تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

الإخوان المسلمين: الوجه الآخر للشيعة

المهم أن الجوهر واحد، ألا وهو الحركية السياسية التي تتخذ من الدين الإسلامي ومن رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم منطلقاً لها في محاججة المخالفين لها فكراً وتعبيراً، من خلال الادعاء أن الإسلام الذي تتحرك على أرضيته هو دولة قائمة بحد ذاتها سواء في المدينة المنورة بالنسبة للإخوان أو في الكوفة بالنسبة للشيعة السياسية .

على أن الإشكالية ليست محصورة في هذا المجال، فالمدينة التي شيدت في عهد النبي محمد (ص) شيدت مثلها كذلك في عهد الأنبياء الآخرين، والغريب أنها لم تشيد الآن في عهد مَن يدعون أنهم على خطه ونهجه، فأين المدنية التي يدعي الإخوان والشيعة بناءها ؟.

أما الحركية التي تعني تركيب الدين على سكة السياسة المتموجة والمتغيرة بشكل دراماتيكي، مثلما سبق وحصل في عهد المعتزلة، فهو أسلوب يقارب ما حصل في أوروبا المظلمة قهراً وقسراً، رغم الفصل الظاهر بين سلطة البابا الروحية وسلطة الملك الزمنية، لكنها عند الإخوان مندمجة في أن معاً، وهذا يستحيل في عقيدة الإسلام الذي هو غير المسيحية، فالعصور المظلمة انتهت إلى غير رجعة بعد أن ساد عصر الصناعة، والاستخفاف بالعقول والضحك على الذقون ولى زمانه في عصر الفضاءات المفتوحة والقرية الكونية الصغيرة، وهذا لا يعني رضوخاً أو إقراراً لواقع الحدود السياسية التي أقرتها معاهدة فرساي 1919، لكنه إقرار من أوروبا نفسها أن مقولة استعادة ملك السيد المسيح الذي كانت تجيش الجيوش باسمه، انتهى عند سعي كل دولة نحو مصالحها السياسية والاقتصادية .

فلماذا يتوهم الإخوان بعودة الخلافة الإسلامية كما يتوهم الشيعة السياسية في التأسيس لولاية الفقيه ويكفرون كل مَن لا يؤمن بها، والسؤال هنا هل كان الخلفاء – باستثناء الخلفاء الراشدين – صلحاء أم طلحاء في أمرهم إلى الحد الذي انهارت فيه الأندلس وغيرها بفعل خلافات ضيقة وصراعات متوالية على العرش ؟ من دون أن ننسى ولاية الفاطميين والحمدانيين، رغم كل المظاهر الحضارية التي رافقت مسيرتهم لكنها لا تتعدى سوى النذر اليسير مما ساد في عهد الراشدين الذين من بعدهم تكاثر ربان السفينة .

فهل أصبح محرماً مجرد التفكير في تأسيس دولة مدنية حديثة ومعاصرة يتساوى فيها الجميع أمام سلطة القانون والقضاء المدني، ربما مجرد التفكير في ذلك يعني الكفر والشرك والعمالة للغرب ولإسرائيل .

حركية الإخوان تكمن في كل أفعالهم وأقوالهم التي يستندون فيها إلى أحاديث الرسول الكريم وسيرته الشريفة، وكأنهم يريدون القول إن ثوبهم من ثوب الرسول العربي، وبالتالي فأي تدنيس لثوب الإخوان من خلال النقد والاختلاف في الرأي، ما هو إلا تدنيساً لثوب الرسول، وحاشى أن يقبل أي عربي أو مسلم بهذا المنطق السقيم الذي يرى نفسه من الداخل من دون أن يراها من الخارج، وهنا تكمن المصيبة، عندما يتماهى الإخوان بصفات الرسول كما يتماهى الشيعة السياسية بصفات سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومن رحم هذا التماهي يولد تقاطع المصالح الدنيوية، بين حركية الإخوان الممثلة في حماس وحركية الشيعة السياسية الممثلة بحزب الله والتي تقودها عمائم طهران ومن لف لفها .

ولعل بيان الإخوان المسلمين في سورية وغيرها، إبان الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ليس بخاف على أحد، والأمّر والادهى من ذلك أن يمد إخوان سورية يدهم من خلال بيانهم المبهم إلى يد النظام السوري، وكأن دماء الأبرياء الذين لا علاقة لهم لا في الإخوان ولا في السياسة، ذهبت هدراً، أو تنازل عنها الإخوان لقاء مصالحهم المستقبلية، وأحلامهم الواهية التي لازالت تدعي أن الحل يكمن في الإسلام .

قد يحاجج بعض الاخوانيين من باب سد الذرائع، أن الرسول (ص) مد يده أيضاً من خلال صلح الحديبية إلى ألد أعدائه في بداية عصر الدعوة، فما المانع من أن يمد الإخوان يدهم إلى النظام السوري؟ المانع كما أسلفنا هو في مماهة الإخوان لشخص الرسول الذي هو بشر لكنه ليس ككل البشر، وظروف عصره تختلف عن ظروف ما سبقه وما لحقه، فلا تجوز المقارنة بين فترتين زمنيتين يفصل بينهما عشرات القرون .

وليت الأمر ينحصر في هذه الزاوية الحادة، بل ينفرج ليصل إلى حد مد اليد علناً لأجرم رموز النظام السوري الجنرال رفعت الأسد، فبعض الاخوانيين القدامى الذين يعلنون استقلاليتهم عن مرجيعة القيادة اليوم، تماما كما يفعل المفاوض السوري المستقل عن النظام  إبراهيم سليمان، يحاولون وصل الجسور وفتح القنوات مع رفعت الأسد لسبب وغير سبب، فهل هذه هي الحركية الاخوانية المستجدة، وهل هذه هي براغماتيتهم التي استفاقت مؤخرا على اتصالات عضوهم المستقل مؤمن محمد نديم كويفاتية مع جزار مدينة حماة وحلب ولا ننسى ضحايا سجن تدمر، الجنرال رفعت الأسد ؟.

وإذا ما سألنا عن سبب الاتصال، ولا ندري ما إذا كان هنالك لقاء صامت مع نجل الجنرال سومر الأسد، فالجواب هو للتنسيق الجيد لمرحلة ما بعد سقوط النظام، أو للتفاهم حول بعض النقاط العالقة، والذريعة الجاهزة أن بين اللبنانيين بحور من الدماء فها هم اليوم ينتصرون لبلدهم ويتوافقون فيما بينهم، كما أن الفلسطينيين يتفاهمون بل يفاوضون عدوهم إسرائيل، لكن تفاوض الفلسطينيين تحت عيون المجتمع الدولي حفاظاً على الكيان الوطني وليس لأجل ضمان كرسي أو حقيبة وزارية أو للدهس على دماء الأبرياء، وقد لا نتفاجئ أن تحذو حماس حذو إخوانها في سورية، وتفتح قنوات التفاوض مع إسرائيل في العلن مثلما هو الحال في السر.

إن لعب الإخوان في السر والعلن، يستدعي الكشف عن تفاصيل اللعبة السياسية، فليكن اللعب مكشوفاً، حتى لو كان باسم الإسلام الحنيف، غير ذلك لا يعني سوى باطنية صماء تبطن غير ما تظهر وتفعل غير ما تقول، تتشارك فيها كل حركات الاسلام السياسي بطابع الدهاء .

كاتب عربي

[email protected]

   

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1083  الجمعة 19/06/2009)

 

 

في المثقف اليوم