أقلام حرة

النجاح في استخلاص النتائج

فيندهش ويتعجب مما يرى، وكنا فعلا بحاجة لمن يأخذ بيدنا ويدلنا إلى الطريق، أو في الأقل يعرفنا على الأشياء الكثيرة التي كنا نعرف أسماءها ولا نعرف أشكالها وألوانها، ولكننا اصطدمنا بمعضلة كبيرة، حيث تبين أن أغلب الذين تطوعوا أو تصدروا لقيادتنا لم يكونوا أفضل حالا منا.

فكما هو معروف أن من سنن العقلاء والحكماء أنهم لا يستخلصون النتائج ويعلنونها أمام الملأ إلا بعد معرفة كل الحقائق التي تتعلق بالموضوع الذي وضعوه قيد الدرس، وربما لهذا السبب تميزوا عن غيرهم بالمعرفة والحكمة التي قادتهم للنجاح، وكانت نتائجهم التي توصلوا إليها صحيحة أو أقرب للصحة من غيرها. ألا أن بعض من تصدى لقيادتنا لم تكن له علاقة بالحقائق ولم يكن يبغي التوصل إلى النتائج بقدر ما كان يسعى لتنفيذ أجندة من اختراعه، أو من اختراع معتقده الديني، أو السياسي، أو أنها أوحيت إليه من قبل قوى أخرى، ولذا لم يذهبوا بنا إلى الطرق السوية والمسالك الوردية وإنما ذهبوا بنا إلى حفر ومهالك ومفازات لا ماء فيها ولا كلأ  حالهم حال الزوجين اللذين كانا يجلسان في قطار مع راكب وابنه الشاب العشريني الذي كانت ترتسم على وجهه الكثير من علامات البهجة والفضول والاندهاش وهو جالس قرب النافذة يتطلع إلى الفضاء الخارجي حيث تمتد الحقول . والذي صرخ باندهاش :أبي .. أبي. انظر جميع الأشجار تسير ورائنا، فتبسم الرجل تماشياً مع فرح ابنه ... فأندهش الزوجان من التصرف الطفولي الذي لا يتناسب مع عمر هذا الشاب. والذي صرخ مرة أخرى: : أبي، أنظر إلى البركة وما فيها من حيوانات وطيور، ما اسم ذلك الطير يا أبي؟ أبي. أنظر .. الغيوم تسير مع القطار. وأستمر تعجب الزوجين من تصرف الشاب.

ثم بدأ المطر يهطل، وكانت قطرات الماء تتساقط على يد الشاب، الذي امتلأ وجهه بالسعادة الغامرة والفرح الطفولي فصرخ  : أبي إنها تمطر، والماء يلامس يدي، أنظر يا أبي أنظر!

 في هذه اللحظة لم يستطع الزوجان كبت مشاعرهما فسألا والد الشاب" لماذا لا تقوم بزيارة الطبيب لتحصل لابنك على علاج، ظنا منهما أنه مريض نفسيا أو متخلف عقليا ؟

فأجابهما الأب مبتسماً :  إننا قادمون من المستشفى الآن حيث أصبح ابني بصيرا ً لأول مرة في حياته بعد أن أجرينا له عملية جراحية ناجحة، وهو الآن يرى هذه الأشياء لأول مرة ولذا ترون الدهشة بادية على ملامحه!

فخجل الزوجان وشعرا بكثير من الإحراج نتيجة تسرعهم بالحكم على أمر لا يعرفان حقيقته...

ونحن يا سادتي لم نكن خلال الأربعين سنة الماضية أفضل حالا من هذا الشاب الذي رأى الدنيا للمرة الأولى، ولكن يا ترى كم من سياسيينا المعاصرين من  سعى لمعرفة حقيقة أمرنا بغية استخلاص النتائج التي  سيستند إليها في أطروحاته ونظرياته قبل أن يحكم علينا؟ وكم فيهم من يملك مثل هذه الملكة والقدرة على الاستخلاص؟ أم أنهم بعيدون عن وجع الرأس هذا ويستسهلون الأمور بعد أن رأوا أن الجماهير ولاسيما جماهير طوائفهم وأحزابهم تتناغم معهم حفاظا على مصالحها حتى ولو كان في هذه المصالح صور لمئات القتلى والجرحى من الأبرياء والمظلومين الذين تخلفهم التفجيرات وراءها.؟ وألا لو كان فيهم من يسعى لمعرفة الحقائق قبل استخلاص النتائج، هل كان الإرهابيون سينجحون في إيقاع هذا القدر الكبير من الأذى بشعبنا وأهلنا وبلدنا ويلحقون به كل هذا التخريب الذي قاده إلى حافة الانهيار؟

إن ما لمسناه من الحراك السياسي العراقي خلال السنوات القليلة المنصرمة يؤكد أن أغلب القائمين عليه لا يختلفون عن الزوجين في حكمهما المتسرع على سلوك ذلك الشاب الذي أبصر الأشياء لأول مرة في حياته بعد أن كان محروما من هذه النعمة، وهو حكم  قائم على الجهل بحقيقة الأمور وعدم معرفة العلة لفهم المعلول، وهؤلاء لو كانوا واقعا على قدر قليل من الحكمة لما وصلت البلاد إلى ما هي عليه اليوم، ولما تكدست عشرات القوانين ومشاريعها على مناضدهم بغية اجتماعهم واكتمال النصاب للمصادقة عليها، ولما ثاروا بهذا الشكل على تطبيق قانون المسائلة والعدالة الذي صوتوا عليه وأقروه بأنفسهم وفي دورتهم الانتخابية.

 ولذا أعتقد أن هؤلاء السياسيين لا يشعرون ولن يشعروا عادة بمثل شعور الخجل والإحراج  الذي شعر به الزوجان بسبب أعمالهم أو سلوكهم وهذه هي الطامة الكبرى !!!

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1302 السبت 30/01/2010)

 

 

في المثقف اليوم