أقلام فكرية

الاصول الفلسفية للمدرسة الاقتصادية النمساوية

hatam hamidmohsinبرزت المدرسة الاقتصادية النمساوية في تضاد مع المدرسة التاريخية الآلمانية، وكان كارل مينجر طور رؤيته الميثدولوجية على النقيض من تلك الجماعة المنافسة. سنناقش اولا المعتقدات الفلسفية للمدرسة التاريخية لأن هذا سيعمق فهمنا للموقف النمساوي المقابل.

بعد ذلك، سنفحص بعض التأثيرات الفلسفية على مؤسسي المدرسة النمساوية، وبالذات فرانز برينتانو واتباعه. كان برينتانو رائدا فلسفيا نمساويا برز في اواخر القرن التاسع عشر. هو فضل العودة الى ارسطو، وسوف نركز على الجذور الارسطية للمدرسة النمساوية.

اما الشخصية الثانية في المدرسة النمساوية بعد مينجر هو ايغين بوم بارك والذي تأثر بمدرسة فلسفية مختلفة وهي المدرسة الاسمية nominalists التي ترى ان الافكار الكونية العامة هي مجرد اسماء ليس لها واقع مطابق. سنفحص باختصار تأكيده على الوضوح المفاهيمي.

اما لودوج فون مايسز وهو اكبر اقتصادي نمساوي في القرن العشرين وجد نفسه هدفا لهجمات فلسفية. الحركة الوضعية المنطقية اخضعت اتجاهه الاستدلالي الى نقد شديد. فلاسفة حلقة فيينا جادلوا بان العلوم هي تجريبية . الاستدلال لا يمكن ان يعطينا معرفة جديدة حول العالم دون استعمال اسس غير استدلالية.

قبل البدأ في مناقشة النمساويين، نرى من الضروري ملاحظة انه في التاريخ الفكري يكون من الصعب تحديد المصدر الذي اثّر على مفكر معين. من المألوف للمرء رؤية التشابهات بين العقائد، ولكن ماعدى حالات خاصة، لا يستطيع المرء الحصول على اكثر من فرضية مقترحة. اذا كان المؤلف يعلن صراحة انه تاثر بشخص ما، فهنا سيكون بعيدا عن التخمين. لكن لسوء الحظ، المفكرين الذين ندرسهم الان نادرا ما كانوا واضحين حول مصادرهم الفكرية . ما سنعرضه هنا يطمح للمعقولية. لا وجود لتفسير تاريخي لا خلاف عليه.

 

المدرسة التاريخية الالمانية

ضمت هذه المدرسة ادولف واغنر، كارل كنيز، غوستاف شمولر بالاضافة الى آخرين. وعلى الرغم من ان معظم الناس يعتقدون ان الجماعة اقتصرت على القرن التاسع عشر لكنها في الحقيقة استمرت الى ما هو ابعد. ويرنر سمبارت وهو اهم عضو في المدرسة التاريخية توفي عام 1939. سمبارت كان مطلعا على مايسز ومعلما للودوج لاشمان. اقتصادي اخر متحمس للمدرسة التاريخية كان اوثمار سبان الذي عاش حتى عام 1951.لوقت قصير كان سبان معلما لفردريك هايك، لكن هايك طُرد لاحقا من حلقة سبان.

رؤية المدرسة التاريخية للاقتصاد تختلف ليس فقط عن المدرسة النمساوية وانما ايضا عن الاقتصاد الكلاسيكي. اعضاء الجماعة رفضوا قوانين الاقتصاد وحتى المبادئ الاساسية كقوانين العرض والطلب. هم اعتبروا الاقتصاد كموضوع تاريخي وتطبيقي.

بطريقة ما هم اعتبروا الاقتصاد علم ادارة الدولة، وهو نفس اسلوب ارسطو الذي اعتبر فيه الاقتصاد دراسة ادارة المنزل . هنا هم استمروا كتقليد للتجاريين الالمان في القرن السابع عشر والثامن عشر، وهو ما سمي بـ Cameralists.هم كانوا اقل اهتماما بالنظرية الاقتصادية منه الى تطوير قوة الدولة، خاصة الدولة البروسية، او بعد عام 1871، الامبراطورية الالمانية التي كانت فيها بروسيا جزءا اساسيا.

هذه الرؤى لا يمكن اعتبارها لاول وهلة مرتكزة على الفلسفة، مع ذلك، وكما يبدو ان التيارات الفلسفية القوية ساعدت على انتاج المذاهب المتميزة للمدرسة التاريخية.وبالاخص كان اعضاء المدرسة تأثروا الى حد ما بأهم واعظم الفلاسفة في القرن التاسع عشر وهو فردريك هيجل.

كان هيجل على اطلاع جيد في الاقتصاد. هو قرأ الاقتصاديين البريطانيين بعناية بما فيهم ادم سمث و جيمس ستيوارت. هو لم يرفض السوق، بل على عكس ذلك،  اعتقد ان الملكية والحق في الاشتراك بتبادل حر كانا من العناصر الهامة جدا للمجتمع الجيد.

اعتبر هيجل تطور السيادة شيئا ضروريا لكل فرد ضمن المجتمع. وبهذا الجانب هو لم يختلف عن عمانوئيل كانط. الفرد لكي يصبح مستقلا ذاتيا يحتاج الى الملكية، التي من خلال تطويرها تتحدد شخصيته. كذلك، هو يحتاج الى عمل القرارات. التبادل يوفر للناس الفرص التي يحتاجونها.

غير ان هيجل لا يمكن اعتباره مؤيدا للسوق الحر سواء في المعنى النمساوي الكامل التطور او في الشكل الاقل قوة لدى معظم الاقتصاديين الامريكيين. حرية التبادل تحصل ضمن المجتمع المدني، لكن المجتمع المدني يخضع لسيطرة الدولة.

في تصوره المفصل عن النظام الملائم للمجتمع، استخدم هيجل احدى اهم معتقداته الفلسفية. وهي الرؤية التي اثرت على الاتباع الرئيسيين لكانط – جوهان فتش و فردرش شيلنك بالاضافة الى هيجل. ذلك يسمى عادة بـ مذهب العلاقات الداخلية.

طبقا لهذا المبدأ، كل شيء في الوجود انما يتصل مع غيره في وحدة مترابطة. فاذا كانت هناك علاقة بين مادتين، فسوف لن تكون أي منهما نفس المادة لو تغيرت العلاقة بينهما. العلاقة تولّد خاصية اتصالية تكون جزءا من جوهر الحامل لها.

مثال للتوضيح، افرض انا لا اعرف الرئيس كندي. لو حصل لي ان التقيت به، انا سابقى نفس الفرد. كوني غير مطلع على الرئيس كندي ليس جزءا من جوهري.

المؤيدون للعلاقات الداخلية ينكرون هذا. هم يعتقدون ان جميع خاصيات الوجود هي ضرورية له. لقائي مع الرئيس كندي يؤثر على جميع خصائصي الاخرى. الفرد الذي قابل الرئيس هو فرد مختلف عن الفرد الذي لم يقابله مهما كان الاثنان متشابهين.

كذلك، علاقات كل مادة منفردة تغطي جميع الكون. كل شيء مرتبط بكل شيء اخر.

مذهب العلاقات الداخلية له نتائج هامة جدا في العلوم. طالما كل الاشياء مترابطة، فان المعرفة التامة باي شيء تتطلب المعرفة بكل الأشياء الاخرى. الطريقة المتميزة للاقتصاد تجري عبر استخدام النظريات او النماذج.هذه النظريات تدرس مجموعة معينة من العوامل بمعزل عن بقية العالم.

مناصرو مذهب العلاقات الداخلية يعتبرون هذه الطريقة غير شرعية. دراسة عوامل معينة بمعزل عن غيرها يضمن ايجاد صورة ملتبسة. بدلا من ذلك، يجب على الاقتصادي ان يكون اقرب ما يمكن للصورة الكلية لكل شيء مرتبط مع الاقتصاد.

وهكذا، يجب ان لا ينفصل الاقتصاد عن المواضيع الاخرى المرتبطة بالمجتمع. انه يجب ان يُدرس مجتمعا مع التاريخ والعلوم السياسية والاخلاق وغيرها. كل نظام اقتصادي يوجد ككيان مندغم ضمن مجتمع معين. لا وجود لقوانين عالمية للاقتصاد طالما هي تفترض مسبقا ان الاقتصاد يمكن ان يُدرس منفصلا عن بقية المجتمع. في الاغلب، قوانين الاقتصاد هي مقتصرة على انواع معينة من المجتمعات.

فكرة ان الاقتصاد هو في ترابط داخلي مع مؤسسات اجتماعية اخرى هي تطبيق لذلك الصنف من منطق هيجل:الوحدة العضوية. في الحيوان، الاجزاء تعمل بالارتباط مع اخرى، وهي تخضع لكل الاعضاء.هذه بالضبط الطريقة التي يعمل بها الاقتصاد طبقا للمدرسة التاريخية.

هيجل لم يعتقد ان الوحدة العضوية هي أعلى صنف. لكنها قد تصح قدر الامكان على العلوم. اذا كان حديثنا عن الوحدة العضوية منصبا على الاقتصاد فان هيجل طبق هذه الفكرة بشدة على مكان آخر. في دراسته المبكرة "فلسفة الطبيعة"، الجزء الثاني من الانسكلوبيديا، هو انتقد اسحق نيوتن. كانط نظر الى فيزياء نيوتن كمثال للمعرفة، ولكن بالنسبة الى هيجل، عانت نظريات نيوتن من عيوب اساسية. نيوتن ميز بشدة بين الفيزياء والمجالات الاخرى للمعرفة:نظامه اعتمد فقط على مجموعة محددة من الافتراضات. بالمقابل، اشاد هيجل بجوهانس كبلر الذي حاول جلب قوانين علم الفلك الى مطابقة مع المعتقدات الصوفية حول الارقام.

حاول هيجل عمليا تطبيق ما تعلمه في النظرية. في اطروحته للدكتوراه سعى لتوضيح ان العدد الضروري للكواكب في النظام الشمسي كان سبعة. عدد الكواكب لم يكن فقط سبعة وهو ما يتعارض مع مذهب العلاقات الداخلية. وبعد نشر الرسالة بوقت قصير، اُكتشف كوكب اخر. مع ذلك، لم يغير هيجل نظرته بان جميع العلاقات ضرورية.

لايزال هناك جزء من فلسفة هيجل يغلق الطريق امام علم الاقتصاد. علماء الاقتصاد والعلوم الاخرى يضعون القوانين، يطبقون هذه القوانين على المستقبل بالاضافة الى الماضي. مثلا، طبقا لقانون الطلب، الزيادة في الكمية المطلوبة من السلع تقود الى ارتفاع سعرها، مع بقاء الاشياء الاخرى ثابتة. القانون ينطبق ليس فقط على زيادة الطلب في الماضي وانما على الزيادة في المستقبل.

هيجل شكك بامكانية التنبؤ بالمستقبل. الفيلسوف يستطيع فقط تلخيص الماضي، هو لا يستطيع كشف التقدم المستقبلي للروح المطلقة. وكما عُرف عنه القول في مقدمة "فلسفة الحق""بوم اثينا القديمة تبسط جناحيها فقط عند حلول الظلام"، بمعنى ان الفلسفة تفهم الظروف التاريخية فقط عندما تصبح في الماضي.

قد يحاجج البعض ان هيجل ذاته، لاسيما في فلسفة الحق، حاول فعلا الوصول الى قوانين للتطور التاريخي. لهذا السبب سعى كارل بوبر للسخرية منه كـ "تاريخاني" historicist.ولكن في الحقيقة ان رؤيته للتاريخ تتفق تماما مع الشك حول المستقبل .

ان قوانين هيجل في التاريخ كنمو في الحرية كانت وصفا للماضي. هو لم يحاول التنبؤ بتطور المستقبل. لا شك ان احدا يستطيع القول ان المستقبل، مهما يكن، سيُحكم بروح العالم. ومن الصحيح ايضا ان المرحلة الاخيرة من الديالكتيك هي الفكرة المطلقة ذات الوعي الذاتي الكامل . لكن هذا لا يسمح بالطبع بالتنبؤ باتجاه او حدث معين.

التشابه هنا مع المدرسة التاريخية يبدو واضحا. سمبارت واخرون من اعضاء المدرسة التاريخية ايضا حاولوا توضيح مراحل التطور التاريخي.عملهم كان منسجما كثيرا مع رفض القوانين العالمية.

 

فرانز برينتانو Franz Brentano

وقفت المدرسة النمساوية موقفا معارضا تماما للمدرسة التاريخية الالمانية. بالنظر للاختلاف الواسع بين المدرستين في الاقتصاد، ربما يتوقع المرء اختلافات هامة في الخلفية الفلسفية. هذا في الحقيقة هو ما يمكن العثور عليه. الفيلسوف الرائد الذي اثر على كارل مينجر كان فرانز برينتانو. هو رفض بعزم راسخ فكرة العلاقات الداخلية الى جانب ما تبقى من نظام هيجل.

برينتانو الذي كان استاذا للفلسفة في جامعة فيينا خلال الشطر الاخير من القرن التاسع عشر، كان زميلا وصديقا لمينجر. برينتانو امضى حياة النضج كقس روماني كاثوليكي ولكن بعد نزاع ثيولوجي، تخلى عن الكنيسة واُجبر على الاستقالة.

ساهم تدريبه الاكاديمي في خلق اهتمام قوي لديه بارسطو.هو نظر بازدراء لكانط وهيجل معتبرا اياهما مفكرين رجعيين.المهم بالنسبة لنا هنا هو رفضه مفهوم العلاقات الداخلية.

هو لم يؤمن بان كل شيء مرتبط داخليا بكل الاشياء الاخرى وانه لا يمكن دراسة اي شيء بشكل منفصل.على عكس ذلك، هو يرى ان الذهن متميز بشكل حاد عن العالم الخارجي. ايضا، برينتانو وسع اتجاهه التحليلي التجزيئي الى الذهن نفسه. هو ميز فعل الوعي عن اشيائه.

دراسة برينتانو للذهن "السايكولوجي من وجهة نظر تجريبية"كانت من اشهر اعماله الفلسفية وشكلت مساهمة حيوية لفهم نظرية ارسطو في القيمة. برينتانو طبق في هذا العمل فكرته العامة عن الذهن على مفهوم القيمة. اتجاهه في الذهن اطاح بالفكرة السائدة عن المشترك الذهني لدى جميع الفلاسفة تقريبا منذ ديكارت. هو عارض بالذات خصائص التجريبيين البريطانيين.

فلاسفة مثل جون لوك وديفد هيوم كانوا تبسيطيين بالقول ان الافكار هي صور تتأكد في الذهن بواسطة اشياء خارجية. عند حصول الانطباعات، يوافق الذهن دون معارضة. التجريبيون اعترفوا بالقوى الفعالة للذهن بدرجة ما. ولكن لكي تعمل القوى الفعالة، كان يجب على الذهن اولا امتلاك افكار اثّرت فيه.اي، افكار فطرية.

ان عمل الذهن في التصورات، طبقا للوك وهيوم، كان اوتوماتيكيا من حيث الجوهر. اذا راى شخص شيئا معينا، فان فكرة ستدخل الى ذهنه. مختلف الافكار التي يراكمها الفرد هي مرتبطة بقوانين الارتباط. هناك مجال صغير للذهن ليعمل بطراز مستقل. في الحقيقة، هيوم انكر وجود فكرة منفصلة للذات:كل ما يمكن تحديده هو تيار من التصورات.

برينتانو رفض كليا الموقف اعلاه. "افكار" التجريبيين لا تشير في الحقيقة لفعاليات ذهنية: بل، الى المدى الذي توجد فيه، انها كانت اشياء لنشاط الذهن.على سبيل المثال، انا افكر بالكرسي، عملي الذهني هو ليس صورة للكرسي موجودة في ذهني. ما يقوم به ذهني هو التفكير بالشيء. التفكير هو فعل، "عمل" ذهني، كما كان دائما. عبّر برينتانو عن العمل الذهني بالقصدية intentionality: في شعاره الشهير القصدية هي "علامة العقل".

 

مينجر وبوم بارك Menger and Bohm-Bawerk

طبق مينجر مفهوم القصدية على القيمة الاقتصادية. هو لم يعتبر القيمة شعور بالمتعة او الألم ياتي لذهن المرء اوتوماتيكيا عند تصور الاشياء.على عكس ذلك تماما، التفضيل في نظام مينجر هو حكم:انا احب(س) (او اكره س). الحكم في الموضوع هو فعل التفضيل:مثلما قصدية الفكر تقبض على الشيء، كذلك حكم التفضيل "يتجه"نحو غاية. وبتعبير مختلف قليلا، لكي تفضل شيء ما هو ان تقيمه او تضعه في ميزان القيمة.

بالمقابل، وليم ستانلي جيفوس كانت لديه فكرة مختلفة كليا للقيمة. هو ساوى القيمة بالمنفعة او المتعة، مقاسة بالوحدات. هو اعتقد ان الشيء يخلق عدد معين من وحدات المتعة في ذهن الانسان حينما يحصل اتصال ملائم معه . شخص من هذا النوع لا يمارس اي نوع من التقييم.

لم يكن مينجر المفكر النمساوي الوحيد الذي تأثر بالفلسفة. المناصر له بوم بارك ايضا عرض افكارا فلسفية في اعماله.كما مينجر، هو رفض موقف المدرسة التاريخية القائل بعدم وجود قوانين اقتصادية صالحة عالميا. في مقال هام له بعنوان "السيطرة ام القوانين الاقتصادية"، انتقد الادّعاء بان الدولة لديها المقدرة على ضمان الازدهار الاقتصادي دون اعتبار للقوانين الاقتصادية.في موقفه هذا يكون رفض ضمنا القول بان جميع العلاقات داخلية. هذه الرؤية كما لاحظنا سلفا تحبط امكانية القوانين العلمية.

بوم بارك تاثر بفيلسوف القرون الوسطى وليم اوكام.السؤال هنا هو ان المفاهيم بحاجة لتعقّبها الى اصولها في التصور، او مصدرها النهائي. اذا كان هيجل، مثلا، يشير الى الروح المطلقة، فان المحلل وفق تقاليد بوم بارك سوف يسأل:من اين جاءت هذه الفكرة؟هل يمكن للمرء توضيح كيف وصلت من التجربة عبر التجريد؟اذا لم يستطع، فان المفهوم يجب ان يُرفض باعتباره لا معنى له.

بوم لا يؤمن بان كل مفهوم يجب ان يشير مباشرة لشيء ما متصور بالحواس.مصدره اوكام لم يقل بذلك ابدا، طالما ان الله غير متصور واوكام كان مسيحيا روحانيا.بل ان الموقف اكثر تحديدا.المفاهيم التي لا تشير لشيء ما متصور يجب اشتقاقها من مفاهيم لأشياء متصورة.

باستخدام هذه الطريقة من التحليل، يكون بوم بارك قد حطم جهود المدرسة التاريخية في وصف روح العصر وفي اقتراح "قوانين" خاصة بثقافات معينة. هدف بوم في التحليل كان عمليا. هو رغب بمعرفة اي استخدام علمي يمكن توظيفه للمفاهيم.بهذه الطريقة، مع انها ليست ضمن اطار فلسفي، تكون اجراءاته مشابهة للبحث في الفلسفة الحديثة للعلوم عن تعريفات عملية. بوم انتقد الاقتصاد الماركسي، هو اعتبر ماركس غير قادر على توضيح اسعار الانتاج عبر استعمال اسعار العمل. هو انتقد في الواقع كل جملة في اشتقاق ماركس لنظرية القيمة.

حتى الآن وصفنا الطريقة التي اثّرت بها الافكار الفلسفية على تعامل مينجر وبوم مع مختلف قضايا النظرية الاقتصادية. لكن الفلسفة اثّرت عليهما في قضايا واسعة ايضا. الرؤية النمساوية للطريقة في الاقتصاد تكشف عن معتقدات فلسفية متميزة.

كل من مينجر وبوم اكدا كثيرا على سلوك الفرد فقط، وهو الموقف الذي وضعهما مرة اخرى في تضاد مع المدرسة التاريخية واصولها الهيجلية.طبقا لمبدأ الفردية الميثدولوجية فان الدول والطبقات والوجودات الجمعية الاخرى يمكن اختزالها الى الافراد في علاقتهم مع بعضهم. اقوال مثل "فرنسا اعلنت الحرب على المانيا عام 1870 هي اختصار لأقوال حول افراد معينين.

مع ذلك، في اواخر القرن التاسع عشر لم تؤخذ هذه المسألة كمسلمة . المدرسة التاريخية رفضت الفردية الميثدولوجية والتحقت بمعارضتها هذه مع اشهر مؤرخ الماني في تلك الفترة وهو Otto von Gierke. وحتى في فترات لاحقة نجد الاقتصادي النمساوي Othmar Spann اعتنق رؤية كلية مشابهة.

سبان، اعتقد ان اعتبار الافراد كفاعلين منفصلين هو امر سخيف . الافراد يوجدون في علاقات تشكل شخصياتهم. يجب النظر الى هذه العلاقات ككل غير قابل لتحليل اخر. بعض الاقتصاديين اليوم يؤمنون بهذه الرؤية.

ماهي الجذور الفلسفية للفردية الميثدولوجية؟ هنا يجب العودة الى ارسطو في The Nicomachean Ethics حين أكّد على فعل الانسان الفردي.

 The philosophical origins of Austrian Economics, Mises Institute, 17.6.2006

 

حاتم حميد محسن

 

في المثقف اليوم