أقلام حرة

اليوم العالمي لحرية التعبير: الوطن .... أهلا في ظل المادة الإعلامية الجبائية ؟؟

 يلحظ أيضا أن كل فرد قارئ بجريدة تقريبا، وهذا يعني أن كل فرد من هؤلاء يحمل خبرا، بل جملة من الأخبار والوقائع، مع الإشارة في البدء أن الظاهرة صحية إلى أبعد الحدود، غير أن الأمر من وجهة أخرى لا يغدو كذلك إذا استثنينا، أو تعاملنا مع " القراءات الاستثنائية " أو القراءات المميزة .

 

الأمر يغدو في مكنوناته جملة من المناحي " الإيصالية " في منحى كل ناشر، وكل عنوان فكل جريدة تحمل معنى أكثر من الأخرى، أو بالأحرى تحمل منظومة واضحة للطرح والمعالجة والأداء الإعلامي والتبليغ، وإذا استثنينا القراءات المتكاملة، (قراءات المتلقي) مشاربه، تموقعه الاجتماعي الهرمي في ظل قراءات مبعثرة في أغلبها، وأخرى متزنة نوعا ما، نجتلي جملة من الحقائق والوقائع من خلال " القراءات بدون تمييز "، أو من خلال القراءات المبعثرة، فالقارئ العادي يغوص في مكامن قراءاته وكأنه يلعب " الدوينو" بينما يغوص القارئ المتميز في مكامن قراءاته وكأنه يقابل بطلا فحلا في لعبة الشطرنج، فالأمر هنا يختلف أيما اختلاف .. بل يأخذ منحى مغايرا تماما لكيفية التعامل مع ا" القراءات " والعناوين .

 

القارئ البسيط، الذي يحمل جريدة صباحية كل صباح وهو قابع بأحد المقاعد الخشبية، أو الإسمنتية بالحدائق العمومية، أو أمام محطة الحافلات، أو بالساحات البلدية وغيرها، أو بمقهى، وهذا هو الأغلب والأرجح في مواقع " القراءات الاستهلاكية " هذا الصنف يقتني في أغلبه جرائد لا يقع عليها اختياره، |أو تلك التي " تمطره " بالأخبار الرياضية وكل هذا لتمضية الوقت، هذه المعطيات مغايرة تماما للمسؤول الذي يتناول نفس الجرائد الصباحية، مع عدا الرياضية في أندر الحالات، وهو مدسوس بين أريكته الفخمة بمكتبه الفخم، أو على كرسيه المتحرك، الفخم بنفس المكتب وعلى أذنيه سماعة هاتف " أحمر " وآخر "في اتصال غير منقط مع مرؤسيه، الأمر هنا أيضا يختلف مع الصحف المسائية التي يتناولها هذا المسؤول ويتناولها بالمقابل ذاك العامل البسيط، العائد من عمله منهكا، متعبا من أوامر مسؤوله أو رئيسه،

 

الأمر يختلف أيضا بين ذاك الطالب وذاك الموظف البسيط .. والأمر يختلف أيضا وهذا هو المهم بين الجريدة المسائية وتلك الجريدة المسائية الأخرى، وإن تقلصت في المدة الأخيرة هذه الظاهرة، وانصهرت" المسائيات " في الصباحيات " .

 

 والأهم من هذا وذاك، الأوامر التي تصدرها هذه الصحف  لهؤلاء جميعا، ولعل أوامر هذه الصحف لا تعدو في مناحيها أكثر من سلطة " رابعة " بمفهومها الإيحائي والجبائي على القارئ- ولعلها بالمقابل - أي الصحف – لا تعدو " سلطة رابعة " في كونها تتعامل مع رئيس ومرؤوس، إدراكا من أغلبها أن ثمة مد وجزر بينها وبين المتلقى، وهي تدرك ذلك، ولهذا تقدم له " مادته اللذيذة " الشهية " على طبق من الإغراء والتشويق غالبا،بأقلام مبتدئة، و كأن " تمغنطسه بالوقائع الرياضية، وأخبار النجوم وغيرها من مواضيع " الإثارة " مع إضافة البهارات والتوابل، وهي تدرك ذلك، أو تلعب على " كل وتر حساس " في أغلب الأحيان تضرب " بخطها الافتتاحي " عرض الحائط، وهذا ما هو سائد، مع الأسف ..فإذا سلمنا بأنها في منحاها العام تشكل سلطة رابعة (كما هو متعارف عليه) فإننا بالمقابل ندعوها إلى" الوسطية " في استعمال سلطتها .. واحدة أو ثانية أو ثالثة أو رابعة كانت ...( قد لا نعني في هذا المضمار) الليونة أو اللاموقف،، فكل سلطة تحمل موقفا وانتماء، وخطا افتتاحيا، لكن ثمة " وسطية " مرحلية يجب أن تحترم كمعيار أساسي، أو كحد أدني للتعامل " أخلاقيا " مع المتلقي (القارئ)، أو يجب أن تتخذ كنقطة بدء في الوقت الراهن نظرا لاعتبارات مرحلية، راهنة تعيشها الأمة العربية، أو بتعبير أدق يعيشها القارئ العربي، حيث كما أسلفنا تتميز ساحة العوام في هذه الحقبة / الآونة بالقراءات .

 

شوارع المدن الكبرى تعج بباعة الصحف .. أغلبهم شباب .. وعلى أغلب أرصفة الشوارع نلحظ أكواما من الجرائد المطروحة، المعروضة على المارة، فضلا عما تحمله رفوف وواجهات الأكشاك، فأمام هذا " الرزم " يتوجب علينا بناء أجواء للقراءة، وكذا صياغة " احترافية " لها من منظور عقلاني تعبوي، استجابة للعرض والاستجابة خاصة " حضاريا " لمستوى " النميمة الإعلامية " التي تتعمد بعض العناوين تغليب منحى " الإثارة " على حساب المادة وحق المواطن في الإعلام، فهي تدرك ذلك أيما إدراك، والأمر لا يحتاج إلى تفصيل، فهناك موازين الانتشار " والتموقع " والربح " وتغطية تكاليف " السحب والطباعة، وأجور " العمال  والمتعاملين

 

العارض لهذه الأكوام من الصحف كان يبيع " الفول السوداني" سابقا، والمقبل على هذه الأكوام من الصحف يوميا كان وما يفتأ يتعامل ويقتني مادة من هنا وهناك .

 

على ضفة أخرى، هناك من يحاول ' أن يفتك أبجديات " الطرح السياسي، وهناك من " صنع هذه الأبجديات "، وهو قارئ لها، مستقرئ لها، والكل العام والخاص في فلك " القراءات " يدور، وهناك من " مل الخطاب السياسي، وهناك من لا يفرق بين الخطاب السياسي / الخدمة العمومية والخاصة، والخطاب التوجيهي في حكم السلطة الرابعة، وهناك من لا يدرك أبجديات الخطابين، وهناك من " كفّر " عن " ذنوبه " في " قولبة " خطابه السياسي والتوجيهي، وهناك بالمقابل من أضحى ضفدعا ينعق قرب الوحل في بركة جامدة، وكل هذا في مملكة السلطة الرابعة، غير أن الجميع، على اختلاف رؤاهم ومشاربهم، وسلمهم الاجتماعي، يدركون أن الخطاب الإعلامي أمر جدير بالتمييز، ومن حق كل متلق، ويبقى فقط أن " يقولب " – مرحليا - الخطاب – في بوتقة الشعور بأن المسؤولية الإعلامية أكثر من كل المسؤوليات الدائرة على وجه الأرض، ويجب أن تكون في قفة العامل الفارغة، وفي مطبخ السيدة بالبيت، وفي مكامن انشغالا ت  المواطن اليومية على جميع الأصعدة، وفي تطلعات المواطن العربي، وبهذا تكون حقا مشروعا حضاريا يأتم معنى الكلمة، وفي تفكير الذي يتوخى " خبرا صادقا " حتى لا نسمع هذه الكلمة " الجرائد تكذب " () وفي تفكير و" عقل " الذي استبدل القراءة بلعب " الورق " والذي " جٌبل "سابقا قبل القراءة – بالنميمة - والذي لم يكن يعرف بأن التعددية الإعلامية هي إبراز الخفايا، و" إعطاء " المواطن " حقه في الإعلام بعيدا عن " السفسطة " و" الإثارة " واستجلاء الحقائق و إظهار القناعات وتسويق الخرافات إلى أماكن أخرى، وأن التعددية والديمقراطية، هي الديمقراطية وهي التعديدية بجميع المواصفات، إن مع كل هذا يبقى إعلامنا في هذه المرحلة نميمة بنمط حضاري، فلنبارك، جميعا للنميمة الحضارية، ولنبارك للقراءات (مهما كانت) وللقناعات أيضا مهما كانت، غير أننا لا سنثني أنفسنا من هذه القناعة المهمة :

 

أن الوطن العربي  جذعه في الأرض وفرعه في السماء .. ومهما اختلفت الرؤى والطروحات ومفهومنا وفهمنا للديمقراطية والتعددية، فالأصل أهلا .. والوطن أهلا وسهلا، فإن تعطيني كل الدنيا، فلن أعطيك وطني، قمة الصفح في قمة الاختلاف، إن تقايضني بعشقي لوطني، أُشهر عدائي وسيفي فيك ..وإن منحتني صفحك، أهديك بِري وكسرتي، أغلى ما أملك . أقول هذا لفرسان الإعلام في عيدهم، وتحية إكبار لبعض العناوين التي تشق طريقها نحو الاتزان، فهناك عناوين أدركت " المعادلة " بكل مقاييسها، وهي تقدم على مدار هذه الحقبة إعلاما نزيها وموضوعيا .، فتحية تقدير لها

 

بقلم / أحمد ختّاوي / إعلامي متقاعد

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1393 الثلاثاء 04/05/2010)

 

 

في المثقف اليوم