تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

ملتـــقى مئوية جون جونيه الدولي .. إبــــداع بلا حــدود

والأنسجة الإبداعية والثقافية ملتقى ثقافيا وإبداعيا كبيرا باسم هذا الأخير، اعترافا منها بقيمته الإنسانية والإبداعية وذلك بتعاون مع ملحق 2010، ومندوبية الثقافة بالعرائش، وبلدية العرائش، وعمالة العرائش، وأكاديمية وزارة التربية الوطنية بجهة طنجة-تطوان، والمعهد الفرنسي بجهة الشمال، وجمعية الثقافة والتواصل بالعرائش، والحركة الدولية "شعراء العالم" فرع المغرب، والجمعية الدولية "ألف شاعر" بفرنسا.

وقد شمل هذا الملتقى في مجمل أيامه أوراشا أدبية كبرى تضمنت موائد مستديرة، وأمسية شعرية لشعراء مرموقين، وشهادات، وندوات، ومسابقات في القصة القصيرة والشعر، وأوراش متعددة للقراءة والإبداع.

وقد افتتحت هذه الأيام الثقافية بالمكتبة الوسائطية عبد الصمد الكنفاوي باستقبال الضيوف المشاركين في الفعاليات،باكتشاف الخبايا الأثرية والجمالية التي تزخر بها مدينة العرائش، هذه المدينة التي كانت ومازالت تعيش على وقع الإبداع الحر بمبدعيها وأدبها المختلف الأنواع.

ولعل اليوم الثاني كان أكثر شمولية وإثراء، فقد شمل أمسية شعرية كبيرة اختلط فيها النبض بالحرف، والروح بالمعنى، والنفس بأشلاء منغمسة كلها في أثير البهاء الخلاق، بأنفس متنوعة، منفردة، بلغات عالمية ثلاث... لعب في دور النسج بين أثير هذه الباقات الشعرية في هذا اللقاء الشاعر والإعلامي إدريس علوش الذي بين أهمية وقيمة اللقاء والاحتفاء بكاتب عبقري مثل جان جانيه. وفي هذه المدينة بالذات.

وقد جمعت هذه الأمسية بين أحاسيس شعرية مختلفة من خبايا متباعدة في المكان،فكانت البداية باللغة العربية مع الشاعر والإذاعي عبد اللطيف بنيحيى في متاهات إبداعية خلاقة لا يعرف سواها إلا النبض الذي غار فيه وشخوص قصيدتيه اللتان منحتا للأمسية طابعها الخاص، بحر لا ينتهي،أساطير ثكلى،في هذا الصباح البلوري الذي انبثق فيه..أما الشاعر والقاص محمد منير فقد اختار الغوص في أجندة حافته الإبداعية وأسرار المكان الذي يحيط به خلال قصيدة وسمها ب "كازا"، وقصائد قصيرة أخرى ذات منحى الهايكو التي أعطت للمكان حرارة التصفيق والإبداع الحر الجميل. فيما اختار أنس الفيلالي هذا الذي تجري القصيدة شمالا وجنوبا بين دفتيه حيث محمد الخمار الكنوني يستلقي،و اللقاء في قصائد كتبها في بداية تجربته الشعرية، ليهديها بعد ذلك إلى أصدقاءه الشعراء الغرباء الذين لا يحبونه كثيرا،وان ألهب هذا لوعة التمرد الجمالي بصورة ذاتية، فقد ألهب حر التصفيق من جديد للصورة الشعرية التي ألقاها أنس في هذه النصوص ....أما الأستاذ والشاعر محمد مرزاق هذا الذي يسكب نار الحب كما روحه المنسوبة بالفتنة الشعرية، تخطو إلى وسادة لا يفرشها غيره، حيث رائحة يركع لنصوص ألهمته بعبق السكينة . فضل الغوص في منحيين شعريين بين عن تجربته فيهما منذ مطلع التسعينيات،فنصيه الشعري والزجلي نصين يعلنان عن التشبث بالحياة في صور بلاغية رائعة بصوره الدلالية الرصينة والمتميزة .

أما الأرخبيل الأخر بعد البحر،الناطق باللغة الفرنسية فقد استهله الشاعر المتألق عبد المجيد بنجلون الذي راكم عشرات المؤلفات المختلفة في انسياقها الإبداعي والجمالي باللغة الفرنسية،انه رئيس الجمعية المغربية للقلم الدولي الذي افتتن في إشعال لهيب المكيدة الشعرية داخل القاعة، مفضلا لغة الانصياع للروح المتشبثة بالقصيدة المرهفة الحس ليحلق بقصائده عاليا في سماء جون جنيه، مسافرا بلا عنوان، إلى مالانهاية .. مانحا القصيدة حكمة اللهيب، اللهيب التي يضئ وقتما شاء،و لا يعرف الانطفاء أبدا ... في حين فضل الشاعر الفرنسي فليب لوموان رئيس منظمة ألف شاعر بفرنسا، إلقاء نصوصا شعرية بلغة فرنسية كتبت بحاسة لا يعرفها سواه، نسج من خلال هديرها المنغسقة في ظلال المتن الروحي إيقاعا مختلفا، يتدحرج إلى صبيب الغسق البهي أينما كانت الحرية لأن الشعر عنده مرادف للحياة والحب والحرية، ولا اختلاف بينهما. أما عبد الواحد بناني رئيس فرع المغرب لحركة شعراء العالم ومقرها الشيلي، هذا الشاعر الذي يحمل غسق الحرف الملحون، بترتيل بنفسجي لأنسجة تخطها أشعة شمسه...ترتمي وحضرة سديمه هديرا ووطن، وللجرح حمل روحه الشعري من أعماق مغارة هرقل ومقهى الحافة، طائرا في سماء القصيدة بمكائد تتسم بين الإرادة والانصياع لمبني الحكمة والواقع الذي يميزه عن كل الحساسيات الشعرية بالمغرب كله،معبرا على الحب بنوعيات مختلفة فيما بينها وبلغة فرنسية منسجمة بين الحس البلاغي الرصين الذي أعطى للمكان لمسة شعرية خاصة .

أما الشاعر المغربي المقتدر محمد الصيباري الذي راكم أيضا عشرات المؤلفات الشعرية والقصصية والروائية باللغة الاسبانية، والذي كرمه العاهل الاسباني، فقد فضل لغة سيرفانطيس ولوركـا بحسه الشعري في سماء الأندلس، بقصيدة تحمل اسم" العرائش"، مشعلا بها لهيب تصفيق الحضور من جديد الذي غصت به جنبات القاعة من طلبة وباحثين وأكاديميين وتلاميذ ومثقفين ...ببوتقة حسية يلعب بمكنوناتها وحده كل لقاء من هذا الحجم،ليعلن عن التميز،التمرد الذي ميزه عن باقي البوتقات في كل المعمور . كما عرفت الأمسية عدة وصلات موسيقية أبدع فيها كل من الفنانين القديرين محمد الأشراقي وعبد العزيز البقالي، اللذان رافقا الشعراء في القاءاتهم الشعرية، وهذا ما أعطى الأمسية لمسة سحرية خاصة .

أما اليوم الموالي فقد شهد عدة محاضرات بالكلية المتعددة التخصصات بالعرائش،الأولتين باللغة العربية، واحدة بعنوان "جان جونيه والسينما" للسينمائي والسينارسيت خالد الخضري مؤلف الفيلم المغربي المعروف ب"خربوشة"، وأخرى وأخرى للقاص عبد السلام بلقائد في عنوان "جان جونيه الكاتب العالمي ".و محاضرتين أخيريتين باللغة الفرنسية الأولى بعنوان "جان جونيه الشاعر" لعبد المجيد بنجلون .

و قد تم في اليوم الموالي تقديم عدة أشرطة وثائقية عن جان جونيه مع تقديم شهادات في هذا الأخير،من عبد اللطيف بنيحي ومحمد الصيباري وخالد الخضري وعبد السلام بلقائد، وذلك في فضاء المكتبة الوسائطية عبد الصمد الكنفاوي .

أما اليوم الذي لحقه، فقد شهد اختتام هذه الفعاليات الثقافية الناجحة بكل المقاييس بشهادة المتتبعين بثانوية لويس فيفس، فقدمت فيها جوائز المسابقة الأدبية المنظمة لفائدة تلاميذ نيابة العرائش، فألقيت فيها الأعمال الفائزة، وسلمت الجوائز والشهادات على المستحقين، في سهرة موسيقية للفنان محمد الأشراقي الذي قدم ألبومه الجديد "همس العود"، وتميز همس هذا القادم من أعماق الحضارة المغربية الأصيلة بالجنوب المغربي، في نسج خيط فني متميز، لم يعرفه أبناء الشمال إلا في الهمس الذي جاء وعوده.إن مسك هذا اليوم كان تكريم الكاتب والشاعر محمد الصيباري الذي راكم عددا من الأعمال النوعية، انه أول كاتب مغربي يصدر بالاسبانية .

و للإشارة أن جون جنيه عرف بمساندته للقضايا العربية والإنسانية في العالم بأسره، بدءا من مناصرته للفهود السود بأمريكا، وليس انتهاء بنصرته للشعبين الفلسطيني واللبناني .

أنس الفيلالي

شاعر وباحث

 من المغرب

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1307 الخميس 04/02/2010)

 

في المثقف اليوم