أقلام حرة

ها هي ذي انتخابات إيران، فأرونا انتخاباتكم؟! .. عيون غير بريئة على الانتخابات الإيرانية

في الخارج تجري ضد مصالحهم . وهناك صغار لا يوزنون في ميزان الديمقراطيات يكفرون بالانتخابات في بلدانهم بينما يمجدونها في الخارج وينخرطون في التفلسف على أصحابها ويتأستذون عليها في الخارج. هذا حال أكبر الديمقراطيات : أمريكا وفرنسا حيال الانتخابات الإيرانية . وذاك حال دولة قصارى ما بلغته في القرن الواحد والعشرين أن فتحت كوة لنصف انتخابات بلدية أجرتها كما لو كانت حدثا كونيا. ويكفي أننا لا نذكر إسمها لأنها لم تنضج بعد لتتحمل بروح رياضية سماع صوت النقد لرجعيتها السياسية كما تفعل إزاء غيرها. حكاية عن مراهقة سياسية ونزعة قبلية جاهلية ومكابرة نحوية مفادها: بائي تجر وباؤك لا تجر.

أحيانا يبدو لي أن الإيرانيين يمارسون الديمقراطية بجدية الأطفال حينما يعشقون لعبتهم بحيوية يحسدهم عليها الكبار ويمضون بها إلى أبعد الحدود. وأحيانا تبدو لي الديمقراطية الإيرانية أشبه بمصنوع الزمزم كولا الذي ثقب سر المهنة الأمريكية وخرق أسطورة الكوكا كولا بسحر الصناعة والتحدي تماما كما فعل وهو يرمي عنان السماء بقمره الصناعي ويتفوق في باقي منجزاته بما فيها الصناعة النووية. ما يجعلنا نحترم الموقف الإيراني مهما بدت لغيرنا أخطاؤه التي ليست هي مصدر هذه الحملة ـ لأن الموقف الإيراني يحرج الموقف العربي حيال جملة من القضايا ويبرز ضعفه جدا ـ، أنهم أمة حية تسقط وتقوم وتصر على النهوض وعلى التحدي وتجتهد بإمكاناتها المتواضعة للارتقاء بوضعها الى مصاف الكبار. ومن هنا أعتبر ما يقال في إيران حقا أو باطلا هو درس لإيران لتستفيد منه في تكميل مسيرتها التنموية والإصلاحية . وربما ليس غريبا أن إيران ستكون مستقبلا أكثر إحراجا للموقف العربي من موقع تنميتها الاقتصادية والسياسية وليس فقط من موقع مواقفها إزاء القضية الفلسطينية. وهو ما يجعلنا نتقزز من مواقف عربية كثيرة ماتت فيها السياسة وتريّع فيها الاقتصاد وذلت فيها الشعوب والأوطان، ولم تعد تملك قرارا حقيقيا ولا إرادة سياسية للتقدم والنمو. وهذه المفارقة واضحة إلى أقصى الحدود. ربما سنظل نحن العرب نستهين بكل منجز إيراني حتى لو اعترف بها الغرب قوة عظمى، لأننا نعيش إيران افتراضية وليس إيران التي تشاركنا الجغرافيا والتاريخ على الأرض. ولأننا نقرأ التقدم والنمو والتطور قراءة خارج شروط التحدي والمناورة وطلب الاستقواء والاستقلال والسيادة على الثروة القومية والقرار القومي. إيران تجدد الثقة في رئيسها السابق، فما وجه الغرابة؟!

اذا كان ولا بد أن ندرك أهمية حجم المؤيدين للمرشح موسوي، فهذا لن يحجب حجم التأييد لمحمود أحمدي نجاد الذي لم يكن هو نفسه يتوقع كيف ستنهمر كل هذه الجماهير الفقيرة لمنحه فرصة جديدة لاستكمال مسيرة تعزيز إمكانات ايران الدفاعية والعلمية على الصعيدين الإقليمي والدولي في تكامل مع مشاريع النهوض بالوضع الاقتصادي والاجتماعي في ايران.

هناك بعض وسائل الاعلام العربي التي لم تعد تخجل من نفسها وهي تمارس الأستاذية على الديمقراطية الايرانية التي تفصلها عنها عشرات القرون أو أزيد. ينطلق هذا الاعلام الغوغائي من مواقع لم تعرف ولم تعد تحلم بواقع انتخابي على صعيد البلديات ومجلس النواب، فكيف بالانتخابات الرئاسية. واذا كانت الكثير من الدول الغربية تتحدث عن قلق وربما عن التزوير بطريقة تحمل من التفاهة والكراهية كما فعل ابن الغجرية ساركوزي، فإن الديمقراطية الإيرانية بغض النظر عن الشروط والقيود التي بها كانت ديمقراطية إيرانية وليس ديمقراطية عربية لم تولد بعد لندرك هل هي مشوهة أم لا، هي واحة ديمقراطية في صحراء قاحلة من السياسة. وقد كان لا بد للأقزام السياسيين أن لا يدخلوا بين الغرب وإيران، لأن ليس لهم مكانة ولا مصداقية في أن يحكموا على الانتخابات الإيرانية وهم لا زالوا في الطور السياسي الأدنى لم يدركوا بعد شيئا من الآداب السلطانية.

هناك إذن كائنات غير انتخابية، رشحت نفسها اليوم لانتقاد الانتخابات الإيرانية بوقاحة. بعض منها ظن أن الأمر أشبه ما يكون بلبان. فلما قصر المال عن العبث بالانتخابات الإيرانية، وحينما عجزت قوى العبث الإقليمي والتدخل الخارجي على أن تمسخ الانتخابات الإيرانية، تشبثوا بالتشكيك والقلق والاتهام. وتلك هي حيلة العاجز. هناك سؤال بسيط لعله أبسط من المطالب الديمقراطية نفسها . هل إن معيار الديمقراطية هو أن تأتيك برجل تتناسب سياسته مع السياسة الأمريكية جبرا، ولا تأتي برئيس مصصم على الاستمرار في مشروع النهوض بإيران القوية إقليميا ودوليا بما لا يتماشى مع إرادة الغرب ؟!

ماذا لو نجح موسوي؟ ثم ماذا لو حصلت انعطافات في السياسة الدولية فرضت على موسوي أن يتخذ مواقف أكثر صرامة من أحمدي نجاد حيال القضايا نفسها ؟؟ من المخول لأن ينتخب الرئيس الايراني : الشعب الايراني أم صحافة عرب الاعتدال الذين يسمعون عن الانتخابات دون أن يذوقوا عسيلتها.

دخلت إيران دورة جديدة من الانتخابات الرئاسية. جميع المرشحين لم يكونوا على يقين من النتيجة التي ستسفر عنها عملية فرز الأصوات. وهذا هو التعريف الموضوعي للانتخابات الديمقراطية. ربما كان موسوي هو الأكثر يقينا من الجميع، وذلك بناء على مؤشرات غير موضوعية، قادته وأنصاره إلى خطأين: الأول في تقدير طبيعة وحجم الديمغرافيا الانتخابية، حينما اعتقد كما يعتقد كل مرشح لم يسجل حضوره السياسي في المشهد منذ سنوات، أن الضوضاء الذي تحدثه شعارات أقلية في شمال طهران يمثل كل الديمغرافيا الناخبة بما في ذلك عموم المدن والقرى ومن في الفقر ومن تحت الفقر. استقراء المزاج السياسي لهذه الشريحة يدفع بالوقوع في حسابات مضللة حتى وإن كانت نوعية الأطر الفاعلة في جبهة موسوي أكثر حضورا وكلاما وصياغة للشعارات . وفي ظني يجب أن لا نبني الموقف على أساس الشعارات الانتخابية. فإذا كانت ذريعة أنصار موسوي تعتبر شعارات أنصار نجاد مجرد خيالات وأساطير وتوظيف انتخابي فإن الأمر نفسه، حيث مجمل الشعارات التي وظفتها الماكينة الانتخابية لموسوي وكروبي تتسم بالخيال والأسطورية والتوظيف. والمسألة الثانية حينما تم توظيف شعارات تسيل لعاب الخارج في محاولة للاستقواء بالمناخات التي قد يوفرها الضغط الخارجي والتأثير الإعلامي، وهي طريقة تنتمي الى اللعبة الانتخابية بامتياز لكنها لا أخلاقية حينما يراد بها الاستقواء على مرشح منافس كنجاد استند الى إرادة الشعب وتوكل على الله. وظنّي أن نجاد هزم الجميع لأنه لم يستند إلى أي قوة خارجية ولا على أحلام شريحة تحاول أن تعمم خياراتها على خيارات أغلبية صامتة ربما لا تنطق إلاّ في الملمات. فقد راهن على إرادة الأمة الإيرانية وليس غزل الخارج. كما اعتمد على الفقراء والمستضعفين في إيران وليس على الأغنياء. هذان في تقديري خطآن سياسيان وقع فيهما المنافس الأبرز لأحمدي نجاد، طبعهما سوء فهم وتقدير لامتدادات الرأي الإيراني وحرارة المزاج السياسي الإيراني. فهل نعتبرها فشل في اختبار درجة هذه الحرارة؟

هكذا وجدنا الحديث عن مطالب تدعوا إلى كفّ إيران دعم قوى المقاومة في لبنان وفلسطين وحثها على نهج سياسة غير ممانعة وتبديل الأحلاف . بتعبير صحيح هم يريدون دورا إيرانيا صغيرا لا يليق بحجمها اللإقليمي الذي يخولها إياه حجمها الجغرافي ومكتسباتها التاريخية. لقد حاولوا المراهنة على شعارات هي في الحقيقة تضعفها إقليميا ودوليا. ولا يدرك هؤلاء أنه إن كان شيئا منع حتى الآن من قرار نهائي لتدخل عسكري ضد إيران سواء من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة الأمريكية هو شعبيتها وسمعتها وأوراقها وحظورها الإقليمي الذي مكنها من أوراق لن تعوضها إياها بضعة شعارات معسولة ومغرية للغفل والحالمين تصدر من بعض السياسيين . لقد تابعت كل الكلام والشعارات التي نطق بها المرشحون أثناء المواجهات العلنية. والغريب أن المرشحين تواطؤوا في برنامج افتراضي يتحدث عن إصلاحات توحي بأنهم يملكون وصفة سحرية لحل الملفات المعقدة والعالقة في إيران سواء في الداخل أوالخارج. وفي تقديري كل هؤلاء الذين تحدثوا عن مستقبل مخملي إيراني حالم ـ كما لو كانوا يملكون فك العزلة عن إيران لمجرد دغدغة الخارج بشعارات استجلبوها من المعجم الفاسد لعرب الاعتدال و 14 آذار وبيع الكلام للشارع الإيراني ـ لن يكونوا أفضل حال من السيد خاتمي ولا يملكون طموحه ولا إرادته ولا ثقافته ولا سمعته الدولية لتنفيذ تلك الأحلام. لقد استطاع خاتمي أن يحصد بكل سياساته الكثير من الابتسامات والمجاملات وربما التهاني والدروع التذكارية، لكنه لم يخرج إيران من الحصار الذي فرضته أمريكا. لم تستطع سنوات رئاسة السيد خاتمي أن تزحزح قانون أماتو ـ كيندي الموجه ضد إيران وليبيا منذ 1996. ولا هي نجحت في حلّ مشكلة الأرصدة المجمدة ولا حتى التفكير في تغيير اللهجة ضد إيران. ولنحسب للسيد نجاد أنه بفضل صمود سياسته ضد سياسة الاحتواء جعل الولايات المتحدة لأول مرة منذ الثورة الإيرانية تعترف بخطيئتها في التدخل لتغيير حكومة مصدق كما اعترفت بتاريخ إيران المميز وفتح الطريق نحو علاقة يسودها الاحترام. هذا بالتأكيد ليس رغبة أمريكية ناتجة عن يقظة ضمير وبالتأكيد ليس نتاجا لسياسة السيد خاتمي، بل هي منجز سياسي للسيد نجاد.

وحتى الآن ليس من الخطأ الطعن في توجهات السيد موسوي ولا في مصداقية مشروعه وهو ابن بار لتلك الثورة . ولا أحسب أن السيد موسوي كان علم مسبق بما يمكن أن تؤدي إليه الاحتجاجات العفوية ضد نتائج الانتخابات التي بدا لي أنهم لم يتقبلوا الهزيمة بروح رياضية. وقد تعاطت القيادة الإيرانية بذوق ديمقراطي رفيع حينما قبلت بطعون السيد موسوي وأحالتها على مجلس صيانة الدستور للبث فيها وإن اقتضى الحال إعادة فرز الأصوات في الدوائر المختلف حولها. لو لا أن لعبة تحريك الشارع ليست دائما معافات من انزلاقات غوغائية كالتي حصلت في ايران وتجاوزت من خلال شعاراتها وتعبيراتها وسلوكها مجرد الاحتجاج الانتخابي. فهذا المشهد على مأساويته يعبر عن أن الشارع الإيراني يعبر ويمارس الديمقراطية بجدية لا بالهزل . وهو جدل سيمنح ايران قوة إضافية إذا استطاعت القوى المتنافسة أن تدرك حدود قوتها وقوة منافسيها. فالمطلوب اليوم من الرئيس نجاد أن يستحضر في اهتمامه وفي سياساته هذه المعطيات الجديدة التي عبر عنها خصومه بوصفها معطيات ضرورية للمضي بإيران إلى مواقع متقدمة تسعى لإرضاء الأطراف قدر الإمكان، ما دام السيد نجاد أمسى رئيسا للجميع بمن فيهم أنصار منافسه موسوي؟

40 مليون ناخب إيراني يتوجهون إلى صناديق الاقتراع. وحجم التأييد بين المتنافسين الأكثر قوة في هذه الانتخابات ـ نجاد وموسوي ـ تعد بالملايين. أمر مذهل لم تشهده فرنسا ساركوزي وهو ينفخ حنكه على الطريقة الفرنسية للتشكيك في نزاهة الانتخابات الإيرانية. وإذن لو كانت الحالة الغوغائية تدل على انهيار النظم لكانت الأحداث التي عصفت بفرنسا أفضل مثال على ضرورة سقوط هذ النظام. الملايين الناخبة التي عبرت عن رأيها في جو انتخابي مسؤول سادته اعترافات ومواجهات تلفزيونية علنية، سابقة في تاريخ ديمقراطيات العالم الثالث وليس العربي فقط حيث لا مجال للمقارنة. ما حدث في إيران، حوادث عابرة تعبر عن نجاح وتطور الديمقراطية الإيرانية وليس عن أزمة كما تحب صحف عرب الاعتدال أن تتحدث عنه وهي التي لم تعرف يوما حكاية إسمها الانتخابات. وطبيعي أن تعتبر مثل هذه الصحف أي احتجاج تعبيري في الشوارع كارثة لأنها تقط نموذجها الفاسد على المجتمع الإيراني الذي تفوق عليها في ديمقراطيته. فالاحتجاجات في شوارع هذه الدول تستدعي حالة الطوارئ التي لم تعلنها إيران بالصورة التي عودتنا عليها تلك النظم العربية. وأنا شخصيا كعربي أحس بالكثير من الخجل والتقزز إزاء هذه الوقاحة لصحافة الاعتدال العربي وهي تتحدث عن زيف الانتخابات الايرانية كما لو كانوا يعون ما يقولون وكما لو كانوا يتحدثون من عواصم إحدى الدول السكاندينافية. لقد قدمت ايران مهرجانا انتخابيا فريدا في المنطقة. فما يزعمه هؤلاء الموتورون من أن المرشحين تفاضحوا وعيّر بعضهم بعضا، يؤكد على غباء القراءة للمشهد، حيث التفاضح هو ما يضفي النكهة الأخيرة على الديمقراطية الناجحة. الغرب نفسه يدرك أهمية هذه الانتخابات. وهو وحده المتمرس على الديمقراطية يدرك ما معنى خروج الأربعين مليون ناخب الى صناديق الاقتراع وأهمية هذه الحيوية السياسية التي تجتاح إيران. فالشعوب المحبطة تتميز بالعزوف عن السياسة . وهذا الحجم من الناخبين في ايران يؤكد أن المشهد السياسي الإيراني أكثر حيوية مما يجري في الدول الأوربية نفسها. وقد بدا واضحا أنه من الآن فصاعدا وجب أن نتحدث عن مقارنات بين إيران والغرب من دون استحضار النموذج السيء: العرب. وربما سيأتي الوقت الذي يعترف الغربيون بحيوية المشهد السياسي الايراني كما فعل أوباما وهو يعترف بالتاريخ الإيراني المجيد. حسابات الغرب هي أبعد من أنف العرب. والذائقة الديمقراطية الغربية قد تكون في المكان المناسب لإصدار أحكام القيمة على الديمقراطية الإيرانية، لكن ما بال العرب، وهم إييـــه؟؟؟

كل المؤشرات تؤكد على أن ما حصل في إيران عشية الانتخابات الرئاسية، هو تطور على صعيد الديمقراطية الإيرانية. وليس أمرا غريبا أن يتحدث الإيرانيون عن صيغتهم الديمقراطية طالما هناك من يتحدث عن الصيغة الأمريكية بعنوان: الديمقراطية الأمريكية. على الأقل إن الرئيس في إيران له قدرة على التأثير في السياسات في ظل نفوذ ولاية الفقيه أكثر مما يملك الرئيس الأمريكي في ظل هيمنة الكونغريس واللوبيات . ويبدو هذا التطور بارزا لأول مرة في تاريخ ايران ما بعد الثورة في حجم المشاركة وحجم الناخبين الذين تقاطروا على صناديق الاقتراع في جو مفعم بالحيوية والأمل والأخلاق الانتخابية.

يجب أن ندرك بأن إيران تتطور وهي تحس بالحاجة إلى ذلك في حدود ما يتطلبه فعل التطور خارج سياسات الإيقاع بالسيادة والاستقلال الإيرانيين الذين يعتبران عماد الثورة الإيرانية. وهم في هذا السياق اهتموا بتفعيل السياسة الانتخابية وتمتين قواعدها الأخلاقية في العهد الأول من رئاسة محمود أحمدي نجاد. وقد تشرفت شخصيا قبل سنة بتقديم محاضرة في إحدى الأكاديميات الإيرانية بدعوة من اللجنة الأخلاقية لهذه الأكاديمية التي تولت الأشغال التحضيرية لإصدار الميثاق الأخلاقي للانتخابات. وقد بدا لي يومها أن إيران مهتمة بالخطر الذي يمكن أن يأتي من بعض الانزلاقات في الممارسة الانتخابية بما يوفر ثقوبا مناسبة لتسلل مشاريع ربما قد لا يعيها أولئك الذين لم يسيطروا على انفعالاتهم عند سماع نتائج الانتخابات الأخيرة. لم أكن يومها قد أدركت تماما سر إصدار الميثاق الأخلاقي للانتخابات داخل جمهورية إسلامية، يتم فيها غربلة المرشحين من خلال مؤسسات دقيقة التشخيص والمعايرة كمجلس خبركان . اليوم فقط أدركت أبعاد وأهمية إصدار مثل هذا الميثاق. وهو ما يؤكد أن خيار الأخلاق السياسية حاضرة إلى جانب قانون الانتخابات حرصا على سلامة الماكينات الانتخابية داخل الجمهورية الاسلامية وسلوك المرشحين والناخبين.

ما كان لا بد من الوقوف عنده هو أن لغة التهييج والاحتجاج في الشارع في مثل هذه الظروف ومع احتمال وقوع انزلاقات في الشارع في ظرفية من التحدي كبيرة، هو أن هذا الشارع لا يزال في حيازة الرئيس محمود أحمدي نجاد . فالاعلام الذي فضل استعمال الـ "zoom" وهو يضخّم من حركة الاحتجاج التي بلغت حد الاستغلال من قبل بعض الشراذم التي أعطت انطباعا على نزعتها الاصلاحية وهي تخرب الممتلكات العامة والخاصة، يحاول إظهار الشارع الإيراني كما لو أنه أصبح في قبضة هؤلاء. وهو لا يخفى أن أنصار الرئيس المنتخب لو سمح لهم بالتواجد في الشارع ومواجهة شارع الاحتجاج لوقعت فوضى عارمة.

ولعله من المغالطات التي يسعى أصحابها لاستحمار الرأي العربي، هو الوقوف إلى جانب موسوي بوصفه نسخة من 14 آذار اللبنانية. وهكذا جعلوا منه جبهة انتخابية ليس في مواجهة جبهة نجاد بل جبهة ضد النظام برمته. وهو ما يفسر التدخل العربي السافر لقوى الاعتدال العربي في الشأن الايراني. وقد غاب عن هؤلاء أن مير حسين موسوي هو ابن الثورة الايرانية وأحد أركانها . وقد تولى الرئاسة فيها في أحلك الظروف طيلة تسعينيات القرن المنصرم . فالموسوي يحمل وجهة نظر سياسية قد تختلف عن نهج نجاد السياسي . لكن هذا لا يعني أنه ضد النظام ويترجم كل الأحلام التعيسة لعرب الاعتدال الذين يتمنون أن يصبحوا يوما وقد اختفت ايران من الخريطة. وقد بدا أن عرب الاعتدال لا يرفضون الوصاية والتدخل والهيمنة الأمريكية على المنطقة وإنما يمانعون من أن يعترف لايران بهذا الدور. أي هم يؤاخذون الولايات المتحدة الأمريكية على انفتاحها على إيران ومحاولة إشراكها في القرار الإقليمي. هم ضد التوافق الأميركي ـ الإيراني . لذا وجب على أمريكا أن تباشر هيمنتها على قرار المنطقة مباشرة . بتعبير أوضح : إنهم يعبرون عن ضعفهم وعجزهم وإفلاسهم السياسي والحضاري الذي يفجرونه اليوم ضد ايران في صورة تغليط وحملات الإساءة. لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل يفكر العرب في خطوط العودة وهم يطلقون العنان لهذه المهزلة الكلامية التي بات يستحيي منها الأبالسة. أم أنه في السياسة لا حرج على موتور. وإذن إن كانت لا ترضيكم ديمقراطية إيران في ظل ولاية الفقيه الإيرانية يا حكماء العرب فأرونا ديمقراطيتكم في ظل ليبراليتكم الجديدة ولو حملتموها على جمالكم المصفحة وعفرتموها بالغبار... لن نقول أكثر من هذا الكلام.

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1083  الجمعة 19/06/2009)

 

 

في المثقف اليوم