أقلام فكرية

الأورجانون الأرسطي.. أول كتاب علم البشرية التفكير العلمي! (3)

محمود محمد عليفي هذا المقال نحاول أن ننهي كلامنا عن الأورجانون الأرسطي وكيف يمثل هذا أول كتاب علم البشرية التفكير العلمي؟.. ولهذا نعود ونكمل ونفصل ما بيناه حول كيفية انتقال هذا الأورجانون إلي العالم العربي، ويهنا نقول:لقد كان أول اتصال بين الفكر الفلسفي، والمنطق الإغريقي عن طريق الترجمة في عصر بني العباس، كان في عهد أبي جعفر المنصور 136-158هـ:754-775م، إذ ترجم ابن المقفع الأبن، كما أثبت المستشرق الألماني “بول كراوس” كتب أرسطو الثلاثة ” التي في صورة المنطق، وهي كتاب قاطيغورياس، وكتاب باري أرميناس، وكتاب أنولوطيقا، وذكر أنه لم يترجم منه إلي وقته إلا الكتاب الأول فقط، وترجم ذلك المدخل إلي كتاب المنطق المعروف بالإيساغوجي لفورفوريوس الصوري، وقد أعاد حنين بن إسحاق ومدرسة الترجمة الرسمية النظر في تلك الترجمات القديمة فأصلحوا ما يمكن إصلاحه منه وأعادوا ترجمة ما لم يرضوا ترجمته .

ومن ثم نقل حنين بن إسحاق كتاب المقولات إلي العربية، ونقل إسحاق ابنه كتاب العبارة إلي العربية، بعد أن مهد له والده بترجمته إلى السريانية، كما أشرف حنين على ترجمة “تادروس” لكتاب القياس إلى العربية، ثم تتابعت ترجمة كتب الفلسفة والمنطق، وبخاصة كتب ارسطو المنطقية، والإلهية، والطبيعية، والأخلاقية، وهي كما عرفها العرب بالإضافة إلي الكتب السابقة “أنالوطيقا الثاني: البرهان” و” أبوطيقا: الشعر” و” السماع الطبيعي “بتفسير الإسكندر، وبتفسير يحي النحوي، والسماء،والعالم، والكون، والفساد، والآثار العلوية،والنفس، والحيوان، والحروف المعروف بالإلهيات، والأخلاق . كما ترجم إلى العربية أيضا ما وضع لهذه الكتب من شروح وتفسيرات بالإغريقية أو السريانية، وكذلك ما وصف لها من ملخصات، حتي ليكاد نشاط المترجمين منذ أيام “حنين بن إسحاق”، يكون مقصورا كله على الكتب المعزوة إلي ارسطو بحق أو بباطل، وعلي مختصرات لها وتفسيرات وشروح.

وبانتهاء هذه الفترة كانت الترجمات العربية (التي تمت بوجه عام من السريانية) لستة من ” الكتب السبعة ” في المنطق متاحة بالفعل، وكان كتاب الخطابة قد نقل أيضًا إلى العربية .

وهنا يمكن تقسيم مراحل الترجمة في العصر العباسي من اللغة اليونانية والسريانية إلى اللغة العربية إلى ثلاثة أجيال من المترجمين بشكل عام من خلال الفترات التالية:-

1-الفترة الأولى:

الجيل الأول، من عام 753 وحتي عام 774م ؛ أي في بداية العصر العباسي، وهو يقع تحت حكم الخليفتين “أبو جعفر المنصور”، و”الرشيد”، وفي هذه الفترة بالذات أمر ” أبو جعفر المنصور”، ابنه “الهادي” ببناء مدينة “الرافقة” بالقرب من مدينة “الرقة البيضاء”. كما أنه طلب من إمبراطور الروم، أن يزوده بأعمال “إقليدس”، و”المجسطي” لـ”بطليموس”، وأنه أيضًا أمر بترجمة كتاب “اقليدس” إلى العربية،  ويضم هذا الجيل مجموعة طيبة من المترجمين من أمثال: “يحيى بن البطريق”، الذي ترجم “المجسطي” في زمن الخليفة “المنصور”، “جرجس بن جبريل” وهو طبيب عاش في زمن “الرشيد”، و”محمد بن عبد الله بن المقفع” الذي عاش في زمن الخليفة “المنصور”، وترجم كتب المنطق، و”يوحنا بن ماسويه”. في إشارات قديمة أخرى أخبار موثقة ترى أن الكاتب “ابن المقفع”، كان قد ترجم للخليفة “المنصور” كتباً أخرى، من بينها كتاب “بانشانترا” الهندي، “قواعد سلوك الملوك”. كما أن الخليفة “هارون الرشيد” الذي حكم من عام 784 وحتي عام 808 ميلادي، قد أمر، وهو في “الرقة” بترجمة المؤلفات الطبية اليونانية، التي تم جمعها أثناء حروب التحرير العربية، وقد أوكل هذه المهمة إلى الطبيب ” يوحنا بن ماسوية” .

ومن أهم المقومات التي تقوم عليها هذه الفترة الانفتاح علي الثقافات والعلوم المختلفة، لا يصد عنها اختلافها مع الفكر الإسلامي هذا الاختلاف الذي يصل إلي حدود التناقض في أحيان كثيرة . ويتضح هذا الأساس المهم أولًا من تنوع العلوم التي بدئ في ترجمتها في هذه المرحلة، فمنها ما يتصل بالآداب كترجمات “ابن المقفع”، وأهمها “كليلة ودمنة”، ومنها ما يتناول المنطق، كبعض ما ينسب له أيضا، وفيها كذلك ما يتعلق بالطب، والفلك، والهندسة  . وثانيًا- من تعدد الأصول المنقولة عنها، فقد اتصل الفكر العربي في هذه المرحلة بالفكر الإغريقي عن طريق غير مباشر في أكثر الأحيان، بوساطة الترجمات السريانية والآرامية والفارسية، كما اتصل بالفكر الهندي أيضًا عن طريق غير مباشر غالبًا بوساطة الترجمات الفارسية . ولكن هذا الاتصال غير المباشر باللغتين اليونانية والسنسكريتية لم يحل دون محاولات أولية للاتصال المباشر بهما، وقد أثبت المحققون من المؤرخين أن العرب قد ترجموا في هذه المرحلة عن اليونانية مباشرة ” كتب أرسطو المنطقية الثلاثة، وهي كتاب، والعبارة، والقياس، وترجم كذلك المدخل إلي كتاب المنطق المعروف بالإيساغوجي لفورفوريوس، بالإضافة إلي اتصالهم المباشر باللغات الفارسية، والسريانية، والآرامية”.

أما الفترة الثانية فتشمل  الجيل الثاني، والذي يعود إلى عهد الخليفة “المأمون” الذي حكم من عام 813 م  حتى عام 833 م، وهذا الجيل ينتمي إليه “حنين بن إسحاق”، ومدرسته التي كانت تضم مجموعة من المترجمين مثل: “ثابت بن قرة”، و”قسطا بن لوقا”، و”يحيى البطريق”، و”الحجاج بن مطر”، الذين كانوا على رأس القائمة من مترجمي المرحلة الأكثر فعالية في حركة الترجمة في العصر العباسي.

وأهم ما يميز هذه الفترة الاتصال المباشر – علي وجه العموم ؛ حيث كان طابع المرحلة الثانية في الاتصال بالثقافات الأجنبية، علي عكس المرحلة السابقة التي كان الاتصال فيها بالثقافات المختلفة يتم غالبًا بوساطة السريانية، أو الفارسية، أو الآرامية، أو النبطية . ومن يقرأ عن المترجمين في هذه المرحلة يجدهم يتصلون اتصالا مباشرًا باللغة السنسكريتية، والبابلية القديمة،واليونانية . وكان كثير من المترجمين عن الإغريقية يجيدون اللغة السريانية، ويطابقون بين ما قد يكون من ترجمات سريانية مع الترجمة العربية، فيضمنون بذلك قدرًا من الدقة العلمية لم يتوافر في المرحلة السابقة .

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى التركيز الشديد علي العلوم الإنسانية، وعلى الفلسفة والمنطق بصفة خاصة،ولعل ذلك يرجع بصورة أساسية إلى ثقافة المأمون التي كان يغلب عليها الطابعان: الفارسي، واليوناني . وقد ظهر التأثير الفارسي في النواحي -السياسية، والاجتماعية للدولة، علي حين بدأ التأثير الإغريقي جليا في ولعه الشديد بالمناقشات العقلية،  وفي حرصه البالغ على ترجمة كل من أثر عن الثقافة اليونانية من فلسفة ومنطق . وقد تناولت الترجمة في الفترة السابقة بعض الآثار العقلية في الفلسفة والمنطق، ولكن طابع المرحلة كلها كان – بحكم الظروف التاريخية – الاهتمام بالعلوم العملية، وبصفة خاصة الطب، والهندسة، والفلك، والصيدلة، فلم تكد هذه الظروف تتغير حتي انصرفت كل الجهود إلى ترجمة كتب الفلسفة والمنطق .

وقد كان أول اتصال بين الفكر الفلسفي، والمنطق الإغريقي عن طريق الترجمة في عصر بني العباس، كان في عهد أبي جعفر المنصور 136-158هـ:754-775م، إذ ترجم ابن المقفع الأبن، كما أثبت المستشرق الألماني “بول كراوس” كتب أرسطو الثلاثة ” التي في صورة المنطق، وهي كتاب قاطيغورياس، وكتاب باري أرميناس، وكتاب أنولوطيقا، وذكر أنه لم يترجم منه إلي وقته إلا الكتاب الأول فقط، وترجم ذلك المدخل إلي كتاب المنطق المعروف بالإيساغوجي لفورفوريوس الصوري، وقد أعاد حنين بن إسحاق ومدرسة الترجمة الرسمية النظر في تلك الترجمات القديمة فأصلحوا ما يمكن إصلاحه منه وأعادوا ترجمة ما لم يرضوا ترجمته .

ومن ثم نقل حنين بن إسحاق كتاب المقولات إلي العربية، ونقل إسحاق ابنه كتاب العبارة إلي العربية، بعد أن مهد له والده بترجمته إلى السريانية، كما أشرف حنين على ترجمة “تادروس” لكتاب القياس إلى العربية، ثم تتابعت ترجمة كتب الفلسفة والمنطق، وبخاصة كتب ارسطو المنطقية، والإلهية، والطبيعية، والأخلاقية، وهي كما عرفها العرب بالإضافة إلي الكتب السابقة “أنالوطيقا الثاني: البرهان” و” أبوطيقا: الشعر” و” السماع الطبيعي “بتفسير الإسكندر، وبتفسير يحي النحوي، والسماء،والعالم، والكون، والفساد، والآثار العلوية،والنفس، والحيوان، والحروف المعروف بالإلهيات، والأخلاق . كما ترجم إلى العربية أيضا ما وضع لهذه الكتب من شروح وتفسيرات بالإغريقية أو السريانية، وكذلك ما وصف لها من ملخصات، حتي ليكاد نشاط المترجمين منذ أيام “حنين بن إسحاق”، يكون مقصورا كله على الكتب المعزوة إلي ارسطو بحق أو بباطل، وعلي مختصرات لها وتفسيرات وشروح.

وبانتهاء هذه الفترة كانت الترجمات العربية (التي تمت بوجه عام من السريانية) لستة من ” الكتب السبعة ” في المنطق متاحة بالفعل، وكان كتاب الخطابة قد نقل أيضًا إلى العربية .

ظل هذا الاورجانون محتفظا بقيمته وكيانه، إلي أن جاء فرنسيس بيكون واخترع أورجانون جديد سماه بهذا المسمي، وهذا الأورجانون الجديد يعد من  مِنْ مَشْروعِ «الإِحْياء العَظِيم» الَّذِي خطَّطَ «فرانسيس بيكون» فِي إِخْراجِهِ فِي سِتَّةِ أَجْزاء، لكِنَّه تُوفِّيَ قَبلَ إِتْمامِه، ولَمْ يُؤلِّفْ مِنْه إلَّا هَذا الجُزْء، وكَانَ قَدْ كَتبَ مِنْ قَبلُ كِتابَ «النُّهُوض بالعِلْم» فجَعلَه الجُزْءَ الأوَّلَ مِنَ «الإِحْياء العَظِيم». وكَانَ يَهدُفُ مِنْ خِلالِ مَشْروعِهِ هَذا إِلَى إِيضاحِ عَلاقةِ الإِنْسانِ بالطَّبِيعةِ وكَيْفيَّةِ سَيْطرتِهِ عَلَيْها مِنْ خِلالِ العِلْم. ولفْظُ «الأُورجانُون» يَعْني الأَداةَ أَوِ الآلةَ نَفْسَها، بوَصْفِها مَنطِقًا للتَّفْكِيرِ العِلْمي، وقَدِ اسْتخدَمَ بيكون هَذَا اللَّفظَ ليُعارِضَ مَنهجَ أرسطو الَّذِي كانَ يُعرَفُ بالاسْمِ نفْسِه «الأُورجانُون». يَحْتوِي الكِتابُ عَلى قِسْمَيْن: الأوَّلُ هُوَ القِسمُ السَّلْبيُّ «شَذَراتٌ فِي تَفْسيرِ الطَّبِيعةِ وفِي مَمْلكةِ الإِنْسان»، والثَّانِي الإِيجابِيُّ «شَذَراتٌ فِي تَفْسيرِ الطَّبِيعةِ أَوْ فِي مَمْلكةِ الإِنْسان»، ومِن أَشْهرِ أَجْزائِهِ «الأَوْهامُ الأَرْبعَة»: أَوْهامُ القَبِيلة، وأَوْهامُ الكَهْف، وأَوْهامُ السُّوق، وأَوْهامُ المَسْرَح.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم