أقلام حرة

عن الكوتا أيضا

رابعا من المادة 49 من مواده المثيرة للجدل، كتبت بشيء من التحيز للجنس اللطيف، ومن حقها أن تتحيز، فهذا الجنس لم يحض بانحياز بنات حواء فقط بل وحضي أيضا بانحياز جنس الرجال من أبناء آدم كذلك.

وفي حديثها تطرقت  إلى أهمية ما منحته الكوتا للمرأة من حقوق وامتيازات، ثم عرجت إلى موضوع الاستحقاق لتقول أن المرأة حصلت على هذه النسبة ـ وهي نسبة لا مثيل لها في العالم تقريبا ـ  باستحقاقها لأنها (لا تقل جدارة عن الرجل) وقد توقفت عند الجملة الأخيرة طويلا ليس لكوني رجلا يتحسس من روح المنافسة بين الجنسين ويتعامل مع المفردات بتفكير ذكوري متحيز، وإنما لأني أرى أن لا علاقة للاستحقاق الشخصي بهذه النسبة التي جاءت اصلا بسبب تداعيات لابدية الدستور الذي أختار هذه النسبة وفقا لتوصيات الحاكم الأمريكي بول بريمر، وهي اللابدية التي يبدو أنها لم تشبع نهم هذا الجنس الذي بات يطالب على لسان الكاتبة بلابدية أخرى أكبر منها تمنحه نسبة  (النصف أو الثلث) على أقل تقدير.

وقبل الخوض غمار هذا اليم الهائج هناك يم آخر يتطلب الخوض فيه جرأة وقوة وروح مطاولة لا حدود لها وأقصد به حديث الكاتبة عن جدارة الاستحقاق، فموضوع الاستحقاق لا يمكن تناوله ضمن موضوع صحفي محكوم بضرورات الحجم،

 وحديث الكاتبة عن الاستحقاق فيه الكثير من العمومية وسابق لأوانه لأن واقع حال المرأة، وكل معطيات الحراك الاجتماعي والسياسي والثقافي والعلمي والحياتي، تؤكد أن المرأة العالمية والعربية والإسلامية  والعراقية لم ترق بعد لأن تصبح بجدارة الرجل وأدائه ليس بسبب قصور في عقلها فذلك قول ساذج،  ولا في تكوينها الجسدي  فقد تجاوز العالم وتجاوزنا معه مرحلة التكوينية التي كانت تتحكم بمشاركة المرأة في العمل الاجتماعي والسياسي، والتي سقطت من قاموس المفاهيم المجتمعية المتداولة بعد أن حطم الحراك التطوري والسياسي وليس النضال النسوي هيكليتها، وإنما بسبب طبيعة الحياة الشرقية التي لا زالت تقاد عن طريق الموروث السلوكي والفكري  والعشائري. وتبعا لذلك أرى العكس، وأعتقد أن نسبة الـ 25 %  نسبة مبالغ فيها كثيرا، وأكبر من حجم الاستيعاب النسوي الحقيقي ليس في العراق وحده بل في العالم كله، وليس على مستوى الخير فقط بل حتى في أحقر وأدنى المستويات الأخرى ومنها أن مشاركة المرأة في الأعمال الإرهابية الحقيرة التي تحدث في العراق والعالم، لا تزيد عن معدل 1% من مجمل العمليات.

إن اعتراف غالبية العراقيين وبضمنهم السيدة الكاتبة بفشل التجربة البرلمانية النسوية الحالية يعني أن طبيعة المرأة العراقية التي تربت على ثقافة القهر والاستلاب في مجتمع ذكوري وعشائري  موجودة بنفس المواصفات في كل العراقيات وبضمنهن اللواتي رشحن أنفسهن للانتخابات القادمة، وبالتالي يبدو لي أن أداء المرشحات الجدد سيكون محكوما بنفس الإكراهات، وخاضعا لنفس الضغوط، وسيصدر عنهن نفس الأداء ويلعبن نفس الأدوار الهامشية التي لعبتها النائبات الحاليات.

 ويعني هذا أن مسيرة التحرر النسوية  التي ممكن أن توصل المرأة إلى مرحلة المنافسة الحقيقية والمتكافئة مع أخيها الرجل لا زالت طويلة وشاقة. وتأتي مشقتها من كون المرأة الشرقية اعتادت منذ نعومة أظفارها أن توكل حك جلدها لغيرها، في الوقت الذي قال فيه مثلنا التراثي (ما حك جلدك مثل ظفرك) فأوكلت أمرها لغيرها وآمنت أنها لا يمكن أن تعيش وتمارس حياتها إلا ضمن حماية سقوف كثيرة منها سقف الدستور، ولذلك سارعت عضوات مجلس محافظة واسط لإقرار قانون المرافقة الزوجية الذي طلبن فيه تعيين أزواجهن كمرافقين لهن.

 والمرأة إن أرادت أن تثبت وجودها يجب أولا أن تتخلى عن كثير من السقوف الزائفة وأن تتماهى مع جراحها وتتساوق مع عذاباتها التاريخية وتعمل بشراسة لتثبت وجودها وجودتها وجودها، لكي تفرض نفسها فرضا ولا تستجدي حماية الدستور والقانون وما سواهما لأن الكوتا الحالية التي  تدعي الكاتبة أنها لم تنصف المرأة، ليست خالدة، وهي قابلة للتبدل مستقبلا مع تبدل القوائم المغلقة والقوائم المفتوحة، لأن المستقبل سيكون حتما للترشيح الفردي الشخصي القائم والمبني على الكفاءة الشخصية والمواصفات المثالية بعد أن أثبتت القائمة المغلقة فشلها وستثبت القائمة المفتوحة فشلها أيضا عن قريب.

وأهمس في أذن اللواتي يطالبن بنسبة النصف أو الثالث قائلا: إن نسبة الربع تبدو كبيرة لا في مقاييسنا العراقية والعربية فقط، بل والعالمية أيضا، فكم رئيسة حكمت أمريكا وفرنسا وألمانيا وروسيا وكل الدول الأفريقية وكل الدول العربية والإسلامية خلال القرن المنصرم يا ترى؟ إنها بالتأكيد إما أن تكون معدومة أو تكون أقل من القليل، لذا أرى أن الظرف الراهن يبدو ظرفا مناسبا للعمل النسوي الجدي والمثابر لبناء قواعد الانطلاق نحو التحدي الحقيقي القائم على الكفاءة الشخصية، ولكن فقط يجب أن تؤمن النساء بمقولة (نعمل بالممكن ولا ننسى الطموح) تلك المقولة الرائعة التي سرقها صدام من التراث الفكري العالمي ونسبها لنفسه، فشوه قيمتها الحقيقية. بمعنى أن المرأة وهي تمثل نصف المجتمع يجب أن ترضى بالنسبة الحالية، وأن تسارع لتبديل آليات تفكيرها وعدة عملها وتستنبط آليات وعدة جديدة لها قدرة التأسيس لمفهوم الجدارة الحقيقية القائمة على روح المشروعية والتحدي بعيدا عن اللابديات والأغطية والسقوف، لأن بقاء هذه اللابديات يعرقل تطور المرأة ويبقيها تحت منة المنانين سواء كانوا رؤساء قوائم انتخابية أو فقرات ومواد دستورية أو قيم ذكورية وعشائرية!  وهي إن جاهدت بحق ضمن منظومة القيم الأخلاقية والدينية والوطنية ستثبت أنها لا تقل جدارة عن أبناء جنسها الذكور، وقد نرى في القريب العاجل قوائم انتخابية ترأسها بنات حواء وينضوي تحت عبائتها الذكور، أو نرى المرأة العراقية رئيسة وزراء أو رئيسة جمهورية

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1311 الاثنين 08/02/2010)

 

 

في المثقف اليوم