما عجز عنه الذين سبقوه فيقول فيها:

وقد سارَ ذكْري في البلادِ فمَن لهمْ

بإخفاءِ شمسٍ ضَوْؤها مُتكاملُ؟

*

وإني وإن كنْتُ الأخيرَ زمانه

لآتٍ بما لم تَسْتَطِعْهُ الأوائلُ

وشاعر آخر هو الشريف المرتضى ــ شاعر وفقيه ــ أدرك ايضا هذه العظمة حين جعل من الاستماع الى شعره دليل على ذوق السامع وذلك في قوله:

واذا المسامعُ أنصفت لم تقتنص

الاّ كلامي وحده وخطابي

وصفة التباهي والفخر بالشاعرية لم تغيب عن ساحة الشعر الشعبي فها هو الشاعر سعدي المصور الذي غادرنا قبل أيام يعلن وبكل ثقة قدرته على اركاع القوافي المتمردة والعاصية على الشعراء فيقول:

طبيت لرياض الشعر والقافيات

وگمت اداعبهن على وحي الخيال

*

وانشدتْ وين القوافي العاصيات

إجن سجدن واعلنن لي الامتثال

***

ثامر الحاج امين

 

يحدث أن تطلب منك جمعية أو مؤسسة ثقافية سيرة ذاتية تلخّص فيها مسيرتك الابداعية. ويحدث أن تكلّفك جمعية أو مؤسسة بجمع سير أعضائها لتأثيث ملفّات خاصّة أو جعلها في كتاب يكون مرجعا للباحثين عن اسم هذا المبدع أو ذاك. وقد تسعى عن طيب خاطر الى جمع وتوثيق تراجم المبدعين فتصبّ جهدك واهتمامك للحصول على غايتك ويصل بك الارهاق الى حدّ الشعور بأنك تشحذ منهم سيرهم لخدمتهم وللتعريف بهم. ويحصل عندك على المكتب أنماط وأشكال من السّير مختلفة حجما وشكلا ومضمونا. وقد تضطر الى عملية فرز مضنية لترتيب المحاصيل حسب الأنماط. فأنت لا محالة مدفوع على أشكال عديدة من السّير تختلف كلّها عن النموذج الذي اقترحته عن المترجم لهم ولم يأخذوه بعين الاعتبار.

ــ نمط أول: هو لا يختلف كثيرا على قصة حياة المبدع، يروي اليك المترجم لنفسه تفاصيل ميلاده ويصف صرخته الأولى والليلة التي شرف فيها العائلة بنزوله الى الحياة ولا ينسى الظروف الاجتماعية العامة التي ولد فيها وقد تمتدّ القصة وتفيض على أكثر من خمسين صفحة. ثم يعنونها: سيرة ذاتية مختصرة. وقد يطلب منك ألا تتعمّد التنقيص منها. وتجد نفسك مجبرا على اهمال تسعة أعشارها.

نمط ثان: يبدأ سيرته الذاتية بذكر صفاته المتعددة ونعوت ينسبها لنفسه وأسماء شهرة ويمرّ الى ذكر أحفاده واحدا واحدا بتاريخ الميلاد والجنس واسم زوجته. ولا ينسى أن يذكر عنوانه كاملا وهاتفه وكيف التواصل معه وكل هذا لا يفيد الباحث في شيء.

نمط ثالث: لا يتجشّم المترجم له عناء تحرير سيرته الذّاتية ويكتفي بإرسال صورة من غلاف أحد كتبه ثم لا يخجل أن يطلب منك نقل ما ورد على الغلاف من معلومات شحيحة في أغلب الأحيان وقد لا يعذر لك خطأ في تاريخ لم تتبيّنه جيّدا في الصورة التي تغيم أمامك بمجرّد تكبيرها.

نمط رابع: يمدك بسيرة ذاتية اكاديمية يورد فيها مراحل دراسته وتدرّجه في المهنة ونصوصه المنشورة بصفة فردية وجماعية ويذكر المقالات التي نشرها بتفاصيلها ويرفقها بتلخيص مطول. وينصّ على عدد السّاعات التي يقوم بتدريسها في الكلّية وعدد الطّلبة المستفيدين. ولا ينسى ان يدرج مجموعة المداخلات التي قدمها في شكل دروس في المنتديات مع بعض الملاحظات التي أشادت بالمداخلات. فيختلط عليك الامر بين سيرة ذاتية لكاتب وبين سيرة لنيل شهادة جامعية.

خلال انجازنا لبعض كتب التراجع اعترضتنا مثل هذه السير ففرضت علينا تعبا كان من الافادي للجميع لو اننا انفقناه في شيء آخر. وما حز في النّفس حقيقة أن بعض المترجم لهم يدفعونك دفعا نحو ارتكاب الخطأ ثم يرمون باللوم عليك.

ان كتابة السيرة الذاتية في اعتقادنا فنّ ابداعي له خصوصياته ومقوّماته فهو يختلف عن البطاقة الفنّية ويختلف كذلك عن القصّة الواقعية. هو تلخيص لمسيرة إبداعية تقدّم صاحبها دون أن تهمل محطّة هامّة ودون أن تسهب في الحكي. فالسّيرة لا ينبغي أن تثير قلق القارئ بل تشدّه الى قراءة العناوين الدقيقة والمقدمة في صورة رؤوس أقلام فلا هي افراط في القول ولا هي تفريط في معلومة مهمّة من شأنها أن تحيل الباحث او القارئ الى موضوع ما. وأن تُذكّر كاتبَها أن لكلّ عنوان في سيرته هدفا واضافة لنفسه أولا ثم للأخرين. وإن كل إضافة بدون هدف تعتبر حشوا زائدا ومملا.

وإننا نقترح هذا النموذج لأننا رأينا فيه بساطة في التحرير وسهولة في الاطلاع:

اسم الشهر والاسم الكامل.

تاريخ ومكان الولادة.

التدرّج في التعليم واللغة التي تلقّى بها دروسه.

المؤهلات العلمية مع الاكتفاء بذكر الشهادات، عناوينها وتاريخ الحصول عليها.

المسيرة الإبداعية: فقرة تلخص أهم المحطات الثقافية في حياة الكاتب.

الإصدارات مع ذكر جنس الإصدار وتاريخ نشره ودار النشر.

أهمّ المشاركات أو المساهمات في الشأن الثقافي.

الجوائز التي تحصّل عليها الكاتب.

بعض الإضافات التي يراها الكاتب مفيدة للباحثين عن اسمه.

***

د. المولدي فرّوج 

  

أكثر كلمة ممكن أن تسبب صراعات وحروب عند جميع الأطراف هي كلمة "نسويات". لست هنا لأناقش جرائم مجتمعنا الذكوري ولا تشوه نفسية "الذكوريات" من ترضى بالذل والتسلط لقناعتها أن ذلك حق عليه وواجب عليها

إهتمامي ليس محصوراً فقط في النساء أو الرجال أنا إنسانه مهتمة بالإصلاح والتوعيه بل هي أحد أهدافي، ولكن بطبيعة الحال فإن معظم كلامي موجه للبنات كوني بنت أكثر فهما لجمالية تركيب نفسية الأنثى بكل تعقيداتها..

لايكفي فقط أن تمنعي عنف وتسلط الرجل عليك بل أن توقفي عنفك ضد نفسك وضد بنات جنسك.

هناك عنف خفي دائماً يظهر خلف أشياء معظمنا يعتقد أنها طبيعية نظرتك القاصرة لنفسك وسعيك بهوس خلف الكماليات وبحثك المضني عن الإطراء والعاطفة.. عنف تقترفينه بحق نفسك عنف يقتل جمالك الداخلي الذي اهملتيه كلياً وراء متطلبات الجمال الخارجية السطحية، تتردد عبارة على مسامعنا كثيراً كمبرر للهوس التجميلي المنتشر وهي :"أنا أفعل الشيء الذي يعيد إلي ثقتي بنفسي ويجعلني راضيه، انا حره وافعل ما أريد" كلام جيد ولا أختلف عليه لكن تكونين حرة فقط حينما يتعلق الموضوع بكِ وحدك ولست حرة أبداً أن تسقطي مقاييسك على كل إمرأة تقابلينها"هذه سمينه-هذه بشعة -مسكينه تحزن لماذا لاتهتم بنفسها-تحتاج عملية تجميل أنف- فلر- بوتكس" وسيل لاينتهي من التنمر والمضايقات لأي إمرأة لا تطابق المقاييس بل أن الأمر وصل من السخافة إلى الحد الذي قد تنحى فتاة من مجموعة نسائية وتقصى تماماً في المناسبات لمجرد أنها سمينة وغير أنيقة.

أنتِ لاتعلمين أن تفكير بهذا القدر من السطحية يدمرك داخلياً (أن تسقطي قيمتك كإنسانه على شكلك)، لم تخلقي في العالم فقط لتكوني جميله ولا لتعجبين جميع الرجال (الذين يعجبهم أي شيء بالمناسبة) إدمان الإطراء سوف يقودك إلى أن تشرعي أبوابك لكل من وقف خلفها لاهثاً بجمالك،من أحبك لجمالك وشبابك سوف يكرهك ويتركك لذات السبب 

المرأة المستقلة

لاتعني فقط إستقلالك المادي ..بل يمتد إلى إستقلالك الفكري بالنضوج والتطور والثقافة وإتساع زوايا الأمور في نظرك والإهتمام بمهاراتك العقلية وإعادة تقييم حياتك وعلاقاتك ونمط تفكيرك (لا تكوني عبارة عن كائن مزعج، شكاك، نظرتك للحياة هي (زوجي خانني - هذه سحرت لي وسرقت زوجي - تلك خطفت حبيبي) لملمي جراحك وإرحلي عمن لم يقدرك وإعلمي أن الخيانه ذنب لايغتفر... ابداً ولا فرصة أخرى تقدم لخائن لأن الخيانة هي إشارة لإنتهاء مرحلة ما وما انتهى لا يعود.

النمو العاطفي هو عدم قبول المذله والهوان، أن لاتجعلي من استعبدك سيداً وتفسدين علاقتك مع كل من حاول تحذيرك منه

حينما تدركين كل ذلك يرتقي مفهومك للنسوية من "عداء الرجال ومحاربتهم" الى التحرر من هذا العداء بل أن معاداتهم تعني انك مازلت خاضعة تحت سلطتهم الذكورية عليك

النسوية هي احترامك لنفسك ووضع حدودك وعدم التنازل عن حقك ووقوفك بوجه أي أذى سواء كان من الرجال أو النساء .. أو حتى نفسك

***

لمى ابوالنجا

كاتبة من المملكة العربية السعودية

 

أتذكر في عيد ميلاد محمد عبد الوهاب الذي يوافق 13 مارس أنني رأيت عبد الوهاب بالمصادفة في دار الأوبرا القديمة عام 1961عندما صحبني والدي إلى حفل الموسيقار العالمي آرام خاتشادوريان. كانت مقاعدنا في الصف الثاني أمام المنصة، وكنت أتلفت خلفي مبهورا، وفجأة رأيت محمد عبد الوهاب مقبلا في الممر برفق مثل أنغامه وإلى جواره زوجته، ثم جلس في الصف العاشر بعيدا عن المنصة! في الثالثة عشرة من عمري تصورت أن عبد الوهاب بخيل استرخص المقاعد الخلفية! فسألت والدي عن ذلك بدهشة، فقال لي مستنكرا: " لا يا ابني.. أي بخل؟! إنه أستاذ ويعلم من أي المقاعد يكون الصوت مسموعا أفضل ما يكون". لم أره بعد تلك المصادفة السعيدة. عبد الوهاب في تاريخ الموسيقا العربية مؤسس قالب الأغنية الحديثة التي ظهرت كشكل فني مع ثورة 19 في العشرينيات مواكبة لظهور الأشكال الفنية المصرية الأخرى: القصة القصيرة على يدي محمد تيمور، والرواية على يدي هيكل، والمسرح الغنائي على يدي سيد درويش. عبد الوهاب خالق قالب الأغنية الحديثة، على الرغم من أن آخرين سبقوه مثل القصبجي والسنباطي، لكنهم لم يستطيعوا الاستمرار في التجديد والتأسيس وظلوا في دائرة لحنية مغلقة، أما عبد الوهاب فقد فاق الجميع تأسيسا للقالب الموسيقى واستمرارا بالتجديد على مدى قرن تقريبا حتى سلم الراية لأبنائه كمال الطويل، ومحمد الموجي الذي قال إنه كان يفز على قدميه احتراما حين تذاع في الراديو أغنية لعبد الوهاب، فلا يسمعها إلا واقفا حتى تنتهي!

في تلك السنة التي رأيت فيها عبد الوهاب تقدم والدي عبد الرحمن الخميسي بأوبريت مهر العروسة لعبد الوهاب لكي يلحنه، ووافق الموسيقار الكبير لكنه ظل يماطل ويسوف وطلب مهلة أربعة أشهر، ثم ثلاثة أخرى حتى انقضى عام ونصف ولم يلحن سوى ثلاث أغنيات! حينذاك عهد والدي بالأوبريت إلى بليغ حمدي، وكتب يوسف إدريس عن ذلك يقول إن: " عبد الوهاب قطع هذا الوعد وهو يعرف تمامًا أنه لن يوفيه وأنه ليس ملحن أوبريت، وأن حياته وثقافته الموسيقية تصب في قالب الغناء العاطفي المفرد الذي تزعمه"، وأضاف إدريس: " وقولنا إن عبد الوهاب ليس ملحن أوبريت ليس طعنا فيه، إلا إذا كان عدم الكتابة للمسرح طعنا في نجيب محفوظ"! نعم عبد الوهاب لم يكن قادرا على الابداع في مجال المسرح الغنائي، لكنه مؤسس " قالب الأغنية" الحديثة المصرية والعربية، ساقته إلى ذلك طبيعته الفنية الذاتية، مثلما ساقت يوسف إدريس طبيعته الذاتية إلى القصة القصيرة وليس الرواية. وعلاوة على الدور التأسيسي لعبد الوهاب فإنه كان المفكر الموسيقي الوحيد بين الموسيقيين المصريين جميعا، ويكفي لإدراك ذلك أن تقرأ كتاب سعد الدين وهبة الذي تضمن حوارات مع عبد الوهاب.

وقد تردد خلال حياة الموسيقار العبقري وربما مازال اتهامه بسرقة الألحان، واستشهد أصحاب ذلك الاتهام السخيف بأن بعض أغنياته تحتوي مقاطع من موسيقا عالمية، وهذا صحيح، لدي عبد الوهاب بعض المقاطع، لكنها لا تمثل في البناء اللحني سوى نقطة للاستلهام تتبدل وتختلف في بناء فني آخر مكتمل لتصبح إبداعا مستقلا. في حوار لعبد الوهاب مع المذيعة ليلى رستم في الستينيات رد عبد الوهاب على سخافة ذلك الاتهام بقوله: " يتأثر الفنان بالموسيقا ويأخذ منها، بعد كده يطلعها لنا في ثمرة جديدة، مثل الابن، يأخذ من الأب والأم، لكنه في الواقع مخلوق جديد بحد ذاته". جرت أغاني عبد الوهاب في مختلف الأشكال : الطقطوقة، والموشح، والأغاني العاطفية، والحوارية، والوطنية، ومقطوعات موسيقية صرف، واغترف خلال ذلك من كل أنهار النغم: حواري المدن، والموسيقا السيمفونية العالمية، وإيقاعات الريف، وطبول الكباريهات، والتراث الغنائي. ولعل عبد الوهاب هو المفكر الموسيقي الوحيد بين الموسيقيين المصريين جميعا، ويكفي لإدراك ذلك أن تقرأ كتاب سعد الدين وهبة الذي تضمن حوارات معه. مازالت حية إلى الآن في أرواح وحياة الملايين فرحة الفن الذي قدمه.

***

د. أحمد الخميسي

قاص وكاتب صحفي مصري

هل بامكان الفتى أن ينام بعيدا عن نيران العاصفة ولا أحد يمنحه الهتاف الأنيق؟!.. لست وحيدا أعبر شوارع العتمة في هذا الطقس الشتوي البارد. خطاي أجنحة من الياسمين ويداي طيور من الحلم تتجه صوب سماوات الروح. هكذا وفي عزلة تامة عن ضجيج المدن وصخب المعارك المندلعة هنا وهناك، يتصفح الرجل الهارب من سراديب الهذيان، ورقات من كتاب المنفى، ولا ينسى أن يتذكر صور الأحبة والرفاق الذين صاروا سرابا.

كيف تسير خطاه باتجاه زهرات المعركة ولم تخنه ذاكرة الزمن الدامي. كم من الصبر والمعاناة والمكابدة يلزمه ليصل إلى حدائق النور وتنطلق به عربات الانتباه إلى فضاءات الدهشة. هاهي ذي الشوارع مقفرة والمدن صامتة والأزقة تبحث عن مشهد لعناق استثنائي. ليس الرحيل سوى عنوانا لانفتاح الكلمات الهاربة من أنياب الصقيع. هل بإمكان الرؤى أن تجعل الكائن البشري الخائف من سطوة اللحظة التاريخية الراهنة أن يقول للجلادين الباحثين عن أصوات الأنين :نحن هنا كأبهى ما يكون الانحناء لرائحة الوردة ومياه الينابيع. أجل وبمنتهى الجرأة والمشاكسة، يكتب الفتى أحلام الأجداد المهدورة ، ليس خوفا من شاحنات النسيان وسماسرة الحروب، إنما وضعا للنقاط على الحروف، لعل اللغة تبعا لذلك، تصير أكثر إشراقا وأقرب لأصوات الفجر. أجل وبمنتهى اللطف واللياقة، يطلب الفتى من شحاذي المدن العتيقة والأحياء الشعبية، أن يصيروا ملوك العصور القادمة!

هذا البحر مدرسة للرحيل

و الحبر طريق طويل لاندلاع الذهول..

هاهو ذا ماء النهريصب في قيعان الدجى

والأزقة الخلفية تبحث عن العشاق القدامى

* *

بالأمس صباحا أحدهم قال لي: كيف تسير وحيدا على رمال الاغتراب ولا أحد من الأهالي الطيبين البسطاء، يضع على كتفيك زهرات الانتماء"لوردة السراب" هكذا وبمحض إرادته يمضي سريعا إلى نوافذ الذهول، ربما يباغته صديق قديم بكتاب" مشاغب ". أسئلة المرحلة لم تعد تعني أي شيئ في سوق السماسرة المتاجرين بقيم الحداثة. أسئلة المرحلة هي الضوء المخيف للحصون التي لا بد أن تتحطم لتزداد ذهولا وصمتا وحيادا. أما من يتحدث عن انطونيو قرامشي وتنظيراته عن"المثقف العضوي" فليذهب إلى جحيم المكان وعزلة الزمان! ليس أشد إرباكا للذاكرة وإمعانا في ترحيل المعنى عن جدران اللغة سوى كتابة فصول مطولة من "أصوات الأنين" هنا وهناك وكأن الأنين لا معنى له وسط هذا الضجيج المتعالي في المدن والأزقة. ليس الخوف من ديمومة الحلم وتنامي فكرة التمرد في جسد الضحية.. الكائن المغترب والمربك للسماسرة والمتاجرين ببهاء اللغة، إنما المربك حقا هو أن يتمادى الجسد القابع تحت ضربات الجلاد في نفي وجود الجلاد ككائن وسيرورة، وهنا تصير أجساد" أصوات الأنين " هي الحاملة لأوجاع المكان والزمان، وتصير ضربات الجلاد هي الجسر الذي تعبره عربات الانتباه نحو مدن الدهشة وقرى البهاء الخارق.

* *

صامتا أمشي في الشوارع والأزقة والحارات المخيفة ولا أتذكر سوى وجهك المنير وعينيك السوداوين الواسعتين المحببتين إلى قلبي وروحي..صوتك الدافئ الخارج من قيعان المعاناة والمكابدة هو الذي أخرجني من دائرة الفراغ القاتل واليأس الذي كاد يأخذني إلى دوائر الاغتراب. دائما يتابعني صوتك كظلي.. كيف سيكون بإمكاني أن أنسى ضحكاتك السابحة في مياه السخرية من مفارقات هذا العالم الغريب العجيب..كيف سيكون بإمكاني أن أنسى إن سافرت غدا أو بعد غد إيمانك العميق بالحرية وانفلات صوت الكائن البشري من أنياب الحيف والاغتراب والارتباك. وحده عنادك الرشيق الذي يأخذني إلى نوافذ الحلم. فأنت تعاندنين الرداءة وتشاكسين مثلي تماما أعداء البهاء. كم كان جسدي المتعب يحتاج إلى صوتك الهادئ الدافئ الحامل بين طياته رحيل اللغة إلى جسد البهاء وانتصار الوردة على "ثقافة" السيف والدماء. كم كنت محتاجا إلى نظرة واحدة من عينيك الواسعتين الجميلتين لتأخذني خطاي إلى مدن السكينة والصمت العميق والهتافات الرشيقة من أجل الوصول إلى نوافذ الياسمين. كم كنت محتاجا إلى عناق طويل لأزداد إيمانا بأن الحياة جديرة بأن تعاش طالما أن هناك أحرار في هذا العالم الغارق في الغرابة. هل هي صدف الحياة جمعتنا أم إرادة الله؟ لست أدري، كل ما فهمته بعد كل الخيبات والطعنات التي انهالت على جسدي المتعب هو أنك الأنثى الاستثنائية التي لا تتكرر هنا وهناك كرقم في طابور كبير وطويل من البشر.أنت النور المتدفق من شرايين الحلم والينابيع الطالعة من أنهار الرؤى. لا أطلب سوى أن تأخذ جسدي هذا إلى ملكوت الدهشة والنبع الفريد، وأن نرحل سويا إلى مدن الشرق من أجل ترسيخ ثقافة الانحناء لرائحة الزهرة.

أنت البوصلة وسط المتاهة، والينبوع في المدن والقرى المقفرة.

***

البشير عبيد - تونس

شاعر وكاتب صحفي

………………….

- فصل من كتاب / مخطوط تحت عنوان: النهر والينابيع

 

تشير المصادر والادبيات السياحية إلى (السفر المستدام) على أنه ببساطة: السفر الذي يحترم فيه المسافر – السائح البيئة الطبيعية بمفهومها الواسع، والمجتمعات المحلية التي تتواجد في المناطق والأماكن التي يتم زيارتها، وذلك من خلال اعتماد سلوكيات منضبطة ومسؤولة تجاههما (مسؤولية أخلاقية واجتماعية وبيئية)، وبالتقيد بالضوابط والتوجيهات التي تصدرها وتعلنها السلطات السياحية والبيئية والثقافية المعنية على ضوء قواعد الاستدامة المعروفة، والرامية إلى المحافظة على البيئة، وحماية الخصوصيات الاجتماعية والثقافية لتلك المجتمعات، وتطويرها وتنميتها بصورة مستدامة . وهي من أهم الأركان التي تقوم عليها السياحة المستدامة بأشكالها العديدة، مثل السياحة الايكولوجية والسياحة الايكوثقافية والسياحة المجتمعية الثقافية المعروفة اختصارا بـ(سي بي سي تي) والسياحة المسؤولة وغيرها .

ويسمى هذا المسافر ب (المسافر المستدام) الذي عليه أن يختار بعناية ومسؤولة: الوجهة السياحية (تلك التي تتبنى قيم الاستدامة)، وسيلة النقل (المشتركة، الدراجات الهوائية، توكتوك، ركشا، كارو، حنطور + السير على الاقدام + ركوب الخيل والفيلة ..)، مكان الإقامة (فنادق تستخدم الطاقة المتجددة والمياه المستصلحة ...)، الطعام والشراب (مطاعم تستخدم المنتجات الزراعية المحلية العضوية وتقدم المأكولات الطازجة ...)، وبما يتماشى مع القواعد والضوابط المشار اليها أعلاه .

وكان إيجاد السفر المستدام ضروريا في كمبوديا تماشيا مع الاتجاهات الحديثة في صناعة السياحة الرامية إلى الاستدامة، وللحد من الاضرار التي أصابت البيئة والإرث الثقافي من جراء: إزالة الغابات بهدف توسيع الرقعة الزراعية وتأمين المراعي أولا، الامر الذي أفضى إلى فقدان مساحات واسعة من الغابات المطيرة وتآكل التربة وحدوث انهيارات ترابية على نحو خطير مع تهديد الأنظمة الايكولوجية الغنية، وتوسع قائمة الحيوانات والنباتات المهددة بالانقراض في مملكة كمبوديا، وأيضا النمو العشوائي للمساكن والزحف الحضري العمراني على حساب هذه الأنظمة والكائنات الحية النادرة ثانيا، وتدمير جانب كبير من التراث الثقافي للبلد نتيجة الحرب الاهلية والصراعات الداخلية (20 سنة) ثالثا، فحطمت وهربت الكثير من الاثار القيمة التي لا تقدر بثمن . ووجدت المئات من القطع الاثرية طريقها إلى أسواق التحف والمقتنيات الاثرية في مختلف بقاع العالم . كما حدث بالنسبة لمعابد (أنغور وات) الفريدة في مقاطعة (سيم ريب) وقرية (بروهير) ومنطقة (أبسارا) ومدينة المعابد المقدسة في (بريه خان) .

و من أجل إيجاد سفر مستدام حقيقي في كمبوديا فقد لجأت السلطات البيئية – الثقافية – السياحية إلى وضع الضوابط والارشادات الضرورية، والواجب اتباعها من قبل السياح عند زيارتهم للمحميات الطبيعية مثل (أنغ تراباينغ، بريك توال، ثمور) والمنتزهات الوطنية مثل (ريام، بوتوم ساكول) والمعابد الاثرية مثل (أنغور، أنغور وات ثوم) والقرى الثقافية مثل (قرية سيم ريب الثقافية) والمتاحف ومناطق استيطان المجموعات العرقية المتميزة والسكان الأصليين مثل (ستونغ ترينغ، موندولكيري) .

***

بنيامين يوخنا دانيال

سيم ريب – كمبوديا في 25/ 12 / 2015

 

قد يرينا الله سبحانه وتعالى في منامنا الحياة بعد الممات اي مرحلة العبور من الحياة الدنيا إلى حياة الآخرة الأبدية وكيف تجري بنا الأمور هناك وكيف نتصرف وكيف نتكلم أو كيف يكون سلوك النفس البشرية وقد دخلت إلى عالم تختلف فيه الأزمان والأبعاد عن عالمها الأرضي فهو عالم اقرب إلى الخيال.. بلا شك إن هناك حياة بعد الموت تخترقها النفس وتبقى عالقة فيها إلى يوم يبعثون وقد جاء في الآية 87 من سورة النمل وغيرها مايدل على أن هناك حياة أخرى بعد الموت وحساب منتظر: (ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض الاّ من شاء الله وكل أتوه داخرين).. في الحقيقة إن الأحلام التي نراها في منامنا هي انعكاس لواقع مابعد الموت على ما يبدو وإلاّ ماهي الحكمة من ان يرينا الله سبحانه في منامنا أمور نعيشها في حياتنا أو لانعيشها فهناك بعضاً من الأحلام يطير صاحبها فوق الغيوم أو يرحل إلى أبعاد أخرى في السماء أو يغور بين الكهوف والظلمات او يرى ويكلم شخصيات من الأموات رحلوا قبل عشرات السنين وهناك من يرى الأنبياء والصالحين او يدخل الى إحداث خارقة لايمكن ان يتلقاها في عالمنا الأرضي وغيرها من التفاصيل المختلفة التي تدل على أن هناك عالم آخر تطاله نفوسنا في يوم قادم ، عالم سرمدي لايعلم أسراره إلاّ الله سبحانه خالق الوجود .

خلاصة القصد.. إن الأحلام التي نراها في منامنا من الممكن أن تكون هي نفسها طبيعة الحياة التي تعيشها النفس البشرية* مابعد الموت التي أشار إليها القرآن الكريم مراراً في آياته الحكيمة ومنها مثلاً الآية 42 من سورة الزمر التي جاء فيها:

(ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَٱلَّتِى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ ٱلَّتِى قَضَىٰ عَلَيْهَا ٱلْمَوْتَ وَيُرْسِلُ ٱلْأُخْرَىٰٓ إِلَىٰٓ أَجَلٍۢ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لآيات لِّقَوْمٍۢ يَتَفَكَّرُونَ) صدق الله العظيم .

***

ماهر نصرت

......................

* النفس البشرية: هي المكون الأثيري الذي يحمل تفاصيل الإنسان في حياته وهي التي تحمل حسنات الشخص وسيئاته فهي بمثابة شريط الخزن الذي خزنت عليه جميع أعمال المرء في حياته الدنيوية .

 

 

هناك صوب الشرق، تنتصب جبال شاهقة ذات قمم مدببة تعانق السماء، يخترق هدوء وديانها خرير مياه عذبـة تنحدر مسرعة من فوهات عيون أزلية تناثرت هنا وهناك، غرست الطبيعة حولها باقات من زهورٍ رائعة، تداعبها أجنحة فراشات تحلّق متموجـة في فضاء آتها المترامية بسعادةٍ لانظير لها، وفي خطٍ متوازٍ من منخفضٍ بعيد ارتفعت بنسق أشجار النخيل تقف متراصة بطلعها النضيد تحاور بحفيفها الساحر طيورا" ملونـة تسر الناظرين، بعضها يشدو مغردا" بلحنٍ متقطعٍ حزين، والبعض الآخر يبدو فرحا" يتغازل بصوتٍ رقيق نبرته فيها كبرياء.. وعلى مسافةٍ قريبةٍ من وادٍ عميق، تلتقي الجداول متحدة لتصنع نهرا" كبيرا" يخترق مدينتنا الأثرية ويمضي مرتحلا" بين اشجار كثيفة تمتد بمحاذاتـه على أمتدادِ البصر هو ذلك الذي يسمى (نهر ديالى العظيم).. بعض أسراب الإوز تحلّق عاليا"، تتراصف بنسقٍ منظمٍ يتقدمها قائد السرب، تراه بين الفينةِ والأخرى يتفحص تشكيله بنظرةٍِ ثاقبة ليتمسك الجميع بنظامٍ صارمٍ عند الطيران، فتعود الطيور مطيعة، منضبطة، صافات أجنحتها بسعادةٍ وغرور تطارد أحلامها نحو الغرب.. تجمعت خلف مدينتنا الأثرية في منطقة تسمى بــ (وادي الجن) مياه متسربة لتكوّن بحيرة صغيرة ذات منفذ واحد، تحتل تلك البحيرة كائنات مخيفة، بعض الضفادع تتحول في لحظات الخسوف أو عندما يصبح القمر محاقا" إلى نوعٍ من أنواع العقارب السوداء البشعة! وأسماك تبدو بأشكالٍ مرعبة تحمل رؤوس خفافيش مشعرة ترهب الصيادين، وكائنات برمائية لانعرف سلالاتها تتحول فجأة الى أفاعي طائرة تهاجم الناس بضراوة، بعضها يتـقرفص بحركةٍ عجيبة ليظهر على شكل سلاحف متوحشة تفزع القلوب! بعد ثلاثة أيام من رعشات زلزال خفيف ضرب شمال المدينة أخذت مياه تلك البحيرة تتسرب في شقوقٍ أرضية ظهرت فجأة، أستطلعنا الأمر نحن ثلة من شباب مدينتنا، ورحنا نغوص مع تلك الشقوق بفؤوسنا ومعاولنا بحذر شديد.. واصلنا لأيام عـدة توغلنا نحو المجهول وأذا بنا نعثر بين طبقات الوحل على آثارٍ وكتاباتٍ مسمارية تعود إلى عصورٍ بعيدة، كنا لا نصدق مانرى، فنحن نقف فوق أطلال حضارة خالدة برق منها شعاع العظمة والدهاء وتفاخرت الدنيا بعلمائها وشجعانها وروعة فنونها..وصلنا بعد اختراق شبكة أنفاق مخيفة إلى غرفة صغيرة تفوح منها رائحة التاريخ، هناك على مصطبة متآكلة (علها كانت تابوتا) بقايا عظام نخرة، وفوق رفٍ منزوٍ تقف ثلاث من التماثيل الذهبية تحكي بانحنائها قصة الاضطهاد والعبودية، وبين هذا وذاك صفت جنبا" الى جنب صناديق مكعبة أقفل بعضها بأسلاكٍ تداخلت رؤوسها بطريقة مشفرة تثير الإعجاب

والتأمل، تعاظمت جرأتي، وأستطعت أن أفتح إحداها بضرباتِ فأسٍ عنيفة أوجعت ذراعي، كان داخل الصندوق ألواح طينية نقشت عليها كتابات ورسوم سومرية، لاشك أنها تحكي عن الإله (مردوخ) أو الإله (أنونيت عشتار أكـد) أو شيءٌ عن قراصنة القوافل، أو لعلها كانت قصة الحب المشهورة التي أنتحر فيها الحبيب بعد أن اختطف أبن الملك المشعوذ حبيبته ….يحتوي الصندوق أيضا" على أختامٍ حجرية وقطع نقود معدنية رسمت عليها صورة لرجل وقور يبدو انه إمبراطور زمانه..كان في قعر الصندوق قطعة ذهبية مستطيلة نقشت عليها زخرفة من رموزواشكال عجيبة دعاني تلهفي الجنوني الإسراع إلى (بابان) خبير الآثار ذلك العجوز النحس المعقد(صاحب الكرش المندلق ونبرة الصوت النكرة) لكي يترجم لي تلك الرموز من مجلده الوحيد.

(الكتابة المسمارية) الذي يسبب صداع الرأس المزمن لكل من يتطلع عليه وينهي قراءته فهو كتاب يحتوي على رموز عجيبة فيها رؤوس حيوانات وإشكال مخيفة يقولون إنها رؤوس علماء الجن ! أتضح بعد أن ترجمها لنا أن تلك القطعة ماهي الا أداة تسجيل خُزنت عليها مشاهد صورية حقيقية عن حضارة السومريين والآشوريين والفراعنة وأقوام رومانية نشأت قبل الميلاد وشيء"عن الصحون الطائرة مع شعوب تتخذ من أروقة الكون مواقع لها، أهدتها مركبة فضائية جاءت من مجرة (أندورا سيفال)1 الى (أددوشا) أحد عظماء مملكة أشنونا2 (هذا ما كتب حرفيا" على خاتمة القطعة).

قفزت من مكاني مسرعاً أبحث عن طريقة علمية في ورشتي تعيد إظهار ما خزّن فوق تلك القطعة، استعملت متحسسات رأس الفيديو لألتقط معلومات التسجيل الصورية ولكن دون جدوى، استعنت بعد ذلك ببرنامج حاسوبي لأفك شفرات المعلومات البيانية، وبعد جهدٍ كبير ومشقة وصبرٍ طويل نجحت في الوصول الى ما أسعى إليه، فقد صار بمقدوري أن التقط ما خزن فوق تلك الأداة العجيبة، كانت لحظات مروعـة انتقلت فيها عيناي وما تحويـه الى أعماق التأريخ، وراح جسدي يرتجف وسط جو من الرعب عصف بأجواء ُغرفتي في جوف الليل، وهبط عقلي مذعوراً هو الآخر، يشارك بصري معجزته وهو يشاهد من على شاشة التلفزيون مشاهد حقيقية لآلاف العمال وهم يحملون صخورا" كبيرة فوق عربات ورافعات يصل ارتفاع الواحدة منها الى ستة أمتار يواصلون تحت لهيب الشمس بناء هرم كجبلٍ شاهق، عشرات من النحاتين منهمكون في تعديل أشكالٍ هندسية لصخورٍ كبيرة وعلى مقربة من هذا وذاك يقف ثلاثة من الكهنة يرفعون فوق روؤسهم عين ذئب ربطوها على سارية من الخشب ويصيحون بأصواتٍ مخيفة فترتفع في الهواءِ صخرة كبيرة وسط ضربات من برقٍ ورعد لتستقر على أحد أركان الهرم العظيم، يرحل نظري نحو صحن طائر بحجم ساحة كرة القدم مليء بمصابيح وفسيفساء مدهشة يحوم فوق أحد الأهرامات ليلا"ويطلق حزاما" من أشعة ليزرية على فتحة في أعلى الهرم تمتد الى الأعماق ويختفي وراء السحاب بسرعة البرق.

رأيت ايضاً مجموعة من السفن الصغيرة وسط البحر يقودها ربابنة أشداء يطاردون حيوانٌ ثائر يشبه الى حدٍ ما اخطبوط البحر يضرب باحدى خراطيمه أحدى الزوارق فيحيله الى حطام..يتحول المشهد فجأة صوب سهول وتلال ويظهر مئات من العمال يقومون ببناء دعامات لتثبيت حدائق متناسقة فوق هضبة تتصاعد متدرجة (أعتقد أنها جنائن بابل المعلقة) يرفعون مياه السقي الى أعلى الروابي بطريقة عجيبة (سأبينها لكم بعد أن أكمل بقية المشاهد)، أسوار قلاع شاهقة تحيط بهيكل زقورة ودعامات متينة ثبتت عليها أبراج خشبية محكمة يتنقل عليها مئات العمال وهم منهمكون في بناء أجزائها بتآلف كما في تآلف النحل داخل خلاياه.

مشاهد لأقوام أخرى غلاظ الأجساد، منتفخو العضلات، مشوهو الوجوه، تشبه إشكالهم صور الإنسان البدائي المطبوعة في كتب التأريخ المدرسية، يشقون طرقا"

لعرباتهم الخشبية بين مرتفعات صخرية ملتوية بعضها شديد الانحدار، (تذكرني تلك الوجوه عندما كنت مع طاقم الطائرة العجوز (اليوشن الروسية) ونحن نحلّق صوب الغرب بسرعة نصف ماخ 500 كلم / ساعة فحدث انفجار مفاجئ في مؤخرة الطائرة بسبب توغلنا المفرط داخل غيوم رعدية متلاطمة أدى الى انفصال وحدة الدفة الخلفية فقذفنا أنفسنا من الطائرة وهبطنا بمظلاتنا فوق أدغال كثيفة لنجد أنفسنا وسط أقوام متوحشة من آكلي لحوم البشر، فقدت في معركة معهم سبابتي والإبهام ومازلت اهرب بين الأدغال لأنجو من قبضة هولاء المتوحشون حتى استيقظت صارخا" من كابوس غفوتي المرعب لأجد نفسي محاطا" برفاقي الطلبة في (كافتيريا القسم الداخلي) ههههههههه.

لنعود من فضلكم الى كاسيتنا (ذاكرة الحضارة) الصوري:

تتحول المشاهد فجأة الى الفضاء.. نجوم براّقة لاحصر لها تتناثر في سدم الكون تشير الى عظمة الخالق، ونجوم أخرى متناثرة تحلّق في أروقة السماء حيث اللازمان واللامكان تدعم النظرية النسبية (لأينشتاين)، أنشطارات ذرية هائلة، نوات عاريات، بروتونات مضطربة، إلكترونات متنافرة، موجات، إشعاعات، أيونات، شهب متمردة وأخرى هاربة تتصادم جميعها وتتنافر وسط غبار كوني متلاطم يملأ الفراغ بين مجراتٍ لامعة تبهر الأبصار وتصفع وجوه الملحدين.

نجوم قيد التكوين، وأخرى تلفظ أنفاسا" محتضرة.. تجانس مذهل بين الأجرام ومداراتها، والجحافل المجرية حبيسة لمركز قوة عظيمٌ جبار، شديد اليقظة، محكم القبضة، لاأجلٍ بدون قرار، ولاخروجٍ عن مدار، (ولا الليل سابق النهار، وكل في فلك يسبحون)3.

يقترب بي المنظر من كوكبٍ وهاّج تدور حوله المئات من أقمار صناعية عجيبة تعمل بالطاقة النووية بدلا" من تلك الاقمار الأرضية المحملة بأجنحة الخلايا الشمسية المتخلفة، تدور حول الكوكب بمدارٍ أهليجي محكم لازيغ فيه، محطات فضائية ذات أشكالٍ معقدة تديرها كائنات فضية اللون، أجسادها كبيرة، رؤوسها صغيرة لكلٍ منها عين حمراء تتمركز في منتصف الرأس، راحوا ينظرون نحوي من خلال شاشة العرض فأشرت لهم من خوفي وصحت (مرحبا") فلم يجيبني أحد.

يتحول نظري جاحظاً عجباً الى وسط الشاشة صوب كوكب عملاق يحتوي على فوهة ضبابية بحجم الأرض تتقاذف منها العشرات من مركبات فضائية براّقة تنطلق بسرعات مذهلة، تدور حول الكوكب وتعرج بعيدا"عن مداراتها نحو ثقوب سوداء تبتلع الضوء والزمن.

ينقلني مشهد جديد الى معركة كبرى بين أقزام ذوو آذان طويلة يقودون صحون طائرة مهولة ظهر بعضها بحجم مدينة بأكملها، تطلق أشعة ثاقبة صوب نجم ناري تتصاعد منه السنة لهب لمئات الاميال فيقذف هو الآخر اشعة بنفسجية لاهبة لاتخطأ أهدافها واذا بالنجم ينشطر الى نصفففففففف..

توقف العرض فجأة وغرقت الشاشة في ظلامٍ دامس.. بعد ثوان ظهر صوت مخيف كأنه وحيف إعصار يقترب أعقبه صورة لكائنٍ مرعب لا أستطيع أن أصفه لارتجاف قلمي عند الوصف، كان ينظر إليّ بعينين حمراوين جاحظتين تقذف شعاع الموت.. أقشعر جسدي وأرتعد عقلي مذعورا"، أحسست لحظتها بانجذابي الشديد نحو شيءٌ يقودني صوب الموت والفناء، أحاول بملءِ طاقتي أن أصرخ واقفز بعيدا" عن سطوة هذا الكائن المخيف، رأيت ستائر نوافذ غرفتي تُنتحي جانبا" ليدخل شبحٌ أو شيء ما من النافذة.. أغمي علّي من ذلك الرعب، حتى أستيقظت بعدها مرتعشا" لأجد نفسي قد فقدت بصري وصورة ذلك الكائن الشيطاني مازالت تلاحقني في ظلماتي.. أرجوكم أنقذوني..

***

ماهر نصرت - بغداد

........................

1- (أندورا سيفال) تعرف اليوم تلك المجرة بـ (قنطورس A) العملاقة ذات الإشعاعات الراديوية الغريبة والتي تقع في النصف الشمالي من القبة السماوية.

2 - (أشنونا) مملكة عاصرت الحضارة السومرية في العراق ويذكر التأريخ بأنهم قبيلة انفصلت عن السومريون وهاجرت نحو الشمال الشرقي حتى تمركزت في الشريط المحاذي لنهر ديالى شمال شرق بغداد عند ربعه الاخير.

3 - القرآن الكريم الاية 40 من سورة (يس)

 

تحت وطأة التغيرات المناخية

للسياحة في معظم الدول الجزرية الصغيرة النامية المنتشرة في البحر الكاريبي والمحيط الهادي والمحيط الهندي وأفريقيا والبحر المتوسط وبحر الصين الجنوبي أهميات اقتصادية كبرى من حيث مساهمتها العالية في الناتج المحلي الإجمالي (83 % من الناتج المحلي الإجمالي في أنتيغوا وباربودا و50 % في باهاماس و43 % في سانت لوسيا)، ورفدها لخزينة الدولة بالنقد الأجنبي الضروري لتنفيذ خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وخلقها لفرص العمل الدائمة والمؤقتة (90 % من سكان أنتيغوا وباربودا يعملون بالسياحة)، ودورها في الحد من البطالة والفقر والهجرة وتحقيق الرفاهية، ومساهمتها في تحقيق التوازن والموائمة بين القطاعات الاقتصادية الأخرى، مثل النقل والصيد البحري والزراعة والحرف اليدوية. ووفقا ل (منظمة السياحة العالمية) التابعة للأمم المتحدة فإن هذه الدول قد استقبلت في عام 2011 نحو (41) مليون سائح دولي، وحققت إيرادات بقيمة (38) مليار دولار أمريكي، وان السياحة تمثل (75) في المائة من صادرات (15) دولة من هذه الدول و(50) في المائة ل (13) دولة. وبحسب منظمة الأمم المتحدة فإن الدول الجزرية الصغيرة النامية الواقعة في منطقة الكاريبي تستقبل وحدها سنويا قرابة (21) مليون سائح دولي، وتشكل السياحة (30 %) من اجمالي صادراتها.                        

أما تأثر السياحة في الدول الجزرية الصغيرة النامية بظاهرة التغيرات المناخية والاحتباس الحراري فكبير رغم صغر حجم بصمتها الكربونية ومساهمتها القليلة في انبعاثات الغازات الدفيئة (غازات الاحتباس الحراري) المسببة للظاهرة (تساهم الدول الجزرية الصغيرة النامية بنسبة أقل من 1 % من اجمالي الانبعاثات الكربونية على مستوى العالم وفقا لخبراء المناخ وبنسبة 0،01 % لتلك الواقعة في المحيط الهادي). ويعزى ذلك إلى أنظمتها البيئية الهشة، وقلة الإمكانيات والموارد اللازمة لمواجهتها بالنسبة للكثير منها، واعتماد السياحة فيها بالدرجة الأساس على الأنظمة الايكولوجية والموارد البيئية والمغريات الطبيعية، مثل الشواطئ والشعاب المرجانية (أصيب كامل الشعاب المرجانية في بعض المناطق من البحر الكاريبي بالابيضاض من جراء التغيرات المناخية. ويتوقع الخبراء أن تصاب 90 % من اجمالي الشعاب بحلول 2030 و100 % بحلول 2050). وغابات المانغروف (الايك البحري) (فقدت أنتيغوا وباربودا خلال 1980- 1990 نحو 83 % من غابات المانغروف) ومواقع التراث العالمي الطبيعية والثقافية (32 موقعا مسجلا على قائمة اليونسكو)، وبسبب جغرافيتها وخصائصها الاقتصادية والاجتماعية بحسب معهد الأرض – جامعة كولومبيا الامريكية. ولو أخذنا (أنتيغوا وباربودا) على سبيل المثال نجد أن أعاصير (لويس ومارلين) في عام 1995 قد تسببت بفقدان سبعة آلاف شخص لوظائفهم من أصل (68349) شخص وفقا للإحصاءات الوطنية، ويمثل الرقم الأخير عدد السكان في السنة المذكورة، مع تراجع التدفقات السياحية اليها بنسبة (17) في المائة، والحاق أضرار بليغة بمعظم المنتجعات السياحية والبنية التحتية للبلاد.

***

بنيامين يوخنا دانيال

                    

تحل في الأول من أبريل هذا العام 2023 ذكرى رحيل والدي في1987. بعد الرحيل تذكر محمود السعدني أول مرة التقى به، فكتب: " في الأربعينيات حضر الخميسي إلى قهوة عبد الله ذات مساء وقضى السهرة في ركن أنور المعداوي، وأشاع جوا من البهجة والمرح، وعزم الشلة كلها على العشاء، ودس في يد الولد الذي قام بتلميع حذائه جنيها كاملا، المهم أنه غادر المقهي في ساعة متأخرة من الليل وقد وهب السعادة للجميع.. حديثا وطعاما وهبات.. كان نموذجا للفنان الذي رسمته في خيالي: كان شديد الزهو، شديد البساطة، عظيم الكرم، دائم الفلس، وكان يمشي دائما في الطريق يتبعه أكثر من شخص يلازمونه كظله، ويطيعون إشارته". أما يوسف إدريس فكتب في الأهرام يقول: " هذا الشاعر المخترع الموسيقى كاتب القصة راوي الحكاية.. الخميسي.. كان قويا عملاقا متفائلا إلي ألف عام قادمة، وكان فمه مفتوحا إلي آخره مستعدا لابتلاع الحياة كلها، بكل ما فيها من طعام وشراب وجمال.. وهو قوي مقاتل وطني عنيد". وكتب أحمد بهجت ينعيه: " الخميسي مزيج عجيب من الشخصيات المتداخلة المختلفة المتعددة.. إنه شاعر، يجيد العزف على البيانو، وهو كاتب قصة ينصرف أحيانا إلى اللعب كما يفعل الأطفال، وهو إذا لعب قام بتأليف فرقة مسرحية، أو إخراج فيلم سينمائى، أو كتب قصيدة من الشعر، وكان فى كل ما يلعبه سيدا من سادة اللعبة، إن حقل الفنون جميعا ملعبه وهو يتألق فيه مثل بيليهأو مارادونا". أما الكاتب صلاح عيسى فقص في مقال له حكاية الخميسي مع وزير الداخلية شعراوي جمعة، وكان المسئول عن التنظيم الطليعي في الاتحاد الاشتراكي، حين التقى شعرواي بوالدي وسأله لماذا لم ينضم للتنظيم الطليعي بينما انضم أغلب التقدميين إليه؟ فقال له والدي: " الحقيقة يا شعرواي بك أنا في عيب وحش قوي.. ما تتبلش في بقي فولة.. وإذا حضرت اجتماعا حزبيا قد أخرج منه وأفشي أسراره.. فيلقون القبض عليكم"!! قهقه وزير الداخلية وقد أدرك أن الخميسي يروغ منه. ومع انقضاء 36 عاما على رحيل والدي لكني لا أذكره إلا ضاحكا، وقويا، وحين كان في المعتقل عام 1954 بعد دعوته مع طه حسين لعودة الجيش إلى الثكنات، أرسل من المعتقل خطابا لأمي، مازال عندي، يحذرها فيه قائلا: " إياك وأن يحزن الأطفال..الحزن يهدم النفوس.. شجعيهم واجعليهم يضحكون، وقولي لهم إنني مسافر وقريبا أعود". وقد سافرت معه من مصر إلى لبنان بالباخرة عام 1972، وعلى سطح الباخرة ونحن في عرض البحر اكتشفت أنه ليس معه مليم واحد من أي عملة في العالم. اكتشفت ذلك حين قلت له: دعنا نشرب شاي من بوفيه الباخرة، فأقسم لي أنه ليس بجيبه مليم واحد. نظرت إليه مذهولا وصناديق ثيابنا حولنا، أفكر كيف إذن سنهبط بيروت؟ ومن أين سنعيش هناك؟ لكنه ضحك وقال: لا تحمل هما. ومع أن كل الكتاب الكبار الذين عاصروه وكتبوا عنه قد لمسوا هذا الجانب أو ذاك من شخصيته الفريدة، إلا أنه كان عشرة أو عشرين فنانا في شخص واحد، وأذكر أنه في حديث له مع التلفزيون سألته المذيعة عن أنشطته المتعددة، في القصة والمسرح والسينما والاذاعة والصحافة والنقد والتمثيل والاخراج والتأليف الموسيقي، فضحك قائلا لها: " أنا أصلي رجل كثير". رحل ذلك الرجل " الكثير" الذي لا أذكره إلا مقترنا بالبهجة والأمل والقوة وخيالاته الساحرة الجميلة.

***

أحمد الخميسي

سأقيمُ من تلقاءِ حزني مهرجانا

للفَرَحْ

*

أدعو إليهِ أحبتي:

الأنهارَ والأشجارَ والأطيارَ

والأطفالَ والفقراءَ والعشاقَ

والعيدَ المؤجَّلَ في تقاويمي

وأقواسَ القُزَحْ

*

أتلو بهِ ندَمي على أخمارِ مُغتبَقي

وكأسِ المُصْطبَحُ

*

لأنامَ مقرورَ التبتّلِ

والرَّبابةِ والمُدامةِ والقَدَحْ

يبدو النص كقصيدة في ومضة، لشدة انسكابٍ واتًساقٍ لغويين، لازماه وألزماه الجمال .

جاءت المفارقة بين (الحزن) و(الفرح) ببلاغة ينثال فيها المعنى على اللغة - انثيال الندى على الزهر، وكأنً الحزن والفرح يتماهيان/ يتحدان، ليوقِعا في النفس تأثيرا واحدا !

** جمع الشاعر السماوي في " دعوتهِ " كل الاطراف المعنية بالجمال والانسانية والشِعر: الانهار/ الاشجار/ الاطيار/ الاطفال/ الفقراء/ العشاق/ العيد المؤجًل - (في تقاويمي واقواس قزح)!

وبذات الومضية راح الشاعر يُعمِلُ مهاراته المفارقاتية في السطرين التاليين:

التلاوة + الندم + اخمار!

وكذلك في:

(أنام مقرور التبتل والربابة والمدامة والقدح) وبكل ما للشِعر من الصوفية !

**

لا ادري كقارئ مَن الذي يمسك بخيط التنظير/ أو النسغ الشِعري، في قصيدة/ ومضة الشاعر: الشاعر المحلًق بين بلاد النهرين ومنفاه في استراليا، ام لغتهِ الذائبة في معانيها/ أم الشِعر الذي لم ينته التعريفُ به حتى الساعة؟!

***

ياسر بريسم العطية

هناك من يعتقد بأن الإبداع الفكري بجوانبه الأدبية والصناعية والتجارية ينحسر في مدينة بغداد على وجه الخصوص على أساس انها المدينة الكبرى التي تستقطب العلماء والادباء والوزراء والصناعيين والتجار والمستثمرين وغيرهم من أصحاب العناوين الذين يعتبرهم بعض المغفلين بأنهم العمود الفقري للدولة ولولاهم لرجعت الدولة الى زمن جحا وبهلول ونسوا او تناسوا الثقل المهم الذي يمثله اصحاب الموهبة من سكنة المحافظات وما يحمله البعض من ادبائها ومفكريها من ابداعات خارقة ترتقي على اقرانهم من اهل بغداد، واليوم قد تغير الوضع كما ترون وصار الانترنيت هو الوسيلة الدعائية المتيسرة التي يستطيع الموهوب من خلالها ان ينشر ما يحلو له من نتاجات وهو يسكن في قرية صغيرة بعيدة عن المدينة فأنكشف الغطاء عن اهل المحافظات وفاضت اقلامهم بما تحمله نفوسهم من ثورة فكرية مازالت شرارتها متوقدة داخل النفوس التواقة الى التغيير فماتت فكرة الاحتكار الادبي والعلمي التي كانت مقتصرة على مفكري بغداد كما يزعمون ودفنت بحججها الكاذبة الى الابد   ..

***

ماهر نصرت – بغداد

عندما تتراكم الهموم وتثقل أوزار الحياة الصعبة في زمن الملوثات اليومية التي تصنعها يد الإنسان حيث تنشر سوادها على واجهة القلب وجدرانه ليزداد عتمة في واضحة النهار يخفت فيها بصيص الأمل في نفق الحياة المظلم ونفقد خيطها الرفيع الذي نمسك به للخروج لأيام قد نعيد رسم ألوانها الزاهية من جديد أو نسترجع قسما من الماضي الجميل. إلى متى نبقى هاربين من الأيام التي وضعت بصمتها على وجوهنا تخبرك على ما فعلته بنا بخطوط متفرقة تنبئك عن قساوتها وجبروتها بعدما أخذتنا بين محطات الحياة بقاطراتها السريعة تجر ورائها سنين الماضي إلى نقطة لا عودة إليها والاستسلام للواقع الذي لا بد منه أن نحط رحالنا في باحته نقترض منها جزء من سويعات الماضي التي لا تزال عالقة في أذهاننا نسلي بها النفوس والعقول عزاء لنا نجاذبها أطراف الحديث الذي فات أوانه وعفا عنه الزمن سوى فتح سجلات الماضي والذكريات الملونة بألوان الحياة   نقلبها بأناملنا وعيون تفيض من الدمع على أيام خلت بتراكماتها طوتها السنين مرت كسراب من الماء يلوذ إليه الضمئان كي يحط رحله ليستريح من عناء السفر الطويل والعمر يجري بنا في زمن تخلى عنا الأهل والصديق والحبيب يتساقطون من حولنا كأوراق الأشجار في الخريف واحدا تلو الآخر نودع ونبكي حسرة على أيام أفل ضيائها سريعا واضعة بصمتها على وجوهنا ونحن مسافرون على أجنحة الزمن الذي لا نعرف متى وأين وكيف يحط رحله لنزيل غباره عن أجساد أتعبها لسنين طوال.

***

ضياء محسن الاسدي

في منطقتنا سكنت عاهرة ذات تاريخ وضيع. على الرغم من سمعتها المشينة، إلا انها تمكنت من كسب شرفاء المنطقة في غفلة من الزمن. بل جعلتهم يعتقدون أنها أشرف من الشرف نفسه. على الرغم من معرفتهم لماضيها المحُقَّر بأن هذه العاهرة قد تسببت بالفعل في تدمير العائلات وفقدان الأرواح عندما عاشت سابقاً في نفس المنطقة، إلا انهم مضوا في طريقهم معتقدين انها كانت حقا قد تابت وأصبحت طاهرة وعفيفة.

لجأت هذه العاهرة الى ابتكار شتى الوسائل لخداع البصر، وذلك من خلال استخدام مستحضرات التجميل لتزين وجهها القبيح وحماية مظهرها، ومع ذلك لم تستطع إخفاء فجورها تمامًا، فكانت تُظهر من حين لآخر عورتها مبرهنةً بذلك على انها مازالت تمضي قدماً في مهنتها. أما الشرفاء من القوم فلم يدركوا ان العاهرة ليست بمقدورها التخلي بسهولة عن عادتها مهما طال الزمن، فرائحة السائل المنوي كانت تضرم شهوتها وتوقظ رغبتها في العودة إلى ممارسة أفعالها السابقة.

القواد الذي دعمها طوال حياتها المهنية تخلى عنها دون ندم، رغم ما قدمته هذه العاهرة من الخدمات والسيولة له، بل أبعدها عن الطريق الى الابد. وبدلاً من هذه العاهرة المنفردة، أحضر معه على متن شاحنة تجارية جميع البغايا الراقدين على أرصفة المدن والأزقة المنسية، بأسمالهن الممزقة الى منطقتنا.

ومن أجل خلق التوازن بين العاهرات الجدد في المنطقة وخشية اتحادهن باعتبار يحملن نفس البذور، منحهن فرصة للتنافس وذلك لتفريق الزبائن وتقسيمهم الى مجاميع صغيرة لاختيار العاهرة التي تناسب رغباتهم، وبالتالي فرض سيطرته الكاملة على السوق.

كما ان القواد الكبير تنفس الصعداء، حين سحب بساط الجاذبية من تحت أقدام العاهرات كي لا يكون لهن تأثير على قراراته، وسمح لهن فقط بجني الأموال من مهنة البغي.

الزبائن الذين لم يحصلوا على مبتغاهم من عاهرات الجدد، أخذوا يترحمون على العاهرة الراحلة مدعين انها كانت أكثر شرفاً من عاهرات اليوم كونها كانت تمارس الدعارة ستة ايام فقط في الأسبوع وبينما هؤلاء العاهرات يمارسن الدعارة سبعة ايام في الاسبوع مع سبق الاصرار. هؤلاء الزبائن لا يرون الشمس في الأفق نورا وإنما يلتفتون فقط الى غروبها معسعس.

القواد الكبير، لضمان تواجده الدائم في السوق ولمنع جيرانه، القوادين المنافسين الآخرين، من السيطرة الكاملة على العاهرات، اختار لنفسه بعض القوادين المحليين الذين مارسوا الشعوذة والسحر في الدروب الفرعية، الذين أظهروا استعدادهم الكامل للتستر على الموبقات والرذيلة بالمواعظ والوعود غير المرئية.

طفق القوادون من الجيران بالتحرك سريعا، والدخول في المنافسة التي وصلت ذروتها. وفي فترة قصيرة استطاع القوادون الجدد من السيطرة على السوق، والذي ساعد في هذا التوغل والتوسع، هو ان القسم الأكبر من هذه العاهرات كانت قد عملت في ملاهيهم الليلية ايام الذل والتشرد.

في المحصلة النهائية استطاع جميع القوادين وبمعونة العاهرات، وعلى الرغم من مصالحهم واهتماماتهم المختلفة في السوق، تخدير عقول البسطاء وكبح جماحهم في مواجهة الرذيلة والخطيئة الحقيقية.

***

كفاح الزهاوي

تعد سياحة مراقبة الطيور البرية أحد أشكال السياحة البيئية المنتشرة على نطاق واسع في الكثير من الدول الزاخرة بأنواع الطيور المقيمة والمهاجرة، وتحوز على نسبة عالية من إجمالي النشاطات السياحية المختلفة السائدة فيها في ظل تنامي الوعي بأهمية البيئة داخليا وخارجيا، ومن هذه الدول كوستاريكا وكينيا ومصر (تستقبل سنويا نحو 400000 سائح بهدف مراقبة الطيور وفيها 34 موقعا جاذبا للطيور)، وبورتوريكو واستراليا والأردن (فيها 27 موقعا لمراقبة الطيور التي تحتل 9،5 % من إجمالي مساحة البلاد)، وتركيا. وقد حققت عائدات مالية عالية بالنسبة لهذه الدول وللسكان الذين يقطنون المناطق المتميزة بطيورها البرية، أو بالقرب منها (كما في محمية كورشينيتي على بحيرة مانياس التركية والقيوم بمصر وتستقبل 400 نوع من الطيور المهاجرة والعقبة في الأردن وتحقق نحو 5 ملايين دولار سنويا)، فصارت وجهات رائعة لمراقبة الطيور ومشاهدتها وتتبعها ورصدها ومتابعتها وتصويرها ورسمها وتوثيقها ومقارنتها ودراستها، ووفقا لضوابط وتعليمات خاصة تنظم هذه الهواية الرائعة الصديقة للبيئة، وعلى ضوء قواعد الاستدامة المعروفة الداعية على صون وحماية الموارد واستخدامها برشد وعقلانية، لتصل إلى الأجيال اللاحقة أكثر قيمة ومنفعة، وعملا باتفاقية الأنواع البرية المهاجرة المعروفة اختصارا ب (سي ام اس) أو اتفاقية (بون)، وأيضا اتفاقية التنوع البيولوجي وبالتنسيق مع المجلس العالمي للطيور وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي المعروف اختصارا ب (يو ان دي بي).

أما السودان فيعتبر واحدا من أهم طرق هجرة الطيور في أفريقيا والعالم (شريك في مشروع الطيور الحوامة المهاجرة من أصل 11 دولة / برنامج الأمم المتحدة الإنمائي / صندوق البيئة العالمي)، ومحطة لكثير من الطيور المحلقة المهاجرة. وهو بمثابة مشتى دولي مهم لمختلف أنواع الطيور. وترد اليه عشرات الاف من الطيور، وفي رحلات موسمية في العادة، وبهدف المناخ المناسب والطعام الغزير والتزاوج، قاطعة مسافات طويلة قد تبلغ آلاف الكيلومترات ولعشرات الساعات. مثل اللقالق التي تنطلق إما من روسيا وإما من آسيا عبر البحر الأحمر، وتصل السودان في 30 آب من كل عام، لتكتمل إلى دلتا أوكافنجو في بوتسوانا.

و توجد في السودان نحو (850) فصيلة طيور مهاجرة منتشرة في كل أنحاء البلاد، ومنها الغابات والسهول والسافانا والصحارى والأراضي الرطبة والجبال والوديان، ويأتي معظمها من القطب الشمالي، لتمر عبر أوروبا والبحر الأبيض المتوسط. وتشكل بذلك أهدافا دائمية لهواة الصيد بالدرجة الأساس، ولهواة مراقبة الطيور على نحو متواضع، بسبب عدم استغلالها واستثمارها في الأنشطة والبرامج السياحية بالشكل المطلوب، وعلى نحو مستدام، ولتقليل المخاطر والتحديات الجدية التي تواجهها، والمتمثلة في تقليص مساحة المستنقعات والقطع الجائر للأشجار لتأمين الحطب وفحم الوقود، والاستخدام المبالغ فيه لمبيدات الآفات الزراعية بهدف التخلص من الحشرات والنباتات الضارة، فتطال أضرارها الطيور والفراشات والديدان والنحل وغيرها، ويهدد التنوع الاحيائي (نظمت الجمعية السودانية للحياة البرية في 1 نيسان 2015) ورشة عمل موسعة بخصوص الموضوع). بالإضافة إلى عدم كفاية الاحصائيات والبيانات والدراسات الخاصة بها، وقلة المنظمات الحكومية وغير الحكومية المعنية بالطيور المهاجرة بصورة عامة، وبسياحة مراقبة ومشاهدة الطيور على وجه الخصوص.

***

بنيامين يوخنا دانيال

الخرطوم – السودان في 15 تموز 2016

نادية المحمداوي: صحفية عراقية نمت كنخلة بغدادية لكن بجذور تمتد حتى اقاصي جمهورية ميسان لها ملوحة الأرض وطيبة العماريين ونخوة اولاد الملحة وضحكة من ربح كل شيء في سوق الخسارات.. شطت بها الدروب فأخذتها للمنافي ودروب الغربة ومدنها القصية ولم تحمل في حقيبتها شيئا غير حبها للوطن والناس وأهلها والأيام الخوالي ورغم أنها تعيش في أمريكا إلا أنها لازلت عراقية الهوى تبكي العراق بدموع تغطي ابتسامتها حينا ويشرق محياها حبا وشوقا للبلد الام.. وها أنا اجاذبها حديث الشوق للعراق..

* من هي نادية المحمداوي؟

- انا امراة من جنوب القلب تربيت ببيت ابي الحاج جبر امجيسر مع اربع اخوه وخمس اخوات.. كان ابي يحكي لي القصص القديمة مثل الزير سالم وتغريبه بني هلال وساري العبدالله اضافة الى الشعر والغناء، هذا جعلني احب الكتابة واتناولها كالشوكولا. ومنذ ان كان عمري بحدود السادسة في الاول الابتدائي.

* من علمك الفرح ومن اهداك الدموع؟

- اولادي هم فرحتي وهم فقط يهدون لي الفرح. ووطني اهدى لي الدموع.

* كيف تعيش العراقية غربتها؟

- احيانا ياخذني الحنين لوطني ولكنه اخذ مني كل شيء حبببي وبيتي ووجودي بين عائلتي وقذف بي لديار بعيدة جدا.. ولكنني مجتهدة واعيش بشكل جميل واعمل واكتب ومعي اولادي واحفادي هم فرحتي التي لا بديل لها.

* لمن يأخذك حنينك كل ليلة؟

- الليل ياخذني للورق والقلم اكتب خربشات تصرخ

لحبيبي الذي اغتالته رصاصات الارهاب وخلفني وراءه واعاتبه عسى ان يسمعني انا ودموعي.

* هل يزورك القلق ومتى؟

- القلق حالة يمر بها كل البشر ولكنني اقلق واخاف ان اتفاجا باي خبر ياتي من وطني.

* ماهي الأشياء التي تخافين منها؟

- اخاف من نفسي ومن ظلي.. ومن الخيانة

* ماهو شعورك وانت تدخلين الأضرحة المقدسة؟

- الاضرحة تجعلني اوؤمن بحق ال بيت رسول الله وابكي مواسية نفسي وهم على مصيبتنا معا كانني مررت بما مروا به من قبل.

* هل للزهايمر عمر معين؟

- اظن نعم الزهايمر هو انك لاتريد ان تتذكر احد او اي شيء من حياتك السابقة تريد ان تعيش بواقع خاص جدا وهذا ياتي من التعب والملل من كل المحيطين بك.

* هل تعشقين الغناء الجنوبي وتغنينه؟

- نعم اعشق الغناء الجنوبي.. واغني مع نفسي وابكي

* ماهو الوطن وكيف يكون الانتماء؟

- الوطن الذي يحميك ويعطيك كل شيء ويخاف عليك

انا احزن على وطني ولكنه لم ينصفني فهربت انشد الامان في بلاد اخرى.. الانتماء للوطن هو ان يكون لك به بيتا يأويك وظلا تحتمي به واهلا يتمسكون بك يعتبر الانتماء من الاحتياجات الهامة التي تشعر الفرد بالرابط المشترك الذي يربطه بأرضه وبأبناء وطنه،

* ماهي مساوئ الرأسمالية بالنسبة للمهاجرين؟

- صور دعاة الرأسمالية الهجرة وكأنها ظاهرة جديدة ولكن في الواقع الهجرات الجماعية بدأت مع ولادة الرأسمالية كنظام اقتصادي واجتماعي. منذ التراكم الاولي، الالية التي اوقفت الرأسمالية على اقدامها كنظام حيث قامت بمصادرة اراضي الفلاحين والغاء نظام الملكية الذي كان موجودا تحت النظام الاقطاعي محولة الفلاحين الى عمال مأجورين، واجبرت الملايين على الهجرة من الارياف الى المدن في الدولة الواحدة وبين الدول.

* ماهي الكتب التي تقراينها؟

- اقراء كل شيء تقع عليه يدي، الرواية والقصة والشعر المترجم.انا تربيت على قراءة الادب الانكليزي المترجم والفرنسي المترجم، وقراءت لاجاثا كريستي وسيمون دي بفوار ونزار قباني

* هل الصيام يختلف في المهجر؟

- ابدا العرب هم هم في اي بلد يذهبون اليه طقوس رمضان هي هي تبادل الصحون والدعوات مستمرة اضافة الى عمل افطار يومي جماعي في الجوامع والحسينيات يشتركون به كل الجاليات العربيه.

* ماذا تتذكرين من طفولتك؟

- اتذكر انني كنت اخاف معلمتي كثيرا حتًى انني احلم بالدرس اثناء الليل وابكي وامي تخاف علي وتتهدد على معلمتي وتقول ان معلمتها تاذيها،

* هل الشكر واجب؟

- نعم الشكر يعني الامتنان، وانا اشكر وممتنة لك هكذا يجب على الجميع ان يشكر الجميع على ابسط الاشياء. تعريف الامتنان عادةً ما نعبر عن امتناننا للآخر لقاء خدمة أو هدية بالشكر. لكن علمياً، الامتنان ليس فقط فعل إنما أيضاً شعور إيجابي لخدمة غرض بيولوجي. كما وأنه تقدير عميق لشيء أو لشخص يؤدي إلى الشعور بالإيجابية لفترة طويلة

* هل مارست الصحافة في أمريكا؟

- انا كتبت لبعض الصحف ولكنني مشغولة فاتجهت لاكمال كتبي وترجمتها في القريب العاجل باذن الله

* صفي ذاكرة الياسمين؟

- ذاكرة الياسمين

اسميك عطري اتنفسك ولكنك غادرتني مستعجلا وتركت التفاح على منضدتي،، اتذكر عندما قلت لك انني احمل باحشائي طفلتك الذهب.. اتفقنا ان نسميها نور ثم ابتعدت عني ولكنني لان تحت وجع الخديعة اينما وليت وجهي.. الاحلام التي قضت على تواريخ محبتي اليك تراودني كل يوم لتسلب راحتي وترمي بي لبحر الظلمات.. يتراءى لي ان ابنتنا مثل النور مشعة بعينين ملونتين وشعر اشقر طويل ولكنه مجعد مثل شعرك تحمل بين مفاتيح روحها وهج روحك التي همت بها من قبل زمن

* هل كل الحكايات محكومة بنهاياتها؟

- اكيد ولا لما سميت حكاية لابد لها من نهاية

* هل تؤمنين بالابراج؟

- انا اتسلى بها وهي علم جميل وانا ادرسه الان من ضمن اختصاص رسالتي.

* لماذا يطلق على النساء (امهات السحوره)؟

- لا ادري انه الرجل الذي يطلق هدا الامر على المراة.

* هل لك أمنيات خاصة برمضان؟

- انا دائما اتمنى وليس فقط في رمضان

اتمني ان يرزقني الله كل شيء جميل بلا انقطاع.

. من يقدم على من.. المال.. الصحة.. الأبناء؟

اكيد الصحة لا جدال بهذا

من عافاك اغناك

* ماهي المساحة الفاصلة بين النجاح والفشل؟

- مساحة الوعي،

* ماذا تعني لك الاخوة الصادقة؟

- انا احب اخي اذا انا اضحي من اجله.. رابط الاخرة رابط قوي وانا اتمتع به بود وفخر مع اخوتي،

* هل تهون العشرة على ولد الحلال؟

- يقولون لا تهون العشرة الا على اولاد الاخوان

* هل ورثتي حنان امك؟

- انا شبيه امي بكل شيء.

* ماذا تتمنين؟

- ان اكون بخير انا واولادي واحفادي وكل الدين احبهم ويحبونني.. اتمنى ان يكون العراق بخير.بالرغم من انني لا اعيش به ولكن اهلي واحبابي وناسي واصدقائي يعيشون به لذا اتمنى ان يتشافى ويرجع افضل واجمل

***

حاورها راضي المترفي

 

محمود البياتي سندباد السرد العراقي – هذا عنوان كتاب قام هيثم بهنام بردى باعداده وتقديمه، وهو عمل علمي نادر في زماننا الصعب، وقد صدر هذا الكتاب الفريد عام 2022 في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ويقع في 269 صفحة من القطع المتوسط. هو كتاب جميل ومدهش قبل كل شئ، بدءا من لوحة الغلاف لمحمود البياتي نفسه، والتي رسمها الشاعر الكبير والفنان التشكيلي العراقي يوسف الصايغ، واستطاع الصايغ ان يجسّد في بورتريت محمود البياتي ملائكية هذا (السندباد !) كما أسماه هيثم بهنام بردى بدقّة متناهية. مقالتنا هذه ليست عرضا للكتاب، وليست قراءة في صفحاته، فكل ذلك يتطلب مقالات تفصيلية عديدة، مقالتنا هذه عرض للاندهاش من هذا العمل الفكري النبيل، واكرر صفة (النبيل !!!) هذه، النبيل قلبا وقالبا و بكل معنى الكلمة، والذي قدمه لنا – مشكورا - هيثم بهنام بردى.

الاندهاش الاول يكمن في الخطة العلمية المتقنة جدا لهذا الكتاب، الخطة التي قام بها (معلّم!) يعرف صنعته واسرارها وشعابها، وكل ذلك واضح جدا حتى من النظرة الاولى للكتاب. الخطة العلمية الصحيحة هي السكة الحديدية، التي سوف يتهادى عليها القطار، ويصل الى هدفه بسهولة، وهي (المفتاح !)، الذي يفتح (القفل!) ويغلقة متى يشاء، (وقد تذكرت كم عانينا اثناء عملنا في الدراسات الجامعية العليا من طلبتنا، الذين كانوا يريدون منّا مواضيع اطاريحهم وخططها العلمية الكاملة !!!). هيثم بهنام بردى اختار موضوعه، لانه أحبه، واطلع بشكل معمق على اولياته كافة، ووضع الخطة العلمية الممتازة لعمله نتيجة لكل ذلك، ولهذا، فقد استطاع – وبجدارة عالية – ان يرسم صورة قلمية متكاملة لابداع محمود البياتي وبكل أبعادها.

الاندهاش الثاني يكمن، في ان بهنام قدّم لنا اسم مبدع عراقي كبير، لكنه شبه مجهول لعموم القراء العراقيين، لانه عاش (... اثنين وعشرين سنة داخل العراق، واربعة عقود وثلاثة اعوام خارج العراق....وان قريحته الابداعية نمت في تربة بعيدة عن العراق...) اي ان (...جهل المتلقي العراقي في الداخل بهذا الرمز الابداعي العراقي لا يتحمله الطرفان....)

الاندهاش الثالث – هو الاختيار الذكي والدقيق للنصوص الابداعية، التي كتبها محمود البياتي، ولنقرأ معا هذا المقطع ليس الا –

غافلتني ذات مرة وسبحت بعيدا عن الشاطئ، غابت عن مدى البصر، انتظرتها ساعتين ولم تعد، انتظرتها يومين، سنتين، لم تعد، لا أعرف كم بالضبط انتظرتها، ولما يئست أيقظني كابوس مفزع، رأيتها ترقد مهشمة الى جانبي على الفراش. آ، ماذا حدث ؟!، احتضنت كومة أحجار باردة وانتحبت، ماذا اقترفت خديجة ؟ سقطت من علو شاهق ؟ أم ضربتها مطرقة مجنون ؟ بذلت محاولات مضنية لترميمها بالعسل والدموع، أعطيتها دفقات من روحي، صرخت بالناس الذين تجمعوا – لم أقتلها، هي سقطت، قلت لهم ساعدوني، لعلها تاهت في الغابة او خطفها لصوص...

وها أنا أنتظر مبتهلا الى الله ان يتغمدني برحمته، قد تحملها اليّ موجة أو قارب صيادين، قد يرشدها الى بيتي درويش... لن أصنع اخرى، لقد تعبت، سألهو بالرمال وأنتظر.

بعد هذا المقطع، لم اتعجب، لأن طلال عبد الرحمن كتب مقالة بعنوان (كافكا يلهم محمود البياتي....)، ولم أتعجب ايضا، لأن علي عبد الامير كتب مقالة بعنوان (رحيل كافكا العراقي محمود البياتي مسموما بذكرياته)، والمقطع وكتابات الباحثين الاثنين ثبّتها هبثم بهنام بردى في كتابه هذا.

تصفيق حاد لهيثم بهنام بردى، لأنه قدّم اضافة جديدة نوعيا الى المكتبة العربية، رغم انه يشير، الى انه ليس ناقدا أدبيا، وان كتابه هذا هو (... رصد وأرشفة وتبويب وقراءة تاريخية لهذا الجنس السردي الجديد في العراق...)، ونحن نقول له، تعليقا على قوله، ان ذلك هو التطبيق العملي للتعبير العربي الخالد – (تواضع العلماء!).

الذكرى العطرة للمبدع العراقي محمود البياتي، الذي يرقد في شغاف قلوبنا، رغم ان جثمانه الطاهر يرقد في مقبرة لندن، بعيدا جدا عن.. لوذ الحمائم (العراقية) بين الماء (والدمع) والطين...

***

أ. د. ضياء نافع

حلّت أمس الأول الخميس (30-3-2023)، الذكرى السادسة والأربعون للفنان المغني عبد الحليم حافظ، وقد كتبت عنه في هذه المناسبة العديد من الكتابات وملأت الأغاني المسجلة له العديد من مواقع التواصل الاجتماعي، الامر الذي يؤكد ان حليم ما زال يعيش بيننا رغم انقضاء حوالي نصف القرن على رحيله. كيف عاش العندليب.. مَن أحب مِن معجباته الكثيرات، وكيف تعامل معهن.. وما علاقة عواطفه الرومانسية المتأججة بواقعه اليومي المعيش.. نجد الإجابة أو بعضها عن هذه الأسئلة وسواها في كتاب حمل عنوان "العندليب.. والحب"، وصدر قبل سنوات في العاصمة العربية المصرية القاهرة ضمن منشورات " كتاب الهلال"، الشهرية الشهيرة التي ما زالت تصدر بانتظام، وهو من تأليف الكاتب الصحفي طاهر البهي، مؤلف الكتب المعروف في مجالي الفن والأدب، ومدير تحرير مجلة «حواء».

جاء الكتاب في أكثر من مئتي صفحة من القطع الصغير، وهو بالمناسبة قطع السلسلة، وضمّ أحد عشر فصلًا إضافة إلى مقدمة حملت عنوان "عبد الحليم حافظ – من مفكرته"، (قبل أن تقرأ)، والبوم غنائي "من أغاني العندليب". أما فصول الكتاب فقد تتالت على النحو التالي: فتى مصر اليتيم وكاريزما حليم، العندليب في موسوعة الأرقام القياسية في الحب والغرام، كيف عاش العندليب بعد رحيله، حب وزواج بين العندليب وسعاد حسني، نادية لطفي ومشاهد لا تنسى مع العندليب، عشرة آلاف فرنك لحلاقه الخاص، نساء في حياة العندليب، لماذا لم يتزوج العندليب، عبد الحليم حافظ فنان لكل العصور، حبيبة عبد الحليم من تكون؟ وبرقيات حب إلى عبد الحليم.

يكشف الكتاب أن عبد الحليم حافظ، المغني الرومانسي الشهير، عاش طوال أيام شهرته وانتشاره، مُحبًا عاشقًا للعديد من النساء، وأنه كان وفيًا لمن أحبهن، علمًا أن بعض قصص حبه لم يتجاوز عمرها اليوم الواحد أو اللقاء الواحد، ويوضّح أنه عاش أعزب.. على حافة زواج أبدية.. جنبًا إلى جنب مع أغانيه الذائعة المنتشرة وأفلامه الخالدة.

يُتمٌ.. وكاريزما وحبٌ

يتناول المؤلف في كتابه هذا حياة العندليب منذ بداياتها الشقية حتى تألقاتها الخلودية، ويتحدّث عنه طفلًا يتيمًا توفّت أمه بعد إنجابها له بقليل، ولحق بها والده إلى عالمها الآخر بفترة وجيزة، وكفالة خاله.. ومحبة خالته له. وعن علاقاته بإخوانه خاصة أخته الكبرى عليا، التي رفضت إذلال زوجة أبيها له، وغادرت بيتها باتجاه بيت خالها، ليكفل هذا ابناء أخته الراحلة، وليقدّم لهم بالتالي ما احتاجوا إليه من إعالة ومساعدات، وينتقل المؤلف بعد ذلك للتحدّث عن وضع حليم في ميتم مدة سنوات، وعن سنوات التألق والشهرة، واحتضان نظام الرئيس عبد الناصر له، وما رافقه من أغان وطنية مجّدت الثورة ورفعت من شأنها بالكَلِم المعبّر والأداء المؤثر.

يتوقّف الكتاب في معظم فصوله، عند حليم المحب العاشق، ويستعرض العديد من قصص الحب التي عاشها، بعد أن طرقت باب قلبه الحسّاس المُرهف، وخوضه هذه القصص بكل ما لديه من أصالة وصدق، ويتوقف مطوّلًا عند بطلات أفلامه، فيرى أنه أحبهن جميًعا خلال عمله معهن، كما يتوقّف عند قصصه مع سندريللا الشاشة العربية سعاد حسني، وبعدها نادية لطفي.

خلال توقفه هذا يطرح المؤلف العديد من الأسئلة مثل: ما السبب في تلك المحبة التي حظي بها حليم من الجميع، وما سرُّ ظهوره وهيمنته الفنية في زمن ظهر فيه العديد من أصحاب المواهب غير العادية مثل عبد الوهاب، فريد الأطرش، محمد فوزي، عبد الغني السيد، كارم محمود وغيرهم؟ في الإجابة على السؤال الأول يقول المؤلف: إن كاريزما عبد الحليم حافظ كانت في يُتمه، وضعفه، حتى احتضنته كل فتاة، سواء كانت مشهورة أو غير مشهورة.. أحبته كل فتاة رأت في عينيه الحزن وفي أغانيه الشجن. وكأنها أرادت أن تعوّضه بحضنها ودفئها عما لاقاه وواجهه من حرمان ومعاناة، ويوضح المؤلف أن هذا ما يفسر أيضًا عطف جيلٍ من الأمهات المصريات على العندليب.. ويقول المؤلف بكثير من المحبة إن مرارة الدنيا حوّلت حنجرة حليم إلى شهد وعسل.. إلى أملٍ وطاقةٍ حبٍ تنير طريق المغرمين الحالمين والمكلومين المتألمين.

العندليب.. كان مؤديًا رفيعًا..      

يضيف إلى اللحن.. ولم يكن مُقلّدًا

إجابة عن السؤال حول سطوعه بين نظرائه من أصحاب المواهب غير العادية يقول المؤلف: إن أساس نجاح عبد الحليم غير المحدود والمتواصل، حتى فترتنا الراهنة، كَمنَ في تميّزه وتفرّده، مُشيرًا إلى أن التفرد في الفنّ معناه موهبة ذات طبيعة خاصة، أي مختلفة وتقدّم شيئًا جديدًا، و" أن يصل هذا الفن إلى مناطق اللذة والإحساس بالجمال في المخ، فيستثيرها ويمتعها.. فيَحدُث ارتباطٌ شرطيٌ مُهمٌ بين هذا الفن الجميل وصاحب هذا الفن، والناس فيحقّق الانتشار والشهرة القائمة على شيء حقيقي وليس زائفًا، وينتقل هذا من جيل إلى جيل". ويخلص المؤلف إلى القول، إن تفرد عبد الحليم في الأسلوب والكلمة.. في اللحن والتعبير عن المرحلة الزمنية بكل أبعادها الاجتماعية والسياسية تعتبر من أهم أسباب نجاحه (الأسطوري. ن.ظ).

يطرح المؤلف في كتابه سؤالًا هامًا وجديرًا هو: كيف عاش العندليب بعد رحيله بأربعة عقود ونيّف؟ ويتوجّه إلى أهل العلم والمعرفة ليقدّم عبرهم أجوبة أخرى، يضيفها إلى ما اجتهد في تقديمه، فيوافونه بإجابتهم التالية.. *تعزو سامية الساعاتي أستاذة علم الاجتماع، بقاء عبد الحليم إلى أنه "أضاف إلى الحب حبًا"، وإن أغانيه للجماهير كانت بمثابة خطابات حُبٍّ وفي طليعتها حُبّهُ لبلده، أضف إلى هذا ما اتصف به حليم من رومانسية آسرة، والأهم – تضيف الساعاتي- أن صوت حليم كان مثقفًا ودارسًا وليس مجرد صوت حلو فقط.. مشيرة إلى أنه كان يمثّل الحزن الراقي والكبرياء، ومؤكدة على أن هناك اثنين من مطربي تلك الفترة سبقا عصرهما هما عبد الحليم حافظ ومحمد فوزي.

* أما الطبيب النفسي يُسري عبد المحسن فيرى أن بقاء عبد الحليم، بعد كل هذه السنوات، إنما يعود إلى أدائه المتميّز الرفيع المُعبّر عن نبض الشارع العربي المصري، ورومانسيته الحقيقية النابعة من عمق أغواره. يقول عبد المحسن: إن صوت حليم عاش حتى الآن.. لأن الأصوات الموجودة يعوزُها الإتقان. *فيما يعزو سعيد عبد العظيم أستاذ الطب النفسي المعروف، بقاء حليم حتى الآن، إلى ذكائه وحضوره الإنساني والفنّي، وهو كما يرى عبد العظيم، ما جعله مؤثّرًا في جمهوره، أضف إلى هذا احتياج الشباب للرومانسية التي لن تنتهي ما بقيت العلاقات النفسية بين البشر.

العندليب العاشق

يطرح المؤلف في كتابه اللطيف هذا السؤال التالي: هل كان العندليب حبيبًا وعاشقًا بالدرجة نفسها التي كان فيها محبوبًا وعاشقًا؟ ويجيب: بإمكاننا أن نقول، من واقع شهادات حيّة، أدلى بها الكثيرون ممن عاصروا حليمًا وأحبوه، ومن واقع قراءات استغرقت بضعة آلاف من الصفحات التي كتبت عنه، إن الإجابة.. نعم بكل تأكيد، بل إن العندليب يُعد واحدًا من أعذب الرجال وأكثرهم رقة و.. رومانسية.

***

كتب: ناجي ظاهر

هل أن آخر ما قاله المتوكل أثناء مجزرة قتله ووزيره (الفتح بن خاقان)، "حتى أنتَ يا بحتري"؟!!

فهم ثلاثة يتنادمون في البركة الحسناء التي وصفها في إحدى قصائده، وكان ثالثهم، فقتلوا الخليفة ووزيره وما قتلوه، ويقال أنه جُرح جرحا بسيطا، وهذا لا يُعقل في همجية دموية، إشترك فيها حارس الخليفة فأغمد السيف اليماني الذي إشتراه المتوكل ليكون سلاحا لحارسه الشخصي، فكان السيف الذي قتله.

ولا يمكن قبول أنهم لم يقتلوا الثلاثة، فهذا مخالف للحوادث السابقة واللاحقة في مسيرة سفك دماء الولاة والخلفاء، فلا يجوز إبقاء شاهد على الجريمة.

كما أن البحتري لم يترك لنا قصيدة ذات قيمة توثيقية تصور تلك المأساة التي كان شاهدا حيا عليها، أو ربما مشتركا فيها.

والأنكى من ذلك أنه بعد بضعة أيام أو أسابيع راح يترنم بمدائحه للمنتصر بالله المتهم بالتآمر على قتل أبيه.

ويذكر أن المتوكل كان ينوي قتل إبنه المنتصر لأنه توسم فيه الرعونة ودمار الخلافة، ورفضه التنازل عن ولاية العرش لأخيه المعتز بالله، وربما أفشى البحتري الأمر مما عجّل بقتله.

والبحتري رافق المتوكل منذ بداية عهده بالخلافة، ونال منه العطايا والمكرمات والجاه والشهرة، لكنه ربما غدر به.

فسلوك الغدر واضح في مسيرته، فهو الذي تآمر على أستاذه أبو تمام فأبعدوه للموصل، وعادى علي بن الجهم وتآمر عليه، وعلى غيره من الشعراء، لكي لا ينافسه أحد في البلاط.

وهو الذي يعرف أولاد المتوكل منذ طفولتهم ، وتمادى في غشهم وخداعهم وتضليلهم بقصائده، والأتراك من حولهم يعبثون بوجودهم ويهينونهم ويذلونهم، وهو يكيل لهم المدائح التي تخدرهم وتوهمهم بأنهم الخلفاء، وكأنه كان متآمرا عليهم مع الأتراك.

وبقي في سامراء وهي في فوضى عارمة، مما يدل على أنه كان محميا وفاعلا في تأمين إرادة المتمكنين من القوة في المدينة والقابضين على أعناق الخلفاء.

ولم يترك المدينة إلا بعد أن غادرها آخر خليفة، وتوجه إلى مدينته (منبج) وما نطق بكلمة عن تلك الأيام.

وسلوكه الموثق في قصائده يؤكد إنحطاطا أخلاقيا وغدرا بأصحابه وأولياء نعمته، ويتمتع بأنانية وعدوانية، وشراهة لجمع المال والفوز بالمكارم والغنائم، فالشعر عنده مصدرا للإرتزاق والتسول، فكان يمدح كل مَن يجد فيه غنيمة، فيستجدي المال والأشياء الثمينة بشعره دون حياء، ويُقال أنه كان يتصف بالبخل الشديد، رغم ثرائه الفاحش.

فلا قيَم عنده ولا مبادئ ولا مواقف إنسانية ذات مواصفات سامية، إنه تاجر شعر، بضاعته الكلمات، وقد جنى على نفسه أبو تمام عندما قدمه إلى الخلفاء، فانقلب عليه وأخرجه من مقامه الرفيع!!

***

د. صادق السامرائي

3\9\2021

حَدَّثني ذو الشَّيبةِ فقال:

لا ريبَ أنَّ أقبحَ أصنافِ الغباء هو الجزمُ بعجرفةٍ شَعواء بشأنِ خطبٍ كانَ الفقهاءُ قد تآلفوا وما تناكفوا بشأنهِ مع الأطباء، ثُمَّ يأتيَ مَن يظنُّ أنَّهُ قد أوتيَ جوامعُ العلمِ بسخاء ليحسمَ الأمرَ برُغاء على إسترخاء.

بيد أنّيَ اليومَ سألجُ ذلكَ الصنفَ من أصنافِ الغباء وبثًغاء، لأجزمَ بشأن كينونةِ (القلبِ) وبينونةِ (العَقلِ) وحقيقةِ فهمِهما في عقيدةِ الإسلامِ السَمحاء، وسأُدَمْلِجُ عن بصيرةٍ برجاء لا عن عجرَفةٍ بغثاء مفهومَ (القَلبِ والعَقلِ) في المحَجَّةِ البيضاء، ولا تثريبَ أن تذرَ قلبَكَ يا جليس يظنُّ بعدها بقيلي هذا مايشاء.

فقلتُ لهُ: أظنُّكَ يا شيبةَ العزِّ أردتَ القولَ (ان أذرَ عقلي يظنُّ بقيلك ما يشاء)، وأنّي لِما ستُدلي بهِ مُنصتٌ وبخلايا عقلٍ كائنةٍ وراء ناصيةٍ صمّاء، وكامنةٍ في "جمجمةٍ" حَوَتِ الدِّماغُ ولخلاياهُ كانت وعاءُ.

فقالَ: كلّا جليس كلّا! بل تذرُ قلبَكَ يظنُّ بقيلي مايشاء، ولا شأنَ لي بعقلٍ مزعومٍ وراءَ ناصيةٍ لديكَ غبراء، ذاكَ أنّهُ لا أصلَ ولا فصلَ للفظةِ (العقل) في قراطيسِ الأولين السَّمراء، فأنصتْ لسَمَرنا هذا في تهي قعدةٍ في بيداء، وهلمَّ معيَ لنتصفَّح وريقاتِها بتؤدةٍ وبصفاء، فلفظُ (العقلِ) ما ذُكرَ قَطُّ في قرآنِ اللهِ ربِّنا ربِّ الأرضِ والسَّماء، ثُمَّ أما ترى أنَّكَ وَشِيجَةٌ من خلايا خلويةٍ من كيمياء، ولوما نفخةُ الرُّوحِ لمَا عَمَلَتِ خَلاياكَ بنماء، بل لتعفَّنَت جرّاءَ ركودٍ فوباءٍ بداء، وإنَما مَثلُ قلبِكَ وعقلِكَ كمثلِ الخلايا الخلويةِ والرُّوحِ بعطاء، فلا قيمةَ لخلايا المخِّ (العقل) إن لم يسطعْ عليهِ القلبُ بضياء، بل لا وجودَ للعقلِ اساساً والقلبُ هو المُسَوَّدُ فيما في أنحاءِ بدنِكَ والأرجاء.

فقلتُ: لكنَّا لا نعقِلُ ولا نَعلمُ إلا بالعَقلِ يا ذا شَيبةٍ بيضاء؟

فقال: " لا نَعلمُ إلا بالعَقلِ"! تلكَ عبارةٌ خرقاء إن عنيتَ بها الجُمجُمةَ وما حَوَت من خلفها من دُهنٍ وأحشاء؟

فقلتُ: أجل، وذاكَ ما عنيتُ وذلكَ ما حسَمَهُ (الرَّنينُ والمفراسُ) لعلماءَ ولأطباء.

فقالَ: ليسَ الأمرُ كما ذَهَبتَ أنتَ وما ألهبَ واشهبَ به الأطباء من ذوي سُتراتٍ بيضاء، وحسمُكمُ هذا إنَّما هو إفتراء وهو محضُ صدىً لهَباء،

رُغمَ أنّهُ لا إثمَ على الأطباء فيما قالوا من آراء، لأنهمُ يسعونَ في مختبراتهمُ رويداً رويداً لمزيدٍ من معارفَ برجاء، فهمُ قومُ علمٍ لا يكذبونَ علينا ونجباء، ومازالوا ناظرينَ لقولٍ فصلٍ حاسمٍ بثراء، لكنِ الإثمُ إثمُكَ حينما ضربتَ صفحاً كلماتِ الذكرِ الحكيمِ بجفاء، فدعني أقدِّمُ لكَ إهداءً عن إهتداء وأَدَاءِ القَلبِ والعَقلِ في الأعضاء، وعن كُنهِهِما وخفاياهُما لغةً وشِرعَةُ بجَلاء.

فأمّا معنى العَقل لغةً فهو في مَعاجمِها: [عقَلَ يَعقِلُ، عَقْلاً عُقُول، فهو عاقل، والمفعول معقول، وعقَلَ الدَّابَّةَ: ضَمَّ رُسْغَهَا إِلَى عَضُدِهَا وَرَبَطَهُمَا مَعاً بِالعِقَالِ لِتَبْقَى بَارِكَةً، وعَقَلَ خَصْمَهُ: لَوَى رِجْلَهُ عَلَى رِجْلِهِ وَأَوْقَعَهُ عَلَى الأَرْضِ، وعَقَلَ إِليهِ: لجأَ وتحصَّنَ. والعَقْلُ: القلب، والعَقْلُ: الدِّيَةُ، والعَقْلُ: الحصنُ، والعَقْلُ: الملجأُ، والعَقْلُ: الحِجْر، والمَعْقِلُ: المَلْجَأُ، وعَقيلَةُ: الكَريمَةُ المُخَدَّرَةُ. والجمع عُقولٌ. ومَعْقُولاً، وهو مصدر؛ قال سيبويه: هو صفة، وكان يقول إِن المصدرَ لا يأْتي على وزن مفعول البَتَّةَ، ويَتأَوَّل المَعْقُول فيقول: كأَنه (عُقِلَ له شيءٌ أَي حُبسَ عليه) عَقْلُه وأُيِّد وشُدِّد، قال: ويُسْتَغْنى بهذا عن المَفْعَل الذي يكون مصدراً؛ ويقال: ما فعلتُ هذا مُذْ عَقَلْتُ].

وإذاً فما (العقلُ) لغةً إلّا حمّالُ حبالٍ (أوامرَ) وعليهِ أن يبركَ ليربطَها (يعقِلَها) حيثُ يأمرُهُ سيّدُهُ في الخلاء، ولا سيِّدَ للمخِّ إلّا القلب يا جليسي يا مزَخرَفَ الكساء. ولا تنسَ يا جليس أنَّ ظنَّ العقلاء خيرٌ من يقينِ الجهلاء.

وأمّا العقلُ شِرعَةً فلقد جاءَ بصيغةٍ فِعليةٍ في قرآنٍ مُعجزٍ نَزَلَ منَ السَّماء: (عَقَلُوُهُ) (نَعْقِلُ) (يَعْقِلُها) على مرةٍ واحدةٍ. و(يَعْقِلُونَ) 22 مرة و(تَعْقِلُونَ) 24 مرة ولم يرِدْ لَفظُهُ أسماً البتَّة. بينما القلبُ جاءَ ذُكرَهُ في الذِّكرِ الحَكيم بصَريحِ لفظِ (القلب) 144مرة وبجلاء.

وإنَّما مثلُ القَلبِ للعَقلِ كمثلِ سيِّدِ قبيلةٍ تبَعَهُ عبدُهُ في مضاربِها فترى السيِّدَ آمراً عبدَهُ؛ "أعقلْ حبالَ الخيمةِ في ذاكَ الفضاء ولا تَعقِلْها ههُنا في تهي حصباء"، فإن كانَ إِنْتِخابُ المُقَامِ صائباً إرتقى السَّيِّدُ بإباء وإنتقى العبدُ أنقى فضاء. وإن كانَ إِنْتِخابُ المُقَامِ خائباً أطَّ السَّيِّدُ بالشَّقاء ونطَّ العبدُ بإستياء. والآن ما عليكَ يا جليس بعدَما علمتَ معنى الفعلَ (عَقَلَ) إلّا ان تُنزِّلَهُ بذا فهمٍ لغويٍّ دقيقٍ على تعابيرِ الآي الكريم فتفهَمَ آنئذٍ منزلةَ العبدِ (العقل) ومنزلةَ سيِّدِهِ (القلب) بذكاء، ثمَّ تعلمَ أنَّ القلبَ هو الأصلُ في كلِّ سَرّاءَ وهناء وهو المصلُ لكلِّ ضراءَ وجفاء.

أوَلَم ترَ كيفَ غَرَفَتِ أفئدةُ العقلاء من حُججِ الرُّسلِ الجَليِّةِ والأنبياء وعرَفَتِ لكنها ما عَقِلَت (اِعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ) فإنحَرَفَت بعيداً عن مواضعِ السَّناء الى مواطئِ الإفتراء. "صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُون" لا يعقلونَ حِبالَهمُ حيثُ مواضعَ الحقِّ بثناء.

وتأمَّلْ معيَ يا جليس بعد أن تتطّهرَ من ترّهاتِ ما في الصُّحفِ من آراء؛ (قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا) القلبُ يعقِلُ وليسَ أدمغةً بجماجمَ صماء، (لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) ولم يقلِ تَعْمَى الأمخاخُ التي تحتَ الغطاء، (لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا) قُلُوبٌ وليسَ عقولاً ظاهرةً أو (باطنة) في الخفاء، وي! عقلٌ باطنُ، ماهذا الهراء على ( مَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ}. كَانَ لَهُ قَلْبٌ لا عَقلٌ. (نَطبَعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ) ولم يطبعْ على رُؤوسِهمُ الجوفاء، {وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} وما حُصِّلَ مافي خلايا المخِّ من قواعدِ بياناتٍ غبراء. ولو كانَ العقلُ هو نبعُ الأوامرَ لذي بياناتِ لوَسوَسَ الشَّيطانُ في الرأسِ ولمَا وَسوَسَ فِي صُدُورِ النَّاسِ بخبثٍ وبدَهاء. ثُمَّ لكَ أن تَستَنيرَ بما في حديثِ المصطفى من ضياء، إذ عَلَّمنا أنِ (إستَفتِ قَلبَكَ) وليسَ عقلكَ، (وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً..، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) وما قالَ "أَلَا وَهِيَ العَقلُ" لا بصريحِ حرفٍ ولا بتلميحٍ وإيماء. و(ما رَأيتُ مِن ناقِصَاتِ عَقْلٍ وَدينٍ) وما قالَ ناقِصاتِ قلبٍ ودينٍ لأنَّ قلوبَهنَّ تمامٌ لكنَّ نقصَها أن تعقِلَ حيثُ مواضعَ الرّضاء. مهلاً جليس...

فإنَّ أخي وسيدنا إبنَ عباس (رضي اللهُ عنهما) ينظُرُ إليَّ بإيحاء! لعلّيَ أوغلتُ بتنطُّعي في مضاربِ الغباء؟

يقولُ حبرُ الأمَّة: "لا، ما أراهُ تنطُّعاً ولا تنطُّطاً على الطبِّ بغباء، بل أنّي ما (نلتُ العِلمَ إلا بِلسانِ سَؤول وَ"قلبِ عَقول").

قد وصلت يا ابنَ عباس، لله دركَ يا ابنَ عباس وذلكَ هي زبدةُ الإفتاء، وقد أوجزتَ سردي كلَّهُ بكلمتينِ ببهاء، بيدَ أنَّ الآيةَ المباركةَ (نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ) تبدو يا أبن عباس وكأنَّها نَسفَت ما قد سَلَفَ من تبيانٍ لي بإقصاء؟

أردفَ سيدنا أبنُ عباس: لا يا مُتنطّعُ بل حقيقُ أمرِها أنّها هيَ الداعِمةُ لما قد سَلَفَ من تبيانٍ بوفاء، ذاكَ أن القلبَ لمَّا يضادِدُ (فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) بنقاء، يُرسلُ الى المخِّ أوامرَ منكرٍ وفحشاءَ، لِيُذيعَ بها المخُ القابعُ وراءَ النَّاصيةِ بها الى جوارحِ البدنِ بإنكفاء، فأضحى المخُّ رسولَ كذبٍ على فِطْرَةِ اللهِ وخاطئاً في الإجراء، وباتت دَارَهُ لذاتِها (كَاذِبَةً خَاطِئَةً) نكراء، ومثلُ ذلكَ قولُ الحقِّ ( فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ) فأيّهم ههُنا رّاضٍ؟ آالعيشةُ بذاتِها هي أم هو المؤمنُ الرّاضي بعيشةٍ علياء.

قلتً أنا لذي شيبةٍ: قد أبَنتَ وأبليتَ فأحسنتَ البلاء؟

قالَ: رُبَما ذاك كذلك، ولعلَّ الأطباءَ يُذيعونَ علينا في قادمٍ قريبٍ كَشفاً جازماً مدَوِّياً أنَّ القلبَ هو قائدُ الأدراك المُستبدُّ والقائمُ بالأعباء، وما العقلُ إلّا رجلُ الظّلِّ ومُنسِّقٌ للأوامر بإمضاء، ويومئذِ سيضحكُ منّا (العَقلُ) وسيهتفُ فوق رؤوسِنا بإزدراء:

"ما أنتمُ إلّا نَقوع غوغاءَ في ضوضاءَ إذ تنبذونَ صريحَ آياتِ السَّماء، وتحبذون هرطقات أو أنصاف حقائقَ من العلماءَ الأطباء، وما كذبَ العلماءُ الأطباءُ بل انتمُ في خوضٍ وهوجاء، وما أنا إلا رطلُ دُهنٍ (أو:سيم كارت) يختزنُ ما يبتغيهِ سيّدي القلبُ وينسى ماالقلبُ يشاء، وأنيَ الناطق الرسمي عن سيدي القلب وما اسمي إلّا مختصرُ كلمتينِ (ع.قل): (عنِ) (القَلب)، وإِن كُنتُم فِي شَكٍّ مِّمَّا أَبَنتُ إِلَيْكم فَاسْأَلوا (قلوبَ) الحَيارى في غُدُوٍّ، أوأسْأَلوا افئدةُ السَّهارى بعدَ العَشاء.

ثمَّ سيُولِّي (العقلُ) مغادراً بإستهزاء.

***

علي الجنابي

طلب رجل من امرأته الحامل أن تحضر له كتابا من مكتبته وهي تهم بإحضاره جاءها المخاض فولدت طفلا بين الكتب فلقب بابن الكتب ولم يكن هذا الطفل إلا العلامة جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد ابن سابق الدين الخضيري السيوطي الذي اشتهر باسم " جلال الدين السيوطي " ( 849هـ -1445م).إمام حافظ ومفسر و أديب وفقيه شافعي ألف نحو 600 مصنف .

نشأ في القاهرة يتيماً؛ إذ مات والده وعمره خمس سنوات، ولما بلغ أربعين سنة اعتزل الناس، وخلا بنفسه في روضة المقياس، على النيل، منزوياً عن أصحابه جميعاً، كأنه لا يعرف أحداً منهم، فألف أكثر كتبه. وكان الأغنياء والأمراء يزورونه ويعرضون عليه الأموال والهدايا فيردها. وطلبه السلطان مراراً فلم يحضر إليه، وأرسل إليه هدايا فردها، وبقي على ذلك إلى أن توفي.

فإن كان الجاحظ مات بالكتب- " رشّح بعض المؤرخين المتأخرين سقوطَ كتبِ الجاحظِ عليه سبباً رئيساً لوفاته، يقول أبو الفداء المتوفى سنة (٧٣٢) في كتابه المختصر في أخبار البشر: رُوي أنّ موته كان بوقوع مجلداتٍ عليه، وكان من عادته أن يصفَّها قائمةً كالحائط محيطةً به، وهو جالسٌ إليها، وكان عليلاً، فسقطت عليه فقتلته" - فجلال الدين السيوطي ولد بين الكتب وعاش بينها معتزلا الناس فيها وجد تلك العاطفة التي حرم منها ليتمه وبين عوالمها سبح فكره وخياله فشيد صروحا من العلم والمعرفة خلدت اسمه في سجل العظماء المؤثرين فرحم الله جلال الدين السيوطي وكل علماء الأمة الإسلامية الذين اناروا وسط دياجير الجهل...

***

الكاتب والباحث في التنمية البشرية

شدري معمر علي

...........................

- وكيبيديا

 

النصوص ثلاثية الأبعاد والمسماة هايكو مولودة من رحم البيئة المجتمعية اليابانية منذ قرون، وهي أصيلة في موطنها، ودخيلة على غيرها، فالواقع الياباني يحتاج لهكذا نبضات فكرية ومعرفية وإبداعية.

فهو يسابق الزمن ونحن نتدثر بالزمن، فكيف يصح ذاك في هذا؟

لكي نستوعب نصوص الهايكو اليابانية علينا أن نسير في شوارع اليابان، لنكتشف سرعة وقع الخطوات، وذروة الحركة المتمثلة بقطارات الإطلاقة وما بعدها.

فحرص الياباني على الوقت وإستثماره بأقصى ما يمكن، أوجد ما يتوافق معه من التفاعلات بأنواعها، ومنها الإبداعية.

فالإتيان بما عندهم لا يتوافق وما عندنا، فكيف نريد أن نروّج لبضاعة غير مستذاقة أو مرغوبة في ديارنا؟

إن الخروج من الإيقاعات الداخلية لنفوسنا ورؤانا، بحاجة لثورة معرفية لا لإستنساخات وتبعيات وإستحضارات لما عند غيرنا.

فالمشكلة ليست في قدراتنا الإبداعية، ولكن في أساليبنا ونشاطاتنا التي تطمرها في بلاد الآخرين، فلا قيمة للهايكو المكتوب بلغتنا عند الياباني، مثلما لا قيمة ولا معنى للهايكو الياباني الأصيل في ديارنا.

تلك حقائق سلوكية، وتفاعلات من الصعب الإنتصار عليها، فالشعر بأنواعه تعبير عن نبضات الأعماق البشرية، ويتوافق مع الإيقاعات الفاعلة في الأبدان، التي تملي على المخيلة والعقل الإتيان بما ينسجم معها، ويعبر عن لحنها الداخلي المتناغم مع ما في الإنسان من طاقات وتطلعات.

فالعرب إكتشفوا بحورهم الشعرية ولم يخترعوها، وأبدعوا في أروقتها وقدموا ما ينعش النفس والروح والقلب والعقل، وعليهم الإنطلاق منها للتواكب مع العصر، وإن لم تتحقق تفاعلات جادة مع المكان والزمان فلن يقدموا جديدا في أي الميادين.

فأكبر إنتكاسة إبداعية تواجهها الأمة تتمثل في التبعية الإبداعية للآخرين، ونكرانها لقدراتها وقابلياتها المتأصلة فيها، حتى أوجدت اجيالا تنكر ذاتها وموضوعها.

فهل من قدرة على التعبير الأصيل؟

***

د. صادق السامرائي

في العام 1990م كنت في زيارة لمدينة النجف الأشرف، وكالعادة كنت أمرُّ على مكتباتها لاطلع على ما فيها من معروضات، واختار ما يعجبني منها، فرأيت كتاباً صدر حديثاً بعنوان (يوم من أيام النجف) لمؤلفه الأديب النجفي مكي زبيبة رحمه الله، فكان من ضمن بل أهم ما اقتنيت في تلك الزيارة، والأول في القراءة بعد عودتي إلى البيت، فشدَّني بجمال أسلوبه الروائي وما احتواه من معلومات متنوعة في الأدب والتاريخ والجغرافية وغيرها، ومنذ ذلك اليوم علق في ذهني عنوان هذا الكتاب القيم واسم مؤلفه، ورأيته الأفضل في تلك السنين العجاف!!

في زيارتي التالية لمدينة النجف الأشرف حرصت على اقتناء عدد من نسخه وتقديمها هدية للأصدقاء المقربين من محبي القراءات والاهتمامات الأدبية، بل ولشدة إعجابي به حدثت الكثيرين عنه، وتمنيت قراءتهم له، وما زلت!!

الكتاب باختصار شديد يتحدث عن زيارة رجل لمدينة النجف الأشرف وقضائه يوماً كاملاً فيها، والتقائه بأحد أهلها ويدعى (الشيخ حمزة) الذي صار دليله في تلك الزيارة التي قسّم فصول مشاهداته لها حسب ساعات ذلك اليوم، أي إلى أربع وعشرين ساعة!!

وكانت البداية في الساعة العاشرة صباحاً حين وطأت قدماه أرض النجف الطاهرة للمرة الأول، فقال محدثاً نفسه: (هذه هي النجف التي تمنيت زيارتها منذ صغري، وحفظت عنها عشرات الحكايات، وكنت أرى الشرق متجسداً في عيون أهلي، وهم يتحدثون عن النجف، ما أسعدني وأنا أزور ابن عم الرسول، وسيف الله المسلول، المولود بمكة؛ داخل البيت الحرام في الثالث عشر من رجب، ولم يولد في البيت الحرام أحد سواه، ونقل عن أمه فاطمة بنت أسد، أنها لم تسجد لصنم وعلي في بطنها، لذلك يقال عند ذكره (كرّم الله وجهه) عن السجود لأي صنم، وأمه أول هاشمية ولدت هاشمياً ...).

وبعد سطور تفيض بالمحبة والإيمان، يتوقف لبيان زيارته: (في مدينة علي العلم والبلاغة سأمكث أربعاً وعشرين ساعة، يوماً من أيام الله، بدءاً من الساعة العاشرة والوقت ضحى، واتجهت نحو المرقد الشريف، وقلبي ينتض حبَّاً، وحين دخلت الروضة الحيدرية، من باب الساعة، استقبلني الصحن الكبير المتكون من طبقتين، زينت جدرانه بزخرفة الفسيفساء والسور القرآنية الكريمة، والأحاديث الشريفة، وقصيدة ابن أبي الحديد المعتزلي:

يا برق إنْ جئت الغري فقل له

أتراكَ تعلم مَن بأرضك مودعُ)

ويواصل الحديث عن تفاصيل مشاهداته في الصحن الحيدري، وأول لقاء له مع الشيخ حمزة الذي دعاه لضيافته، وكان تاريخ النجف الأشرف القديم وتاريخ المرقد من أوائل ما حدثه عنه.

لا أريد أن أذكر الكثير من الجميل الذي استوقفني في هذا الكتاب الجميل والماتع، إذ قرأت في كل فصل منه جديداً مدهشاً ومفيداً، ولكني أجد نفسي مرغماً للوقوف عند الفصل الأخير منه، أي في (الساعة التاسعة من اليوم الثاني) الذي خصصه الرائي للحديث عن الثقافة والأدب وشيوخها في المدينة، ومقالة الشيخ حمزة، حين ذكر أحدهم عن وجود (المئات المئات مثل هذا الشيخ لم تعرفهم الأضواء، وهم يعتقدون أن العالم كله في مكتباتهم ومؤلفاتهم المخطوطة).

وينقل عن هؤلاء الشيوخ مواقفَ من دون ذكر أسمائهم، ولكنهم معروفون للقارئ المتطلع والنبيه، كالشيخ الذي (يجلس متوركاً، وهو يقرأ في كتاب، الجميع يعرف فضله، لأنه مدون لسير العلماء والأدباء، يلبس ثوبا مطرزاً بالحبر، ويشد على ذراعه مسطرة خشبية لتعينه على الكتابة، وتخلصه من الرعشة التي في يده من الكبر، وكل المكتبات العامة والخاصة مفتوحة أمامه، وكثيراً ما واصل الليالي بالنهارات ناسخاً كتاباً مخطوطاً أو نادراً، وناسياً كل شيء إلا ذكر الله).

ويتحدث عن المكتبات المنتشرة في شوارع وأزقة المدينة، فيقول: (كانت أسواق باعة الكتب تصلنا، ونحن نسير اتجاهها، والشيخ حمزة يحدثني: (الكلمات في هذه المدينة تتبرعم وتورق صائد ودراسات، فكل مسالكها العامرة، تؤدي إلى أسواق العلم، وفي كل شارع تتربع مكتبة ومدرسة ومنتدى أدبي أو ثقافي)، إنها الربوة التي تلهم أبناءها عشق الإيقاع، دروبها المتفتحة للضوء تفوح برائحة اللغة، وسماؤها المرصعة بالشعراء تمطر قصائد، في أسواقها العامرة بالمكتبات تجوّل ابن بطوطة واشترى منها الكتب، والمتنبي الذي ملأ الدنيا وشغل الناس بين ذكواتها البيض، وإن أحد المشايخ جمع اثني عشر مجلداً عن شعرائها خلال قرن واحد، ومات قبل أن يكمل المجلد الثالث عشر ويغطي الشعراء على مساحة الأعوام المئة).

ويضيف الرائي: (ولا تزال دائرة الشعر تكبر كل موسم، والنجف كل أيامها مواسم، فمع تسابيح الفجر تستمع إلى إنشاد القصائد تتصاعد شدواً في أفقها الرحب وهي معطرة بأنفاس الفجر، وكل ما في هذه المدينة ندي بأصالة ماضيها، ومتأجج بتوهج حاضرها، لغتها هي لغة الصحارى والسهول، وبلاغتها مستمدة من بلاغة أمير البلاغة علي بن أبي طالب، ولا يخلو بيت من بيوتها المتآلفة على محبة الكتب من مكتبة، فالمكتبة تؤسس مع الأسس الأولى للبناء، وعندهم البيت بلا مكتبة كالبيت بلا نافذة).

ويمرّ الحديث بمجالس الأدبية القائمة ليل نهار بتقفية الشعر ومن المشاركين فيها من يراهن على التقفية!! ويعود للكتاب ليؤكد على أهميته في المدينة، فيقول: (الكتاب أولاً وثانياً، وقد تستغني هذه المدينة عن الطعام شهوراً، ولكنها لا تستغني يوماً عن الكتاب).

ويذكر شيخاً جليلاً (أعياه المطلب في كتاب فعثر عليه صدفة، وقد عرضته امرأة للبيع، ولكن كيسه فارغ من النقود، فوقف في السوق بالقرب من المرأة، وأمسك الكتاب حرصاً عليه، وخلع عبابه وسط السوق، ودفعها للمنادي لببيعها فباعها بثمن بخس، وسلم للمرأة ثمن الكتاب، ومشى في السوق والطريق دون عباءة، وهي مشية لا تناسب أمثاله من رجالات الفضيلة، إلا أنه كان يمشي مزهوا بذلك الكتاب)!!

وانتهى ذلك اليوم بإعلان ساعة الروضة الحيدرية العاشرة صباحاً، فودع صاحبه الشيخ حمزة، وهو يهمس له: (ما أسعدني، وقد قضيت يوماً مباركاً في هذه المدينة المسكونة بالشعر والنقاء .. إنها النجف التي شرفها الله بعلي بن أبي طالب).

***

جواد عبد الكاظم محسن

المعتز بالله (232 - 255) هجرية، سادس خليفة عباسي في سامراء، إبن المتوكل (205 - 247) هجرية، من جارية إسمها قُبَيْحَة، وقد أحبّها المتوكل حبا جمّا، وتولع بها لجمالها وفتنتها، فأنجبت له المعتز بالله سنة (232) هجرية، والذي كان وسيما باذخ الجمال.

وعاش في كنف والده وأمه قبيحة خمسة عشر سنة، وأحبه المتوكل كحبّه لأمه، وتوسّم فيه الكثير من القدرات والتطلعات القيادية.

ويُذكر أنه كان بهي الطلعة ذكيا، سريع البديهة والخاطر، أديبا ينظم الشعر، وتقول الروايات إنه لو مُدَّ بعمره، لكان من أبرز شعراء عصره.

وقد إجتهد المتوكل بتعليمه وتأهيله للخلافة لأنه كان يتوسم فيه خصائص ومميزات قيادية واضحة، علمه فقهاء اللغة العربية، وخفظ القرآن في سن مبكرة، وأقام له المتوكل حفلا كبيرا، كما أنه بنى له قصرا باذخا سماه (قصر المعتز).

والمعتز بالله ولد في سامراء، وما غادرها لغيرها من المدن، وما أن جاء المنتصر بالله (222 - 248) هجرية ، حتى أودعه السجن وأخاه المؤيد بالله، وهما وليا عهد بموجب عهدة المتوكل، ومضى في السجن حتى سن التاسعة عشر، لمدة خمس سنوات (247 -252) هجرية، وبعد أن عُزل المستعين بالله (248 - 252) هجرية، أُخرِجَ منه وأوُدِعَ سجينا في قصر الخلافة على أنه خليفة (252 - 255) هجرية، وبعدها خلعه (محمد بن وصيف) وعذبه وقتله شر قتلة وهو في عمر (23).

المعتز بالله لازال صغيرا وأصابته النواكب المتلاحقة بعد مقتل أبيه، فما تمكن من التعبير عن قدراته القيادية وقابلياته الواعدة وذكائه وثقافته المتميزة.

ويمكن القول بأنه صبي مضى حتى أثناء خلافته يأتمر بأمه قبيحة، ويتحكم به القادة الأتراك المتنفذون الأشراس المتوحشون في تفاعلاتهم مع الأحداث.

ففي سن التاسعة عشر جعلوه خليفة بعد أن أخرجوه من السجن، وما فعل شيئا مهما لأنه عاش في خوف ورعب من القادة الأتراك وفي مقدمتهم (بن بغا وبن وصيف)، ويبدو أنهما أجبروه أو شجعوه على قتل عمه وأخيه، ومن ثم تم تعذيبه وقتله.

فأمر الخلافة كان بأيديهما، وما الخليفة إلا دمية يحركانها وفقا لرغباتهما وتطلعاتهما البغيضة، التي تكنز عدوانية فتاكة تجاه الخلفاء.

وبسبب ما إنبثق من المشاعر العدوانية، آنذاك، عاشت سامراء فوضى مروعة، حتى لتعجب كيف ما إنهارت الدولة العباسية بسببها.

فالمعتز بالله وسط هذه الإضطرابات، لم يتمكن من القيام بدور الخليفة، وكان وكأنه في إقامة جبرية ودمية رمزية تمثل صورة الخلافة العباسية، التي عبرت عن أشد حالات ضعفها، وبؤسها.

ولعب أولاد الخلفاء دورهم بمعاداتهم لبعضهم وتنافسهم على السلطة، وإدّعاء كل منهم أحقيته بالخلافة، وبتواجدهم في سامراء تنامى التناحر والعداء بينهم، فاستثمر به الأتراك وحققوا مآربهم.

فماذا تتوقع من صبي أوهموه بأنه خليفة، كيف يمكنه أن يتعامل مع أعمامه وأولاد عمومته وإخوانه، ومَن حوله من المتطلعين إلى الجلوس على كرسي الخلافة، ولا حول ولا قوة عنده إلا أن ينفذ ما يقرره (محمد بن بغا وصالح بن وصيف) وغيرهما من قادة الأتراك المتسلطين على مصير الخلفاء في سامراء.

هذا الصبي المرعوب إنتهى به الحال إلى تصديق رعبه والتمرغ بنهايته المأساوية القاسية.

فهل كان المتوكل يتخيل هكذا مصير لإبنه المحبوب؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

الكائن بوصفه حمال عواطف وأحاسيس في درب محفوف بشؤون شتى حيث النظر والقول والحلم والحنين مجالات جذب لأجل الفكرة وبها تقصدا للكيان في تجليات ابتكاراته وانتظاراته بما يعلي من شأن الحضور والاقامة في أرض الغادين والعائدين.. الكائن هذا المبصر تجاه الأمكنة والأشياء والعناصر تمنح شيئا من بهائها النادر للمحبين والمولعين بالصنوف والضروب والأنواع من ألوان هذا الفن..

هي فكرة الذهاب الى نقطة في الطفولة من خلالها تلمع ممكنات كثيرة تعلن شغفا قديما تلبس بالذات وهي ترى قادم أيامها في الدروب.. دروب الابداع ومنه هذا الابداع الفني الذي يبرز الكثير من اعتمالات الكينونة في حمال أحوالها وتفاصيلها.

هكذا نلج عوالم التجربة وبداياتها بخصوص فنانة رأت في الفن وجهة وملاذا في عالم مربك به الكثير من نائبات الدهر وارهاقه خطت بداياتها بكثير من العناء الجميل والدأب والمكابدة والفن هنا وبالنسبة اليها ترجمان دواخل وهي التي صبرت بالفن ولأجله لتشير الى الآفاق حيث النجمة المأتلقة.. الصبر معلم كائنات والفن فكرة حلم تحلت بألوان الصبر لديها وهي الطفلة التي تخيرت سفرها المعنون بالابداع والاصرار والجمال المبثوث بين تلوينات الأعمال واللوحات والمنجز عموما لديها في خانة الابتكار والتجدد.

تعددت مشاركاتها الفنية وخلال حوالي عقدين نشطت وأشرفت على عديد النوادي والمعارض الفنية واهتمت بالخصوص بمجالات التكوين في الرسم ضمن عدد من نوادي الاختصاص.. في لوحاتها تبرز حساسياها الفنية في تناسق لوني بين الموضوع ومكوناته في فضاء العمل المنجز لتحضر ثيمات مختلفة يجمع بينها تأمل الفنانة واعتمال حالها حيث الفكرة تقودها للفن ورسالته الاجتماعية والانسانية والجمالية..

هي الفنانة التشكيلية نورة البجاوي التي تعد لمعرضها الفردي بدار الثقافة ابن خلدون خلال الفترة من 20 ماي الى 21 جوان 2023.. تأخذنا الى البدايات وشيء من التجربة لتقول ".. في طفولتي أذكر أن أمي كانت تعمل بفندق ومن خلال عملها وما توفر لديها من مجلات يجلبها السياح معهم ويتركوها عند المغادرة ومنها المجلات المصورة على غرار مجلة تان تان وكنت حين تمكنني من المجلة أسعى لرسم محتوياتها وعمري آنذاك ثلاث سنوات وبرزت موهبتي وفي مرحلة ارتياد الروضة تفطنت المربية لموهبتي وتحدثت مع أمي بشأن موهبتي المبكرة وما توفر لي من شغف بالرسم والتلوين وذاكرة بصرية قوية.. ومضيت في هذا الولع بالرسم وكنت أضع أشيائي على الطاولة وأرسم وعندما صار عمري احدى عشر سنة أخذتني أمي الى دار الثقافة بالعوينة وحصلت على اشتراك في نادي الرسم واثر ذلك شاركت في معرض للرسم ونلت الجائزة لتكون أول جائزة أحصل عليها وهذا أسعدني وزاد في حبي للرسم وعالم الألوان حيث كنت مع من هم أكبر مني سنا.. كنت أصغر رسامة في تونس في تلك الفترة من عمري.. كبر هذا الغرام بالرسم وبالموسيقى أيضا وعلى اثر حصولي على شهادة الباكالوريا درست بالمعهد العالي للفنون الجميلة بنابل وشجعني أستاذي الذي أعتز به وبتجربته الفنان طارق السويسي وكنت أرسم الطبيعة الميتة ويتابعني في عملية الرسم عدد من الأسائذة يقفون خلفي ليروا مراحل انجاز عملي.. هذه الموهبة تواصلت وكللت بالاعداد لماجستير حول " نظريات الابداع " في تأطير للأستاذين الناصر بالشيخ وهشام المسعودي ورغم ظروف اجتماعية صعبة مررت بها فاني واصلت هذا الذهاب في نهج الفن.. ثم عملت في مجالات متعددة ومنها ما هو خارج تخصصي وكانت لي أنشطة بمراكز التكوين والنوادي ما منحني الخبرة والتجربة وبالمناسبة فان بعض أعمالي بيعت للأجانب والعرب من أحباء الأعمال الفنية.

بالنسبة للفن فاني لا أؤمن كثيرا بالمدارس الفنية لأن الفن والفنان في حالات تطور دائم مثل بيكاسو وقد مر بمراحل عديدة في كل مرة تتقدم به الحياة ليوطف ذلك في تجربته ليثريها.. صحيح أنني في بداياتي تأثرت بتجربة مدرسة تونس وفنانيها وأعمالهم مثل الفنان الراحل علي بن سالم ثم سعيت بعد ذلك للتجاوز لأبحث عن الجديد.. مدرسة تونس تجربة مهمة وفيها تركيز على التراث واليومي.. الفن المعاصر هو فن مختلف فيه نقد وايصال رأي وهنا يكتسب الفن رسالة وبعدا توعويا.. قدمت في أعمالي (البوب آرت) Pop Art وفن البوب هو مجموعة من الظواهر الفنية المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بروح العصر، وجوهر حركة ثقافية واسعة النطاق في الستينيات. نشأ في بريطانيا العظمى في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، ولكنه انتشر بسرعة إلى العالم الغربي بأكمله في سياق المجتمع الصناعي الرأسمالي.. هذا في بعض أعمالي موجود وأعجبتني التجربة لخصوصية هذا النمظ الفني وأنا بالأساس فنانة بورتريه أعمل كثيرا في سياقات البورتريهات ومع تقدمي فيها صرت أتخلى عن الألوان في الكولاج وفي الفن الاستيعادي.. سعيت كثيرا في عملي الفني ضمن تجربتي الى وجود التنوع في أعمالي وو الثراء والحركة مع عدم ميلي لمسألة الأسلوب الخاص ايمانا مني بأن الفنان يمر بعدة أساليب.. الفن علمني أنني خلال البحث والانجاز أكتشف أشياء حديدة والبصمة كما قلت لا تعنيني.. في معرضي الجديد الذي أعد له من فترة هناك تنوع في الأعمال المقدمة بين الحروفية التجريدية والبورتريهات والكولاج وغيرها وفيها تناسق وأشعر عميقا أنها تعبر عني وعن أبحاثي وتجاربي.. ".

هكذا هي الفكرة الفنية التشكيلية في شواسعها وأبعادها الجمالية والوجدانية والانسانية عند الفنانة نورة التي ترى في الفن ملاذها وحياتها حيث كان لها في فترات حياتها الصعبة بمثابة العلاج.. الفن حلمها الناصع وهي التي ترى فيه مجالا لمزيد التوعية بدوره في حياة الناس كما أنها تعشق الموسيقى التي كانت تعادل الرسم في ميلها وولعها.. هي ترسم لتسافر وتوقظ الذكريات في الانسان وتحلم وتحب وتحن الى الجميل الكائن في الانسان وفي الأمكنة..

نورة البجاوي فنانة تشير الى العناصر والأشياء الطالعة من لوحاتها وأعمالها بحلم طفلة وشموخ فراشة وهي في ذلك تواصل مسيرتها مع الفن حيث يكون موعدها مع جمهور الفن التشكيلي خلال الفترة من 20 ماي الى 21 جوان 2023 بقاعة المعارض بدار الثقافة المغاربية ابن خلدون.

***

شمس الدين العوني

هاتفني صديق متسائلا فقلت له: "لا أنيسٌ يسمع الشكوى، ولا خبر يأتي، ولا طيف يمر..."، فحسب ما قلته من تأليفي!!

فقلت له: ألا تذكر هذه القصيدة التي حفظناها في مرحلة المتوسطة؟

وقلت فورا لتجنب إحراجه إنها لمحمود سامي البارودي!!

ضحك صديقي وقال الآن تذكرت وراح يعيدها على مسامعي.

وأحد النقاد المعروفين ينشر: " ما أكثر الشعراء وأقل الشعر"، وهو ناقد عريق ومعروف في الأوساط الثقافية، وأظنه أخطأ فالصائب، ما أقل الشعراء وأقل الشعر.

وصديق آخر يكتب: " لا أقرأ شعرا بل هذيانات في الصحف والمواقع"!!

وأحدهم يصرخ: "هل مات الشعر؟"

زميلي في كلية الطب كان مولعا بالشاعر الفلسطيني سميح القاسم، ولا يحفظ له شيئا وإنما يقرأ المكتوب.

وفي شبكات التواصل الإجتماعي يطغى الشعر الذي يسميه الحداثوين بالكلاسيكي.

فما كُتب على أنه شعر منذ بدايات النصف الثاني من القرن العشرين، لن تجد له آذانا صاغية ولا ذاكرة واعية، ويغيب عن صفحات التواصل المعاصرة.

مَن هو الشاعر؟

لا يوجد تعريف واضح، وكأنه توصيف يخترعه الشخص لنفسه ويدّعيه!!

ما هو الشعر؟

تعددت التعريفات والمعنى واحد!!

ومَن قتل الشعر؟

أدعياء الشعر، من الذين ركبوا أمواج الآخرين، وتوهموا التجديد بالتقليد!!

هل يصح قول المعري: " وإني وإن كنت الأخير زمانه...لآتٍ بما لم تستطعه الأوائلُ"؟

لا أظن أحد يمكنه أن يتفوق على السابقين في الغزل والحكمة والمديح وغيرها من أغراض الشعر، التي بلغوا فيها أعلى الذرى.

فما هو المطلوب؟

شعر متفاعل مع الواقع بعيدا عن وهم "المعنى في قلب الشاعر"، فالواقع يتبدل والأيام تتغير، ويجب أن تلد شعرا متوافقا معها، لا منقطعا عنها، ومحلقا في متاهات نخبوية، وكأنه مكتوب للنجوم في السماء.

الشعر يجب أن يلامس شغاف القلوب، وينوّر العقول، ولا يتخبط في مدارات الرمزية والغموض والإبهام والإنقطاعية والنرجسية.

الشعر عليه أن يوثق نبضات الأيام، ومسارات الأحلام، لا أن يتحول إلى ركام على السطور وفي دواوين ينام.

الشعر لا يموت لأنه نبض الأعماق البشرية، وما دام البشر يسعى فالشعر يحيا، وعليه أن يولد من روح حيٍّ خريد.

فأين الشعر، يا أمة " الشعر ديوان العرب"؟

فهل صار الشعر بهتان العرب؟

***

د. صادق السامرائي

للمطاعم أيضا بصمتها الكربونية، شأنها شأن جميع المنشآت والمرافق السياحية، كذلك عمليات تحضير وطهي وتقديم الأطعمة والمشروبات للزبائن، ووجبات الطعام والمشروبات التي يتناولونها (البصمة الكربونية لوجبة الطعام، البصمة الكربونية للوجبة السريعة)، والزبائن أنفسهم. فاستخدام المطاعم للطاقة المولدة من مصادر تقليدية (الفحم الحجري، الغاز الطبيعي، النفط) سيخلف بصمة كربونية معينة. والافران الكهربائية والغازية ومواقد الغاز والفحم والحطب والشوايات والقلايات والخلاطات وخفاقة البيض وغسالة الاطباق التي يرتبط استخدامها بترك بصمة كربونية وفقا لكفاءتها وساعات الاستخدام.

كما يرتبط شراء ودخول الأدوات والتجهيزات إلى المطاعم واستخدامها بترك بصمة كربونية، وتشمل الدواليب والكراسي والطاولات والصحون والملاعق والاشواك والسكاكين وفوط المائدة وملابس الطاقم وغيرها كثيرة. وأيضا للمواد الغذائية التي تستخدمها المطاعم بصمة كربونية، طازجة كانت (الخضروات، الفواكه، اللحوم الحمراء والبيضاء، منتجات الالبان، الخبز، ثمار البحر من سمك وروبيان وكركند وحبار وقريدس وكالاماري واخطبوط وسرطانات.. الخ) أو مجمدة (لحوم، أسماك) أو مجففة (البقوليات، الطحين، السكر، الشاي، المعكرونة، المكسرات، الفواكه، الحليف، القهوة.. الخ) أو سائلة (الزيوت، المياه المعدنية، العصائر والمشروبات الغازية، الحليب.. الخ)، وغيرها من المواد المستخدمة في التنظيف والاعمال المكتبية.

و لقطاع المطاعم في البلد بصمته الكربونية، وتدل على مجمل ما يصدر عنه من غاز ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات الدفيئة المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري – تغير المناخ (غازات الاحتباس الحراري). وهناك اتجاهات لتخفيف ومعادلة وتحييد الكربون في المطاعم في اطار (سياحة منخفضة الكربون)، ومن خلال الاخذ بأساليب تحسين كفاءة الطاقة المستخدمة في الطهي وإعداد الطعام والتدفئة والتهوية والتبريد والتجميد، وترشيد استخدامها والحد من هدرها وتوظيف الممارسات الموفرة لها، مثل: ضبط توقيتات الطهي واعداد الأطعمة، واستخدام المعدات واللوازم والتقنيات الموفرة للطاقة، واللجوء إلى أساليب الطهي البديلة، أولا. علما ان استهلاك الطاقة في المساحات التي تشغلها المطابخ التجارية يزيد على غيره في المساحات التجارية في الغالب، كما هو الحال في الولايات المتحدة الامريكية حيث يزيد عنه ب (2،5) مرة وفقا لوكالة حماية البيئة الامريكية (اوسيبا). وأيضا باستخدام تكنولوجيا الطاقة الشمسية وتقنيات الكتلة الحيوية، والطاقة الحرارية الأرضية التي مصدرها الصخور والمياه الجوفية في توليد الكهرباء وتسخين المياه المستخدمة في أنظمة التدفئة كما فعلت مطاعم الماكدونالدز في مدينة (بينساكولا) بولاية فلوريدا الامريكية، ثانيا. وتحضير وتقديم وجبات الطعام والمشروبات بمكونات مستدامة كالخضروات والفاكهة الموسمية المنتجة محليا وبطرق عضوية لم تستخدم فيها البذور المعدلة وراثيا والأسمدة والمبيدات الكيمياوية وغيرها من المدخلات التخليقية التي يرتبط انتاجها واستخدامها بانبعاثات الغازات الدفيئة مع ضرورة الاعتدال في استخدام اللحوم بقدر الإمكان، وبخاصة اللحم البقري، ثالثا، لأن انتاجها يخلف الكثير من الغازات الدفيئة. علما بلغ الإنتاج العالمي من اللحم البقري المعد للطهي في عام 2015 نحو (58،4) مليون طن (أكثر من 10،8 مليون طن في الولايات المتحدة الامريكية و9،4 مليون طن في البرازيل و7،6 مليون طن في الاتحاد الأوروبي). فكان ظهور (المطاعم المستدامة) و(الوجبات المستدامة) و(المشروبات المستدامة) و(المشروبات الخضراء) و(الأطعمة المستدامة). وتشير نتائج بحث أجري على مجموعة من المطاعم في لندن عام 2008 حول الانبعاثات الصادرة عن النقل الغذائي إلى بريطانيا ان إعداد وتقديم طبق طعام متوسط من مكونات مستوردة من خارج الاتحاد الأوروبي في هذه المطاعم سيخلف أكثر من (5) كيلوغرامات من غاز ثاني أكسيد الكربون (مكافىء ثاني أكسيد الكربون) مقابل (51) غم فقط لو استخدمت في اعداده مكونات محلية.

كما تشير تقديرات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) إلى ان (18 %) من انبعاثات الغازات الدفيئة ناتجة عن الثروة الحيوانية والإنتاج الحيواني على مستوى العالم. وتشير نتائج دراسة حديثة نشرت في صحيفة (ا لغارديان) البريطانية 2014 إلى ان الوجبة الغذائية التي قوامها اللحوم تسبب بضعف الانبعاثات التي تسببها وجبة غذائية نباتية. كما وجد ان (30 – 70) في المائة من البصمة الكربونية لمشروب الكوكا كولا الغازي الواسع الانتشار مرتبط بنوع ووزن العلب المستخدمة في تعليبه، معدنية كانت أو بلاستيكية أو زجاجية. عليه توجب تخفيف وزنها، وتحسين نوعيتها أو إعادة تدويرها، بغية التخفيف من البصمة الكربونية للعلبة الواحدة، والحد من أثرها البيئي، واتضح أيضا ان البصمة الكربونية لوجبة الطعام المحضرة والمطهوة داخل المنزل أخف في الغالب من بصمة مثيلتها المحضرة والمطهوة في المطاعم أو المحضرة أثناء رحلات نهاية الأسبوع.

***

بنيامين يوخنا دانيال

..............

للمزيد من الاطلاع ينظر (السياحة منخفضة الكربون: مقالات وبيبليوغرافيا) للباحث، أربيل – العراق 2017.

 

 

للصورة في الرواية، معنى آخر، وقد اختار الروائيون تضمين اعمالهم الابداعية، صورا حياتية في اتجاهات متعددة، لتوضيح الابعاد التي رسمها الكاتب في مخيلته، قبل ان يترجمها الى سطور مقروءة .. فللصورة الروائية دور وأهمية وتأثير قوي، عند القارئ، فهي كما يقال تغني عن ألف صفحة. وهو قول مدعوم بالواقع.

فقد استطاعت الصورة في الروايات،ان تحشد الرأي العام من القراء،تجاه قضايا مجتمعية معينة وتغير مواقف كانت ساكنة في ادمغة الناس .

لقد استوقفتني الصور التي تحدثت عنها الكاتبة "صبا مطر" في روايتها (من ذاكرة الصور) التي انتهيت من قراءتها، بشغف واعجاب، حيث امتزجت فيها ذكريات الماضي مع احاسيس الحاضر، بمقاربة ابداعية وسياق جميل، ومع فهمنا ان الانسان يحن لذكرياته الجميلة، ويمقت اي شيء اخر نقيضا لما يرغب به، فهو مخلوق من زمن تركه له الماضي، ومستقبل يرسمه القادم، وبين هذا وذاك تتولد احداث تسمى الحياة بحلوها ومرها، وتشكل الذكريات جزاً منها، وتمثلها صور يوميات الحياة عندما نكبر او نهاجر، وعندها نلجأ للبحث عن تلك الايام.

مع مرور الوقت تجاوزت أهمية الصورة المجال الحياتي، لتصبح مهمة في حفظ الذاكرة المجتمعية والمكانية، حتى أنها باتت تستخدم روائيا في العلاج النفسي وحل بعض المشكلات التي تصادفنا، وقد وضفت الكاتبة صورها الابداعية لتصبح أداة سهلة في يد كل فرد يقدم بها نفسه بالطريقة التي يرغب، كما فسرتها رواية "من ذاكرة الصور" التي تقع في 262 صفحة، وأحد عشر فصلا متوسطا، بشخوص مختلفون منهم من العراق كـميلاد صديقة بمثابة الوطن واخرون من المانيا والدنمارك.. ومعلوم ان احداث الرواية، التي اكدت فشل الانسان في التخفي، وان الصمت لن يطول ابدا، فنراه يصرخ في دواخلنا بقوة، تدور بين هذه الدول وعلى ارض محطة للقطار..

***

كتبت: رنا خالد

 

 

حينما يشبه الواقعُ المر ُّفنتازيا الظلام سيخرج من رحم المعاناة القاسية بطلٌ استثنائيٌّ ببريقه الساطع كأنه ماسة لا تنكسر بسهولة.

هذا ما كان عليه انطباعي الأول أثناء تعايشي مع أحداث المسلسل السوري "الزند" الذي أعادنا إلى الحقبة العثمانية وقد ترعرت في تربتها طبقة من الإقطاعيين الذين استغلوا الفلاحين وأذاقوهم المرّ والإذلال؛ لتوسيع دائرة نفوذهم وما استملكوا من أملاك الفلاحين المهدورة، بتواطؤ من علية القوم، وحواشيهم ممن يتلمسون تلابيب ثياب أسيادهم الفاخرة، ويحسنون تقبيل الايادي المخضبة بدماء الأبرياء دون أن ترف لهم عين.

كل ذلك جاء على حساب كرامة الفلاح وحياته وهو ما كان يانفه الزند ساعياً لتغييره.

فمن يشاهد هذا الظلم سيأنف التعايش معه بصرياً من شدة الامتعاض؛ لكنه سرعان ما سيغوص في أعماق الأحداث المتوالدة حالما يظهر البطل الملقب ب"زند العاصي" الذي مثل دوره باقتدار الفنان الاستثنائي تيم الحسن الذي يُطَيِّرُ العقولَ بهيبته وقوة شكيمته وطريقته في الحديث وصلابة مواقفه التي لم تخضع لإرادة نورس باشا الإقطاعي الظالم.

وقد بسط المخرج سامر برقاوي اللهجة الساحلية التي وظفها كاتب السيناريو عمر أبو سعدة باقتدار؛ ليحررَ هذه اللهجة المنطوية على نفسها في منطقة الساحل السوري من التغريب، فيفعلها درامياً من خلال نصٍّ كان بوسع المتلقي استسهاله والتفاعل مع اللهجة المنتخبة لتنسجم مع اللغة البصرية في تناغم آسر مع ألوان البيئة الريفية القاتمة، تعبيراً عن ظلم الناس لبعضهم على مبدأ السادة والعبيد.. الإقطاعي والفلاح.. مواقف ستظل راسخة في الذاكرة والوجدان.

بداية المسلسل كانت متالقة وتحمل في طياتها اسئلة طالت سهامها ما هو أبعد من الأفق لتاخذنا إلى السؤال الكبير:

" متى يتبدد الخوف من قلوب الفلاحين حتى يتحرروا من نير الظالمين ورهام المستقبل المجهول"!.

ويبدو أن "الزند" كان المثل الأعلى الذي علق الجرس وانطلق عبر دروب التحدي ليقول الفلاح كلمته: "لا" في وجه الطغاة، وهنا تكمن الرسالة عبر أحداث ملحمية تبدت ملامحها في أول حلقتين من المسلسل، وكنت أتابع التفاصيل بشغف وأنا اتتبع خطوات الزند، متسائلاً في أعماقي:

"كيف سيرد الزند على تجاوزات النورس الباشا المحاط برجال أشداء"

إنها بوادر ثورة للفلاحين في تلك الحقبة المعتمة التي انشغل فيها الناس بدفع بلاء الفقر عن انفسهم خاضعين لإرادة طاغية لا يرحم.

وهي رسالة ثانية فحواها أن الهزيمة تكمن في تجبرنا على بعضنا ما سيطيل من أمد الاستعمار القائم على مبدأ "فرق تسد".

النجم تيم حسن من جهته كان استثنائياً وهو يندمج في شخصية الزند بكل حرفية ومهنية عالية رغم صعوبة المواقف المركبة واللغة الساحلية الجديدة عليه والتي طوعهما باقتدار، وقد تملّك كلَّ مقومات الشخصية بكل تفاصيلها المدهشة، فاشتغل بمثابرة على أدق ما فيها بدءاً من نبرة الصوت ومخارج الحروف وفق اللهجة الساحلية إضافة إلى المشية وطريقة الكلام وحتى المظهر الخارجي الذي يعكس ثقة الزند بنفسه وتمسكه بحقه المهدور.

وكان المخرج قد أحسن الاختيار لمكان التصوير واضفى عليه لوناً يوحي بطبيعة تلك الحقبة إلى جانب حركة الكاميرا وحضور الممثلين الفاعل والمدخل المشوق ألى تلك القصة المبهرة التي أفعمت برائحة القمح المهدور وسنابله التي سخر الزند كل جهوده لاستعادة حقوله.

المسلسل هادف ويستحق المتابعة لأهميته شكلاً ومضمونا.. ناهيك عن كونه متخم بالأسئلة التي ما لبثت قائمة في وقتنا الراهن.

***

بقلم بكر السباتين

25 مارس 2023

 

ارتبط الشعر بالإنسانية منذ وجودها، بل ذهب البعض إلى القول إن الإنسان يولد شاعرا، فهو يترنم قبل أن يتكلم، و يلهج بالاستعارة والكناية ويستعمل الكلمات في غير ما وضعت له، قبل أن يستعملها في الذي اصطلح عليه، فينطق بكلمات مثل فوفو نيني ديدي.. تعبيرا عن النار والنوم والألم.. قبل أن يُطلق الكلمات على مسمياتها..

لذلك كُـتب وقيل الكثير عن أهمية الشعر منذ أفلاطون وأرسطو مرورا بالفلاسفة والنقاد العرب وانتهاء بالفلاسفة المعاصرين كهيجل وجان جاك روسوا ورولان بارت وتودوروف وغيرهم كثير ممن نظّروا لمفهوم الشعر ومفهوم الأدبية والشعرية.. وما زال الشعر إلى اليوم يسيل الكثير من المداد

صحيح تغيرت مكانة الشاعر ووظيفته في المجتمع عبر تاريخ الإنسانية.. وتدرجت نظرة الناس للشاعر بين الحكيم ولسان القبيلة المدافع عنها باللسان والسنان، إلى دور المهرج أو دور المسترزق القانع بالوقوف على أعتاب القصور والبلاطات ينتظر العطايا.. ومع   ذلك ظل مفهوم الشاعر في الذاكرة الإنسانية يحافظ على توهج متوارث

لكن اليوم وأمام الثورة الرقمية، ومادية العصر، وارتهان الإنسان للتكنولوجيا، وتحجيم دور المثقف والثقافة عموما، أصبح من حقنا - ودون حرج - أن نطرح أسئلة عن جدوى الشعر من قبيل:

- أما زال العالم في حاجة إلى شعراء؟

- وماذا سيتغير في العالم لو استيقظنا غدا ولم نجد شعراء؟

- وهل يفقد العالم شيئا ذا قيمة إذا لم ينظم الشعراء شعرا؟

نقلنا بعض هذه الأسئلة إلى طلبتنا في التعليم الثانوي، وكانت الأجوبة صادمة وسالبة مائة بالمائة، أزيد من 400 متعلم في الثانوي التأهيلي وأجمعوا دون استثناء على نهاية زمن الشعر. وأنهم لا هتمون بالشعر ولا يتذوقونه، ولا يشكل أي نسبة من اهتماماتهم، وأن العالم لن يتغير قيد أنملة بغياب الشعراء...

قد تكون أجوبة رجال الغد آنية، متسرعة وانطباعية.. لكنها تحمل إشارات هامة يجب الوقوف عليها..

من خلال إجاباتهم.. نؤكد أن العالم اليوم أحوج ما يكون للشعر من أي مرحلة في التاريخ.. وأن مسؤولية الشعراء اليوم ورسالتهم أضحت أكبر من الرسالة التي كان يحملها شعراء الماضي.. وأنه يجب بذل المزيد من الجهد لتعريف النشء بمفهوم الشعر وأهميته، فجاهل الشيء بالفطرة يعاديه...

لن نقف هنا لنعرف الشعر فللشعر آلاف التعاريف منذ التعريف الأول الذي وصلنا عن أرسطو ونقله عنه قدامة بن جعفر في نقد الشعر (الشعر كلام موزن مقفى) والذي فضل فيه أرسطو الشاعر عن المؤرخ وحتى عن الفيلسوف لما قال (ولهذا كان الشعر أوفر حظا من الفلسفة وأسمى مقاما من التاريخ، لأن الشعر يروي الكلي، بينما التاريخ يروي الجزئي) ولأن الشعر يتجاوز الحديث عما وقع إلى الحديث عن الممكن وعما يمكن أن يقع. ولكن لا بد من الإشارة إلى مفارقات غريبة : فأمام عزوف الشباب عن الشعر يقف المتابع للشأن الشعري مشدوها لكثرة الشعراء، وتزايد طبع الدواوين الشعرية، ووفرة المهرجانات والملتقيات المهتمة بالشعر في كل الأقطار العربية وفي النوادي والجامعات (ويكفي الإشارة إلى إن هذا الركح بهذه الجامعة توالي عليه بين اليوم والأمس نشاطان كبيران حول الشعر، شارك في كل نشاط عدد من الشعراء ألقيت في كل منهما عدة قصائد حتى لكاد يكون الشعراء أكثر من الجمهور)..

فكيف يفسَّر الشعور بكثرة الشعراء مع ندرة الشعر، وما فائدة وفرة في المطبوعات مع غياب التأثير في متلقي لا يفهم معنى الشعر، وما أهمية شعراء لا يدركون وظيفة الشاعر..

إننا في زمنٍ مادي جعل المالَ "العبدَ والمعبود والمعبد".. زمنٍ صارت فيه صلة الكمبيوتر والهاتف النقال أوثق من صلة ذوي القربى.. أصبحت الإنسانية يتيمة وأحوج ما تكون للشعر.. "والشعر حكمة " قد يساعد على حل المشاكل "بالكلمة الطيبة" بدل اللجوء إلى العنف والقنابل والمدافع لحلها، وقد تكون الكلمة الجميلة (وما الشعر إلا كلام جميل) بلسما، وعقارا فعالا لكثير من القلوب والعقول المريضة

صحيح، إن الشعراء ليسوا أنبياء لكن الأكيد أن تفجير الكلمات أكبر معجزة وليس عبثا أن يكون القرآن (وهو كلام جميل) أكبر أعجاز..

صحيح أيضا أن العالم لن يكون كما يتخيله الشعراء ولكن الأكيد أيضا أن العالم لا يمكن تخيله دون شعراء، فدون كلام جميل، ودون الشِّعرية لن يكون الناس سوى آلات حية فاقدة للأحاسيس والشعور(والشعر من الشعور)

إن مهمة الشاعر اليوم أضحت عسيرة لأن الشاعر صار بالإضافة إلى الأدوار التقليدية مجبراً على زرع الأمل في عالم يائس، وتحريك الأحاسيس في أجساد مات فيها القلوب، بل إنه مدعو إلى أن يرفع النقاب عن الجمال المخبوء فينا، وإعادة صياغة رؤيتنا للجمال، لأن من وُهِب موهبة تحسين الكلام وإجادة صياغة العبارة فقد وُهب مفتاح الدخول إلى العقول والقلوب، لكن أيننا اليوم من شاعر مسؤول، ملتزم يُنير ولا يستنير، يقود ولا ينقاد، يقاوم ولا يستسلم أو يهادن؟؟

يستنتج إذن أن الشعر هو الشعر لم يتغير فيه شيء، والمتغير في هذه المنظومة المادية هو نظرتنا للشعر، فلا غرو إذن إن كثر الشعراء وقل الشعر، وصار الشاعر الجيد يشعر شعور كمن ينثر الجواهر للدجاج.

***

الكبير الداديسي

..........

* ألقيت هذه الكلمة في كلية أسفي في حفل بمناسبة اليوم العالمي للشعر

 

تحتفل روسيا هذا العام (2023) بالذكرى المئوية الثانية لميلاد كاتبها المسرحي الكبير ألكساندر نيقولايفتش أستروفسكي (1823 - 1886)، شكسبير روسيا كما يطلق عليه الكثير من النقاد والباحثين في تاريخ المسرح الروسي . ومثلما يحدث عادة في مثل هذه المناسبات المرتبطة بكل الاسماء البارزة في مسيرة الفكر الروسي، صدر أمر رئاسي بتوقيع الرئيس الروسي عن الاستعداد لهذه الاحتفالات عام 1920 (اي قبل ذلك الاحتفال بثلاث سنوات !) حول تفاصيل الاحتفالات والتهيئة لها في عموم روسيا، كي تكون تلك الاحتفالات لائقة بالمئوية الثانية لميلاد هذا الكاتب المسرحي، ومن جملة فقرات تلك الاحتفالات سيكون افتتاح البيت الذي ولد فيه استروفسكي بموسكو، ومن حسن الحظ، ان هذا البيت لازال موجودا، الا انه – طبعا - بوضع يتطلب تصليحات جذرية لاعادته الى سابق عهده (اي كما كان قبل قرنين من الزمان !)، وقد بدأت عملية التصليحات والترميمات فعلا، ومن المفروض ان يتم افتتاح ذلك البيت في بداية الاحتفالات، وبهذا ستكسب موسكو موقعا سياحيّا جديدا وطريفا يضاف الى معالمها السياحيّة العديدة جدا، المرتبطة بأسماء أعلامها عبر التاريخ،علما، ان البيت الذي سكنه أستروفسكي بعد ذلك، والذي كتب فيه الكثير من نتاجاته المسرحية لا زال موجودا، وقد تم نشر صورا عديدة لهذا البيت في هذه المناسبة، وهو بيت خشبي روسي جميل وواسع، وقد تمّ التقاط تلك الصور في الشتاء الروسي، حيث تحيط البيت ثلوج هائلة، الا ان البيت الحقيقي الاول والاخير لأستروفسكي هو مسرح (ماللي تياتر) اي (المسرح الصغير) المقابل لمسرح (بولشوي تياتر) اي (المسرح الكبير)، والذي يقع في مركز مدينة موسكو، وليس من باب الصدفة ابدا، ذلك التمثال الضخم لأستروفسكي وهو يجلس على كرسي وثير امام مسرح (ماللي تياتر)، اذ ان هذا المسرح كان بيته الفني قبل كل شئ وبعد كل شئ، ففيه تم عرض كل مسرحيات أستروفسكي اثناء حياته، حيث كان يشارك شخصيا بالاعداد لتلك العروض، ولهذا، فقد أعدّ هذا المسرح برامج خاصة واسعة للمساهمة في احتفالات الذكرى المئوية الثانية لأستروفسكي، وسيتم عرض الكثير من مسرحياته او مقاطع مهمة منها، وفي فروع (ماللي تياتر) في العديد من المدن الروسية، وسيكون هناك في ختام تلك البرامج حفل موسيقي كبير في ساحة المسرح، وقد صرّح مدير مسرح (ماللي تياتر) للصحفيين، انهم يريدون ان يحوّلوا يوبيل أستروفسكي الى مهرجان احتفالي مهيب للمسرح الروسي بشكل عام.

تمثال أستروفسكي، الذي يقف أمام مسرح (ماللي تياتر) يرتبط في ذاكرتي ارتباطا روحيّا وثيقا، لدرجة، انني لازلت وبعد أكثر من ستين عاما، عندما أمرّ بالقرب منه، أتأمّله بحب وابتسم بيني وبين نفسي، وأقول له في أعماقي – سامحنا يا ألكساندر نيقولايفتش، اذ انني (مع مجموعة من الطلبة العراقيين) وقفنا امامه منبهرين عام 1959، وقررنا (وبكل ثقة وسذاجة مضحكة!)، انه للكاتب السوفيتي نيقولاي ألكسييفتش أستروفسكي، مؤلف الرواية الشهيرة (كيف سقينا الفولاذ)، وكل ذلك لأننا كنّا في يفاعتنا لا نعرف عن الادب الروسي سوى تلك النتف البسيطة من ألكلمات الطنانة والرنانة التي سمعناها في عراق الخمسينيات عن هذا الادب العظيم واعلامه، ولم يكن الكاتب المسرحي استروفسكي من ضمنهم طبعا، لانه لم يكن (ملائما !!!) لتلك الكلمات المعلّبة الطنانة عندئذ، أما الان، فان أستروفسكي يرتبط في وعيّ وذاكرتي باسم الفنان المسرحي العراقي الكبير المرحوم قاسم محمد، الذي قدّم للمسرح العراقي مسرحيّة (الحب والربح)، والتي أعدّها وصاغها بنكهة وروحيّة عراقية ذكية عن مسرحية أستروفسكي الشهيرة (مكان للربح)، والتي نالت لدى الجمهور العراقي نجاحا باهرا آنذاك، ويرتبط أستروفسكي بذاكرتي باسم المترجم العراقي المعروف عبد الله حبه، الذي قدّم لنا ترجمة لمسرحيات أستروفسكي، والتي كتب حول تلك الترجمة اطروحة ماجستير في قسم اللغة الروسية طالب الدراسات العليا آنذاك ميثاق محمد (الدكتور والاستاذ المساعد الان في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد) باقتراحي واشرافي العلمي، ويرتبط أستروفسكي ايضا باسم مجموعة من الزملاء المصرين الاعزاء، الذين ترجموا الى العربية الكثير من مسرحيات أستروفسكي، و تم نشر أغلبها في سلسلة المسرح العالمي التي تصدر في الكويت، وهؤلاء الزملاء هم كل من – فوزي عطية وسميّة محمد عفيفي وهاشم حمادي ومكارم الغمري وعطية عبد الرحمن السيد، ومن المؤكد، انه توجد اسماء عربية أخرى لا أعرفها، قد ساهمت ايضا في تعريف القراء العرب بمسرح أستروفسكي وأهميته في تاريخ الادب الروسي .

تحية للذكرى المئوية الثانية لميلاد أستروفسكي، الذي كان ولا يزال لحد الان (ونحن في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين) الاسم الاول في مسيرة الادب المسرحي الروسي ...      

***

أ. د. ضياء نافع

 

 

ـ قراءةُ الكتبِ النوعية نزهةٌ في رياضِ العقولِ الفذة والخلاقة والخالدة على رفوفِ المكتباتِ.

ـ عالجْ حزنَكَ بمصاحبةِ الكتبِ، لأنها ملجأ النفوسِ من آلامِ الحياةِ، فالمكتبةُ مشفى النفوس الكسيرة والعقول المتعَبَة.

ـ أفضل الكتب هي التي تهذب ذاتك. تمنحك لقاحات أو أدوية فكرية وشعورية تقيك أو تعالجك من آفات الجهل والتفكير السلبي والمشاعر البغيضة كالكراهية والقلق والتوتر.

ـ أقرب الكتب للنفس، تلك التي تخاطب العقل والقلب معاً، وترفعهما الى مستوى فكري وشعوري أعلى وأرقى.

ـ القراءةُ الدائمة رحلات سياحية مستمرة للعقلِ والقلب معاً الى بلدان وعوالم شاسعة وجميلة وغنية من كلمات وأفكار ومشاعر إنسانية. جواز سفرك الوحيد رغبتك بالمعرفة. تجد نفسك تحيا أكثرَ من حياةٍ وتشهد أكثر من زمن خلال تلك الرحلات التي لنَ تعودُ من أية واحدة منها بلا فكرٍ او شعورٍ جديدين، ذلك أنّ عالمَك بعد القراءةِ، لن يكون على ما كان عليه قبلَها، لأنّكَ أنتَ، لن تكون ما كنتَ عليهِ قبلَ القراءةِ.

ـ على مرّ العصورِ، تحتاجُ الأممُ والبلدانُ الى كتبٍ ومكتباتٍ وقراءٍ، لتنمو وتزدهر وتتسع آفاق المعرفة فيها، وبينها كذلك، لأنّ الكتابُ وسيلةُ تعارف بين الشعوب وتعرُّف على ثقافاتها.

ـ أن تقرأَ جيداً، يعني أنّكَ تنصتُ جيداً. الإنصات فن وذوق، شأنه شأن الكلام والصمت في محليهما.

ـ مهما كبرنا، لن نكبرَ على الكتبِ العظيمةِ.

ـ المكتبةُ أسرةٌ نموذجيةٌ تتقبلُ التنوعَ والاختلافَ الفكري بين أبنائِها الكتب، لذلك فإن الكتب وسيلةٌ لتحقيقِ السلامِ. على العالم أن يكون كالمكتبة في تعايش المختلفين.

ـ الكتاب الجيد معلم ناصح يقودك الى النجاح في مدرسة الفكر، وأخ وفي يقف معك ويواسيك في حزنك وشدتك، وصديق مريح يسليكَ إذا شعرت بالملل، ورفيق يحادثك بصمت في أثناء وحدتك او عزلتك.

ـ الكتابُ صديقٌ. لديكَ أصدقاءٌ بعددِ الكتبِ التي قرأتَها. وحينما تجمعُ الكتبَ، فإنكَّ تجمعُ أصدقاءً أوفياءً لايُمَلّون، بل يعملون على إسعادكَ، لذلك قيل إنّ القراءةَ سعادةٌ.

ـ قراءةُ الكتبِ تزيدُ من مهاراتِ التحدثِ. كلامُك الجميلُ دليل على أنّك قارئٌ جميلٌ. وحينَ تقرأُ تصبح أكثرَ دقةً في التعبيرِ عن نفسِك وأفكارِك ومشاعرك.

ـ الكتبُ تنمي عقلَ الإنسانِ، وتحافظ على حيويته وتركيزه، وتقيه الكسل والخمول، لأنّ القراءةُ غذاءُ صحي، مليء بفيتامينات فكرية ونفسية، وهو غذاء غير منتهي الصلاحية.

ـ تمزيقُ كتابٍ او حرقُه او تشويهُهُ يشبهُ قتلَ إنسانٍ. وتعرض المكتبات لأعمال وحشية قد يحولها الى مقابر، ولكن بإمكانها أن تعود الى الحياة.

ـ حين تنتهي من قراءةِ كتابٍ يدهشك، فإنك تتمنى ألاّ تفارقُهُ. الكتابُ لا يستهلكُ نفسَهُ بالتقادم، وإنما تجده جديداً عليك كلما أعدتَ قراءته. الكتاب العظيم اكتشاف مستمر.

ـ من علاماتِ التحضرِ والرُقي أن يتبادلَ الناسُ بينهم هدايا من كتبٍ. قراءة الكتبِ ترفيه ورفاهية يتوفران للغني والفقير معاً.

ـ المكتبة صالة فخمة للرياضة الفكرية، تضمن لك رشاقة العقل عبر الارتفاع بمستوى التفكير والاستيعاب والانتباه والفهم والتركيز والتذكر والتحليل والتعبير واحترام الآراء وغيرها من المهارات الذهنية، وفتح آفاق للأفكارِ الإبداعيةِ وغير المألوفة التي تحلق بالإنسان خارج قفص الأفكارِ النمطيةِ التي لا تضيف للحياة جديداً.

ـ قرأت في أحد الكتب أنّ (القراءة سياحة العقل بين آثار الفكر البشري)، وأنّ (قراءةُ الشعرِ تزيدُ من مرونةِ العقلِ، وقراءةُ القصصِ والرواياتِ تعززُ من وظائفِ الدماغِ، وأنّ قراءةُ كتبِ الأدب الذي يُحاكي حياتنا اليومية، تزيدُ من قدرتِنا على الشعورِ بالتعاطفِ مع الآخرين)، وقرأتُ في كتاب آخر أنّ (المجتمعُ الذي لا يقرأ، لا يتطورُ، ولا يكتشفُ ذاتَه، ولا يمتلكُ إرادةَ التقدمِ). و(ساتناول محتوى الكتابين لاحقاً مع الإشارة الى عنوانيهما ومؤلفيهما).

ـ الكتابُ صديقُك.. المكتبةُ أسرتُك.. القراءةُ حياتُك.

***

أسماء محمد مصطفى

 

تعني (نيوروز) باللغة الكوردية (يوم جديد New day) تتم فيه الأرض دورتها السنوية حول الشمس، لتبدأ دورة جديدة تدخل فيها شهر الخصب وتجدد الحياة. وفيه تبدأ الافراح استبشاراً بحلول عهد جديد تتحول فيه الطبيعة الى جنة خضراء، يتوجه اليها الناس لمعانقتها وترتدي فيه العائلات الكردية الزي التقليدي المزركش بالألوان الفاتحة والزاهية،وتصدح فيه ألاهازيج، وتتشابك الأيدي في حلقات رقص ودبكات ومهرجانات غنائية شعبية تستمر حتى ساعات متأخرة من الليل تتخللها مقاطع شعرية تتحدث عن الثورات ضد الطغاة،حيث يعدّ نوروز رمزا للتحرر من الظلم والاضطهاد في كردستان وعدد من دول المنطقة، اذ يزيد عدد المحتفلين بهذا اليوم على 300 مليون معظمهم في آسيا،توحّدهم تقاليد ومعتقدات وعادات مشتركة.فجميعهم يحملون شعلة النار لآعتقادهم بأن النار ترمز الى الحياة والخلود،وتعطي الغذاء والدفء والحياة ،وانها تتمتع بقدرات التطهير كما يعتقد شعب اذربيجان. واظن ان شعلة الألعاب الأولمبية التي تطوف من اليونان حول العالم قد استعارت هذا التقليد من النوروز لأنها تهدف الى تحقيق نفس الحاجة السيكولوجية: اشاعة المحبة والتآخي بين الناس على اختلاف دياناتهم واجناسهم.وأن قوة سيكولوجيا هذا التقليد اجبرت الحكّام على ايقاف القتال وتوقيع معاهدات السلام واطلاق سراح الأسرى من السجون في يوم النوروز.فضلا عن ان الطبيعة ذاتها لعبت دورا كبيرا في سيكولوجيا النوروز، اذ يعد (21 آذار) عيد اعتدال الربيع وبدء موسم الزراعة ورمز التجدد والنشاط والدفء،وتشغيل مراكز الانفعالات الفسلجية في الدماغ الخاصة بالفرح والسعادة وتنشيط القلب بحثا عن حب يشتهيه!.

ومن جميل ما قرأت ان هنالك علاقة بين (نوروز) و(تموز وعشتار). فالمعروف عن حادثة “تموز” أنه في آخر مرة يذهب الى تحت الأرض ثم يأتي الى وجه الأرض كإله، وانه كان يحتفل بموت وحياة “تموز” في وطن سومر، وانه في (21 آذار) من كل عام كان السومريون يقيمون احتفالات كبرى في حياة “تموز” ويعرفون هذا اليوم بعيد (زكمك). والحادثة ذاتها ترد في ملحمة الشاعر الكردي الكبير احمدي خان (مم وزين)، حيث يبدأ الملحمة بيوم نوروز (21/ آذار- مارس)،في شبه كبير بين قصة (تموز وعشتار) العربية، وقصة العاشقين (مم و زين) الكردية، اذ تمتليء حياة (مم) بالعذاب والفراق بعد معرفته لحبيبته (زين)..وتصبح حياتهما مشابهة للحياة الكارثية لـ(تموز) الذي يذهب الى الاسفل فيما يودع (زين) في السجن الى الموت.

ومن جميل ما قرأت أيضا، أن كتّابا كردا وعربا يتفقون على ان (21 آذار) الذي يصادف اليوم الأول من العام الكردي الذي يمتد تاريخه الى 700 سنة قبل الميلاد، كان يوم عيد عند السومريين، وانهم كانوا يحتفلون به تحت مسمى عيد (زكمك)، وأن (كاوا) الكردي هو (تموز) السومري.. ما يعني أننا العرب والكورد شعبان لنا تاريخ مشترك حتى في الطقوس والأساطير والأعياد،وأن نيروز (كاوه) او نوروز (سومر) الذي وحّد العرب والكورد آلآف السنين،سيبقى ينعش مشاعر المحبة والتآخي بين الشعبين..اليوم وغدا..لأن سحر رموزه في سيكولوجيا اللاوعي الجمعي للناس..يبقى أبديا!.

***

د. قاسم حسين صالح

من آثار ظاهرة الاحترار العالمي وتغير المناخ التي تضرب كرتنا الأرضية : تراجع التساقطات الثلجية وانحسار مساحات الغطاء الثلجي وتقلص حجم الكتل الجليدية وتغير توقعات بدء وانتهاء موسم الثلوج، الامر الذي انعكس سلبا على النشاطات السياحية والرياضات الشتوية التي تمارس في المحطات والمنتجعات الثلجية المنتشرة في الجبال بأمريكا الشمالية وأوروبا وغيرها، وخصوصا تلك الموجودة على مرتفعات منخفضة، مثل التزحلق على الجليد (السكي) والانتقال بالتلفريك وركوب الزلاجات التي تجرها الكلاب وغزلان الرنة والهبوط بالمظلات وركوب الدراجات ذات الإطارات العريضة ومشاهدة مختلف المسابقات والاستمتاع بالمناظر الطبيعية.                              

و قد استخدمت قاذفات الثلج العملاقة العالية الكلفة في الكثير من المحطات ومناطق التزلج على مستوى العالم لتوفير الثلج الصناعي اللازم وبخاصة لمسارات التزلج (نحو 95 %) منها، وللتغلب على المشاكل أو التخفيف منها، ولتدارك الخسائر الجسيمة التي تمنى بها سنة بعد سنة. كما تفعل (80) في المائة من محطات التزلج السويدية غير المرتفعة خلال العقود الثلاثة الماضية بحسب (الجمعية السويدية لمحطات التزلج 2015) التي تضم (200) منتجع ومحطة موزعة في (لابلاند، يامتلاند، أوه، دالارنا، هارييدالن) وغيرها. أما المحطات التي لم تتحمل التكاليف الباهظة لهذه القاذفات فقد أقفلت وصارت تستقبل بعض السياح من هواة التزلج على الجليد. ولكن من أجل القيام بنزهات والخروج بجولات اعتيادية فقط، لاسترجاع الذكريات بين ربوع الجبال التي اعتادوا على مشاهدتها موشحة بالثلوج البيضاء الخلابة. كما حصل بالنسبة لسبع محطات تزلج من أصل (30) في منطقة (داليكارلي) ومنذ عام 2008.    

و يؤخذ على عملية تصنيع وتوفير الثلوج على هذا النحو استهلاكها العالي للطاقة الكهربائية والمياه، واحتمالية تأثيرها سلبا على الغطاء النباتي والتربة. أما الولايات المتحدة الامريكية فقد شهدت عمليات اغلاق نحو (600) منطقة تزلج خلال العقود السبعة الماضية، وبنسبة (20 %) من اجمالي مناطق التزلج خلال ال (20) سنة الماضية بعد خسارتها لمساحات شاسعة من الثلوج. أما جبال الالب السويسرية فقد شهدت في شهر كانون الأول من عام 2016 جفافا غير مسبوق منذ قرن ونصف، وصارت تستقبل موسم الثلوج متأخرا بعد أيام بالمقارنة مع السبعينيات من القرن الماضي بحسب (معهد أبحاث الثلوج والانهيارات الثلجية). وقدرت الخسائر الاقتصادية الناجمة عن انحسار السياحة الشتوية في البلاد ب (1،2 – 1،6) مليار دولار أمريكي. وهكذا هو الحال في بقية سلسلة جبال الالب الممتدة عبر (النمسا، سلوفينيا، إيطاليا، سويسرا، ليختنشتاين، المانيا، فرنسا). وبحسب صحيفة (نيويورك تايمز 2014) فان الرياضات والأنشطة الشتوية تدر سنويا نحو (66) مليار دولار على اقتصادات (38) دولة، وتولد فيها ما يقارب (980) الف وظيفة مختلفة.  

***

بنيامين يوخنا دانيال

.....................                  

* للمزيد من الاطلاع ينظر (آفاق سياحية) للباحث، مطبعة بيشوا، أربيل – العراق 2017.                                                                                      

 

 

الذكاء الاصطناعي الذي يعرف اختصارا بAI   هو مجموعة من التقنيات والأساليب التي تسمح للحواسيب والآلات الإلكترونية بتنفيذ مهام تعتبر ذكاءً إنسانيًا. يتضمن ذلك استخدام الحوسبة والتعلم الآلي ومعالجة اللغة والرؤية الحاسوبية والذكاء الروبوتي وغيرها من التقنيات.

ويتم تطبيق الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات مثل التحليل الضخم للبيانات (Big Data) والتحكم في العمليات الصناعية والألعاب الإلكترونية والروبوتات والرعاية الصحية والمعاملات المالية والتسويق والعديد من المجالات الأخرى.

تعتمد تقنية الذكاء الاصطناعي على تطوير النماذج الرياضية والتي تقوم بالتعلم من البيانات والخبرة السابقة، وبالتالي يمكن للحواسيب الاصطناعية أن تتعلم وتتكيف مع تغييرات الظروف والبيئة المحيطة بها، مما يؤدي إلى تحسين أداء الحواسيب الاصطناعية وزيادة قدراتها في تنفيذ المهام المختلفة.

يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في العديد من المجالات، بما في ذلك المجال الفني والأدبي. ومع ذلك، يثير هذا الاستخدام بعض المخاوف بشأن السرقات الفنية والأدبية.

في الماضي، كانت السرقة الفنية والأدبية تتطلب الكثير من العمل اليدوي والابتكار الفردي، ولكن اليوم، يمكن للذكاء الاصطناعي القيام ببعض هذا العمل بشكل آلي وفعال. على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل الكثير من الأعمال الأدبية والفنية الموجودة في قواعد البيانات، وتوليد محتوى جديد استنادًا إلى النماذج السابقة.

من جانب آخر، يمكن للذكاء الاصطناعي أيضًا أن يساعد في منع السرقة الفنية والأدبية، حيث يمكن استخدامه لإنشاء أدوات للرصد والكشف عن الانتهاكات والتعديات على حقوق الملكية الفكرية.

ومع ذلك، يجب أن يتم استخدام الذكاء الاصطناعي بحذر ووعي، لأنه يمكن استخدامه لأغراض غير قانونية أيضًا، مثل إنشاء محتوى مقلد أو مسروق. وبالتالي، يجب وضع قواعد أخلاقيات واضحة للاستخدام الصحيح للذكاء الاصطناعي في المجالات الفنية والأدبية، بما في ذلك حماية حقوق الملكية الفكرية والابتكار الفردي.

يمكن للذكاء الاصطناعي كذلك أن يؤثر بشكل كبير على السرقات الفنية والأدبية. على سبيل المثال، يمكن استخدام تقنيات التعلم الآلي والشبكات العصبية لإنشاء صور وفيديوهات واقعية تمامًا من دون الحاجة إلى أي مصدر للصور الأصلية، وبالتالي يمكن استخدام هذه التقنيات للسرقة الفنية.

بالنسبة للأدب، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء نصوص وروايات جديدة تبدو وكأنها كتبت بواسطة كاتب بشري، وهذا يمكن أن يؤدي إلى سرقة حقوق الملكية الأدبية. ومع ذلك، يمكن استخدام التكنولوجيا نفسها للكشف عن السرقات الأدبية، حيث يمكن استخدام برامج الكشف عن التشابه للبحث عن نصوص مشابهة وتحديد مدى الانتحال.

بشكل عام، يتوقف استخدام الذكاء الاصطناعي في السرقات الفنية والأدبية على أخلاقيات المستخدمين والمطورين لهذه التقنيات، حيث يجب عليهم الالتزام بأعلى المعايير الأخلاقية والقانونية للتأكد من أن التقنيات لا تستخدم بطريقة غير مشروعة أو غير أخلاقية.

أخيرا يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في السرقات الفنية والأدبية من خلال استخدام تقنيات التوليد الآلي للنصوص والصور والموسيقى والفيديوهات. فمثلاً يمكن للذكاء الاصطناعي توليد نصوص أدبية أو فنية جديدة باستخدام تقنيات النمذجة اللغوية العميقة والتعلم الآلي. كذلك يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتوليد صور فنية أو تصميمات جديدة باستخدام تقنيات الجرافيكس الحاسوبية والتعلم العميق.

ومع ذلك، يمكن أيضًا استخدام الذكاء الاصطناعي للكشف عن السرقات الفنية والأدبية. فباستخدام تقنيات التعلم الآلي وتحليل النصوص والصور والفيديوهات، يمكن للذكاء الاصطناعي تحديد مدى تشابه الأعمال الفنية والأدبية والكشف عن السرقات المحتملة.

ومن المهم التأكد من أن استخدام الذكاء الاصطناعي في هذا السياق يتم بشكل قانوني وأخلاقي، حيث يجب احترام حقوق الملكية الفكرية للفنانين والمؤلفين، وعدم استخدام التقنيات الذكية للتلاعب أو التحايل على حقوق الآخرين.

***

عبده حقي

 

في أواخر أسرة هان (202 ق.م ــــ220 م)  وقع تمرد كبير وعنيف من طرف الفلاحين اختلف عن جميع الثورات التي اعتادها أباطرة الهان عُرف في التاريخ باسم تمرد العمائم الصفراء تزَعمه ساحر سيء السمعة، شرير، قاسٍ وقد كان هذا الساحر يعتقد المذهب الطاوي فأمر الإمبراطور القادة أن يحاربوا ويقمعوا هذا التمرد، لكن أولئك القادة الطموحين استغلوا فرصة الفوضى فعملوا لأجل تعزيز مراكزهم والاستقلال بالأقاليم التي كانوا يحكمونها ..

ودَخلت الصين فيما يسمى بعصر الممالك المتحاربة (220م -281م) ؛ صراعات داخلية في البلاط الإمبراطوري بين النساء والوزراء والمحظيات والمستشارين، وصراع أشدّ وأعنف في السهول وعبر الجبال وبجانب الأنهار بين الفرسان والقادة والجنود، ودَفع الشعب ثمن ذلك الانقسام فانتشر التقتيل والمجاعة والانهيار الاقتصادي ..

فالصين التي استمرت متحدة لمدة طويلة تحت لواء أسرة هان انقسمت الى ثلاث دويلات رئيسية تتصارع فيما بينها دولة تُدعى وُي ومؤسسها تساو تساو القائد العسكري المشهور، ودولة شو ومؤسسها القائد العسكري ليو بيه، والدولة الثالثة في الجنوب يقودها شو يوُ..

وبعد أكثر من  أربعة عشر قرناً جاء كاتب عبقري من أسرة مينغ اسمه لو غوانغ تشونغ فاتخذ من مادة تلك الفترة موضوعا لروايته الممالك الثلاث، التي تُعتبر من روائع الأدب الصيني، إذ لم تكن أحسنها، أجودها وأروعها، حتى أن بعض الصينيين يضعونها في مكان أسبق ومتقدم على رواية حلم الغرفة الحمراء !

تحوي الرواية 120 فصلاً  حول الحروب التي أعقبت تفكك أسرة هان وظهور الممالك الثلاث القوية التي تقاسمت الصين آنذاك وُي، شو و وُو..

والرواية تنبض بالحياة والحركة، وشخصياتها قلقة، غير هادئة، وصفحاتها تمتلئ بالصراع بين الأمراء والقادة الشجعان ذوو الطموحات الكبيرة ..

وإن كانت الحقائق التاريخية تنتصر لأسرة وُي فإن الكاتب في هذه  الرواية ينتصر لشو وأميرها ليو بيه ..

وتظهر في الرواية الكثير من الشخصيات الشجاعة الطموحة التي يتناقل الصينيون سيرها وصورها عبر العصور حتى اليوم.

ليو بيه وصديقاه المخلصان قوان يي الهادئ، الطيب والمخلص ذو اللحية الطويلة ، و تشانغ فيي الشجاع المتهور ..

ومن أسرة وُي قائدها الطموح، الماكر والأناني تساو تساو ..

وسون تشيوان أمير دولة وُو في الجنوب ..

المُخَطِطْ العسكري العبقري كونغ مينغ  الذّي خدم في بلاط ليو بيه ..

تزاو تزي لونغ القائد الشجاع الذي أنقذ ابن ليو بيه وهو رضيع صغير، والذي طال به العمر حتى بعد وفاة ليو بيه ورفيقيه وانتقال الحكم الى أولادهم ..

والرواية أصلا تعج بالشخصيات والحركات المتسارعة لكنها تنتهي  بموت جميع أبطالها الأشرار أو الطيبين وانتقال الحكم والقيادة الى أولادهم ولم يستطع أي واحد منهم توحيد البلاد تحت رايته وإنما تأسست على أنقاض تلك الحروب والدمار أسرة جين (265م ـــ 420 م)..

***

عبدالقادر رالة

في المثقف اليوم