أقلام فكرية

نظرية القانون الطبيعي والعقلانية العملية

علي رسول الربيعيكيف يجب أن نفهم نظرية القانون الطبيعي؟ يصف ميرفي هذه النظرية على أنها وصف أساسي لـ "العقلانية العملية"، والتي لها هدفان رئيسيان. الأول هوكشف كيف يمكن أن تكون الافعال "مفهومة من الناحية العملية، مما يعني كشف  إظهار أن للأفعال غاية أو هدف، بحيث تستحق التنفيذ1.  الهدف الثاني هو مساعدة البشر على اتخاذ القرارات بشأن أي من الأفعال أوالأعمال الجديرة بالاهتمام التي يمكن القيام بها؛ إنه في الأساس تفسير لعقلانية الخيارات فيما يتعلق بالأفعال2.  يتم تحقيق كل من هذين الهدفين عن طريق إعطاء وصف لما هو خير. لنأخذ راي توما  الأكويني، على سبيل المثال، حيث  يُزعم، في نظرية القانون الطبيعي، أن المبدأ الأساسي للقانون الطبيعي هو: يجب القيام بالخير وتجنب الشر. هذا المبدأ بالنسبة إلى الأكويني، هو "المبدأ الأول"،  وهو مثل مبدأ عدم التناقض بالنسبة للعقل النظري، وعلى هذا النحو، يعتبر بديهيًا وليس بحاجة إلى جدال. تتميز نظريات القانون الطبيعي بشكل بإعطاء الأولوية للخير. ولفهم  غاية الأفعال ومعرفة الأفعال المعقولة  يجب أن نعرف ما هو خير.

ومع ذلك، من الواضح أن هذا المبدأ الأول التجريدي في حد ذاته لا يعطينا التوجيه فيما يتعلق بأفعال محددة. نحن بحاجة إلى معرفة ما هو جيد بشكل خاص وبظروف محددة. يقدم منظرو القانون الطبيعي بشكل مميز  تفسيراً للخيرات  بشكل شامل وطبيعي، وقد قام  معظمهم بذلك من خلال تقديم تفسير مستوحى من الأرسطية عن الصالح للبشر من حيث ما يكمل الطبيعة البشرية، أو التي تمكن الإنسان من الازدهار. لا شك أن أتباع نظرية القانون الطبيعي لم يتبعوا أرسطو بهذه الطريقة. فقد قدم توماس هوبز وصفًا للقانون الطبيعي الذي يرتكز على تفسير ذاتي للخير، مبني على الحقيقة النفسية المتمثلة في رغبة جميع البشر في البقاء وتجنب الموت العنيف3 . دافع بعض منظري القانون الطبيعي عن التفسير الأفلاطوني  للخير، والذي يرى بعض الأشياء، مثل المعرفة والجمال خير في حد ذاتها بصرف النظر عن أي إشارة إلى الطبيعة البشرية. غير أن الغالبية العظمى من منظري القانون الطبيعي فسرت الخير بالنسبة للبشر بأنه يأتي من  الطبيعة البشرية ذاتها ، وسأعتبر ذلك خاصية مميزة لنظرية القانون الطبيعي.

بالطبع ، تم تقديم العديد من  التفسيرات لماهية الخيرات للبشر من قبل منظري القانون الطبيعي، بالإضافة إلى تفسيرات متنوعة  لكيفية معرفتها من قبل  هؤلاء البشر. تتعلق أحد الخلافات التي كانت مستمرة بين منظري القانون الطبيعي بالمسألة الأخيرة. اذ ترى العديد من نظريات القانون الطبيعي التقليدية أن فهم ما هو خير للبشر يفترض أن يُستمد من فهم الطبيعة البشرية، فلا يمكن للمرء فهم ما الذي يكمل الطبيعة البشرية دون فهم تلك الطبيعة. يطلق مورفي على مثل هذه النظرة "الاشتقاقات"، حيث تؤكد أن معرفتنا باالخيرات الأساسية مستمدة من نوع من المعرفة النظرية.4  معرفة الخير الأساسي هو ما يسميه مورفي "الميول"، وهو نوع من الخيرات  الأساسية التي يقدمها المفكر المعاصر جون فينيس. بالنسبة لفنيس ، يعد فهم الخيرات الأساسية أمرًا بديهيًا وواضحًا وهو شئ في حياة العقل  العملي. فعلى سبيل المثال ، لدى البشر رغبة طبيعية في معرفة الأشياء، وأنه بالنسبة لكائن لديه مثل هذا الميل ، فإنه من الواضح على الفور يصل الى أن المعرفة خير5.

بغض النظر عما إذا كان فهمنا للخيرات البشرية الأساسية مباشراً أم مشتقًا، فسوف أفترض أن نظرية القانون الطبيعي هي تلك التي تنص على أن تلك الخيرات تحددها طبيعتنا بطريقة أو أخرى، بحيث لو كانت الطبيعة البشرية مختلفة اختلافًا جوهريًا ، فإن ما سيكون خيراً للبشر مختلفاً تماماً.

ما هي الخيرات الأساسية للبشر، وفقًا لنظريات القانون الطبيعي؟ هناك ، كما قد يتوقع المرء ، بعض الاختلافات في البيانات أو القوائم التي يقدمها مختلف المفكرين. غير أن هناك أيضًا قدر كبير من التداخل والاتفاق، وربما يرجع  بعض ذلك على الأقل الى  ما يبدو وكأنه خلاف إلى الطريقة التي يتم بها وصف الخيرات وتمييزها6 .  تشمل الخيرات بصورتها النموذجية عادة الحياة والصحة والمعرفة والجمال (أو التجربة الجمالية)، والصداقة وغيرها من الخيرات الاجتماعية (مثل ان يكون المرء  جزءًا من أسرة ومجتمع)، والوفاء بالعمل والنشاط (بما في ذلك اللعب)، والخيرات النفسية مثل "السلام الداخلي"، المعقولية العملية، وفي بعض الحالات الدين.

على الرغم من أن تفسير القانون الطبيعي للعقل العملي يعطي الأولوية للخير على الحق، كما النفعية وغيرها من أشكال النظريات التي تعتمد المردودية والنتائج العملية، الاً أن نظرية القانون الطبيعي تختلف عن معظم أشكال النفعية لأنها لا تفترض أن العقلانية تتطلب أنه يجب تعظيم الخير. طبعاً في الحديث عن أولوية "الخير على الحق" أنا أتحدث عن "الخير" بالمعنى غير الأخلاقي. من الواضح أن هناك إحساسًا بـ "الخير والشر" ذو طبيعة أخلاقية، وبهذا المعنى فإن حقيقة أن فعلًا مثل القتل محظور أخلاقًا يرتبط منطقياً بكونه سيئًا أخلاقياً. يعتقد مُنظِر القانون الطبيعي أن العقل  العملي يدعو إلى استجابة معقولة لما هو خير، ولكن هناك مجموعة متنوعة من الطرق التي قد تكون بها الأفعال معقولة أو غير معقولة كاستجابة للخير. ما يطلبه العقل العملي ليس مجرد تعظيم بعض الخصائص مثل اللذة ، أو حتى تعظيم بعض الخيرات، لكن أن يستجيب الأشخاص بشكل مناسب للخيرات الفعلية التي يواجهونها أو يمكنهم تحقيقها. هذا يعني أنه يمكن لمنظِّر القانون الطبيعي ، مثل الكانطيين، أن يجادلوا بأنه قد يكون هناك بعض أنماط أو أنواع من الأفعال  غير مناسبة أو غير معقولة دائمًا، وبالتالي قد تكون هناك قواعد أو مبادئ عامة تستبعد بعض أنواع الأفعال تمامًا. وأخيرا إذا كانت الحياة البشرية  أهم خير أساسي، فإن القتل، الذي يُفهم على أنه التدمير المتعمد للحياة البشرية البريئة، يُنظر إليه على أنه خطأ جوهري.

 

 الدكتور علي رسول الربيعي

................................

Murphy, Mark, Natural Law and Practical Rationality (Cambridge: Cambridge University Press, 2001), p. 2.

المصدر  نفسه، ص 2-3.

توماس هوبز، اللفيثيان، الأصول السياسية لسلطة الدولة، ترجمة، ديانا حرب وبشرى صعب،دار الفارابي، بيروت، 2011. ص 139-165

Murphy, Natural Law and Practical Rationality, 6, 17.

Finnis, John, Natural Law and Natural Rights (Oxford: Oxford University Press, 1980). pp. 60-9.

للحصول على ملخص للقوائم أو البيانات التي قدمها مختلف المفكرين ، أنظر:

Murphy, Mark (201I) "The Natural Law tradition in ethics," Stanford Encyclopaedia of Philosophy (Winter 20n), ed: Edward N. Zalta, http://plato.stanford .eduf archives/win2011/entries/natural-law-ethics. p. 11

 

في المثقف اليوم