أقلام فكرية

حاتم حميد محسن: التحدي الأخلاقي والحاجة الى مواطنين عالميين

ان تآكل الثقة في المجتمع المدني هو أكبر التحديات التي تواجه عالم اليوم. المجتمعات الديمقراطية تعيش حالة من القلق. القادة والجمهور العام قلقون من التطرف والارهاب والراديكالية. المشرفون التعليميون والخبراء يشعرون بالقلق تجاه اولئك الذين يديمون اتجاهات التلقين. هذه التهديدات تجعلنا أقل ثقة بالآخرين، خصوصا باولئك الذين نراهم نوعا ما مختلفين عنا. العلاج يمكن العثور عليه في تعليم الناس ان يكونوا "مواطنين عالميين"، يهتمون وينخرطون نقديا مع الافكار والعقائد والمواقف التي تبرز عبر العالم. هؤلاء المواطنون العالميون يمكن ان يساعدوا في إعادة بناء الثقة المفقودة في المجتمع المدني في عالم معولم ومتنوع باستمرار.

الحياة الجيدة

لكي نعيش بين الآخرين باسلوب متناغم ومنسجم، يجب ان نعترف بان الآخرين يرغبون بعيش حياة جيدة تماما كما نحن. وكما يشير استاذ الفلسفة في جامعة سدني تم دين Tim Dean، بان"الحياة الجيدة" تبدو مختلفة لدى مختلف الناس في مختلف الاوقات. لا وجود هناك "لقياس يناسب الجميع" عندما نأتي للحياة الجيدة، نجد تعبير التنوع يشكل عنصرا هاما لعالم يحترم الحرية. مع ذلك فان هذه الحرية يجب ان تترافق مع احترام وعناية اذا أردنا تشجيع عمل قرارات أخلاقية على المستوى المحلي والقومي والدولي. نحن يجب ان نفكر بأنفسنا بنفس الطريقة حتى وسط التنوع . نحن كأفراد نعيش في جماعات، يجب ان نتعاون لكي ننجز أهدافنا، سواء كانت صغيرة او كبيرة. الحياة تتسم بتعاوننا او عدم تعاوننا مع الآخرين: العائلة، الاصدقاء، الزملاء، الغرباء. نحن نتوق ونبحث عن الارتباط وعن الإحساس بالانتماء. في ظل الوسائل التكنلوجية المتوفرة لنا، نحن نرتبط الآن في أي دقيقة من اليوم باناس لم نقابلهم يوما في أي مكان.

أهمية الثقة

الثقة هي واحدة من أهم المشاعر الداعمة للمجتمع . فلاسفة مثل الفيلسوفة النيوزيلندية Annette Baier و الامريكية Martha Nussbaum كتبتا عن حساسية وضرورة الثقة. اذا لم تكن لدينا ثقة بالآخرين او لم نعامل الآخر باحترام وعطف، فان تفاعلاتنا يمكن ان تكون مقلقة وستكون سببا للاضطراب وحتى الخوف. مع ذلك،اذا كنا نقترب من الآخرين كأصدقاء – بدرجة اكثر او اقل – ستتم المشاركة برغبة متبادلة وستقود  الى تفاعل سار وتجارب ايجابية متفائلة.

الثقة العمياء قد تكون خطيرة مثل الايمان الأعمى. الثقة والعطف يجب ان يرافقهما وبشكل تناسبي ذهن نقدي. لكن يجب ان لا نذهب بعيدا بالاعتقاد ان الثقة والاهتمام هما غير معقولين فقط لأن العالم هو مكان مخيف. الدراسات الميدانية التي جرت في الولايات المتحدة أظهرت ان الناس يعتقدون ان العالم اليوم هو مكان غير جدير بالثقة مقارنة بالاجيال السابقة. مع ذلك، لا نرى تزايد في الجريمة. ما زاد هو عدد الجرائم التي اُبلغ عنها في الأخبار الاذاعية وعدد من الاخبار التي نستهلكها. قراءة قصص كثيرة جديدة ومثيرة يقودنا لتصور العالم كمكان غير سعيد وغير صديق لا يمكن فيه الوثوق في الناس. لكن اذا كان هذا حقا هو الموقف،سيكون من الصعب جدا ممارسة حياتنا اليومية. تصوراتنا تُعتبر هامة هنا، والطريقة التي نرى بها الاخرين ونُرى تحدد طبيعة تجاربنا في العالم.

مواطنون عالميون

المواطن العالمي هو شخص يعترف بالآخرين باعتبارهم لا يختلفون عنه ، حتى عندما تؤخذ الاختلافات الفردية والاجتماعية والثقافية والسياسية على محمل الجد. المواطنون العالميون يأتون مع بعضهم موحدين في الإعتراف باننا يجب جميعنا ان نهتم بكوكب الارض وان جميع الناس لهم مصلحة مشتركة في الحياة الجيدة.

الاهتمام بالاخرين الذين لم نرهم ابدا والذين يبدون مختلفين جدا عنا يمكن ان يكون تحديا، خاصة في مناخ من الخوف. مع ذلك، هناك اصوات معروفة تدعو الى تبنّي مثل هكذا موقف شمولي عطوف .

الفيلسوف الاسترالي بيتر سنجر Peter Singer يدافع عن مفهوم "عالم واحد" و الفيلسوف البريطاني كوام انتوني Kwame Anthony Appiah يدعم هذه الفكرة بكتاباته حول العالمية. مارثا نوزبام Martha Nussbaum فيلسوفة امريكية تسلط الضوء على اهمية تربية "عيوننا الباطنية" وان نكون قادرين على "رؤية العالم من منظور تجربة الأقلية كطريقة للتغلب على الخوف واللاتسامح".

في كتابها الشهير (لا شعار)، تلاحظ الكاتبة الكندية Naomi Klein ناعومي كلاين انه "مع العولمة هناك حاجة لمعايير مشتركة".

الكل يجادل لدعم فكرة المواطن المعولم. وبمعنى برجماتي، سوف يدعم المواطنون العالميون السياسات التي توسع المساعدات الى ما وراء الحدود القومية وتبني علاقات متبادلة ومحترمة مع الاخرين بصرف النظر عن المسافات الجغرافية والدين والعرق او الجندر. المواطنون العالميون  متعاطفون حتى عندما يكونون منخرطين نقديا في بحث عن الحقيقة والحكمة. هم يستفيدون من التكنلوجيا (التواصل الاجتماعي، المدونات،ومواقع الويكس wikis السريعة) لتوسيع فهمهم بالاضافة الى حوافزهم. هم لديهم المهارات المطلوبة ليكونوا مبدعين ويتكيفون مع السوق العالمي المتغير باستمرار.

صحيح ان هذا قد لا يكون سهلا. لكن هناك بالتأكيد أهداف تربوية يجب أخذها بالاعتبار اذا كنا نريد تحسين وتطوير عادات المواطن العالمي االعطوف والناقد. نعتقد ان هذه الأهداف التربوية تستحق الكفاح.

***

حاتم حميد محسن

..........................

* المقال الثالث، سلسلة مقالات نُشرت في ذي كونفسيشن بتاريخ 13 مارس 2018 حول التحدي الأخلاقي الذي يواجه عالم اليوم.

في المثقف اليوم