قضايا

قاسم حسين صالح: قانون الجنسية المثلية.. اعادة النظر فيه واجب ديني وأنساني

وكات الأنباء

أقر مجلس النواب العراقي، أمس السبت (27 / 4 / 2024)، قانوناً يجرّم العلاقات المثلية ويعاقب مرتكبيها بالسجن لفترات تصل إلى 15 عاماً، في خطوة قال إن الغاية منها "الحفاظ على القيم الدينية".

وذكرت رويترز أن قانون "مكافحة البغاء والشذوذ الجنسي"، يهدف إلى الحفاظ على "كيان المجتمع العراقي من الانحلال الخلقي ودعوات الشذوذ الجنسي التي غزت العالم".

ويحظر القانون العلاقات المثلية ويفرض عقوبة "بالسجن لمدة لا تقل عن 10 سنوات ولا تزيد على 15 سنة على مرتكبيها"، وينص على السجن لمدة لا تقل عن 7 سنوات لأي شخص يروج "للبغاء أو الشذوذ الجنسي".

كما يفرض القانون الذي حظي بدعم الأحزاب الشيعية المحافظة (أكبر ائتلاف في مجلس النواب العراقي)، عقوبة السجن "لمدة تتراوح بين سنة وثلاث سنوات على أي شخص يغير جنسه بيولوجياً أو يرتكب ممارسة مقصودة للتخنث أو يروج له".

توطئة

 بدءا.. نحن مع أي اجراء يهدف الى الحفاظ على الأخلاق بمعناها الراقي. ولكننا لسنا مع اجراء يخص ملايين العراقيين وسمعة الدولة العراقية ما لم يكن للعلماء والمفكرين رأي في الظاهرة التي اتخذ البرلمان العراقي اجراءا قانونيا يتضمن عقوبات بالسجن او الاعدام.

 ما حصل في قرار مجلس النواب الخاص بالجنسية المثلية، يثير مفارقتين:

الأولى: انه اشار الى الحفاظ على" القيم الدينية" و"كيان المجتمع العراقي من الانحلال الخلقي"، فيما الكارثة الحقيقية التي اصابت المجتمع العراقي هي ما حصل للاخلاق والقيم من تدهور في العشرين سنة الأخيرة اوصل الى ان يصبح الفساد الذي كان يعدّ خزيا في الاخلاق العراقية.. الى فعل مشروع وانتهاز فرصة!، وضطرار الفرد إلى أن يعرض نفسه سلعة في سوق السياسة الذي يجبره على التخلي عن قيمه الإنسانية والعمل بما يأمره به مصدره السياسي، وايصال الوضع العام بالعراق الى أن يكون طاردا للذين يمتلكون منظومات قيمية صحية، بخاصة العلماء والمفكرين والمتدينيّن المتنورين والمثقفين والفنانين.

 والثانية: ان مركز الأبحاث الفرنسي كشف عن وجود 36 ملياردير، معظمهم كانوا فقراء.. وأن من بين هؤلاء من كان وراء قرار مجلس النواب!، غالبيتهم منتمون الى احزاب اسلامية!

الجنسية المثلية من منظور علمي

على مدى اربعين سنة.. كنت قد عاصرت ما حدث بالمجتمع العراقي من ظواهر، واجرينا دراسات الميدانية سواء في ميدان جرائم القتل البشعة، البغاء، المخدرات، العنف، أو المثلية.. توصلنا فيها الى الحقيقة الأتية:

"حين يمر المجتمع في ازمة حادة، فأنه ينتج عنها ظاهرة سلبية، يكون الشباب اكثر ضحاياها".

دليل ذلك، ان حالات البغاء ازدادت زمن الحرب العراقية الايرانية، وظهرت ايضا ما اصطلح في حينها على تسميتها شعبيا" (طنطا).. وتعني الشباب المتميعين الذين يستخدمون (المكياج) لتجميل وجوههم، وزرق الهرمونات لتكبير الصدر.. والتشبه بالنساء في تصرفاتهم فيصفهم الناس بــ (المخنثين) أو (المثليين) أو (الشاذين جنسيا")، وقد التقينا بهم وقدمنا دراسة علمية عنهم رفعت الى الجهات العليا واخذت بتوصياتها!.. في مفارقة ايضا، أن النظام الديكتاتوري كان يستعين بالعلماء في دراسة الظواهر الاجتماعية السلبية، ويأخذ بتوصياتهم ومقترحاتهم، فيما النظام الديمقراطي يستبعدهم ويعتمد فقط على العقل السياسي المصاب،معظمه، بالدوغماتية!

الأسباب العلمية للمثلية الجنسية

اولها: اسباب اسرية تتعلق باساليب تنشئة خاطئة في الطفولة، مصحوبة بانعدام التوجيه والارشاد بمرحلة المراهقة، والشعور بالضياع بمرحلة الشباب.

وثانيها: اسباب تتعلق بالتحولات الديمقراطية واشاعة الحرية، وظهور منظمات المجتمع المدني التي تطالب باحترام حقوق الانسان. واعتقد ان حالات (المثلية) هذه صار بين افرادها ما يشبه التنظيم الذي يهدف الى انتزاع الاعتراف بحقوقهم كما هو الحال في عدد من المجتمعات الغربية، دون اخذهم باعتبار ان المجتمع العراقي مجتمع اسلامي له قيمه التي تختلف عن قيم المجتمعات الغربية. وسبب اخر اعتقد انه الارجح والاذكى، هو ان هؤلاء (المثليين) يريدون ان يعلنوا عن انفسهم ليكشفوا للعالم الغربي كم هم مضطهدون ومستهدفون بالقتل لعلهم يحصلون على لجوء في دولة اوربية، ويأتي القانون الأخير ليؤكد حجتهم.. وانتظروا ما سيفاجئكم! بعد تصريح الخارجية البريطانية بأن القانون (خطير ومثير للقلق) وتصريح الخارجية الأميركية بأن القانون (سيضعف قدرة العراق على تنوع اقتصاده وجذب استثمارات أجنبية).

 وثالث الاسباب: هو ان الكثير من حالات المثلية هذه نضعها في الطب النفسي تحت مصطلح (اضطراب الهوية الجنسية).. وتعني تحديدا" ان الفرد " المثلي " يشعر انه ولّد في الجسم الخطأ. فالولد يشعر نفسيا" انه انثى ولكنه مولود في جسم ذكر، وهنا يحصل اضطراب بين هويته النفسية ومشاعره الانثوية وبين هويته البايولوجية وما مطلوب منه التصرف كرجل.

 تنبيــه

 وهذا ما نريد ان ننبه مجلس النواب والحكومة العراقية والناس بشكل عام، الى ان هؤلاء المثليين من هذا الصنف جاءوا بتركيبة نفسية وبايولوجية خاطئة، وانهم كالمرضى الذين لا يكونوا مسؤولين عن مرضهم. وعليه فان اساليب التعامل مع هذا الصنف تحديدا" يجب ان تختلف، ولا يصح مطلقا تجريمهم.. ما يعني ان القانون الذي اصدره مجلس النواب يرتكب جريمة بسجن من جاء بتركيبة بايولوجية خاطئة.

 قد يقول بعضهم، ان ما ذكر هو رأي شخصي، وعليه فانني استشرت طبيبا نفسيا عراقيا مقيما في لندن هو الدكتور رياض عبد، واليكم نص اجابته:

 (إنني مدرك تمام الإدراك بإن موضوع المثلية الجنسية من المواضيع الشائكة في مجتمعنا كما هي الحال في معظم المجتمعات الإسلامية المحافظة. وهذا على العكس من الحال في المجتمعات الغربية التي تتبع أسلوب الحوار العلني المفتوح فيما يخص المشاكل الإجتماعية بما فيها الجنسية منها.

وهنا أود أن أصحح بعضا من هذه الآراء الخاطئة عن موضوع المثلية الجنسية ومسبباتها.

 أولاَ: المثلية الجنسية هي حالة بشرية وجدت على إمتداد التأريخ البشري المعروف، وكذلك هي حالة موجودة في كافة المجتمعات البشرية في العالم المعاصر بغض النظر عن العرق أو الدين أو اللغة أو المستوى الحضاري أو الإقتصادي. وهي ظاهرة موجودة في كافة المجتمعات الإسلامية المعاصرة على العكس مما قد يدعيه البعض.

إن النظرة العلمية الحالية لظاهرة المثلية هي أنها في اغلب الأحوال نتيجة خلل تكويني يؤثر في نمو وتكوين الدماغ البشري والذي يبدأ في المراحل الجنينية ويستمر الخلل طوال حياة الفرد المصاب. وفي الوقت الحاضر ليس هناك علاج معروف يمكن أن يغير المثلي الى سوي سواء بإستعمال العقاقير أو العلاج النفسي أو الإجتماعي. وبإختصار فإن المثلية ليس لها علاقة بالتربية البيتية وليس لها أي علاقة بالتفسخ الخلقي أو الإجتماعي أو بقدرة الفرد على أن يمارس دوراَ إيجابياَ في المجتمع).

 توصيات

 في ضوء ذلك.. نتقدم بتوصيتين:

 الأولى: أن يعيد مجلس النواب العراقي المحترم النظر بالقانون واجراء التعديلات العلمية بما يحافظ على القيم الدينية والاخلاقية للمجتمع العراقي، وبما لا يجعله يرتكب جريمة بحق من جائوا بتركيبة نفسية وبايولوجية خاطئة.

والثانية: الاستعانة بالأطباء والأستشاريين النفسيين في التعامل مع الذين سيلقى القبض عليهم ودراستهم قبل احالتهم الى المحاكم المختصة، والأخذ بما يقترحونه بخصوص من تستدعي حالته ادخاله الى مسشفيات الطب النفسي.. ونحن على استعداد لتنفيذ هذه المهمة.

اللهمّ هل بلغت.. اللهمّ فاشهد

***

أ. د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

28 نيسان 2024

 

في المثقف اليوم