أقلام حرة

الخروج من عنق الزجاجة العراقية

 يظهر من كل ذلك ان بعض الفئات السياسية ان لم نقل كلها اي كل اطياف الشعب العراقي تقريبا تكابد احساسات عميقة بالقلق حول مستقبلها ودورها وموقعها في خريطة العراق السياسية الحالية و المستقبلية . فبعض الفئات مثلا ترى انها همشت خلال كل تاريخ العراق الحديث ولا تريد ان تهمش مستقبلا ايضا وبعض الفئات ترى انها ظلمت وهضمت حقوقها ولا تريد ان يتكرر ذلك وبعض الفئات ترى انها مهمشة الان وقد تهمش مستقبلا . ولكي نكون صريحين اكثر ونسمي الاشياء بأسماءها حتى تكون واضحة وحتى لا نعود لمنطق الغموض والابهام الذي كان سائدا في الماضي فان الامور بالنسبة للطوائف العراقية تجري على الشكل التالي:

 

 اولا. الشيعة- يرى الشيعة انه جرى اقصائهم طوال تاريخ العراق الحديث مع ان دورهم كان مشهودا في تاسيس الدولة العراقية الحديثة لذلك فانهم لا يريدون ان يتكرر ذلك مرة اخرى . وهذه حقيقة ثابتة . فقد دابت الانظمة المتعاقبة منذ تاسيس العراق الحديث على استبعاد الشيعة عن الحكم بشكل او بآخر بل محاربتهم احيانا وما هذا الذي جرى في عهد صدام سوى تتويج لمراحل سابقة . فعلى سبيل المثال لم يكن هنالك وزير دفاع شيعي او رئيس اركان جيش شيعي او مدير استخبارات او مخابرات شيعي ......الخ

 

 مع ان الاغلبية المطلقة من افراد الجيش وضباط الصف هم من الشيعة ونحن نذكر المناصب العسكرية فقط لانها المعيار الذي يحدد النظرة الرسمية للدولة والى صدق هوية المواطن وعمق علاقته بتربة الوطن ومدى الثقة به . بل ان من يمنح الشيعي( شهادة جنسية) التي تثبت كونه ابن هذه الارض لم يكن شيعيا في اي وقت ولا نريد ان نتطرق الى المناصب الاخرى الاكبر في السلم الوظيفي والتي معروف وضع الشيعة فيها حيث انه ليس افضل من وضعهم في الجيش .

 

 ليس هذا فقط بل منع الشيعة من طبع كتب ائمتهم والكتب التي تتحدث عن حياتهم وماثرهم وضعت كتب الفقه الشيعي واي كتاب يتحدث عن تاريخ الشيعة مع انه جزء اساس ومهم من التاريخ الاسلامي . وكان الشيعي متهما دائما بانه اما (شعوبي) او (تبعية) او (عجمي) الخ، اضافة الى القاب الاحتقار التي كانت تطلق على شرائح واسعة من الشيعة . بل ان صدام عيرهم باسماءهم لان بعضهم يسمى (عبد الزهرة) او (عبد السادة) . لقد ولد ذلك جرحا عميقا غائرا في اعماق وجدان المواطن الشيعي وجعله يشعر انه مواطن من الدرجة الثانية لذلك فانه يحس بالخوف مما يخبئه له القدر من دور . ويريد ان يتاكد من ان تلك العهود لن تعود في مستقبل الايام . فالشيعة يسعون الى اثبات انهم فئة كبيرة من الشعب العراقي لها ثقل ولها وزن كبير في ماضيه او في مستقبله يتناسب مع حجمها الحقيقي .

 

 ثانيا. الاكراد- منذ تاسيس الدولة العراقية في العشرينات والحملات العسكرية مستمرة على الاكراد . وكانت مستمرة ايضا في الثلاثينات ثم في الاربعينات ثم في الستينات والسبعينات الخ حتى غدت اساليب الحرب على الاكراد واساليب( الحروب الجبلية) من ضمن الدروس التي تدرس في الكليات العسكرية العراقية وفي كليات الاركان وفي الوحدات العسكرية المختلفة في العراق . فكيف لا يشعر الاكراد بالقلق على مستقبلهم وكيف لا يطلبون الضمانات المختلفة سواء كانت هذه الضمانات دستورية ام سياسية .

 

 ثالثا. السنة- يشعر السنة انهم يدفعون فاتورة اخطاء تاريخية لا ذنب لهم فيها ،فهم محسوبون على صدام حسين ومحسوبون على البعث على رغم ان الكثيرين منهم كانوا من ضحايا صدام حسين ومن ضحايا البعث. وكأنهم الوحيدون الذين شاركوا في جرائم صدام مع ان المشاركين كانوا من مختلف فئات الشعب العراقي بمن فيهم الشيعة والاكراد والتركمان والاشوريون وغيرهم ، لذلك فانهم يخشون من ان يتحولوا الى اقلية مهمشة ليس لها اي دور في مستقبل العراق .

 

 نرى ان السنوات القليلة القادمة سوف تكون فترة حاسمة في تاريخ العراق الحديث فهي التي سوف تحدد والى سنوات طويلة قادمة اوضاع العراق السياسية وتخطط خريطته الجغرافية وترسم ملامح مستقبله السياسي ودوره في المنطقة والعالم . ويخشى البعض من ان يفشل العراقيون من الخروج من عنق الزجاجة في ظل التجاذبات العنيفة مما تجعلهم يفقدون القدرة على اتخاذ القرارات السليمة . واذا كنا نتفق معهم في صعوبة الفترة القادمة فاننا نعتقد ان العراقيين يملكون من الحكمة والصبر ما يساعدهم على اجتياز المراحل الصعبة والخروج الى الفضاء الرحب .

 

 صحيح انه توجد هنالك بؤرة قد تشكل نقطة جذب شديدة لكل الركام المتخلف من الماضي البعيد او القريب والذي ربما يعمل على استحضار كل المآسي التي مرت بها الطوائف العراقية في كفاحها لاثبات وجودها ومقاومتها لعمليات الالغاء والاقصاء واغتيال الدور مما قد يضع الغاما قاتلة في مسيرة بناء الدولة ولكن من الناحية الاخرى لم تعلن اي جهة عراقية مطلقا بانها تريد ان تهيمن على الفئات الاخرى وليس في برامجها مثل هذه التوجهات وهذا وحده كاف لاثبات حسن النيات وسلامة التوجهات . اجل لقد فوجيء الكثيرون الى درجة الذهول من عودة الاغلبية الساحقة من العراقيين الى مرجعياتهم التقليدية وتركهم للتيارات السياسية المختلفة التي كانوا يعتنقون مبادئها ولكننا نعتقد ان ذلك امر طبيعي ففي المراحل الفاصلة في تاريخ الامم يعود المواطن الى جذوره الاساسية للتاكد من موقع اقدامه ومن هويته الحقيقية قبل ان يستانف المسير مجددا. كما ان ما يعصم العراق من الخطا او الزلل او العثار بالغام الطريق الصعبة وتجاوزها بنجاح مايلي:

 

1. توجد في العراق تيارات سياسية عميقة الجذور منها اليمينية او اليسارية او الليبرالية بالاضافة الى التيارت الدينية المختلفة ونعتقد انه مع استمرار الاستقرار والعودة للحياة الطبيعية وزيادة تداخل المصالح الاقتصادية والسياسية للافراد والجماعات فان هذه التيارات سوف تعود لتتداخل من جديد وتنتهي حدة الاستقطاب الحالية ويعود المجتمع العراقي مصنفا مثل كل المجتمعات المتحضرة الى تيارات فكرية وسياسية وليس طائفية او اثنية .

 

 2. الدور الذي يلعبه اسلوب الحكم اللامركزي فهذا الاسلوب من الحكم يتيح لكل لكل الفئات ممارسة الادارة المحلية وان تحكم نفسها بنفسها بعيدا عن التحكم الفوقي والمركزية الشديدة التي تمنع التنمية السياسية للمحافظات.

 

 3. العراقيون جميعا يعلنون بمناسبة او بدون مناسبة من انهم مع وحدة الصف الوطني وانهم مع العراق الواحد الموحد ولم تعلن اي جهة انها تريد الانفراد بالحكم على حساب الجهات الاخرى او الانفصال وتقسيم العراق.

 

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1084  السبت 20/06/2009)

 

 

في المثقف اليوم