أقلام فكرية

نوزك: نظرية اليوتوبيا في"الفوضى، الدولة، واليوتوبيا"

علي رسول الربيعيإن الفيلسوف المعاصر الذي يختار العمل ضمن تقليد الحقوق الطبيعية يحتاج لان يفسر استعمال مصطلحاتها ويوضح مصدرها، وان يتعاطى مع أسئلة إبستيمولوجية متنوعة. كيف لنا ان نعرف ما هي الحقوق التي يملكها الناس؟ ما هو نوع الادلة التي تبرر لنا الاعتقاد بان للناس حقوق معينة وليس لهم الحق في امور اخرى؟[1] (شيفلر)

سنقدم عرضاً لمخطط نوزك المفاهيمي لنظرية اليوتوبيا، لكن دون التطرق للعلاقة بين هذه النظرية وبقية الحجج التي يسوقها في الجزئين الأول والثاني من كتابه:[2] الفوضى،الدولة، واليوتوبيا[3]. فلا تقدم هذه الدراسة شرحا أو تفسيرا لفلسفة نوزك السياسية. إن هدفنا الأساس هو دراسة الوسائل المنهجية التي استعملها نوزك لبناء نظرية اليوتوبيا تحديدا. وعليه ستكون محاججتنا هنا على النحو التالي: سنعرض الوسائل التي وضعها نوزك لبناء نظرية اليوتوبيا، ثم الإطار التنظيمي لليوتوبيات، واليوتوبيات التي تم تعينها، وأخير سنقدم بعض الأنتقادات لنظرية اليوتوبيا هذه.

منهجية نظرية اليوتوبيا

يبدا نقاش نظرية اليوتوبيا بوصفها نظرية قائمة بذاتها، عندما يواجهنا غموض فكرة " أفضل عالم ممكن ". فهذه الفكرة طبقا لنوزك، تنطوي بذاتها على فكرتين مختلفين، فهي تشير مرة الى أن "أفضل عالم ممكن " هو نوع من العالم يعطي افضل نتيجة ممكنة، ومرة الى عالم مُتخيل وفقا لأفضل مبادئ التنظيم والتصميم الموؤسساتي[4].

ينطوي المعنى الاول لهذه الفكرة على مبدأ نهاية الدولة، الذي يبرر أي تدخل أو قيود على حياة الأفراد. يرفض نوزك هذا المبدأ، لذا فإن المعنى الذي يختاره هو عالم مُتخيًل وفقاً لأفضل مبادئ التصميم المؤسساتي؛ وهذا الأختيار يقوم على أعتبار أن هناك ناس مختلفون[5]، يعيشون تعقيدات كثيرة [6] ويملكون حرية فردية. [7]

تركز نظرية اليوتوبيا عند نوزك على فكرة أن أفضل عالم ممكن هو الذي يضع أفضل مبادئ التصميم الموؤسساتي. ومن هذا الموقع أهتمت نظريته بالخصائص العامة لما يجب أن يكون عليه العالم من أجل إعتباره عالماً أفضل، أما تفاصيل هذا العالم اليوتوبي فلم تشكل مدار أهتمام نوزك كثيرا[8]. وهنا نريد أن نشير الى أن استعمال نوزك لمصطلح اليوتوبيا ينتابه بعض الغموض، أذ يستعمله مرة ليدل على نظرية اليوتوبيا ومرة أخرى يدل على البنى التفصيلية للعالم اليوتوبي، لذا سوف نستعمل مصطلح "الميتا- يوتوبيا" لتسمية نظريتة العامة لليوتوبيا التي تتعلق بوضع افضل مبادئ التنظيم والتصميم المؤسساتي[9].

تتألف الميتا- اليوتوبيا من جزأين؛ يعتمد الاول على وسيلة نظرية ميزتها الأهتمام بالخصائص العامة التي ضرورة ان تستوفيها العوالم اليوتوبية التي تم تعينها (أو تحديدها أو أختيارها من خلال وسائل التصفية " الفلترة") من بين خيارات عديدة، فيما يعتمد الثاني على وسيلة نظرية أخرى وظيفتها تاسيس أطار تنظيمي (framework)[10] يمكن ان تتطور به تلك العوالم اليوتوبية التي تم تعينها بعد المرور بعملية الأنتقاء والتصفية تلك. [11]

وسائل اليوتوبيا

يتم بناء اليوتوبيا، [12] أما عن طريق استعمال وسائل التنظيم أو التصميم، أوسائل التصفية والتنقية (الفلترة) من بين الخيارات المطروحة. تقدم وسائل التصميم بناءً ووصفا لليوتوبيا يبدأ من الصفر. والحجة التي تبرر أستعمال هذه الوسيلة هي ان هناك تعقيدات كثيرة في حياة البشر وتعقد أنظمة الموؤسسات وعلاقاتها، بالإضافة الى تعقد أفعال وسلوكيات الكثير من الناس، وعليه فمن غير المحتمل، حتى لو كان هناك نموذج مثالي للمجتمع يمكننا الوصول اليه بشكل مسبق.[13]

وبالألتفات الى وسائل التصفية، فهي تعني عملية الغاء وتشذيب مجموعة كبيرة من الخيارات أو البدائل المطروحة. [14]وتؤخذ هذه الخيارات من مصدرين، الأول، من ما هو ناتج عن معارفنا السابقة وخبراتنا المتراكمة [15] بينما ينتج الثاني من وسائل التصميم، [16]وعموما عمليًة تصفية الخيارات والأنتقاء من ما بينها التي تم أخذها من هذين المصدرين قد تكون ثابته أو مرنة. فعملية التصفية الثابته تستبعد دائماً البدائل أو الخيارات وفقا لمعيار ثابت لديها، بصرف النظر عن عمليات التصفية السابقة التي قد شكلت مجموعة من البدائل التي تم تطبيقها على عمليات التصفية تلك. بينما عملية التصفية أو الأنتقاء المرنة فهيً ذات طبيعة حيوية، أي انها تُغيـًر معايير التصفية وفقاً للنتائج السابقة وللمتطلبات التي يمكن أن تنشأ لاحقا. [17]وهذا ما جعل نوزك يفضل هذا النوع الأخير من التصفية وللأسباب التالية:

أولا، تأتي أفضلية وسائل التصفية على وسائل التصميم، لأنها لا تتطلب الا معرفة أقل لتعطي وصف عام مناسب لأفضل عالم ممكن، بما في ذلك معرفة ما هو مرغوب فيه.[18].

ثانيا، أن وسيلة التصفية المرنة التي" تعتمد على قرارات الناس لها أفضلية ومزايا أكثر من تلك التي تعمل بصورة تلقائية، لأنها تعطينا القدرة على أن نصوغ وبشكل واضح المبادئ التي تعالج مقدما كل التعقيدات والمواقف المتنوعة التي قد تواجهنا.[19]

ثالثا، إن الإستعمال البسيط لوسائل التصميم والوسائل الثابته للتصفية تخالطها شُبة أنها قد تتضمن مبدأ نهاية الدولة. [20]

أما فيما يتعلق بوسيلة التصفية المرنة فقد يُطرح السؤال، هنا، عن طبيعة التصفية المُثلى، فرغم أن الحجة السابقة تأتي لصالح وسيلة التصفية المرنة من بين وسائل التصفية الأخرى، الاً أنه لا يمكن أعتبارها الاً خطوة أولى بأتجاه وسيلة التصفية الأمث، لذلك لابد من تمحيص الجوانب التفصيليًة لها [21] والتي يمكن تسميتها هنا بـ " ابستيمولوجيا التصفية "؛ وسأشير اليها بما يلي :

أولا : ينبغي لفت الانتباه إلى الخصائص التي يتم اختيارها كمعيار لوسيلة التصفية. فأختيار هذا المعيار يتطلب بذاته ايضا عملية تصفية من نوع آخر، وكذلك تتطلب بعض القيود الإبستيمولوجية

ثانيا: تنتج عمليًة التصفية التي مجموعة من الخيارات تتطلب بدورها تدقيق وتحليل إبيستمولوجي.[22]

الا أن نوزك لم يتطرق الى هذين الجانبين في سياق حديثه عن اليوتوبيا، لذلك أفترض ان الجزئين الاولين من كتابه - المذكور - يتضمنان تطبيقات تتعلق بعملية التصفية هذه؛ وعليه فالمعايير الإبستيمولوجية للتصفية ومجموعة الخيارات يمكن أن تُستخلص من هناك.

الإطار التنظيمي لليوتوبيات. (framework)

يعني الإطار التنظيمي اليوتوبيات [23] مشروع وفكرة متصورة في العالم الفعلي عن الميتا- يوتوبيا؛ بينما الميتا- اليوتوبيا هيً أفضل عالم مُتخيًل لليوتوبيات التي تم صفيتها وتعينها، فالإطار التنظيمي هو أفضل تحقيق ممكن للميتا – يوتوبيا يقدم صورة عن خصائص العالم الواقعي، فالمعنى الذي يستعمله نوزك لمفهوم الإطار التنظيمي [24] هو الشرط المسبق والضروري لعالمنا من أجل تحقيق يوتوبيات معينة مختلفة في العالم الفعلي.[25] وهو يعادل مفهوم دولة الحد الأدنى،[26] أنه المكان الذي يمكن أن تنشأ فيه اليوتوبيات المعينة، ويشتمل دوره على إعتباره وسيلة تنقية ايضا.ً[27] أيً يُستعمل كوسيلة تنقية لاستخراج مجموعة من بدائل أو خيارات لليوتوبيا المعينة[28]، وسيلة، يعدها نوزك، عمليًة وملائمة لأوضاع العالم الواقعي. [29]

وعلى هذا الأساس نجد بين الميتا- اليوتوبيا والعالم الفعلي (الواقعي) الأختلافات البارزة التالية:ـ هناك في الميتا- يوتوبيا مجتمعات متنوعة لايوجد بها أستغلال، ويوجد ما يكفي من الناس الذين يرغبون العيش بها، بينما في العالم الفعلي لا يمكننا نجد كل الناس الذين نرغب بالاقامة والعيش معهم. تؤثر المجتمعات بعضها على بعض في العالم الفعلي – الواقعي. هناك في العالم الفعلي تكلفة للحصول على المعلومات التي تمكن الشخص من معرفة أي من المجتمعات الأخرى تكون مناسبة للإقامة بها. لا يمكن ضمان حرية التنقل ولا الحصول على المعلومات دائما ـ في العالم الفعلي.[30]لأنه لا يمكن بأي وسيلة توفير كل القيم المتوقعة والمطلوبة لأكثر من شخص واحد؛ ربما علينا أن ننتهك عمدا بعض الشروط التي يمكنها توفير الرضى أو الأشباع من أجل اجراء تعويض أو تسوية عن إنتهاك بعض الاعتبارات الأخرى".[31]

إذا نحينا جانباً الأختلافات بين الإطار التنظيمي والميتا- يوتوبيا، فلابد من الإشارة الى أن منطق اليوتوبيا - الذي يجعل التجربة اليوتوبية ممكنة – لا يلزم عنه أن هناك رابط بنيوي دائم بين شكل الإطار التنظيمي والعوالم اليوتوبية المُعينة، اي، إذا كان الإطار التنظيمي يمتلك ميزة السماح بحق معين (مثلا لك حق الحصرية الملكية لثروتك) هذا لا يدل على أن كل اليوتوبيات المُعينة تحوز الميزة نفسها؛ فهناك بعض القيود التي تحكم شروط التوافق والأنسجام بين الإطار التنظيمي واليوتوبيات المعينة. وتلك هي أنً اليتوبيات المُعينة تقوم بالتحكم بمبادئ الإطار الذي يَمنع على سبيل المثال، اليوتوبيات الإمبريالية أو يوتوبيات القوة التي تهدف الى الهيمنة على اليوتوبيات المعينة الأخرى.[32]

يمتلك الإطار التنظيمي ميزتين تختلف عن اي نوع آخر يصف اليوتوبيا[33]: الأول، سيكون مقبولا من قبل كل فرد من اليوتوبيا مهما كانت رؤيته الخاصة في مرحلة ما في المستقبل. الثاني، يتوافق هذا الإطار التنظيمي مع تحقيق جميع رؤى افراد اليوتوبيا المعينة تقريباً ".[34] أيً؛ سيكون من الأفضل التحقيق الواقعي لهذا الإطار التنظيمي من تحقيق اي بدائل اخرى حتى لو كانت هذه البدائل أو الخيارات اقرب في طريقة اشتقاقها من نموذج العوالم الممكنة.[35] بعبارة أخرى، يُعتبر تحقيق هذا الإطار افضل من تحقيق بدائل أكثر قربا في اشتقاقها من نموذج العوالم الممكنة.[36]

أن السؤال الذي يُطرح حول هذه النقطة: كيف يمكن التأكد من أن هذا الوصف هو الأفضل ليوتوبيا الإطار التنظيمي، وماهي الطرق أو العمليًات التي تُطمئن أن مشروع وتصور الميتا- يوتوبيا هذا هو أفضل مشروع وتصور ممكن؟ يكمن الجواب في أن الإطار التنظيمي نفسه والذي يعتبر جزءا من النظرية العامة للميتا – يوتوبيا، هو نتيجة وحاصل تطبيق الوسائل اليوتوبية هذه. وبتحديد أكثر، ياتي نتيجة لعملية تصفية مجموعة من البدائل أو الخيارات للتوصل إلى تسوية إجتماعية من شأنها أن تضمن إمكانية وجود يوتوبيات معينة متفق عليها.[37] وعلى هذا الأساس تبنى نوزك ثلاثة معايير مختلفة للتصفية؛ وهي معيار الحرية الفردية، ومعيار طبيعة الاختلاف الفعلي بين الناس،[38] بالإضافة الى معيار التعقيد في حياة وظروف الناس.[39] وهنا لابد من الإشارة الى إن عملية التصفية التي تستخدم هذه المعايير قد تم تطوير معظمها في الجزء الأول من الكتاب (وهي ليست موضوع هذه الدراسة)، لذا لن أدخل في تفاصيلها وأكتفي بها عند هذه المرحلة.

اليوتوبيات المُعينة

تُعتبر اليوتوبيا المعينة – أيً التي تم اختيارها من بين اليوتوبيات الأخرى من خلال عمليًة التصفية - هيً تخيًل عالم ممكن في حقل الميتا – يوتوبيا؛ فكما أن الميتا- يوتوبيا قد تكون خطة وتصورة عن العالم الفعلي فأن اليوتوبيات المُعينة هي بدورها يمكن أن تكون خطة ومشروع مُتصور عن العالم الفعلي أيضا. وبناءً عليه يمكن القول أن اليوتوبيات التي تم تعينها أو إختيارها هي عبارة عن تخيًل عوالم ممكنة داخل حقل الإطار التنظيمي. وكما لاحظنا سابقا، فأن نوزك يستعمل الإطار التنظيمي كوسيلة تصفية لإستخلاص البدائل أو الخيارات من بين مجموعة من اليوتوبيات الممكنة، تلك التي تكون عمليًة وملائمة لأوضاع العالم الفعلي. وبالتالي، يمكن توقع الأختلاف بين يوتوبيات ممكنة داخل الميتا- يوتوبيا، واخرى ممكنة داخل الإطار التنظيمي؛ لكن نوزك لم يوضح الآثار المترتبة على هكذا تمييز، لذا سيتناول النقاش اللاحق اليوتوبيات المُعينة كيوتوبيات لها تنوع متفرد. [40]

بما أن منطق نظرية اليوتوبيا، يتمثل دوره في تبرير إمكانية وجود اليوتوبيات المعينة، فعلى هذه اليوتوبيات أن تكون ذلك العالم الذي يمكن للمرء أن يتركه أو ينضم إليه بإرادته؛[41]ويستعمل نوزك هنا مصطلحا مكافأ لهذا العالم الا وهو "الإتحاد المجتمعي."[42]وضماناً لتلك النتيجة، يمكننا استعمال ما يمكن تسميته بـ " القيد الإبستيمولوجي لليوتوبيا المعينة" وهو أن كل كائن عقلاني يمكن تخيًله في هذا العالم يمتلك الحقوق نفسها كما يمتلكها الآخرون في تخيًل لعالم ممكن للإقامة فيه. اما بالنسبة لسكان العالم الاخرين الذين يمكن تخيًلهم فلهم حرية الأختيار بين البقاء في العالم الذي تم إنشاؤه لأجلهم أو تركه والاقامة في عالم من تخيلهم الذاتي.[43]لذلك، حتى يكون لمناقشة اليوتوبيا مغزى يصبح التقييد الإبستيمولوجي لليوتوبيا المُعينة متطلب ضروري لحرية الأشخاص .

نتيجة ذلك، ستظهر بعض اليوتوبيا المُعينة وسيختفي بعضها الآخر لعدم وجود عدد كاف من السكان يقيمون فيها. تُمثل ديناميكية اليوتوبيا المُعينة عمليًة تصفية، "منافسة بين يوتوبيات مُعينة. وعلى الرغم من أن زوال يوتوبيا معينة يُعتبر عملية مهمة، الا أن نوزك لم يقدم لنا معيارا محددا يمكننا من خلاله أن نقرر فيما إذا كان إعتماد معيارعدد السكان يعتبر كافياً أم لا للحفاظ على اليوتوبيا المُعينة. رغم هذا النقص، إلا أنه يمكن وصف المنافسة بين عدة يوتوبيا معينة من الناحية النظرية كما يلي: "إن قرارك في البقاء في الإتحاد الذي تم أُنشأؤه من قبلي ونرمز له بمجموعة 1 A أو في حال إنشاء إتحاد آخر مجموعة 1A "، ايً انت تنتمي إلى إتحاد آخر وهو مجموعة 1A لكني لا انتمي إلى نفس اتحادك ومجموعت، إذاً، يُعتبر القرار نفسه فيما إذا كان اي اتحاد منهما سيقبلني كعضو جديد في إتحاد مجموعة1 A " الذي انت تنتمي بالفعل إليه. لذلك، إن النقطة الحاسمة التي تحدد القرار في كل حالة هي نفسها؛ بمعنى، هل وضعيتك معي في نفس الإتحاد تكون أفضل بوجودي او بعدم وجودي. '' يمكن وصف خسارة او مكسب الإتحاد الذي يقبل إنضمام فرد واحد لإتحاد معين بالصيغة التالية: إن المنفعة التي يمكن ان يكسبها الإتحاد من خلال قبوله إنضمامي اليه يجب أن تكون أكبر من المنفعة التي يمكن ان يكسبها من عدم قبولي للإنضمام اليه . لذاً، ان الإنضمام الى المجموعة (s) T U يُعتبر منفعة لمجموعة T من اجل قبول إنضمام مجموعة S (مجموعة T وS يمكن أن يكونا إتحاد أو فردا)، وصيغة القبول هي UA (قبول الفردي X) ≥ UA (باستثناء الفرد X)، في حين أن صيغة الانضمام هي UX (بالتعاون مع A)) ≥ UX بالتعاون مع B) . تعني هذه الصيغة ان الفرد يُساهم بالحد الأدنى عند إنضمامه الى الإتحاد، وهذه المساهمة تصبح مثل سوق العرض والطلب[44] ونتيجة ذلك تصبح الوسيلة المنهجية المستخدمة لوصف التنافس بين اليوتوبيات مماثلة لوسيلة تنافس السوق. أما بالنسبة للأفراد، الذين يُعتبرون موضوع منافسة، ويشكلون مجموعة غير متجانسة، فإن هذا السوق يمكنه ان يستخدم فقط حقوق الملكية الفردية كشرط اولي واساسي . وان تكون حقوق الملكية حقوق ملكية حصرية، لأنه إذا كانت حقوق الملكية مقيدة، فإن هذا سيشكل أنتهاكا لحرية الأفراد في الاختيار بين اليوتوبيا المختلفة.

طبقا لقيود السوق فقد تترب نتائج على هذه المنافسة – والتي تعتبر عمليًة تصفية - بين اليوتوبيا المعينة " نحن لا نحتاج إلى الاخذ في عين الإعتبار أن المجموعة G تُمثل كل عضو من مجموعة X وبالتالي من مجموعة G، وG- [ X] تُعطي قيمة لوجود مجموعة X أكثر من أي مجموعة أخرى من الممكن أن تُعطي قيمة لوجود مجموعة s X ‘ . نحتاج فقط للأخذ في عين الإعتبار ان مجموعات G تُمثل كل عضو من مجموعة X وبالتالي من مجموعة G، فمجموعة ] G- [ X تُعطي قيمة لوجود مجموعة X أكثر من أي مجموعة أخرى مستقرة وممكنة من الناس التي سوف تُقدر وجود مجموعة X’s ".[45] لذلك، فإن نتيجة عملية تصفية المنافسة بين اليوتوبيات المعينة تشكل مجموعة من اليوتوبيا المستقرة.

إن تعريف اليوتوبيا(المعينة) المستقرة " أذا كان هناك عوالم مستقرة يتميز كل عالم منها بمواصفات تلبي غالبية الحاجات المطلوبة منه (...)، أي، لا يمكن لأي شخص من سكان العالم ان يتخيلوا العيش في عالم بديل افضل من الذي يعيشون فيه والذي (يعتقدون) سيستمر قائماً طالما كل سكانه الذين يفكرون بنفس المنطق العقلاني يتمتعون بنفس حقوق التخيل والهجرة. [ ... ] أذن فإن الشرط لقيام إتحادات مستقر: اذا A مجموعة من الأشخاص في اتحاد مستقر أذن ليس هناك فرع لمجموعة S من مجموعة A بحيث ان كل عضو من أعضاء مجموعة S يُعتبر أفضل حالا في إتحاد يتألف فقط من أعضاء مجموعة S من ان يكون في مجموعة A. . في حال إنشاء وكأنه أذا لم يكن موجودا مجموعة فرعية S، فإن اعضائها سوف ينفصلون من مجموعة A، لإنشاء إتحاد خاص بهم " . وفي هذا السياق"،[46] يُطلق على نظرية ابستيمولوجيا تخيًل يوتوبيا مستقرة إسم" نظرية شرط الجبرية "، وهي كالتالي :

" من أجل تجنب فوضى وصف القيود طبقاً لتخيًل الناس، نفرض القيود التالية: (اولاً) لا يمكن منطقياً تخيل عالم بحيث أن معظم سكانه (أو واحداً منهم) (أو عدد غير محدد) يريدون العيش فيه أو (ثانياً) أن معظم سكانه (أو واحداً منهم) (او عدد غير محدد) يريدون بعبارة واحدة العيش مع (نوع) شخص معين، ويفرض ما يقوله ويفعله، وهلم جراً [ الشخص الذي يتخيل الأشخاص والعالم الممكن ] " . هذا ما يسمى بالشرط المنطقي.

ب) كذلك، إن المرء الذي يتخيل عالماً ما بإمكانه معرفة أن الأشخاص الذين يتخيلهم سوف يمتثلون لسبب معين، وبالتالي" (اولاً) يبدو من الأفضل إضافة قيد إضافي ان المتخيل قد لا يستطيع وصف الناس والعالم لأنه يعلم سببياً ان معظم سكانه (أو واحداً منهم) (او عدد غير محدد) يريدون العيش فيه أو (ثانياً) أن معظم سكانه (أو واحداً منهم) (او عدد غير محدد) يريدون بعبارة واحدة العيش مع (نوع) شخص معين، ويفرض ما يقوله ويفعله، وهلم جراً [ الشخص الذي يتخيل الأشخاص والعالم الممكن ] . إن ما يعرفه المرء فقط يتطلب ما قد يُستبعد . اذا، سيكون من الصعب جدا عدم الحاجة لشيء من هذا القبيل لمتابعة وصف الُتُخيل. إذا كان المرء لا يعلم شيئاً، فبالتالي لا يمكنه استغلاله " وهو ما يعرف بشرط السببية .

ج) قيود المجموعة B : " ان المتخيل للعالم لا يمكنه تصميم أشخاص آخرين من اجل دعم وضعه الخاص، لكنه قد يتخيل اشخاص آخرين يقبلون ببعض المبادئ العامة. (هذه المبادئ العامة يمكن ان تدعم وضعه)."[47]

د) يجب تحديدعدد السكان بعدد معين، بصرف النظر عن عدد الأفراد الذين يقررون مغادرة العالم الذي اختاروه لأسباب محض اقتصادية :" ومن المعلوم انه في مبدأ سوق العرض والطلب المتواصل يكون السعرغير محدد نظرياً ".[48]

هـ) ينطبق هذا الشرط على حالة الإطار التنظيمي: يختلف الانضمام إلى اتحاد جديد عن مغادرة إتحاد آخر بعد ان يكون المرء قد عاش فيه لفترة طويلة، وقام بتعديلات على الإتحاد المجتمعي المُتخيل او القائم سابقاً،(المغادرة يمكن ان تسبب الألم ودفع تكاليف معينة)، فإن ذلك يقتضي تقديم تعويضات للمتضررين من هذه التعديلات. يُمكن تضمين هذه التعويضات عن طريق ذكرها بشروط صريحة في الإتفاق لدى إنضمام الأفراد في إتحاد ما.[49]

يعترف نوزك بإن هذه الحجج غير كافية نظريا لإثبات أمكانية وجود يوتوبيات معينة مستقرة. وأحد الحلول يأتي من إضعاف هامش صيغة المنفعة: "تتطور إمكانيات وجود الإتحادات المستقرة عندما ندرك قوة افتراض أن ما تلقاه كل شخص هو فقط ما تخلى عنه الآخرون. فقد يعطي العالم لشخصاً ما شيئا يُعتبر بالنسبة له ذو قيمة أكثر من قيمته لدى الآخرين الذين من اجله تخلوا عنه"، [50] لكن إضعاف هامش صيغة المنفعة هذا يبقى غير قادر على إثبات أن وسيلة التصفية ستنتج ضوروة يوتوبيات معينة مستقرة.

نقد اليوتوبيا

هناك نقدان فقط يستحقان الأهتمام فيهما [51]حول نظرية لليوتوبيا من وجهة نظر نوزك. الأول يعتبر بنية اليوتوبيا ثابته، والثاني يعتبر بنية اليوتوبيا تتجاهل المشاكل العملية التي يمكن أن تنشأ من وجود نظريات الحد الأقصى.

أن السبب الذي يجعل من بناء اليوتوبيا بناءً ثابتا يعود الى المفارقتين التاليتين: إما ان التغيير سيأتي بشئ افضل، مما يؤدي ان تكون اليوتوبيا التي حصل بها التغير في حالة تناقض ذاتي (لأنه من خلال التعريف كان من المفترض أن تكون أفضل واحدة ممكنة)، أو ان التغيير سيأتي بشئ أسوأ من ذلك، وهنا لابد من رفضه طبقا لمعنى مفهوم اليوتوبيا ذاته.[52] لكن الأعتراض على هذا النقد يأتي من أنه ينطبق في الأعم الأغلب على حالة التوصيفات التفصيلية لليوتوبيا المعينة، وأن نوزك يأخذه بنظر الإعتبار فيما يتعلق بالإطار التنظيمي والميتا- يوتوبيا أيضا عندما يخلص الإطار التنظيمي من معيار الحرية الفردية تدريجيا (وهو ما يُعرف بافتراض دوتوكفيل (Tocqueville)، فيسلم بأن الإطار التنظيمي (و ربما نظريته للميتا- يوتوبيا ايضا) يفرض بعض القيود الثابته، والتي يمكن أن نوضحها من خلال السؤال المقارن، الذي لطالما يُطرح في هذا السياق، وهو هل الإطار التنظيمي ذاك يسمح للفرد – مثلا – أن يبيع نفسه؟ أتصور ذلك ممكن على قاعدة، يحق للفرد أن يختار لنفسه ولا يحق للآخرين أن يختاروا له.[53]

إن أما النقد الثاني فينطلق بكل بساطة من أن اعتبار اليوتوبيات تمثل الحالة القصوى يواجه أعتراضا لأحتكامه الى نفس التمييز بين اليوتوبيات التي تم تعينها أو اختيارها وبين الإطار التنظيمي لليوتوبيات بإعتباره وسيلة تصفية (ما بين اليوتوبيات المُفضلة) ولأنه كذلك فلايمكن ان يكون الحالة القصوى.

وعلى اساس هذا المفهوم تبرز ثلاثة انتقادات أخرى لهذا التصور عن اليوتوبيا. الأول لبيتر سنغر الذي يُشكك في أن مثل هذا المخطط يمكن أن يكون ممكنا[54] لكن سوف لا نقوم بتحليله لانه عام جدا وغامض للغاية.

أما الثاني فهو أن نوزك يتجاهل بعض الخيارات التي لا يمكن تفاديها. فتاتي حجة وولف في هذا السياق لتقول أنه من الممكن جدا أن شخصا أو نظاما من القيم، أو ظروف حياة معينة الخ...، قد تتغير بسبب احد الخيارات السابقة (لنفترضه وقت T- 1)، وعليه في وقت T سوف لا يكون المرء قادرا على أتخاذ نفس الخيارات كما هو الحال في وقت T- 1. هذا يمكن أن يحدث إما بسبب أسلوب حياة الشخص الفعلية T التي تفرض نمط خيارات أكثر تقييدا عما كان عليه في T- 1، أو بسبب نمط حياة شخص T، التي يمكن ان تقدم – في لحظة اخرى هي الآن مثلا - نمط خيارات مختلف عما كان عليه في T- 1 (ربما نمط T الجديد يحتوي على خيارات كانت تعتبر مستحيلة في T- 1. [55]يوجه هذا النقد الى البنية المنطقية لليوتوبيا، فيقدم وولف بعض القيود الداخلية لتخيًل اليوتوبيا إضافة الى القيود التي قدمها نوزك، ويسمي واحدة منها قانون تطور عدد اليوتوبيات الذي يحدد عدد اليوتوبيات الممكنة. وعليه تشير هذه الحجة إلى أن المنافسة بين العوالم الممكنة قد تكون مختلفة تماما عن تلك التي يتصورها نوزك . فإذا كانت قواعد استنتاج يوتوبيا مستقرة تختلف عن تلك التي اقترحها نوزك، فاذن إن عدد الاحتمالات التي ينبغي للمرء أن يأخذها في الاعتبار عند اتخاذ قرار عقلاني لظروف عالم معين من اجل ان يكون مستقراً تكون قد انخفضت إلى حد كبير. لكن وولف، لا يُشير إلى الآثار المترتبة على نظرية اليوتوبيا هذه؛ أذ أن هناك احتمالان على الاقل يجدر النظر فيهما. الأول، ياتي من حقيقة وجود بعض القيود على مفهوم اليوتوبيا، ويترتب على ذلك أن مفهوم " أفضل عالم ممكن"[56] قد يخضع لتعديل كبير، أي لم يعد واضحاً تعريف أفضل عالم ممك . فعلى سبيل المثال، لا يمكن للمرء أبدا أن يتيقن من أن عالمه الأفضل الذي يتصوره، هو في الواقع، أفضل عالم ممكن بالنسبة له لأنه قد يكون واقعا تحت بعض القيود في ذلك الوقت الذي كان يتصور فيه أفضل عالم ممكن. أما الثاني، هو انه إذا كنا ندرك أن هناك قيودا على تخيًل اليوتوبيات، فوفقاً لأي نموذج يوتوبيا سنقوم بتصميم أفضل الموؤسسات الاجتماعية التي تستوعب أساليب الحياة المتباينة؟ [57] هل يكون وفقاً لنموذج يسمح بتحديد او تقييد مجموعة من الخيارات أو البدائل ؟

الثالث هو أن تعدد اليوتوبيات يواجه مشكلة عملية جدية، تتعلق بعدم وجود مساحة كافية على الأرض لضمان أن المرء يمكنه تسيير حياته دون أن يعوق حياة الآخرين ولا الآخرين يفسدوا حياته[58]. وعند هذه النقطة يضيف وولف قيداً مهما لما يعنيه أن يكون المرء قادراً على ان يعيش بحرية في اليوتوبيا التي يختارها، أي أن لا يتعدى المرء او يُعتدي عليه بموجب حقوق الملكية للآخرين.[59] يتناول هذا النقد الجانب الأخلاقي من اليوتوبيا من خلال السؤال: ما هي المبادئ الأخلاقية التي ينبغي أن تنظم اليوتوبيا؟ من وجهة نظر وولف أن جواب نوزك يتوقف على مبدأ حقوق الملكية. لكن من ناحية ثانية، فيما يتعلق بالجانب الأخلاقي لليوتوبيا، أغفل وولف تقديم تفسير لماذا يجب أن تكون اليوتوبيا مقيدة أخلاقيا . كما انه لم يوضح ما إذا كانت القيود الأخلاقية مطلوبة من أجل تحقيق يوتوبيا مستقرة (والتي سيكون شرحها مهما)، أو إذا كانت القيود الأخلاقية خارجية من اجل التنظير لليوتوبيات (التي ستكون بشكل إعتباطي). إذاً كما قيل سابقاً، تُعتبر حقوق الملكية شرطاً ضرورياً لتقرير ما إذا كانت اليوتوبيا المعينة مستقرة أم لا.

يعتبرفاولر ان القيود الأخلاقية على اليوتوبيا مسألة قاطعة، ففي رأيه،" يجب على نوزك ان يحاول تحديد أي أنواع من الاتحادات المجتمعية تلك تعيق تحقق الفضائل الليبرالية أو تلك التي تعززها، وإلا سيكون أطاره المفهومي مُنتقص أخلاقيا لأنه سيُخطئ في تحديد مجال المسموح به في التجربة اليوتوبية"[60] تقول وجهة نظر فاولر، ينبغي على الإطار اليوتوبي فرض تعليم معين على الأفراد، وإلا فإن تجربة اليوتوبيا ستكون مستحيلة. فإنطلاقاً من حقيقة، أن اليوتوبيا يجب ان تفرض تعليم معين لتكون فعًالة، إستنتج فاولر أن الطريقة التي تخيل بها نوزك اليوتوبيا متناقضة ذاتياً، لأنه يجب بالضرورة على اليوتوبيا ان تطالب بحرية الأفراد وبتقييد هذه الحرية في الوقت نفسه . لكن هذه الحجة تخلط فيما بين اليوتوبيا المُعينة وإطار اليوتوبيا. وكما أشار نوزك، هناك بعض القيود المنطقية المطلوبة على مستوى الإطار التنظيمي من أجل مناقشة معنى اليوتوبيا الذي يتبلور من خلال العلاقة بينها وبين الحرية وحقوق الملكية. بالإضافة إلى ذلك، هناك القيود التي يمكن فرضها على مستوى اليوتوبيا المعينة وهي ابستيمولوجيا تخيًل يوتوبيا مستقرة، ولكن هذه الابستيمولوجيا غير منسجمة مع مبدأ الحرية، طبقا لحقيقة ان قيود الإطار تقوم بوظيفة ضمان إمكان اليوتوبيا المعينة؛ لكن ما يحدث داخل هذه اليوتوبيا تلك قصة أخرى قضية منفصلة .

الخلاصة

وفي النهاية لانريد ان نقوم بتلخيص ما سبق وقد ناقشناه فيما يتعلق بنظرية اليوتوبيا ومنهجية بناءها عند نوزك، فما نريد الإشارة اليه في نهاية المطاف هو أن كتاب نوزك " الفوضى، الدولة، واليوتوبيا " تم تناوله كثيرا، وكثيرا ما كان هناك سوء فهم لنظريته من قبل نقاده ؛ فمنهجية اليوتوبيا التي قدمها قد أُهملت كثيرا وأُعتبرت مجرد إضافة أو ملحق غير ضروري.

وعلى كل حال، من الناحية التاريخية كُتب الجزء الثالث من " الفوضى، الدولة، واليوتوبيا " الذي يتناول نظرية اليوتوبيا قبل الجزءين الأولين، حيث يمكن اعتبارهما أمثلة تطبيقية لإستعمال المنهج اليوتوبي. والناحية المنطقية تعتبر نظرية اليوتوبيا هي النقطة التي يمكن أن تكون البداية لمراجعة وإعادة بناء نظرية نوزك السياسية والأخلاقية . فجاء موضوع هذه الدراسة لتقديم فهم لنظرية نوزك السياسية من منظور إثبات أن منطق اليوتوبيا هو المفتاح الأساس لنظرية نوزك الأخلاقية والسياسية، والذي يحفظ نظرية نوزك من الانتقادات المدمرة التي أساءت الى حد كبير فهم وجهة نظره .

 

الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ

....................................

[1] Scheffler, Samuel. ‘Natural Rights, Equality, and the Minimal State.’ In Reading Nozick. Essays on ‘Anarchy, State, and Utopia, Jeffry Paul ed.Oxford: Basil Blackwell, 1981, p.151.

[2]

[3] Nozick,Robert,Anarcy,State, and Utopia. Oxford: Blackwell, 1974.

[4] Ibidem, p. 298, footnote

[5] Ibidem, p. 309.

[6] Ibidem, p. 312

[7] Ibidem, p. 309, footnote

[8] Ibidem, p. 332

[9] اتبنى هنا إقتراح قصير لنوزك: يقول فيه : " تتالف اليوتوبيا من يوتوبيا متعددة. اليوتوبيا هي الميتا - يوتوبيا" .

[10]يرى نوزك أن مفهوم الإطار التنظيمي يماثل مفهوم دولة الحد الأدنى، فدولة الحد الأدنى هي الإطار التنظيمي لليوتوبيا الذي يؤدي وظيفته كوسيلة تصفية تسمح لنا بمطابقة وفهم اليوتوبيا ؛ وعلى هذا الأساس يؤدي الإطار التنظيمي دوره كفلتر أو تصفية للإزالة غير المرغوب به من اليوتوبيات المُتخيلة واختيار وحدة معينة منها .

[10]-Bader,Ralf, ‘ The framework for Utopia’ In Nozick’s Anarchy, State, and Utopia, ed by Bader,Ralf and Meadow croft Johan , (camridge,2011) p237. (255- 288).

[11] Nozick,Robert,Anarcy,State, and Utopia. Oxford: Blackwell, 1974, p. 307

[12] Ibidem, p. 313

[13]حتى لو لم يكن نوزك صريحاً في هذه النقطة, فإن حدسي يقول ان هذه الوسائل هي جزء من الميتا - يوتوبيا, لذا فإن هذه الوسائل يمكن ان تستعمل في حالتي النظام واليوتوبيا المعينة.

[14] Ibidem, p. 314.

[15] Ibidem, p. 313.

[16] Ibidem, p. 315.

[17] Ibidem, pp. 317-318.

[18] Ibidem, p.314.

[19] Ibidem, p.317.

[20] لا تبدو هذه الحجة الأخيرة واضحة في منطق نوزك, لكن يُحتمل غالباً ,ان هذه الحجة هي الأساس للحجتين السابقتين.

[21] Ibidem, p.315, footnote.

[22] Ibidem, p.314.

[23] Ibidem, 297.

يقول نوزك : " ليس هناك دولة يمكن تسويغها اكثر أتساع من "الدولة المصغرة أو دولة الحد الأدنى". لكن اليست فكرة دولة الحد الأدنى أو مثاليتها ينقصها البريق ؟ هل بمقدورها ان تحمس الفؤاد او ان تلهم للناس للكفاح او التضحية من أجلها ؟ هل يستطيع احدهم ان يحتجز تحت لوائها؟ ربما تبدو وكانها شاحبة وضعيفة مقارنة باختيار اقصى الطرف المناقض، وهو امال واحلام اصحاب النظرية االيوتوبية. بغض النظر عن مناقبها,، لا تبدو دولة الحد الأدنى يوتوبيا . لذلك نتوقع بان البحث في اليوتوبيا لا يزيد دوره عن القاء الضوء على العيوب واوجه قصور لدولة الحد الأدنى كمنتهى للفلسفة السياسية ."

[24]Ibidem, pp309-312.

يقول نوزك عن الإطار: " سيكون وضعا مقلقا اذا كانت هناك حجة واحدة فقط ومجموعة متصلة من الاسباب للوصول الى لوصف خاص لليوتوبيا . فاليوتوبيا هي التركيز على العديد من الخيوط المختلفة التي تطمح في ان يكون هناك العديد من الطرق النظرية التي تقود اليها ... يبدا الخيط الاول من حقيقة ان الناس مختلفون. فهم يختلفون في المزاج، الاهتمامات، القدرة الفكرية، الطموح، المواهب الطبيعية، الروحانية,، ونوع الحياة التي يرغبون ان يعيشونها. وهم يختلفون ايضا في القيم التي يملكونها وأوزان القيم التي يشتركون بها. (فهم يتمنون ان يعيشوا في مناخات مختلفة، البعض في الجبال، او السهول، او الصحاري، او الشواطئ, او المدن، او البلدات) لذلك لا يمكن التفكير بوجود مجتمع مثالي لكل الناس, فمن الواضح انه غير موجود.

يمكننا ان نفرق بين الامور التالية:

لكل شخص هناك نمط من الحياة الافضل بالنسبة له.

الناس متشابهون بما يكفي، لذلك هناك نمط واحد للحياة يكون الافضل لكل واحد منهم.

الناس مختلفون، لذلك ليس هناك نمط واحد للحياة الجيدة لكل منهم.

الانماط المختلفة من الحياة متشابهة الى حد وجود نمط واحد من المجتمعات (والتي تتفق مع ضوابط محددة) بحيث تكون الافضل لكل شخص.

الانماط المختلفة للحياة مختلفة جدا لذلك ليس هناك نمط واحد من مجتمع (يلبي ضوابط محددة) افضل لكل شخص (بغض النظرعن اي من انماط الحياة المختلفة هو الافضل لهم).

طالما لكل شخص معيار موضوعي للخير يمكن ان يخبر او يحدد ... أن هناك، سلسلة واسعة من انماط الحياة المختلفة المرتبطة بشكل جيد، ولا توجد موضوعيا اي حياة افضل له من الموجودة في السلسلة,، ولا اي واحدة خارج هذه السلسلة افضل من التي في داخلها. وليس هناك مجتمع واحد افضل للعيش فيه اكثر من هذه المجتمعات المذكورة.

غرضنا هنا، سواء Ib2 او II أستخدمنا هنا. فنكَنشتاين، اليزابيث تايلر، بيراند رسل، ثوماس ميرتون، يوجي بيرا، الين جنسبيرج، هاري ولفسون، ثورو، كاسي ستينغل، لوبفشتر ريبي، بيكاسو، موسى، اينستن، هج هيفنر، سقراط، هينري فورد، ليني بروس، بابا رام داس، غاندي، كولومبوس، فرويد، نورمان ميلر، اين راند، بارون روثستشيالد، تيد ويليامز، ثوماس اديسون، مينكين، ثوماس جيفرسون، رالف اليسون، بوبي فيسكر، ايما جولدمان، بيتر كروبوتكن، انت، ووالديك. هل هناك حقا نمط واحد لحياة فضلى لكل واحد منهم؟ تخيل بان جميعهم يعيشون في يوتوبيا لم تشاهد وصفها التفصيلي ابدا. حاول ان تصف المجتمع الذي سيناسبهم جميعا للعيش فيه. هل سيكون مجتمعا زراعي ام حضري؟ به الكثير من الترف ام يلبي الحاجات الاساسية البسيطة فقط؟ كيف ستكون العلاقات بين الجنسين؟ هل سيكون هناك رباط يسمى الزواج؟ هل سيقتصر على زوجة واحدة؟ هل سيربي الوالدين الاطفال؟ هل سيكون هناك ملكية خاصة؟ هل سيكون هناك حياة هادئة وامنة ام ستكون حياة مليئة بالمغامرات، التحديات، الخطر والفرص للبطولة؟ هل سيكون هناك دين واحد ام عدة اديان او اية اديان؟ ما اهمية وجودها في حياة الناس؟ هل سينظر الناس الى حياتهم بخصوصية ام بعمومية؟ هل سيكرسون اوقاتهم للعمل ام للترفيه عن انفسهم بانشطة مختلفة؟ هل سيربى الاطفال بتسامح ام بصرامة؟ على ماذا سيركز تعليمهم؟ هل ستكون الرياضة هامة في حياتهم؟ وماذا عن الفن؟ هل سيهتمون بالانشطة الترفيهبة ام الفكرية؟ام ماذا؟ هل سيكون هناك موضة في الملابس؟ هل ستتخذ الالام العظيمة لتجميل المظهر؟ ماذا سيكون الانطباع نحو الموت؟ هل ستلعب التكنولوجيا والالات دورا مهما في المجتمع؟ وهكذا.

ان فكرة وجود اجابة شاملة لكل هذه الاسئلة، ووجود مجتمع واحد يعيش فيه الجميع , يبدو وكانه شيء يصعب تصديقه. (و الفكرة هنا انه وان وجد هكذا مجتمع، ولدينا الآن معرفة كافية لوصفه يبقى شئ لا يمكن حصوله.) لايمكن لأحد أن يصف اليوتوبيا مالم يعيد قراءة مثلا، أعمال شكسبير، تولستوي، جين اوستون، ريباليس ودوستوفيسكي لتذكير نفسه باختلاف الناس عن بعضهم البعض. (هذا ايضا سيذكره بمدى تعقيدهم.)

يثق كتاب اليوتوبيا بفضائلهم وتصوراتهم ويعتقدون بانها صحيحة على الرغم من اختلافهم الواضح (ليس أقل من الأختلاف بين اسماء القائمة المذكوره أعلاه) في المؤسسة التي ينتمون اليها ونمط الحياة التي يحاكونها، على الرغم من أن كل واحد منهم يقدم تصور بسيط عن المجتمع المثالي، لكن علينا ان نأخذ حقيقة أختلافهم بصورة جدية . ليس لدى اي من كتاب اليوتوبيا مجتمع يعيشي به الحياة نفسها او يخصصون المقدار نفسه من الوقت لممارسة نفس الانشطة. لم لا؟ اليست الاسباب تحسب ضد النمط الواحد من المجتمعات؟

النتيجة التي نصل اليها انه لن يكون هناك نمط واحد للمجتمع ونمط واحد من الحياة في اليوتوبيا .فاليوتوبيا تتكون من يوتوبيات لعدة مجتمعات مختلفة ومتباعدة، حيث يعيش الناس أنواع حياة مختلفة وفي ظل موؤسسات مختلفة، بعض أنواع المجتمعات ستكون أكثر جاذبية من غيرها لذا سيزداد بعضها وينخفض بعضها الآخر . الناس سوف بعضها للآخرين او يقضون كل حياتهم في واحدة . اليوتوبيا إطار ليوتوبيات، مكان يكون في الناس أحرارا في أن يجتمعو ا طوعيا ليسعوا ويحاولوا تحقيق تخيلهم لحياة ملائمة أو جيدة في مجتمع مثالي، مكان لا أحد في يفرض تخيله االخاص لليوتوبيا على الآخرين ". ان المدينة الفاضلة هي المجتمع للمثالية. (البعض منهم بالطبع سيقتنعون بمكانهم. لكن لن يلاحق كل واحد منهم بمجتمعات خاصة, والكثير ممن زهد او فرط بالانضمام اليها بداية سيلتحق بها لاحقا, بعد ان يتضح له حقيقة عمل من فيها.) نصف الحقيقة التي اود ان اقولها هو ان المثالية هي مثالية ذات هدف: البيئة التي ستجرب فيها المثالية, البيئة التي سيكون فيها الناس احرار ليفعلوا ما شاؤوا, البيئة التي يجب الى حد ما ان تدرك اولا ان تم ادراك بعض اراء المثاليون وتصوراتهم.

لا يمكن لجميع الامور الجيدة ان تدرك معا, لذا لا بد ان تحصل بعض المقايضات ... [ لكن ] هناك القليل من المنطق للتصديق بان نظام واحد نادر من المقايضة سيتطلب قبول عالمي. فالمجتمعات المختلفة مع مزج االأختلافات البسيطة لكل واحد منها ستفسح مجال من يكون فيه كل شخص بأمكانه الأختيار ذلك المجتمع الذي يكون تقريبا الذي يناسبه بقيمه وفضائله " .

[25] Ibidem, p.307

[26] Ibidem, p.333

[27] Ibidem, p. 317, footnote

[28] هذا يعني, يمكن وجود مجموعة نظرية اليوتوبيا في الميتا - يوتوبيا.

[29] Ibidem, p. 308

[30] Ibidem, p. 307

[31] Ibidem, pp. 308-309

[32] Ibidem, p. 319, footnote, and p. 320

[33] هنا, المطلوب ان يُفهم مصطلح اليوتوبيا على انه" افضل تحقيق ممكن للميتا - يوتوبيا على العالم الفعلي".

[34] Ibidem, p. 318

[35] مع أن نوزك يدرك وجود مشاكل مع فكرة الإطار التنظيمي، ويشكل الأطفال واحدة منها. فعلى سبيل المثال، في أي سن، يجب أن يكونوا قادرين على المغادرة ؟ هل لديهم الحق في أن يعلموا بطريقة متوازنة عن بدائل عديدة في طرق للحياة؟ إذا كان مجتمع ما يؤمن بأن مناقشة نظرية التطور تعتبر خطيئة، فهل سيلقنوا هذا المعتقد لأطفالهم ؟ إذا كان الأمر كذلك، كيف يمكن لأطفالهم احرار في الأختيار ؟ واذا لم يكن كذلك، فكيف سيتم تنظيم هذا الأمر ؟

Wolff, Jonathan, ‘Robert Nozick: Property, Justice and the Minimal State’ Polity Press, UK, 1991, P.135.

[36]Nozick,Robert,Anarcy,State, and Utopia. Oxford: Blackwell, 1974,309.

[37] Ibidem, p. 317, footnote

[38] Ibidem, p. 309

[39] Ibidem, p. 312

[40] يستعمل نوزك هنا سمة مميزة خاصة تعود الى فكرة، أن كل النقاش حول اليوتوبيات المعينة اقتصرت على اليوتوبيات داخل الميتا-يوتوبيا، أي أنه يرى يمكن للشخص ان يتخيل عدد لانهائي من الأفراد الذين يرغبون بالإقامة في تلك العوالم الممكنة، بينما في العالم الواقعي (وهو الإطار التنظيمي) لايوجد عدد لانهائي من الأفراد، أنظر التمميز أعلاه الذي اشرنا اليه بين الإطار التنظيمي والميتا-يوتوبيا.

[41]والنقد هنا لتصور نوزك هذا عن ان الناس يتحركوا بحرية من يوتوبيا معينة إلى آخرى حتى يجدوا جنتهم، أنه بذلك يتجاهل التفكير في ان بعض الخيارات قد يكون لا رجعة فيها

[42] Ibidem, p. 299.

[43] Ibidem, p. 299

[44] Ibidem, p. 301

[45] Ibidem, p. 305

[46] Ibidem, pp. 299-300

[47]

ما هو السبب لهذا القيد؟ إذا كان المبدأين الأولين يبدوان انهما صمما خصيصا لإفتراض نموذجا واقعيا لعوالم متنافسة مستقرة، فإن هذا القيد يبدو القصد منه السماح لوجود أخلاقية معينة. هل هو الشرط الضروري لنوزك لتأمين نظريته الكانطية في نظام اليوتوبيا (وفي هذه الحالة سيكون قيد خارجي خاص يجعل النظرية منحازة لصالحه)، أو هل من المنطق قبول مثل هذا القيد (بمعنى غير ذلك إنه من المستحيل تخيل نموذجا واقعيا لعوالم متنافسة مستقرة)؟ جوابنا على هذا السؤال لا هذا ولا ذاك، ولكن يمكن السماح لمزيد من هذه القيود الداخلية الممكنة على اليوتوبيا المعينة لأنه ليس لها أي تأثير على النظرية العامة لليوتوبيا (وهذا الأمر لضمان إمكانية وجود يوتوبيا معينة مختلفة.

[48] Ibidem, pp. 303-304.

[49] Ibidem, p. 324.

[50] Ibidem, pp. 305-306

[51] بمعنى, ان هذه النظرية تُعنى فقط بالتصميم المؤسساتي. إنظر تعريف مبدأ افضل عالم ممكن.

[52] Ibidem, p. 328

[53] Ibidem, p. 331

[54] See Peter Singer, ‘The Right to be Rich or Poor, ’ In Reading Nozick. Essays on ‘Anarchy, State, and Utopia’, Jeffry Paul ed.Oxford: Basil Blackwell, 1981. Pp.37-56.

[55] Wolf, Robert Paul. ‘Robert Nozick’s Dive ration of Minimal State’ In Reading Nozick. Essays on ‘Anarchy, State, and Utopia’, Jeffry Paul ed-106.Oxford: Basil Blackwell, 1981.,P.135.

[56] Nozick,Robert,Anarcy,State, and Utopia,pp.298.

[57] Wolf, Robert Paul. ‘Robert Nozick’s Dive ration of Minimal State’ In Reading Nozick. Essays on ‘Anarchy, State, and Utopia’, Jeffry Paul ed-106.Oxford: Basil Blackwell, 1981. Pp.298.

[58] على الرغم من ان نوزك يعترف بأن الاكتظاظ السكاني سوف يؤدي إلى مشاكل في العلاقات بين المجتمعات، إلا أن نموذجه يظهر مناسبا فقط في حال توفرت مساحة شاسعة، وعدد قليل من الناس . يسأل نوزك ما إذا كان سيكون هناك مدن كبيرة، والجواب بالطبع سيتواجد مدن كبيرة، حتى ولو لم يرتادها احد من الناس، بإستثناء حالة إنخفاض معدل المواليد بشكل كبير. يبدو لي أن نظام نوزك اليوتوبي أكثر واقعية من أي رؤية ليوتوبيا أخرى.

[59] Ibidem, p. 135

[60] Fowler, Mark, ‘Stability and Utopia; A Critique of Nozick’s Framework Argument,’ ed.J. Angelo Corlett, Equality and Liberty.Analyzing Rawla and Nozick (London: Macmillan, 1991), p. 252.

 

في المثقف اليوم