أقلام حرة

الدور المطلوب للاكراد في عراق اليوم

في الفترة نفسها بسبب عدم تحقيق الوعود بتشكيل دولة عربية واحدة ضمن منطقة الهلال الخصيب كما وعدهم البريطانيون بذلك فانه لايصل الى ذلك الإجحاف الشامل الذي مزق الأكراد شر ممزق . ولكن هذا الإجحاف الكبير لا يجب ان يتحول الى عقدة تحول دون تعامل الأكراد مع المعطيات الدولية وظروف العراق وحقائق العصر بمرونة .

ان التعامل المتشنج مع الأحداث يؤدي الى نتائج معكوسة، ولعل المثال التاريخي الأبرز في هذا الباب هو مثال العرب في قضية فلسطين . فلو قبل العرب قرار الأمم المتحدة في عام 1947 القاضي بتقسيم فلسطين بين العرب واليهود والذي كانت حصة العرب فيه هي الأكبر لما واجه الشعب الفلسطيني المآسي التي ما زالت نعيش تداعياتها . وكان من يدعو الى قبول التقسيم يوصم بخيانة القضية العربية والعمالة للغرب . اما الأن فان العرب يتمنون ان يتحقق ولو جزء يسير مما جاء في ذلك القرار .

ان مبدأ ( كل شيئ او لا شيئ ) هو ما حصل مع العرب في قضية فلسطين هو من اخطر المبادئ التي يمكن ان تتعامل بها اي حركة سياسية او فكر سياسي ولاسيما اذا كانت هذه الحركة او هذا الفكر يسعى الى بناء كيان ديمقراطي . فالديمقراطية تتصف بانها عملية الحلول الوسطية التي تسعى الى تقريب كل وجهات النظر .

ان الظلم الذي لحق بالأكراد لا يجب ان يتحول الى شعور بالمرارة يحول دون اتصافهم بالمرونة السياسية وتفهم وجهات النظر الأخرى والتعامل معها . كما ان حلم الدولة الذي يداعب اذهان بعض الأخوة الأكراد، على الرغم من انهم لم يقولوا ذلك علنا مع انه حق من حقوقهم، لايجب ان يكون طريقا لتفتيت العراق . فالعراق اليوم يعيش وضعا استثنائيا ربما لم يمر عليه الا في بداية تأسيس الدولة العراقية سنة 1921 وربما اسوأ من تلك الفترة بكثير . ففي تلك الفترة كانت الأمبراطورية البريطانية هي صاحبة اليد الطولى في المنطقة وصاحبة الكلمة المسموعة حيث ان كل جيران العراق انذاك كانو اما انهم تحت المظلة البريطانية او انهم من حلفائها الأقربين او خصومها المهزومين في الحرب العالمية الأولى والذين كانوا ما يزالون يداوون جراحاتهم او كيانات هزيلة لا تستطيع ان تواجه ارادة بريطانيا العظمى بل تسعى الى تجنب المواجهة معها باي شكل. اما الأن فأن الوضع مختلف . فجيران العراق دول كاملة السيادة. البعض منها له اطماع في العراق والبعض الأخر يريد ان يكون له دور في رسم مستقبل العراق او ان يكون له نفوذ في العراق. كما ان الأمريكان بما هو معروف لديهم من براغماتية لا نستبعد ان يستجيبوا لبعض مطالب تلك الدول وخاصة اذا كانت تلك المطالب لا تتعارض مع المصالح الأمريكية او ربما رغبة من الأمريكان في عدم الأعتماد على حلفائهم العراقيين بشكل مطلق بل الموازنة في استراتيجياتهم بين القوى السياسية العراقية وبين بعض دول المنطقة التي لأمريكا علاقات تاريخية معها او مصالح حالية او مستقبلية . لذلك لا نستبعد ان يغيروا من خططهم تجاه الأكراد اذا رأوا ان ذلك يستجيب لمصالحهم . فعلى الأخوة الأكراد ان يكونوا اكثر حرصا وحذرا وان يأخذوا ذلك بنظر الأعتبار وان لا ينساقوا وراء الأوهام في هذا الشأن ويجب ان لا يركنوا الى وعود الأمريكان. فأمريكا دولة عظمى لها استراتيجيتها في المنطقة وفي العالم والتي قد تنسجم احيانا كما قد تتقاطع في احيان اخرى مع بعض القوى السياسية هنا او هناك وفي هذا الجزء او ذاك من المنطقة او العالم .

ان التركيبة الفسيفسائية للمجتمع العراقي ثابتة وكون الخريطة القومية والأثنية تتعدى حدود العراق وتمتد الى دول الجوار هي حقيقة ثابتة ايضا . وان اي حركة او تغيير في هذه الخريطة سوف تنظر لها هذه الدول بمنتهى الجدية والتشنج وهي التي تتهم القوى السياسية العراقية بالسعي الى تقطيع اوصال العراق وتكوين كيانات اثنية وطائفية وقومية .

في ظل ضعف الدولة العراقية في الوقت الراهن فان وضع كل المطاليب والطموحات على الطاولة مرة واحدة هو امر يضر بالأكراد من خلال الحاقه الضرر بالعراق كدولة وككيان، فقوة الاكراد من خلال قوة الدولة العراقية .

نتوقع من القيادات الكردية وهي القيادات المجربة ان يتفهموا وضع الأخوة التركمان والأشوريين وغيرهم من القوميات العراقية ولا ينساقوا وراء بعض الفئات المتشددة في الشارع الكردي والتي لا تقرأ الأوضاع الأقليمية والدولية قراءة صحيحة .

نعتقد ان طرح موضوع كركوك وما يسمى المناطق المتنازع عليها وموضوع العقود النفطية وغيرها من القضايا مرة واحدة سوف يسيء الى القضية الكردية مثلما يسيء بذات الوقت الى قضية العراق . واذا كان هناك البعض من الأكراد من يتصور ان الظرف السياسي الذي يمر به العراق في الوقت الحاضر هو فرصة تاريخية يجب اغتنامها وانها قد لا تتكرر مرة اخرى فانه على خطأ كامل . صحيح انها فرصة تاريخية ولكن لتثبيت كيان العراق الديمقراطي. ان اي اساءة في تفهم الوضع الحالي سوف تنعكس على الجميع واولهم الأكراد بأوخم العواقب . ان المهمة المقدسة التي يجب ان يتعض بها الجميع هي تدعيم الوضع السياسي للعراق وتهدئة المخاوف التي قد تثور لدى البعض وسوف يكون ذلك افضل رد على من يتهم الأكراد بانهم يسعون الى تأسيس (كردستان الكبرى) من خلال تفتيت العراق ... كردستان الكبرى التي يصعب تصور امكانية قيامها في ظل الأوضاع الكردية والعراقية والأقليمية والعالمية الحالية .

 

الدكتور عبد الجبار منديل / اكاديمي عراقي – كوبنهاغن

 

 ............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1079  الاثنين  15/06/2009)

 

 

في المثقف اليوم