أقلام حرة

الديموقراطية..أفاق مستقبلية نحو البناء

العديد من المفكرين والكتاب السياسيين يؤطرون نظريات اشبه ماتكون بتلك التي وضعها نظام (بريكلس) في العصر اليوناني القديم، لكن جميع تلك النظريات اصطدمت بواقع مخيف لم تكن قد شملتها رؤية (العصرنة والتمدن) من حيث الموروث أو النزعات الشوفينية التي غذتها النظرة العنصرية على مدى واسع من الزمن . فهل الديموقراطية شعار أم ممارسة ؟ أم هي استعداد نفسي في محاولة للتغلب على ذلك الموروث ؟

يقول (هارولد لاسكي) في كتابه عن الديموقراطية (ان طرح اي شعار لابد وان تكون له قاعدة ولو بسيطة من الممارسة التي تشكل منهجا للتحرك) فاذا كان الامر كذلك فكيف تستطيع الشعوب، لاسيما تلك التي خرجت من حقبة الديكتاتورية والشمولية السياسية، أن تضع منهجا ثابتا للانتقال نحو الديموقراطية . ان نظرة بسيطة لما يجري عقب انتهاء الحرب الباردة في التسعينات من القرن الماضي تؤكد ان مسألة الديموقراطية ليست من الامور التي تختزل الزمن والمسافة، بل على العكس من ذلك فهي تحتاج الى الى فترة من النقاهة تستعيد فيها الشعوب ذاكرتها لترسم عبرها مسيرتها المقبلة . ولعلنا لانغالي اذا ماقلنا ان عملية احراق المراحل - وفق تسمية لينين - لم تعد تشغل بال حتى الثوريين الذين دغدغوا مشاعر الشعوب في فترة ما، خصوصا بعد بروز تيارات ثيوقراطية حاولت ان تتخذ من الموروث الديني ايديولوجية لها، وبناء على ذلك فان الديموقراطية من خلال هذا الجانب هي بناء نفسي يتأتى من خلال ممارسة تحت شروط قد تبدو للبعض انها قاسية نوعا ما . ان هارولد لاسكي وفرانز فانون ووفق هذه الرؤية قد وضعوا اسسا لم تعد صالحة في القرن الحادي والعشرين الذي شهد انهيارات كبرى في الانظمة الشمولية على مستوى العالم كله، ومن هنا فلا بد من ايجاد ارضية جديدة تستند اليها مقومات الديموقراطية الحديثة، ولعل من المفيد جدا العودة الى مؤلفات (مونتسكيو) التي مهدت للثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر وكتاب قاسم امين (طبائع الاستبداد) في النصف الاخير من القرن التاسع عشر، لكي نحصل على المقارنة المطلوبة في فهم عالمنا المعاصر وتأسيس رؤية جديدة لمفهوم الديموقراطية . واذا ماأخذنا مثلا على ذلك، فأن انهيار المنظومة الاشتراكية وتحطم الانظمة الشمولية في اوربا الشرقية، نجد ان الكثير من المفاهيم السياسية قد تغيرت فعلا وحلت محلها رؤى قد تبدو للوهلة الاولى انها ذات طبيعة ديموقراطية لكنها في حقيقة الامر ليست غير رغبة غير ناضجة في التغيير وهذا ماشكل عبئا ثقيلا على الشعوب وتشويها لمفهوم الديموقراطية . واذا ماعدنا للتساؤل الاول عن الديموقراطية في انها شعار أم ممارسة أم هي استعداد نفسي نرى أن ثمة ارتباطا جوهريا بين المنطلقات الثلاثة . فهي استعداد نفسي اولا ينحو نحو التماسك الداخلي الذي يوضح الرؤية ومن ثم شعار يلخص منهجا سياسيا واضحا، وممارسة من اجل تحقيق ذلك المنهج .. ان الارتباط الجدلي بين هذه الامور الثلاثة يوفر الارضية الخصبة لبناء الديموقراطية على وفق اسس سليمة لايرقى اليها الشك، أو التلاشي .. وهذا ماتحتاجه الشعوب في العصر الراهن لكي يتسنى لها تجاوز آثار الماضي والتعامل مع العالم المتحضر على اسس توافقية ليس فيها نظرة تعال أو استخفاف، أو حتى هدر لمقدراتها وليس من شك في ان ذلك سيوفر مناخات صحية جديدة أمام الجميع لابراز قدراته في بناء المستقبل

 

 الاعلامية هيفاء الحسيني/واشنطن

 

 

 

 

 

في المثقف اليوم