أقلام فكرية

علي رسول الربيعي: متطلبات نظرية العقوبة

علي رسول الربيعيمن الضروري توضيح بعض مطالب نظرية معيارية للعقوبة.[1] أولاً، من المطلوب أن تقدم نظرية العقوبة تعريفاً لـ "العقوبة" لتجنب الالتباس المفاهيمي. وهذا يؤدي بطبيعة الحال إلى الاعتراف بمختلف معاني "العقوبة"، من مجرد السجن إلى المعاملة القاسية جسديًا، والتعويض، من بين وسائل أخرى للتعامل مع المجرمين،  حيث يشكل كل منها عقابًا مناسبًا. لا يبدو بالنسبة لبعض النظريات  للعقاب والتي تم اقتراحها كنظريات إيجابية (أي تلك التي ترى أن العقوبة مبررة أخلاقياً في بعض الأحيان) أنها نظريات عقابية على الإطلاق، وربما حتى من قبل النظريات السلبية للعقاب (على سبيل المثال، تلك التي تنكر أن العقوبة مبررة أخلاقيا).

ثانيًا، المطلوب أن تحترم نظرية العقوبة التمييز الذي قدمه أنتوني كوينتون وجون راولز بين تبرير مؤسسة العقاب وتبرير أشكال معينة من العقوبة.[2] لأن ما يبرر الأول قد لا يبرر الأخير. فقد يكون الأمر مبررًا أخلاقيًا لمعاقبة المجرمين، ولكن بالنسبة للأشكال المحددة للعقوبة المتاحة لقضايا جنائية محددة، لا يوجد أي منها مناسب أخلاقيًا. على أي حال، المطلوب أن تنص نظرية العقوبة على ما يبرر العقوبة بكلتا معانيها.

ثالثًا، المطلوب أن تهتم نظرية العقاب بالعدالة الإصلاحية، حيث أن هذا هو هدفها الأساس. قد يبدو هذا الأمر واضحًا جدًا بحيث لا يتطلب ذكره. لكن المقصود منه التحذير من نظرية العقوبة التي تضع اعتبارات أخرى غير العدالة الإصلاحية (على سبيل المثال، عدالة التوزيع) في مقدمة الاهتمامات في العقوبة.

رابعًا، المطلوب أن تحدد نظرية العقوبة الشروط التي بموجبها يمكن اعتبار الشخص مستحق ما يعاقب عليه القانون. إن هذا مهم سواء كانت نظرية العقوبة إيجابية أو سلبية في المضمون أم لا. فمن الضروري أن نفهم الشروط التي يجب معاقبة الفاعل طبقا لها إلى الحد الذي يحققها.

خامسًا، المطلوب أن تكون نظرية العقوبة قابلة للتطبيق على نظام قانوني عادل إلى حد معقول، وهذا يستبعد إمكانية أن تكون نظرية العقوبة قادرة على سنها بشكل عادل من قبل الحراس الذين يتولون إنفاذ القانون. لأنه كما يشير الأمر الثالث، فإن نظرية العقوبة مطلوبة بقدر ما تهتم بالعدالة الإصلاحية.إن الإجراءات القانونية الواجبة هي الموازنة المعقولة والعادلة للأدلة في القضايا التي ينظر فيها القاضي.

سادساً، المطلوب أن توضح نظرية العقوبة ما هي العقوبات المناسبة للجرائم المختلفة. فالمبادئ التي من شأنها أن تشكل مثل هذا التفسير يمكن أن تكون بمثابة أساس لإصدار الأحكام على المجرمين.

يجب أن تتضمن النظرية المعيارية للعقوبة مفهوم الجريمة على أنها تلك التي يجب المعاقبة عليها. يفترض مثل هذا المفهوم للجريمة تصورًا للقانون الجنائي- لأهدافه ومضمونه الصحيحين، وادعاءاته على المواطن. ويفترض مثل هذا المفهوم للقانون الجنائي تصورًا للدولة- لدورها ووظائفها المناسبة، وعلاقتها بمواطنيها. يجب أن يشمل هذا المفهوم للدولة أيضًا مفهومًا للمجتمع والعلاقة بين الدولة والمجتمع.[3]

 

 الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ

...........................

[1] تم تطوير هذه المتطلبات بشكل مستقل عن "شروط" نظرية العقوبة التي ناقشها في جيفري جي مورفي :

Jeffrie G. Murphy, "Does Kant Have a Theory of Punishment?" Columbia law Review, 87 (I 987), pp. 510-11.

[2] Anthony M.Quint ' Punishment'  Analysis,14 (1954),pp.133-142.

 John Rawls, 'Tow Concept of Rules, ' The philosophical Review, 64 (1955),pp.3-13.

[3]  R. A. Duff, Punishment, Communication, and Community (Oxford: Oxford University Press,0 I), p. 35.

 

 

في المثقف اليوم