أقلام فكرية

مقدمات لـ "فهم الفلسفة السياسية" (4)

علي رسول الربيعييرى بعض الفلاسفة (على سبيل المثال مايكل وايت في" الفلسفة السياسية: مقدمة تاريخية") أن يجب أن تكون الفلسفة السياسية متأصلة معيارياً في الأنثروبولوجيا. بعبارة أخرى، يجب أن يكون هناك اتفاق في الرأي (أو على الأقل تبرير عقلاني) حول قيمة الحياة البشرية والغرض منها. فبدون ذلك، لن يكون هناك أساس متين للأفكار السياسية. ولا يرى فلاسفة آخرون ذلك ضرورياً. قد ترغب أن تتبنى  وجهة نظرك الشخصية بعدما تنظر في الحجج المختلفة.

التبرير ، وليس مجرد التوضيح

ويرى البعض أن المهمة الرئيسية للفلسفة هي توضيح المفاهيم. هذا يعني أن مهمة الفلسفة هي أن ننظر إلى الأفكار الرئيسية في النقاش السياسي- الحرية والحقوق والعدالة والديمقراطية، وذلك لدراسة مالمقصود بها حقا، وكيفية ارتباط بعضها بالبعض الآخر. هذا النوع من الفلسفة التي تصفّي الذهن ولكنها ليست بالضرورة أن تستطيع تغيير العالم.

ولكن هناك تقليد آخر للفلسفة السياسية. فقد أعلن ماركس الشهير أنه يريد تغيير العالم وليس  مجرد تفسيره، وقد أثّر على العديد من فلاسفة السياسة الآخرين على مدار التاريخ. كانت كتابات روسو ذات تأثير عظيم على الثورة الفرنسية وكذلك تاثير جون لوك على بيان الاستقلال الأمريكي. وقد قرأ عمل نيتشه  كل من موسوليني وهتلر (ومن المحزن أنهما أساءا استخدامه)، وكانت الأفكار الاشتراكية وراء إنشاء دولة الرفاهية والخدمات الصحية في بريطانيا مثلاً. وحتى وقت قريب، أثّرت آراء المحافظين الجدد في الولايات المتحدة في جملة أمور مثل السياسة الخارجية الأمريكية وخصوصاً فيما يتعلق بالشرق الأوسط والحرب في العراق. فالمناقشات حول الإرهاب وكيفية مقاومته لا تتعلق بالكلمات فحسب، بل تكتسب أهمية بالغة من حيث الأمن وحقوق الإنسان. وبالتالي، لاتحتاج المفاهيم السياسية التوضيح فقط ولكنها أيضاً بحاجة إلى اختبارها والمطالبة بها أو التصدي لها والأعتراض عليها وأن يتم تحدّيها.

إذن فإنها أفكار سياسية قوية؛ ولكن هل هي صحيحة؟ اما الطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك الذي تحتاجه المفاهيم السياسية التي ذكرناها أعلاه  يأتي من خلال إلقاء نظرة على مرحلتين ولكن قبل كل شئ لابد من ايضاح: ما الذى نعنيه بالعدل والانصاف والمساواة أو الديمقراطية، ثانياً، يجب أن يكون لها ما يبررها: فعلى أيً أساس يمكن  الحكم على نزاهة هذا النظام السياسي أو ذاك؟ وعلى أى أساس يمكن أن يتم تبرير اتخاذ إجراء عسكري؟

ولذلك، فإن الفلسفة السياسية شأنها شأن الأخلاق تعنى بالطابع العملي. وهي تعالج المسائل التي تهم الجميع مباشرة وتمتحن الأفكار - من ناحية الخير أو الشر- التي أثرت على حياة أجيال بأكملها. عندما تحصل بعض الأحداث المصيرية – مثل الحروب ،الأزمة الاقتصادية، تهديد عالمي، موجة من الهجمات الإرهابية – فمن الطبيعي أن يتم طرح أسئلة جوهرية حول كيف ينبغي أن نتعامل مع مثل هذه الأمور. فالسياسيون مطالبون بإيجاد إجابات وتنفيذها، ولكنهم بحاجة ايضاً إلى أن يسترشدوا بالمبادئ المتعلقة بكيفية عيشنا وكيف ينبغي أن يُحكم المجتمع. لذا فالظروف تطرح دائما أسئلة جديدة حول الفلسفة السياسية.

 

الدّكتور عليّ رسول الرّبيعيّ

 

في المثقف اليوم