قضايا

مصطَفَى غَلْمَان: فجوات رقمية في مجتمعات عبر الأنترنيت

(لو أن الإنترنت كانت اقتصادًا قوميًا أو اقتصاد دولة، فإنها كانت ستُصنّف بين اقتصادات العالم الخمسة الأولى، أي بعد الولايات المتحدة والصين والهند واليابان مباشرة) ـ ديفيد دين في تقرير ماكينزي  2012

تأثير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على العلاقات الاجتماعية، مثل الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي في صداقات المراهقين اليوم. أسئلة خطيرة تطرحها أخلاقيات التعامل، وقواعد الاتصال الاجتماعي الجديد إزاء استخدامات الهاتف الذكي بصحبة الآخرين، وكيف تؤثر على المواعدة والعلاقات المتعددة في عالم اليوم.

كيف تكون تكنولوجيا المعلومات والاتصالات جزءًا من عمليات صياغة الهوية والتعبير عنها، مثل إنشاء ملفات تعريف على وسائل التواصل الاجتماعي على المواقع الشهيرة.

كيف تكون صور السيلفي وتمثلاتها الفنية والشعورية، جزءا من تلك العملية؟ ، وإلى مدى تكون هناك فوائد أو عيوب تترجم أنماطا أو أنساقا للتعبير عن أنفسنا عبر الأنترنيت؟

هناك هواجس أخرى، يثيرها علماء الاجتماع، في سياق تحليل ظاهرة المجتمعات عبر الأنترنيت، من بينها تأثير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ووسائل التواصل الاجتماعي على التعبيرات الاجتماعية والسياسية والثقافية والأنشطة المجتمعية والحملات الموازية.

ويستحضر السؤال السوسيولوجي هنا، مظاهر التحفيز وتنوعه، خصوصا فيما يتعلق بتأثير الأنشطة وتداعياتها على القيم المجتمعية والسلوكات الاجتماعية. وهو ما يحدد بالتالي حضور التأثير الموازي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والويب في عمليات بناء الانتماء الاجتماعي، لاسيما بين المجموعات المهمشة أو الهامشية، وبخاصة الأقليات العرقية والثقافية وما إليها.

وتأسيسا على ذلك، أضحى علم الاجتماع الرقمي، يبرر تأويلاته الفلسفية انطلاقا مما تختزله الفجوات ، مع  يرافق ذلك من وسائل وطرق احتيالية يصل بها سماسرة الثروة إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وجميع موارد الويب المتصلة بها.

قطعا ولابد وأن لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات ووسائل التواصل الاجتماعي، تأثيرات على المجتمع، ويستمر مع تدحرج رغباتنا في تشكيل عالمنا بطرق ما زلنا في بداية فهمها.

لكن الفجوات الرقمية اليوم، خصوصا فيما يتعلق بالعلاقات الافتراضية للأشخاص، من جميع أنحاء العالم، قد غيرت المجتمع بطرق عديدة، من التبادل الثقافي إلى التنمية الاجتماعية والاقتصادية. فقد أعادت كتابة العديد من قواعد الاشتباك، كما أتاح مجتمع الإنترنت العديد من الطرق الجديدة للتفكير والتواصل، وهو ما سيمكن من الوصول إلى مصدر غير محدود تقريبًا من المعلومات، بدءًا من المواقع الإخبارية وحتى مصادر الأخبار المحلية.

 الآن، يمكننا الوصول إلى أي مصدر للأخبار من أي مكان. ومن زاوية معكوسة، يمكن استيعاب طفرات هذا التحول الرقمي، وإدراجه ضمن عالم رؤيوي يطور التفكير بالوجود وقدرة البشرية على الامتداد فيه والتعايش معه.

لكن تختلف سرعة الاستيعاب تلك، حسب المنظومة المستعملة والتكلفة ومدى توفر النطاق الترددي وانحيازاته الفنية والتكنولوجية.

وعلى الرغم، من هذا التفوق، فقد أدى استخدام الإنترنت إلى تقسيم رؤيتنا كمرافقين للتجربة إياها، على مستوى نوعية الحياة وتداعيات الصور المبثوثة من مواقع اجتماعية مختلفة، حيث تترجم أحيانا أشكال الرفاه المجتمعي وطبقياته. ما يشكل خطرا في الشعور بالتمايز والطبقية والتقعير الهامشي لشرائح معينة من المجتمع.

لكن الأبعاد الأكثر حضورا في تينك الفجوات، دخول مثالب النصب والاحتيال في حقل الدراسات والأبحاث والتصنيفات والمدونات الأدبية والعلمية. فعوض أن يمكن هذا التنوع معاشر الباحثين والدارسين من تعزيز أطاريحهم ورؤاهم، من خلال تبادل المعلومات والمعارف والبيانات عبر الأنترنيت، أضحى الذكاء الاصطناعي المنذور حديثا عبر تلويناته الخدماتية عالية الدقة، كتطبيق شات جي بي تي، المتخصص في المحادثة والإجابة على الأسئلة المختلفة، ومحاكاة المحادثات البشرية عبر تقنيات حديثة ومتطورة، وذلك باعتماد

تطبيقات منفردة على مجموعة من المراجعات البشرية التي تساعده على التعلم لإجراء محادثات ناجحة كالتي تحدث بين الأفراد، (أضحى) يسبب خرقا فاضحا في متلازمات الأخلاقيات وقيم البحث والترقي العلمي، استدعى من علماء الاجتماع الرقمي، التفكير بعمق في مستقبل العدالة عبر الأنترنيت، وتقاطعات ذلك مع منظومة التعليم وعلوم الجامعة والانتقالات التكنولوجية ذات الصلة.

***

د. مصـطَـــفَى غَـــلْمَــان

في المثقف اليوم