أقلام حرة

العِرَاقُ وَ مِلَفُّ الصَحَوَاتِ / محمد جواد سنبه

وهي التي تتحمل نتائج تلك الصراعات بشكل رئيسي. أمّا في العراق الذي تم تحريره على الطريقة الأمريكية، فالعملية مغايرة تماماً لما حصل من صراعات في العراق، فمن سمات هذا الصراع ان الابرياء يقتلون واطراف النزاع يتفرجون على مذابح الأبرياء. وبعد ستّ سنوات من ذبح الأبرياء، لم يصدر من الحكومة العراقية أي اتهام رسمي ذو سمة قانونية يحدد جهة بعينها، غير اتهام تنظيمات القاعدة ودول الجوار. نعم تصدر تعليقات وتحليلات من هذا الطرف أو ذاك، لكن لحدّ الآن لم تتهم الحكومة العراقية بصورة رسمية أية دولة من دول الجوار، صحيح تصدر تصريحات بان الارهابيين يأتون من سوريا والسعودية واليمن وغيرها، وصحيح ايضاً وجّه اتهام الى سوريا في نيسان عام 2008 وعلى ضوئه توسطت تركيا بين الجانبين واستضافت لقاءً بين وزيري خارجية العراق وسوريا، لكن تغيّب العراق عن حضور هذا اللقاء، ولمّا سئل في حينها وزير الخارجية السوري وليد المعلم، عن السبب في عدم حضور الجانب العراقي علق متهكماً بقوله: دعونا نتمتع بالمناظر الجميلة لتركيا.

لقد اخفقت الحكومة العراقية كلياً أو جزئياً، في تفكيك بؤر الارهاب، بالرغم من تصريح مسؤولين كبار في الحكومة العراقية، ان الحرب على القاعدة يتطلب جهداً استخبارياً، هذا التصريح سمعناه من رئيس الحكومة ووزراء الدفاع والداخلية والامن الوطني، ناهيك عن التصريحات الجوفاء لمستشار الأمن القومي السابق موفق الربيعي الذي وضع (استراتيجية الأمن القومي) ولكنها بقت بضاعة دعائية غير ذات قيمة، وكلام منضد على الورق لا يسمن ولا يغني من جوع. وجدير بالذكر، ان العمل الارهابي في العراق، كان وراء اشعال فتيل الحرب الطائفية، والتي لم تتوقف إلاّ في عام 2007. من جهة ثانية لم تقدم الحكومة العراقية اي جهد ناجح في تحجيم الارهاب، حتى انها عجزت عن ذلك تماماً، (وخير شاهد التفجير الارهابي الذي حصل قرب وزارة الخارجية العراقية وماتبعه من سلسلة تفجيرات).

في عام 2006 ظهرت بوادر الصحوة في محافظة الانبار بقيادة الشهيد عبد الستار ابو ريشه، ونجحت الصحوة في الوقوف بوجه الارهاب وفي اقوى معاقله. في حينها كان الملف الأمني بيد الامريكان، فقام الجنرال باتريوس باستيعاب هذه العناصر مؤقتاً، لحين ترتيب وضع قانوني من قبل مجلس النواب السابق لسن قانون، يضمن حقوق رجال الصحوة ولكن هذا لم يحصل الى الآن مع الأسف الشديد. وهناك تساؤل كبير هو: إذا كان محاربة الارهاب يعتمد كلياً على معلومات استخبارية، فلماذا لم تستفد الحكومة من عناصر الصحوة في هذا المجال، وهم اعرف من غيرهم بالمجموعات الارهابية وتحركاتهم وخطوط امدادهم؟.

في حينها اجاب احد المسؤولين، ان رجال الصحوة لابد من اخضاعهم لعملية تمحيص دقيقة، للتأكد من عدم وجود اختراق ارهابي في صفوفهم، قبل انخراطهم في اجهزة الحكومة المختلفة. وبقت الصحوات بين اخذ ورد بينهم وبين الحكومة حول وضعهم القانوني. فقسم منهم تم تشغيلهم حسب صيغة العقود المؤقتة في الدوائر الحكومية، وما تبقى منهم بحدود مائة وعشرين الفاً يعيشون على دفعات نقدية تقدمها الحكومة لهم، وبين فترة واخرى تتعكر العلاقة بينهم وبين الحكومة، بسبب تلكؤ الحكومة بدفع مستحقاتهم المالية أو غير ذلك من الاسباب. في حين ان الحكومة قبلت في وزارة الداخلية والدفاع افراداً من الاحزاب بما يعرفون بعناصر الدمج، ومنحت الرتب العالية لبعض (المدمجين)، وحتى سلمت لهم مناصب ممتازة ايضاً.

ان الاحداث المتعاقبة تؤكد باستمرار استهداف عناصر الصحوة، حتى ان الارهابيين نجحوا في عام 2007 باستهداف الشهيد ابو ريشه وقضوا عليه، وفي يوم 18/7/2010 استشهد  46 شخصاً من عناصر الصحوة  في منطقة الرضوانية، تبع هذا الحادث بيوم واحد استهداف الشيخ علي سلمان العسافي قائد صحوة قرية العساف في منطقة الكرمة شرق مدينة الفلوجة. والسؤال المهم هل تعجز الحكومة العراقية من استيعاب 120 الف شخص، مقابل تحقيق ثلاث نواح مهمة هي:

الأولى: احتضان عناصر تزود الأجهزة الأمنية بمعلومات رصد استخباراتية عن العناصر الارهابية.

الثانية: حفظ الأمن والنظام في المناطق الساخنة عن طريق جهود هذه العناصر وبالتنسيق مع الأجهزة الأمنية.

الثالثة: ان تحقيق الأمن سيحقق الحلم المنشود في جذب الاستثمارات الى العراق، وبالتالي سيتم تعويض الحكومة ما تم صرفه من مبالغ لتشغيل عناصر الصحوات.

مما لا يقبل الشك ان الارهابيين يستخدمون تكتيكاً فائق الدقة، فحواه الاستمرار بقتل عناصر الصحوات، لغرض استعادة سيطرتهم على المناطق الهشة امنياً، الأمر الذي يضع العراق على ابواب مرحلة جديدة من اعمال العنف، وهذا الوضع ربما يستفيد منه بعض الذين لا يستطيعون البقاء إلاّ في الظروف الاستثنائية والشاذة. ان اعتماد مشروع يحتضن عناصر الصحوات (بعد التأكد من سلامة مواقفهم قانونياً)، بحاجة الى عقلية أمنية واسعة، تفهم متطلبات الواقع الأمني، وتستطيع التعامل معه بشكل عملي ناجح، وهكذا بعد نظر لا يتوفر عند السادة المسؤولين عن الملف الأمني مع الأسف الشديد.     

محمد جواد سنبه

كاتب وباحث عراقي

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1464 الاربعاء 21/07/2010)

 

في المثقف اليوم